تغريدة الشعر العربي
السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر ٠
******************
((( سادن الليل ٠٠!! )))
الشاعر العراقي بلال الجميلي / ١٩٧٩ م ٠
ماضٍ بعُمْري وإن ينتابَهُ الألمُ
وكلُّ حُزنٍ على وجهي سَيَبتَسِمُ
لم تَهزمِ السنواتُ الحمرُ ميمنتي
ولم تُذِلِّ القوى الأوجاعُ والسقمُ
في خطوتي يا دُجى الأيامِ بوصلةٌ
وفي عيوني هُدًى والأُغنياتُ فَمُ
هرولتُ كي أُدرِكَ الأفراحَ في لُغتي
ويبرأَ الحرفُ من جُرحي ويَلتئمُ ٠
( من قصيدة على قيد الحياة )
٠٠٠٠٠
جسدٌ أنا عريانُ رغمَ ردائي
هدَّتْ قِواهُ مواسمُ الفقراءِ
أمشي على خطِ الزَّمانِ مُسيَّرا
وكأنَّ ظلِي سارَ خلفَ قضائي
وقتي توقَّفَ يومَ زلزلةِ الردى
ألقى عَزاه وقد أخذتُ عَزائي
ناديتُ: ثُمَّ؟ أجابَ حَسبكُ دمعةٌ
ثُمَّ امتهنتُ تصبري وبكائي ٠
( من قصيدة : و الأرض منفى )
-------
" هذا الملف إهداء إلى الصديق الشاعر الدكتور علي لعيبي الرمز العراقي في ساحة الإبداع و الأدب و رئيس مجلس إدارة مجلة (الآداب و الفنون ) الجسر الثقافي العربي من باب الوفاء ٠٠ " ٠
من أرض النهرين - دجلة و الفرات - العراق العظيم ، و من مدينة السلام بغداد ، و شموخ نخيل شط العرب و عبق مربدها الشعري و عمق حضارة بابل و سومر و آشور ، و ليالي الرشيد و ازدهار العصر العباسي حيث جماليات الآداب و الفنون و تعدد الثقافات و العلوم ، نتوقف مع شاعرنا ( بلال الجميلي ) ، و الذي يعكس لنا مدى صدق صوت القصيد المؤثر في حالة الفكر و الوجدان بلغة الفيلسوف العاشق و الصوفي المعذب في خلوة التجليات داخل تلك الربوع التي بأوجاع و حلم القصيدة يبوح ، و من ثم تعدد إنتاجه في دوحة ديوان العرب الخالد هكذا ٠
* نشأته :
======
ولد الشاعر العراقي بلال الجميلي - بلال قدوري محمد صالح الجميلي ، ابن عشائر و قبيلة الجميلي في بغداد عام ١٩٧٩ م ٠
يعمل مدرسا في العراق يكتب الشعر العمودي و التفعيلة و النصوص النثرية والومضات الحكائية ٠
عضو مجلس إدارة مجلة الآداب والفنون الورقية العراقية.
- عضو تجمع الصحفيين والإعلاميين العراقيين.
- يكتب الشعر العمودي والنصوص النثرية.
- شارك باصبوحات وأمسيات شعرية عديدة في المركز الثقافي البغدادي والملتقيات الثقافية والأدبية العراقية .
- شارك بأكثر من عشرة دواوين مشتركة صادرة من العراق ومصر والأردن وسوريا والكويت. أبرزها كتاب عيلان عبد الله الكردي عن مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين في الكويت .
- صدر له ديوان إيماءات بأطراف القصيدة وهو مجموعة قصائد نثر عن دار النخبة في القاهرة ٢٠١٨.
-تناول تجربته الشعرية الناقد عباس باني المالكي في كتاب شفرة النص وتبعية المعنى الصادر عن دار المتن في بغداد ٢٠١٨ م٠
* مختارات من شعره :
----------------------------
يقول شاعرنا بلال الجميلي في قصيدته تحت عنوان ( قصيدة في سورة يوسف ) حيث يستخدم الاسطورة و الرمز توظيفا و إسقاطا في هذا العصر ليجسد لنا في عبقريته المتنامية في تباين بين الواقع من نوبة عشق تصريحا و تلميحا :
وهَمَستُ في أُذُنِ الغِوايةِ تُوبي
قلبي وعيني نادبٌ ويتيمةٌ
فيمَن طَوتهُ على الفراقِ خُطوبي
هذي مجالسُ دارِ أهلي يُتِّمتْ
وشَكَونَ بثَّا من نَّوى يعقوبِ
هدّمنَ أركانا عشيةَ رفعِهِ
كَمَدا كما شُقَّتْ عليه جُيوبي
أنا ريحُ يوسفَ يا بشيرُ وإنَّني
ودَّعتُ من يَجدُ الشَّذا بهبوبي
تغتالُ صورتُهُ الوجوهَ جميعَها
في وجهِ من رَكِبتْ خُطاهُ دُروبي
أيَّامُنا من دونِ دفءٍ بعدهُ
بردٌ يُؤَجِّجُ والبِعادُ لهيبي
والصَّمتُ والتِّيهُ المُلازمُ والشَّجى
هو آيَتي في فقدِهِ ومَشيبي
يا والدَ العُمرَينِ مَهدي والصِّبا
يا صُحبَتي بكُهُولتي وحبيبي
أبصرتُ في مِرآةِ بُعدِكَ وحشتي
وخُطوطَ عُمْرٍ من أوانِ مَغِيبي
يُؤذينيَ الصبيانُ لو نَادَوا أبا
بعذابِ مطعونٍ يُرى تَعذيبي
ناديتُ من بئرِ النَّبيِّ لَعلَّنا
ومسيرُ بعدِكَ لم يكنْ بقريبِ
يعقوبُ في رئتيَّ أطلالٌ وقد
شربَ الحنينُ نضَارتي بشحوبي
همساتُ إسمكَ في شفاهي فلتُجبْ
أحلامَنا إن لم تكنْ بمُجيبي ٠
***
و في قصيدة أخرى بعنوان ( والأرض منفى ) يصور لنا مأساة الذات مع تلك الصراعات التي تداهم الإنسان فيصبح غريبا في موقعه من خلال تجربة يتقاسمها أهل الشقاء فيعبر عنها في تلقائية و شفافية في حالة حزن على محطات متعسرة ومتغيرة في ظلال الرحلة فينادي بالرسم بالكلمات من خلال استدعاء لوحته البائسة فيقول فيها :
جسدٌ أنا عريانُ رغمَ ردائي
هدَّتْ قِواهُ مواسمُ الفقراءِ
أمشي على خطِ الزَّمانِ مُسيَّرا
وكأنَّ ظلِي سارَ خلفَ قضائي
وقتي توقَّفَ يومَ زلزلةِ الردى
ألقى عَزاه وقد أخذتُ عَزائي
ناديتُ: ثُمَّ؟ أجابَ حَسبكُ دمعةٌ
ثُمَّ امتهنتُ تصبري وبكائي
مَن لي ومَن للساكنات بمقلتي
ومَسائِنا والغصَّةِ الرَّمضاءِ
غرقتْ بطوفانِ العبادِ سفينتي
تلكَ التي ركبتْ صعيدَ الماءِ
والأرضُ منفى قيدتني نورسا
قنصتْ جَناحي وازدرتْ أجوائي
وبَقيتُ أُحصي للحياةِ دقائقا
وأقرُّ أيَّ ذريعةٍ لبقائي
يا عَالِمًا بالحالِ كفِّي منبرٌ
مَرفوعةٌ مَشفوعةٌ بدعائي
اغتال سَيفُ الحُزنِ عُمْرا داخلي
وغَدَوتُ مُغترِبا عن الأحياءِ
فَصلٌ على الأيام قد عِشتُ الصِّبا
أُنهي شتاءً أَبتدي بشتاءِ
ذرني وصَمتي فالرضوخُ تضرُّعٌ
ولقد نَزفتُ تَضرعًا بشقائي
أحتاجُ تاريخا لأكتُبَ قِصَّتي
أو أكتفي بالصَّفحةِ البيضاءِ ٠
***
و في قصيدة أخرى تحت عنوان ( سادنُ اللّيل ) يقف يقظانا متجردا من الأهواء كحارس الليل الحزين الخائف على فصول التاريخ من التزييف محافظا على الأمجاد في إطار الأماني صادحا في غصة :
بعَينِ الضَّوءِ أنتَظرُ النَّهارا
وما في الغَيبِ يُشبِعُني انتِظارا
بعيداتُ المَنَالِ وعَاصِياتٌ
أمَانِّيَ الّتي بَقِيَتْ عَذارى
على كَتِفِي حَمَلتُ العُمْرَ دوما
ومِنسَأَتي تُعاضِدُني اصطِبارا
أُجاري عَادياتِ الدَّهرِ طوعا
وحتَّى ما أراها لا تُجارى
لعلِّي أو عَساني في الخَفايا
أنَالُ الرُّشدَ أو أُعطى اختيارا
كَلِيمِي الذَّاتُ والأَصواتُ نَجوى
وصَمتُ الحالِ يَملَؤُني حِوارا
وروحي بَسمةٌ لَمَسَتْ شِفاهِي
تُدَانِي القَولَ كي تَبدو جِهَارا
وكُلِّي رغبةٌ خَضراءُ كُلِّي
وإن شاءَ القَضاءُ ليَ اصفِرارا
أقَمتُ على شَفا الأيَّامِ مأوى
وفي حَطبِ الشَّقا أوقدت نَارا
ويَسألُني الرَّدَى إن كُنتُ حَيَّا
وقد ظنَّ الَّذي كان احتِضارا
ألا يا صُبْحَ قد جَالسْتُ ليلي
وصِرتُ هِلالهُ لمَّا تَوارى
جَعلتُ الصَّبرَ في تيهي طَريقا
وشَيَّدتُ الرَّجا عندي دِيارا
وَوَجَّهتُ التَّضَرُّعَ في مُرادي
لوهّابٍ بهِ القَلبُ استجارا
***
و نختم له بهذه القصيدة التي تشكل مكونات الوطن تحت عنوان (حاديّ النّهرين ) رمز الخلود المغني مع متواليات النهرين في لقاء على وقع صدى قيثارته المحترقة في بكائيات حزينة فكل مرة حملات تحدق بالوطن بين التتار المغولي و التتار الجُدد في فترات و هجمات تصيب خريطته و نسيجه المتداخل و هو شامخ كالنخيل يحرس ضيعته و تراثه الجميل :
فاضتْ عليكَ العينُ من إشفاقي
حتَّى قَضى طوفانُها إغراقي
يا حَاديَ النَّهرينِ في فردوسِنا
كيف اشتكيتَ الدَّهرَ من إملاقِ!
أنتَ الأراضي والقُرى وسَماؤها
عِزُّ النَّخيلِ ونكهةُ الدُّرَّاقِ
أنتَ الحياةُ فكيفَ مَسَّكَ عُسرُها
والأمسُ قد كَتَبتْ عَليهِ عِراقي!
وطني شجًى دِفءُ الصُّدورِ مَلاذُه
يَهتزُّ جنبَ الرَّابضِ الخفَّاقِ
يَلقَى النَّهارَ على لظاهُ مُكابِرا
وثَراهُ يشكو لفحةَ الإحراقِ ٠
و بعد هذه القراءة السريعة لعالم شاعرنا العراقي ( بلال الجميلي ) الذي سافر بنا بين الواقع و الخيال بقصائده المتنوعة في وحدة فنية مكتملة العناصر و لغة رصينة و اسلوب جيد و تعبير جمالي بمقاييس البلاغة التي تؤكد على الجوهر و الشكل في ثنائية عملية الإبداع دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي إن شاء الله ٠