الجزء الرابع والأخير من المتتالية القصصية
"إنتشاءً بعد آخر"
بعنوان: حذاء اللحظة
---
✍️ بقلم: الكاتبة هدى حجاجى احمد
صباحٌ بلا ماضٍ، ولا وعد.
سماءٌ بلونٍ غير محدد، كأنها ورقة تنتظر أول كلمة.
استيقظتُ على صوتي الداخلي يقول: الآن تبدأين.
لم أُصدّق في البداية.
اعتدتُ أن أفتح عينيّ على قيدٍ صغير يذكّرني بما كان،
لكن اليوم لم يأتِ أحد من الأمس ليمسك بيدي.
كانت الحرية تسير حولي بخطى واثقة،
وأنا، بخوفٍ يشبه الخجل، أمدّ يدي إليها.
ارتديتُ "حذاء اللحظة" كما لو أنه مفتاحٌ سريّ.
خرجتُ إلى الشارع لا لأهرب، بل لأكون.
الريحُ التي كانت تبعثر شعري صارت تهمس لي:
"أخيراً، تمشين دون ظلٍّ يتقدّمك."
في الطريق، مررتُ بمقهى صغير.
الوجوه غريبة،
لكنني شعرتُ أنني أعرفهم جميعاً من مكانٍ ما في الحياة السابقة التي كنتُ أعيشها.
ابتسمتُ للنادل، طلبتُ قهوة بلا سكر،
فالمُرّ هذه المرة ليس تذكاراً، بل طعم الوعي الجديد.
القصيدة التي وُلدت سكرى ذات مساء عادت إليّ.
لكنها لم تعد تمشي على الماء، بل على الأرض.
صارت تعرف أن النجاة ليست في الطفو، بل في الغوص بوعيٍ حتى الأعماق،
ثم الصعود من جديد بخفةِ من تصالح مع الغرق.
لم أكتب شيئاً ذلك الصباح،
لكن كل ما فيّ كان يكتبني — نبضي، أنفاسي، وخطواتي.
شعرتُ أنني خفيفة كأنني محوٌ جميل.
لا أحمل أحداً في حقيبتي، ولا أمنيةً ثقيلة.
تذكّرتُ آخر ما قلتُه لكَ قبل الرحيل:
"سأتعلم يوماً كيف أمشي دون أن ألتفت."
وها أنا أمشي.
كلّما ارتفع غبار الطريق،
شعرتُ أنني أتحوّل شيئاً فشيئاً إلى امرأةٍ جديدة،
امرأةٍ لم تُكتب بعد، لكنها تولد من بين السطور.
وحين وصلتُ إلى آخر الشارع،
ضحكتُ بصوتٍ عالٍ،
ضحكةٍ لم أعرفها من قبل،
كأنها أول قصيدةٍ لا تُقال،
بل تُعاش.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق