ايمان بن حمادي..كاتبة تونسية متميزة تعبق بعطر الإبداع..وشذى الحرف
كل كاتب مبدع لا يتميز من بين الكتاب الآخرين إلا بالخصوصية والنوعية، وهما يرتبطان كل الارتباط بخصوصية العوالم، وبنوعية تصويغ الكتابة لهذه العوالم،من خلال طرائق السرد،والاشتغال على الحبكة القصصية،ولغة الكتابة،والأٍسلوب،والصور التعبيرية.بذلك وبغيره يصنع الكاتب القاص ما يميز كتابته القصصية عما يكتبه القُصَّاصُ الآخرون.
وهو أيضا،شأن الشعراء والروائيين وكتاب المسرحيات،بل هو شأن كل المبدعين والفنانين الذين يمهرون أعمالهم بالمظاهر المضمونية والخواص الجمالية التي توفر لأعمالهم طابعها الخاص المميز، وسماتها الخاصة،وعبقها الذي هو عبق الإبداع.
من هنا،قد لا أرمي الورود جزافا إذا قلت أن ايمان بن حمادي،ألق وأرق يقبع في عمق الكلمات،تنسج وتسبك نصوصها بلغة سلسة قريبة من العفوية المصقولة فينا،وينصب اهتمامها بايصال ما تفكر وتشعر فيه الى عقل ووجدان القارئ .
وقد لا يحيد القول عن جادة الصواب أيضا،إذا قلت إنها ترسم بحروفها عالماً فريدًا من الإبداع يجعلها بحق صاحبة نظرة وومانسية خاصة تسيطر وتطغى على نصها-كالذي بين أيدينا-ولا تتخلى عن اناقتها في كل مكونات خواطرها ونصوصها من حروف ومعان وخيال وعاطفة..
كتابات هذه المبدعة الفتية،سنابل فرح وتراتيل حب وترانيم غرام تشدو بها،وزهرات يانعة شديدة الاشعاع والبوح،ومع كل ترنيمة،وهمسة من همساتها تشتعل العواطف والاحاسيس والأفكار ..
ايمان بن حمادي،الكاتية والقاصة والسيناريست، تسكب لنا الجمال الوجودي في قالب ابداعي يغذي حاجتنا الملحة لادراك الخير والحب والجمال،تبدو لي حروفها-دون مجاملة أو محاباة-مفعمة بأريج الكلمة،ومطرزة بالبوح الشذي،تجربتها تسير في تدفق وانسيابية وتسلسل مما يمنحها ترابطًا شعوريًا يريح عين القارىء وقلب المستمع،وتتمسك بالبساطة والوضوح مع حفاظها على الرونق في التعبير.
بعض نصوصها التي اطلعت عليه،ترتقي الى مستوى الإبداع الخلاق وقدسية الكلمة..
هي صوت أدبي دافىء ينبثق من بين الحروف،كي يعبرعن الهواجس والأوجاع ومكنونات النفس .
وخلاصة القول: هذه الكاتبة الشابة ( ايمان بن حمادي ) ملهمة تمتلك قلمًا متميزًا ورؤية شاعرية لها خصوصيتها تحيكها في كلمات وسطور رقراقة عذبة..
نتابع معا هذه اللوحة الإبداعية التي نحتتها بمهارة مذهلة :
أنا كلاسيكية قديمة تقليدية في اختياراتي...صحيح أن ملامح الصغر و الشباب تغزو كل تفاصيلي الجسدية و الخلقية و صحيح أن عمري يافع لكن اختياراتي لا تتوافق و هذه السنين التي تعبر عن تاريخ تواجدي في الحياة...يوم أعلن القدر عن قدومي و عن انتمائي إلى هذا الكون و هذا العالم الإنساني...أنا منشدة إلى الأغاني التي مر عليها الدهر مروراً عابرا لكنه لم يستطع أن يمحو سحر رونقها...أغاني عبد الحليم و فيروز و فريد و صباح و أم كلثوم...أستمتع و أنا أضغي إليها بكل روح و حس فني و أنا أحتسي فنجان قهوتي...أعانق نسمات الصباح مع فيروزيات الصباح و أودع يوما مضى من حياتي و لن يعود بأم كلثوم أو عبد الحليم....مازلت أعشق أن أجلس في كنف ليالي الشتاء التي تستدعي الحنان و الدفء و أنا أشاهد أفلام مصر القديمة أفلام سعاد حسني و رشدي أباضة و غيرهما الكثير...عندما كان الحب عذريا روحيا قلبيا خالصا و حتى الجنس ما هو إلا تعبير عن هذا الحب العفيف....مازلت أعشق لباس العصر الفيكتوري ألبس عقدا يطوق جيدي أسودا منشدا إلى عنقي الأبيض الذي يجعلني أقف وقفة شامخة يتوسطه قلب أو دائرة ذهبية مرصعة مع فستان فيكتوري يغطي كامل جسدي بأناقة فاخرة....مازلت أعشق البحر و السماء و الطبيعة التي هي ملهمتي جالبة أفكاري و مبعث كلماتي الجميلة...مغرمة أنا بأوراق أشجار الخريف التي تغزوها الصفرة و هي تتساقط على جسدي و كأنها لا تتماسك أو تبتغي التحرر من قبضة الشجر عليها.....مازلت منشدة إلى كلمة أحبك نابعة من قلب نحب لا يعرف الكذب في هذه الأمور المشاعرية.. ومازلت أعشق هدية الوردة الجورية الحمراء أو الوردية من عاشق ولهان بي.لا أحب التعقيد و لا التكلف و لا الماديات المجردة من الروح و من الأحاسيس الصادقة الناعمة.."
هذه اللوحة الفنية المطرزة بالإبداع،تحقق-في تقديري- لذة القراءة بجمالية الأسلوب وأناقة القص،والرشاقة،والابتعاد عن الترهل اللغوي وترهل الأحداث والتفاصيل.إنها توحي بالمعاني الإنسانية، وتخلق معنى القص الجميل،المفتعم بالمعاني والصور والخلابة..
مبدعتنا الفذة ايمان بن حمادي،ما اجمل بوحك ،ونبض حرفك،العيون تهفو اليك،والقلوب تنعم في روض ابداعك وسحر يراعك..
واصلي دربك الإبداعي بثبات،كي ترسخي حضورك في الإبداع القصصي،وتغتني تجربتك في هذا الجنس الأدبي بالتنويع في مواد المحكي،والتنويع في تقنيات الكتابة،وهما الأساس في صنع الخصوصية الأدبية للكاتب ومساهمته في تطوير مضامين وأساليب وتقنيات الكتابة القصصية.
لك مني تحية تقدير وامتنان،ومزيدًا من العطاء والابداع..يا أميرة الشعور والاحساس والنبض..
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق