السبت، 8 نوفمبر 2025

الكاتبة والناقدة نافلة مرزوق العامرStella Ra Nch)) قراءة لمنهجها النقدي وتوظيفها للأدب المقارن بقلم الأديب طه دخل الله عبد الرحمن

 الكاتبة والناقدة نافلة مرزوق العامرStella Ra Nch)) قراءة لمنهجها النقدي وتوظيفها للأدب المقارن:

تقديم: الناقدة متعددة الأوجه

تبدو نافلة مرزوق العامر Stella Ra Nch)  (في مشروعها النقدي على فيسبوك شخصية ثقافية مركبة فهي الناقدة، والقارئة النهمة، والمبدعة التي لا تفصل بين الشعر والنقد. لا يقتصر حضورها على نشر آراء انطباعية، بل يتعداه إلى بناء خطاب نقدي له أصوله الفكرية ومنهجه الواضح، وإن كان يُقدم في قوالب قد تبدو مختصرة أحيانًا بسبب طبيعة المنصة.

التحليل التفصيلي للمنهج النقدي

1. الأدب المقارن: حجر الزاوية في منهجها

هذه السمة هي الأبرز في كتاباتها، حيث لا يقتصر توظيفها للمقارنة على الاستشهاد العابر، بل يصل إلى مستوى التماس العضوي بين النص العربي والنص الغربي.

· التوظيف السياقي والموضوي: لا تذكر العامر اسم شاعر أو كاتب غربي لمجرد الزينة الثقافية، بل تبحث عن نقطة اتصال جوهرية. على سبيل المثال، عند تحليلها لقصيدة عبد الناصر عليوي "معشوقتي العربية"، تستحضر مقولة أنجيلا كارتر عن اللغة كقوة وأداة هيمنة وتحرر. هذا الاستدعاء يخدم التحليل مباشرة، حيث تظهر كيف أن الصراع مع اللغة الذي يتحدث عنه الشاعر العربي هو امتداد لوعي غربي بإشكالية اللغة ذاتها.

التوظيف العميق للأدب المقارن: تُظهر الناقدة اطلاعًا على الأدب العالمي وتوظفه بشكل عضوي في تحليلها. ففي قراءتها للقصيدة نفسها، استشهدت بمقولة للكاتبة الإنجليزية أنجيلا كارتر: "اللغة قوة، حياة ووسيلة ثقافية، وأداة هيمنة وتحرير".

بناء حوار ثقافي: تحول الناقدة القراءة إلى حوار بين ثقافتين. قد تستدعي ريمون كينو في حديثها عن لعبة اللغة والإبداع الشكلي، أو إزرا باوند في تأكيده على "جعلها جديدة" (Make it New) عند قراءتها لنص شعري حديث يحاول تجديد شكله ومضمونه. هذا لا يظهر فقط اطلاعها، بل رغبتها في وضع الأدب العربي في سياقه الإنساني الأوسع.

التعامل مع التراث ككيان حي: تتعامل مع النصوص الغربية (قديمها وحديثها) ليس كنماذج يجب تقليدها، بل كشواهد على تجارب إنسانية مماثلة. هذا يخلق وعيًا نقديًا بأن الإبداع هو محاولة مستمرة لاقتراح إجابات على الأسئلة الوجودية والجمالية نفسها، وإن اختلفت الألسنة والثقافات.

الاهتمام بالبعد الروحي والصوتي: تولي العامر اهتمامًا خاصًا للأبعاد غير المباشرة للنص. فقد ركّزت على "الروحانية" التي تضفيها اللغة على المتلقي، وخصصت مساحة لتحليل الجانب الصوتي والإيقاعي، مُعتبرة أن القافية "السينيّة" في القصيدة مختارة بعناية لما لها من "وقع محبب على الحس" وقدرة على "التنفيس".

2. التحليل البنيوي والتقني: تشريح النص

تمتلك العامر عينًا تحليلية حادة قادرة على تفكيك النص إلى مكوناته الأساسية لفهم آليته الداخلية.

· تحليل الهيكل: في قراءاتها للقصائد الطويلة أو المجموعات الشعرية، لا تتردد في تقسيم النص إلى أجزاء أو مراحل. كما في مثال قصيدة "معشوقتي العربية" التي قسمتها إلى أربعة أجزاء: (اللغة حياة، اللغة هيمنة، اللغة والدين، الدعوة لاحتضان اللغة). هذا يكشف عن نظرتها للنص كبناء فني متماسك له بداية ووسط ونهاية.

· الاهتمام بالعناصر الصوتية والدلالية: تولي اهتمامًا خاصًا للموسيقى الداخلية، كتكرار حرف معين (مثل القافية السينية)، وتربط ذلك بدلالته النفسية والعاطفية، معتبرة أن هذا الاختيار ليس عبثيًا بل يساهم في "التنفيس" وخلق "وقع محبب على الحس". كما تحلل الانزياحات اللغوية والاستعارات المحورية التي تشكل عالم النص.

3. اللغة النقدية: بين التحليل والتأويل

تمتلك العامر أسلوبًا نقديًا مميزًا يجمع بين:

اللغة الاستعارية والإيحائية: تستخدم الناقدة لغة شعرية غنية في نقودها ذات طابع استعاري، فهي تصف القصيدة بأنها "قلادة شعرية متلألئة" واللغة بأنها "كائن حي يتنفسه في حرفه". هذا يخلق نصًا نقديًا موازيًا للنص الأصلي، مليئًا بالصور البلاغية التي تثمل القراءة ولكنها قد تطغى أحيانًا على الوضوح التحليلي.

المنهجية: في بناء الحجج وترتيب الأفكار وتسلسلها المنطقي.

الشعرية: في لغتها الاستعارية والإيحائية. فهي لا تكتفي بالقول إن النص جميل، بل تصفه بأنه "قلادة شعرية متلألئة"، أو تتحدث عن اللغة ككائن حي. هذا يخلق نصًا نقديًا موازيًا هو الآخر مبدع، لكنه قد يغرق أحيانًا في التأويل الذي يتطلب من القارئ جهدًا لفك شفراته.

نقاط القوة في مشروعها النقدي

1. الرؤية الشمولية: لا تنفصل قراءتها للنص عن سياقه الثقافي والإنساني الأوسع، مما يمنح تحليلها عمقًا وفلسفية.

2. الجَسارة النقدية: لا تقدم قراءات مجاملة، بل تحاول أن تصل إلى الجوهر النصي، مُظهِرةً قوته ونقاط ضعفه بحيادية الأكاديمي وشفافية المبدع.

3. التواصل الفعال: باستخدامها منصة فيسبوك، تنجح في تقديم خطاب نقدي متقدم بطريقة مفهومة نسبيًا لجمهور غير متخصص، مما يسهم في رفع الذوق النقدي العام.

4. التماهي مع النص: كونها كاتبة وقاصة، فإنها تقرأ النص من داخله، مما يمكنها من التقاط الظلال والدلالات التي قد تخفى على قارئ آخر.

نقاط للتفكير والتطوير (نقد ذاتي مقترح)

1. إشكالية التوثيق: بسبب طبيعة المنصة (فيسبوك)، غالبًا ما تذكر الاستشهادات الغربية بدون تفاصيل كاملة (اسم العمل، المترجم، دار النشر، رقم الصفحة). تفصيل هذه المصادر سيعزز من مصداقيتها الأكاديمية ويُثري الحوار.

2. الانزياح بين التحليل والتأويل: في بعض الأحيان، قد تذهب تأويلاتها الشعرية بعيدًا، مما قد يخرج النص عن مراده الأصلي أو يفتحه على احتمالات لا يحتملها. الموازنة بين حرية التأويل وحدود النص تبقى مسألة دقيقة.

3. حضور الذات الناقدة: أحيانًا تكون لغة الناقدة الاستعارية قوية لدرجة أنها تطغى على صوت النص الأصلي، فيصبح التركيز على "كيفية قراءتها هي" بدلاً من "النص نفسه".

4. تنويع الأمثلة: يلاحظ تركيزها على نمط معين من الشعر (الشعر التفعيلي ذو البعد الفلسفي والوجودي). توسيع نطاق تحليلها ليشمل أنماطًا شعرية أخرى (كالكلاسيكي، أو شعر التفعيلة البسيط، أو حتى النصوص السردية القصيرة) قد يثري تنوع مشروعها النقدي.

الخاتمة: صوت نقدي متميز

تمثل نافلة مرزوق العامر  (Stella Ra Nch) نموذجًا للناقدة المعاصرة التي تستفيد من فضاء التواصل الاجتماعي لنشر وعي نقدي جاد. هي ليست "معلقة" أدبية فحسب، بل بانية خطاب نقدي يقوم على ركيزتين أساسيتين: المنهجية العلمية في التحليل والتفكيك، والرؤية الإنسانية التي تتجلى في استخدامها الثري للأدب المقارن. مشروعها هو محاولة ناجحة لسد الفجوة بين النخبوية الأكاديمية والقراءة الانطباعية العامة، مما يجعلها صوتًا نقديًا يستحق المتابعة والدراسة.

ملاحظة: هذا النقد مبني على نماذج من كتاباتها المتاحة.

طه دخل الله عبد الرحمن

البعنه == الجليل

7/11/2025  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق