الجمعة، 10 أكتوبر 2025

*سدوم وقمرّة بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف... تونس.

 *سدوم وقمرّة 

النبيّ لوط كان معاصرًا للنبيّ إبراهيم . وكان قد أُرْسِل إلى إحدى  المجتمعات المحلّيّة الّتي تعيش قريبًا  من إبراهيم. داخل هذا المجتمع ، كما ذُكِر في القرآن ، كانت هناك انحرافات غير معروفة في العالم من قَبْلُ، ألا وهي الشّذوذ الجنسيّ. وعندما حثّهم نبيّهم على التّخلّي عن مثل هذه الممارسات المنحرفة ، وأبلغهم رسالة الله ، رفضوا. ورفضوا تصديق نبوّته وأصرّوا على مواصلة السّير على نفس الطّريق. وبناءً على ذلك ، كان استئصالهم من على وجه الأرض من قِبَلِ الله ، الذي أوقع بهم كارثة مروّعة.

(( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف.))

((إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) العنكبوت.)) 

  المدينة الّتي عاش فيها النّبيّ لُوط، الّتي دُمِّرت تُسَمّى في العهد القديم "سدوم". وتقع إلى الشّمال من البحر الأحمر ، وكان تدمير هذا المجتمع بالطّريقة الّتي وصفها القرآن الكريم. وتظهر الدّراسات الأثريّة أن المدينة تقع ، وبأكثر دقّة ، بالقرب من البحر الميّت ، على الحدود الأردنيّة الفلسطينيّة اليوم. ووفقًا للعلماء فالمنطقة مغطّاة برواسب كبيرة من الكبريت. ولذلك ، فلا يوجد أي شكل من أشكال الحياة النّباتيّة أو الحيوانيّة  وتعتبر رمزًا للفَناء. 

الكبريت هو عنصر يظهر بعد الانفجار البركانيّ. والواقع أنّه يوجد في القرآن دليل صريح عن طرق التّدمير المستخدمة ، وهي الزّلازل وثورات البراكين. وتقول عالمة الآثار الألمانية "فيرنر كيلر" عن هذه المنطقة:

 (( وادي سديم ، بما فيه سدوم و"قمرّة" Gomorrah ، يقع على طول هذه الفجوة الكبيرة ، سقط في يوم فجأة في الهاوية. وجاء تدمير المدينتين بعد زلزال كبير ، وربما كانت التفجيرات مصحوبة ببروق ، و تسرّب الغاز الطبيعيّ على نطاق واسع وحرائق ... قد أطلقت الهزّة الارتداديّة العنان للقوّة البركانيّة الّتي كانت في السّابق  في  سكون (سبات) ،على طول الكسر. ولا يزال يوجد في المنطقة العليا من وادي الأردن ، بالقرب من "بشن"Bashan ، حفر ضخمة لبراكين هامدة .

حمم بركانية كبيرة وطبقات سميكة من "البازلت" قد تراكمت على سطح الحجر الجيريّ.

هذه الحمم البركانيّة وطبقات من البازلت هي أهمّ الأدلّة عن احتمال انفجار بركانيّ وزلزال. 

في أيّ حال ، فإنّ بحيرة لوط ، المعروفة أيضا باسم البحر الميت ، تقع فوق منطقة النّشاط الزّلزالي ، وبعبارة أُخرى ، منطقة زلازل. 

يقع مجرى البحر الميت على ترسّب تكتونيّ -- الوادي المتصدّع -- و يمتدّ على نحو 300 كيلومترًا من بُحَيْرة "طبريّة" شمالًا إلى وادي عربة جنوبًا.

الجانب الميكانيكيّ من الكارثة الّتي ضربت قوم لوط والّتي كشفت عنها بحوث الجيولوجيّين. يدلّ على أن الزّلزال الّذي دمّر قوم لوط كان نتيجة وجود صدع قارّيّ طويل جدًّا. يشهد نهر الأردن هبوطًا رأسيًّا بـ 180 م في مساره المكوّن من 190 كيلومترًا. وهذه المعلومات مجتمعة مع حقيقة أن بحيرة لوط تقع على  400 م تحت مستوى سطح البحر ، تُبَيِّنُ أنّ الحدث الجيولوجيّ الكبير وقع في المنطقة.

الهيكلة المهمّة لنهر الأردن والبحر الميت جزء صغير فقط من الصّدع  في هذه المنطقة. و يمتدّ خط الصّدع من جبال "طوروس "، إلى الشّاطئ الجنوبيّ لبحيرة لوط وتتواصل بعد ذلك عبر الصّحاري العربيّة لخليج العقبة قبل عبور البحر الأحمر وتنتهي في إفريقيا. وقد شهدت جميع المناطق على طول هذا الخطّ نشاطًا بركانيًّا قويا.  

حمم بركانيّة وبازلت سوداء موجودة في تلال الجليل في فلسطين ، وعلى سهول الأردن المرتفعة في خليج العقبة وغيرها من المناطق المحيطة.

تشير كل هذه الآثار والخصائص الجغرافيّة إلى أنّ الحدث الجيولوجيّ الكبير وقع في البحر الميت. 

قدمت مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" التّعليق التّالي في عددها الصّادر في كانون الأول / ديسمبر 1957 : 

"يرتفع جبل سدوم ، الشّاسع القاحل فجأة فوق البحر الميت. لا أحد على الإطلاق وجد مدن سدوم و قمرّة ، ولكنّ المتخصّصين يعتقدون أنّهم في وادي سدّيم Siddim قُبالة هذه المنحدرات. ومن الممكن أنّ فيضان البحر الميت قد اجتاح المنطقة بعد الزّلزال."

واحدة من المعلومات المتاحة عن هذه المدن المدمَّرة  تخصّ موقعها -- كما كشفت في القرآن سورة  الحجر ، الآية 76 -- على طول الخطّ الرئيسيّ. قد أظهر الجغرافيون أنّ هذه المنطقة تقع على الخطّ من الجنوب الشرقي: للبحر الميت ، وتمتدّ من شبه الجزيرة العربيّة إلى سوريا ومصر.))

(فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) الحجر.))

حمدان حمّودة الوصيّف... تونس.

من كتابي : القرآن والعلوم الحديثة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق