ورقة بحثية (بقلم المبدع الراقي والباحث الكفء طاهر مشي):
عنوان الورقة
الإسقاط الذكوري بوصفه تقنية تناصّ تحويلي: مقاربة سيميائية – خطابية في إعادة إنتاج الصوت الجندري
الملخص
تستكشف هذه الورقة مفهوم الإسقاط الذكوري بوصفه تقنية إبداعية ضمن حقل التناص التحويلي في الدراسات الأدبية الحديثة. تنطلق الورقة من فرضية أن النقل الجندري للصوت في النصوص الأدبية لا يمثل نسخًا أو سرقة، بل إعادة تشكيل للخطاب وفق منظور مختلف من حيث البنية الصوتية والتمثيل الشعوري والدلالة. وتعتمد الورقة إطارًا نظريًا يستند إلى أفكار جوليا كريستيفا حول التناص، وإلى مقولات جيرار جينيت في التحويل النصي، إضافة إلى مبادئ تحليل الخطاب الجندري. وتخلص الدراسة إلى أن الإسقاط الذكوري ممارسة إبداعية تنتج نصًا جديدًا مستقلًا، ذي قيمة تفسيرية وخطابية تتجاوز حدود الأصل.
1. المقدمة
شهدت الدراسات الأدبية في العقود الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بظواهر التحويل النصي وإعادة الكتابة، بوصفها مساحات لإنتاج خطاب جديد ينشأ داخل حوار مستمر مع النصوص السابقة. ومن بين هذه الظواهر يبرز مفهوم الإسقاط الذكوري، الذي يقوم على إعادة إنتاج نصّ مكتوب بصوت أنثوي عبر تحويله إلى صوت ذكوري، أو بالعكس، بما يصاحبه من تغييرات في البنية البلاغية والسياق الشعوري والحقول الدلالية.
تطرح هذه الورقة سؤالًا رئيسيًا:
هل يمكن اعتبار الإسقاط الذكوري تقنية إبداعية مستقلة، وليست سرقة أدبية؟
وللإجابة عن هذا السؤال، تتناول الورقة الأسس النظرية والتطبيقات الدلالية التي تجعل من التحويل الجندري ممارسة تحويلية وليست إعادة إنتاج حرفية.
2. الإطار النظري
2.1. مفهوم التناص عند كريستيفا
تذهب كريستيفا إلى أن كل نص هو "نصّ في نصوص"، وأن أي إنتاج لغوي ينشأ داخل شبكة من العلاقات مع نصوص أخرى. وبذلك، يتحول النص الجديد إلى فضاء تتقاطع فيه خطابات متعددة، لا إلى استعادة حرفية لمصدر واحد.
2.2. التحويل النصي عند جيرار جينيت
يميّز جينيت بين:
الاقتباس (Citation): النقل الحرفي أو شبه الحرفي.
التحويل (Transformation): إعادة تشكيل النص الأصلي على مستوى الصوت والبنية والدلالة.
الإسقاط الذكوري ينتمي إلى النوع الثاني، لأنه يعتمد تحويل المنظور والرؤية، لا استنساخ المادة اللغوية.
2.3. تحليل الخطاب الجندري
يستند تحليل الخطاب الجندري إلى فكرة أن اللغة ليست محايدة، بل تتأثر بالهوية الجندرية للمتكلم. ينتج عن ذلك اختلافات في:
الإيقاع الشعوري
بنية الجملة
التوترات الخطابية
الاستعارات والمجازات
وبذلك، فإن تغيير الجندر المتكلم يؤدي حتمًا إلى إنتاج نص جديد لا يمكن مطابقته مع الأصل.
3. المنهجية
تعتمد هذه الدراسة منهجًا تحليليًا – نظريًا يجمع بين:
السيميائيات
تحليل الخطاب
نظرية التناص
المقاربة الأسلوبية
ويتم من خلاله تتبّع التحولات البنيوية والدلالية التي يحدثها الإسقاط الذكوري عند إعادة إنتاج النص.
4. المناقشة والتحليل
4.1. التحويل الصوتي
يتغير الصوت السردي في الإسقاط الذكوري بتغير:
الضمائر
مركزية المتكلم
تمثيل الذات والآخر
وهذه التحولات تخلق نصًا جديدًا يختلف في موقعه داخل الخطاب.
4.2. التحويل الشعوري
تعيد الذات الذكورية إنتاج المشاعر بطريقة مختلفة عن الذات الأنثوية، خصوصًا في:
إدارة الانفعال
التعبير عن الرغبات والخوف
مسافة السرد
وطبيعة اللغة الانفعالية
ما يجعل البنية الشعورية للنص الجديد غير مطابقة للأصل.
4.3. التحويل الدلالي
تتأثر دلالة النص بعوامل:
الحقول الاستعارية الخاصة بكل جندر
تمثيل العلاقات الاجتماعية
الرموز الثقافية
وبهذا يصبح النص الجديد خطابًا ذا بنية دلالية مستقلة.
4.4. البعد البلاغي وإنتاج معنى جديد
التحويل الجندري ينتج:
انزياحًا عن النموذج الأول
معنى إضافيًا ينبع من الاختلاف
حوارية بين النصين
وهذه العناصر تجعل النص الجديد مساحة لخلق خطاب نقدي وتفسيري موازٍ.
4.5. المقارنة مع المعارضة الشعرية
تُعدّ المعارضة الشعرية مثالًا عربيًا قديمًا على الإبداع التحويلي. وقد استخدمها شعراء كبار دون أن تُعدّ سرقة.
الإسقاط الذكوري هو امتداد حديث لهذه الممارسة، لكن بنبرة جندرية بدلاً من نبرة لغوية أو وزنية.
5. النتائج
تبيّن الدراسة أن:
الإسقاط الذكوري لا يتضمن نقلًا حرفيًا، بل تحويلًا بنيويًا.
ينتج عنه صوت سردي جديد لا يتطابق مع الأصل.
يضيف دلالات جديدة تجعله نصًا مستقلًا.
يُعدّ جزءًا من نظام التناص التحويلي المقبول نقديًا.
لا تتحقق فيه شروط السرقة الأدبية (النقل الحرفي + إخفاء المصدر + التطابق).
6. الخاتمة
خلصت الورقة إلى أن الإسقاط الذكوري ليس سرقة أدبية، بل تقنية إبداعية تنتمي إلى التناص التحويلي. فهو يغيّر الصوت والمنظور والبنية الدلالية، ويُعيد إنتاج النص داخل سياق جديد. وهذه التحولات تمنح النص استقلالية وشرعية نقدية، وتضعه ضمن عمليات إعادة الكتابة المعترف بها في الدراسات الأدبية الحديثة.
ويُعدّ هذا الأسلوب مجالًا واعدًا للدراسات الجندرية، وفضاء مهمًا لفهم التفاعل بين الصوت والنوع الاجتماعي داخل النصوص.
7. مراجع.
Kristeva, Julia. Desire in Language: A Semiotic Approach to Literature and Art. Columbia University Press.
Genette, Gérard. Palimpsests: Literature in the Second Degree. University of Nebraska Press.
Butler, Judith. Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity. Routledge.
Cameron, Deborah. Gender and Language. Cambridge University Press.
Fairclough, Norman. Discourse and Social Change. Polity Press.
عبد الملك مرتاض. منهجية تحليل النص.
صلاح فضل. بلاغة الخطاب وعلم النص.
طاهر مشي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق