الاثنين، 10 نوفمبر 2025

قراءة لقصيدة – بين رُكامين نبتت وردة – للأستاذ الدكتور محمد سليط 9/11/2025 بقلم الكاتب طه دخل الله عبد الرحمن

 قراءة لقصيدة – بين رُكامين نبتت وردة – للأستاذ الدكتور محمد سليط 9/11/2025

القصيدة:

هناك

بين رُكامين نبتت وردة

تزهو من جديد

شقائق النعمان

لآخر بذرة

أمرأة تلد توأم

في الخيمة المجاورة

مات توأم

الأبطال يولدون مرتين

حمزة وهمسة

يصعدون في المساء

للسماء

عند الصباح يعاودون الكرة

لا تحاول

فجرُهم آت يملئ الكون

مجرة تلو مجرة

لا تقترب أبتعد

أرضهم أرتوت بدِمائهم

هم كانوا في صبحنا

في أحلامنا أقلامنا

ولدوا من دمائهم

نحن ولدنا وخوفنا

أما أنا غداً

سأعيدُ القصيدة كلها

لأُمِها

أُمُّنا الأرض تلفُظ الوجع

غيمةً دمعةً

لكنها لا تركن للغياب

ذاكرةُ المَكان في أَضلُعها

تسكُبُ الرّبيعَ حُريةً

مِن جذرِ شجرة الزيتون

التي ما مَالت للحق

نَحنُ جِئنا الآن نطردُ الخوف

مِن قُلوبِنا نُعلنُ ميلاد الأَبطال

فينا لنسير في الطريق

حيثُ الشمسُ لا تغيب.

بقلمي محمد سليط الأردن  

*******************

القراءة:

أيَّتها القصيدةُ التي تفوقُ جمالَ الوردةِ وعطرَها، وتعلو على صخبِ الركامِ وصمتَه!

إنَّها لوحةٌ شعريةٌ تختزلُ مأساةَ الأمَّةِ وأمَلَها، تصوغُ من الألمِ أغنيةً، ومن الدَّمِ زهرةً، ومن الموتِ حياةً. تبدأُ القصيدةُ بمفارقةٍ وجوديةٍ تبهرُ الألبابَ: "بَيْنَ رُكامينِ نَبَتَّتْ وَرْدَةٌ"، فَالرَّكامُ يرمزُ للدَّمارِ والخرابِ، والوَرْدَةُ ترمزُ للحياةِ والجمالِ، في تضادٍّ فنيٍّ يخلقُ صدمةً جماليةً للمتلقي.

وتتجلى براعةُ الشاعرِ في الانتقالِ من الصورةِ الحسيةِ إلى المعنى المجردِ في قوله: "أمْرَأَةٌ تَلِدُ تَوأَمًا فِي الخَيْمَةِ المُجَاوِرَةِ.. مَاتَ تَوأَم"، فالحياةُ والموتُ يتعانقانِ في مشهدٍ دراميٍّ واحد، ليصلَ إلى الحكمةِ العميقة: "الأَبْطَالُ يُولَدُونَ مَرَّتَيْن". وهنا تبلغُ البلاغةُ ذروتَها بتحويلِ الموتِ من نهايةٍ إلى بداية.

ويحفلُ النصُّ بمحسناتٍ بديعيةٍ متنوعةٍ، منها الطباقُ بين "يَصْعَدُونَ فِي المَسَاء" و"عِنْدَ الصَّبَاحِ يُعَاوِدُونَ الكَرَّةَ"، ومنها الجناسُ بين "حَمْزَةَ وَهَمْسَةَ" حيثُ يجمعُ بين القوةِ والخفاء.

وتظهرُ بلاغةُ النداءِ في قوله: "لا تَحَاوَل" و"لا تَقْتَرِبْ أَبْتَعِدْ"، مما يخلقُ حواراً درامياً مع القارئ، ويكشفُ عن حرمةِ المكانِ الذي "أُرْتُوْتْ بِدِمَائِهِم".

ويصلُ التضادُّ إلى ذروتِه البليغةِ في المقارنةِ بين "هُمْ وُلِدُوا مِنْ دِمَائِهِم" و"نَحْنُ وُلِدْنَا وَخَوْفَنَا"، فالدَّمُ رمزُ التضحيةِ مقابلَ الخوفِ رمزُ العجز.

وتتجلى روعةُ الاستعارةِ في "أُمُّنَا الأَرْضُ تَلْفَظُ الوَجَعَ غَيْمَةً دَمْعَةً"، حيثُ تحوّلُ الأرضَ إلى كائنٍ حيٍّ يشعرُ ويبكي، لكنها "لا تَرْكَنُ لِلغِيَاب" في صورةٍ مجازيةٍ ترمزُ لرفضِ الذلِّ والهزيمة.

وتُعْتَبَرُ "شَجَرَةُ الزَّيْتُونِ الَّتِي مَا مَالَتْ لِلْحَقِّ" رمزاً مركزياً في القصيدة، تجسّدُ الثباتَ والاستقامة، وتوحي بالصمودِ والأصالة.

وينتهي النصُّ بلوحةٍ ضوئيةٍ مفعمةٍ بالأمل: "حَيْثُ الشَّمْسُ لا تَغِيبُ"، فالشمسُ هنا تستعارُ للحريةِ والخلود، في خاتمةٍ موحيةٍ تتركُ أثراً عميقاً في نفسِ القارئ.

لقد استطاعَ الشاعرُ أن ينسجَ من خيوطِ المعاناةِ لوحةً شعريةً تخلدُ الصمود، مستخدماً ترسانةً من الأساليبِ البلاغيةِ والصورِ البيانيةِ التي جعلتْ من القصيدةِ نشيداً للبطولةِ وتحيةً للحرية.

فهنيئاً لشاعرٍ نسجَ من الألمِ أملاً، ومن الظلامِ فجراً، ومن الرمادِ وردة!

طه دخل الله عبد الرحمن

البعنه == الجليل

9/11/2025  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق