الجمعة، 10 أكتوبر 2025

فقيد الساحة الثقافية التونسية والعربية حسونة المصباحي..*( الطائر الغريب..الذي حط على غير سربه..! ) بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 فقيد الساحة الثقافية التونسية والعربية حسونة المصباحي..*( الطائر الغريب..الذي حط على غير سربه..! )

"في محبة حسونة المصباحي" كتاب جماعي يروي جوانب من سيرة كاتب موسوعي وأديب مثير للجدل..


قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن الكاتب التونسي الراحل حسونة المصباحي (1946 - 2020) كان أحد الأسماء الهامة والأصوات المميزة في المشهد الثقافي العربي عمومًا والتونسي خصوصًا.

لم يكن مجرد أديب،بل كان مفكرًا وناقدًا وإنسانويًا بسعة أفق غير عادية.

باختصار،كان حسونة المصباحي نموذجًا للمثقف الشامل،الذي يجمع بين الإبداع الأدبي والفكر النقدي والموقف الأخلاقي.رحلته مع المرض ثم رحيله في عام 2020 كانت خسارة فادحة للأدب التونسي والعربي،لكن إرثه الأدبي والفكري يظل نبراسًا للأجيال القادمة.

في ذات السياق،وتزامنا مع ذكرى ميلاد الكاتب حسونة المصباحي (أكتوبر 1950) الذي فقدته الساحة الثقافية التونسية والعربية يوم 4 جوان 2025 بعد معاناة مع المرض،صدر هذه الأيام عن دار خريف للنشر كتاب جماعي من إعداد وتقديم الكاتب والشاعر الصحفي نورالدين بالطيب أحد الأصدقاء المقربين من الفقيد حسونة المصباحي.

حسونة الذي كان عاشقا للكتابة ولتونس وللريف الذي ترعرع فيه،قبل أن تحمله الأقدار إلى ميونيخ حيث قضى معظم سنوات حياته،لم يتوقف يوما عن الكتابة حتى في الأشهر والأيام الأخيرة من حياته ليسلم روحه بعد إرسال آخر أعماله "يوم موت سالمة" إلى الناشر الحبيب الزغبي الذي أعلن عن صدور هذا الكتاب قبيل أيام من وفاته وكأن حسونة كان يريد الاطمئنان على صدور هذا العمل الذي يحمل نقاط التقاء كثيرة مع "يوم موته" أو الأيام الأخيرة من حياته في مسقط رأسه "الذهيبات" من ولاية القيروان.

وعلى امتداد مسيرته الثرية،كتب حسونة المصباحي،هذا الكاتب المثير للجدل،عشرات المؤلفات المتنوعة منها القصة (6 مجموعات قصصية) والرواية (14 رواية) وأدب الرحلة، وأدب الرسائل،وأدب السيرة،فضلا عن الدراسات والترجمات وعن المقالات الصحفية والحوارات التي كانت تصدر له في الصحف التونسية والعالمية.

يقول نورالدين بالطيب في تقديمه للإصدار الجديد إن تمسك حسونة إلى آخر لحظة في حياته بالكتابة ليس غريبا فمنذ بدايات شبابه اختار أن يكون كاتبا ولم ير نفسه في غير مهنة الكتابة،وحتى الصحافة التي عاش منها كان يتعامل معها من موقعه ككاتب،مشيرا إلى أنه كان من الكتاب الذين أثروا الصحافة العربية بترجماتهم وحواراتهم العميقة وتحقيقاتهم وأسفارهم،إذ كان حسونة رحالة لا يستقر على حال حتى في فترة مرضه.

عن حسونة المصباحي الإنسان والكاتب والمثقف المثير للجدل بمواقفه وتصريحاته وحتى خصوماته في الساحة الأدبية التونسية والعربية**، تحدث عدد من أصحابه المقربين منه ممن رافقوه في محطات عديدة من حياته سواء من تونس أو من العالم العربي على غرار أصدقائه من مصر وسوريا والمغرب ولبنان ممن جمعتم به الكتابة والصحافة والصداقة.

ويطالع القراء في هذا الكتاب مقالات في شكل شهادات وذكريات جمعت أصحابها بحسونة المصباحي،منهم الكاتب والروائي المصري الكبير إبراهيم عبد المجيد والكاتب التونسي أحمد بنزايد والروائي والباحث المغربي أحمد المديني والشاعر السوري بشير البكر والصحفي والناقد المسرحي اللبناني بيار أبي صعب والباحثة والأكاديمية التونسية جليلة طريطر.

وساهم في هذا المؤلف أيضا الناقدة والجامعية المغربية الدكتورة زهرة حمودان،التي قدمت قراءة في رواية "هلوسات ترشيش"، والكاتب وسفير المملكة المغربية في تونس حسن طارق، الذي أشار إلى كتاب "الرحلة المغربية" الذي يعكس كيف أن "المغرب يشكل "جزءا أصيلا من المتخيل الأدبي لحسونة المصباحي"،كما تحدثت الصحفية حنان زبيس عن علاقة الصداقة التي جمعتها بالفقيد مشيرة إلى خصاله وطباعه مستحضرة ذكريات لقاءاتها وحواراتها معه،مؤكدة أنه "كان مختلفا على جميع الأصعدة" قائلة منذ حديثنا الأول أدركت أنني في حضرة شخص غير عادي وقامة أدبية مختلفة عن بقية الكتّاب.

وتضمن الكتاب أيضا ذكريات عن فترة الطفولة والصبا بقلم صديقه سمير السبوعي،وشهادة بقلم صديقه عبد الجليل بوقرة المؤرخ الباحث في المعهد العالي للتاريخ المعاصر تحدث فيها عن علاقة حسونة بمثقفي القيروان وعن خيبة تجربته السجنية في سبعينات القرن الماضي ثم عن علاقته بالمسرح والسينما،والريف والمدينة غيرها من التجارب التي عاشها الفقيد وطبعت مسيرته.

وفي شهادته بين الشاعر السوري علي قاسم كيف أن تونس لم تكن بالنسبة إلى حسونة "مجرد جغرافيا" "بل هي كيان من لحم ودم وتاريخ وصراعات ونجاحات وفشل".وتحدث القاص والروائي التونسي محمد بوحوش عن حسونة "النمرود الموسوعي" و"الأديب الذي عاش حرا واختار حرفة الأدب".

أما الباحث المنصف قوجة فقد أشار إلى علاقة حسونة باليسار،وعلاقته بمثقفي القيروان بالخصوص كما استحضر ذكريات لقاءاتهما في باريس وفي مدينة الحمامات،وحبه الكبير لقرية الذهيبات التي أوصى بأن يدفن بها،ووصف حسونة بأنه اكتشف خبايا الثقافة الغربية والتهم كل ما كتبه الروائيون الكبار بلذة كبيرة ولكنه اكتشفها بنظرة رجل الشرق بكل ما تحمله الكلمة من سحر وعمق.

وقدمت الباحثة التونسية نجوى عمامي قراءة في رواية "يوم موت سالمة"متسائلة إن كانت هذه الرواية "وصايا حسونة المصباحي أم خلاصة رحلة المفكر"ووصف الباحث المغربي والأستاذ الجامعي نجيب العوفي حسونة المصباحي بأنه "طائر خارج السرب"، فيما اعتبر الكاتب المغربي هشام ناجح أن الفقيد كان يزاوج بين المؤرخ والكاتب في الآن نفسه.

وعن عاداته اليومية تحدث محمد نبيه المصباحي (ابن شقيقه) عن عمه مستحضرا فصولا من سيرة حياته.أما الكاتب التونسي كمال الهلالي فتناول جوانب من الذكريات التي جمعته بحسونة المصباحي مشيرا إلى أنه كان يبدأ العمل في الرابعة أو الخامسة فجرا،وعبر عن إعجابه بهذا "الكاتب الفنان من طينة خاصة"،الذي أوصى بكتابة بيتين للمعري على شاهدة قبره هما "عللاني فإن بيض الأماني فنيت والظلام ليس بفاني/ إن تناسيتما وداد أناس فاجعلاني من بعض من تذكران".

جدير بالذكر أن فكرة إنجاز هذا الكتاب الجماعي، وفق ما أكده نورالدين بالطيب،ولدت مع الكاتب والمؤرخ عبد الجليل بوقرة قبل اكتشاف صديقهم حسونة للمرض،الذي التمس إرجاء إصداره لكن تشاء الأقدار أن يتوفى وها أن أصدقاءه ينجزون هذا المؤلف في عيد ميلاد الفقيد تحية لروحه وحفاظا على ذكراه،وقد اختاروا له من العناوين "في محبة حسونة المصباحي".

أما أنا أكتفي بالقول عن الفقيد :

كان حسونة المصباحي أكثر من مجرد كاتب أو مدون كان ضميرًا حيًا لتونس،صوتًا حرًا شجاعًا نذر حياته للدفاع عن قيم الحرية والعقل والتنوير. يظل رمزًا من رموز النضال الفكري والإعلامي في تونس،وإرثه الأدبي والفكري مرجعية مهمة لفهم التحولات الكبرى التي عاشها المجتمع التونسي.

جمع في كتاباته بين سلاسة الصحفي،وعمق الفيلسوف،وجمالية الأديب.كما كانت مقالاته مزيجًا من التحليل السياسي والذاتية والتأمل الفلسفي.

تميزت كتابات المصباحي بالاهتمام العميق بالشرط الإنساني،والتساؤلات الوجودية،والعلاقة بين الشرق والغرب،وبين التراث والحداثة.

كما عُرف بتأمله العميق للحياة والإنسان،وكانت كتاباته تحمل حكمة وهدوءًا نادرًا،حتى عندما كانت تناقش قضايا شائكة.

لقد كان طائرا غريبا..حط على غير سربه..وكفى..

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه.وإنا لله وإنا إليه راجعون.


متابعة محمد المحسن 


*كان المصباحي مفكرًا تنويريًا بامتياز،دافع عن قيم العقلانية والحرية والنقد.ترك إرثًا فكريًا غنيًا من خلال:

 الترجمة: كان جسرًا بين الثقافتين العربية والفرنسية.نقل إلى العربية أعمالًا مهمة لفيلسوف التنوير جان جاك روسو، خاصة "اعترافاتي" و"أحلام يقظةالمشي الوحيد". كما ترجم لفولتير وبليز باسكال.

· الكتابة الفكرية: كتب العديد من الدراسات والمقالات التي تناقش قضايا الفكر العربي الحديث،العلاقة بين التراث والحداثة،ودور المثقف في المجتمع.من أهم كتبه الفكرية:

  · "في الحداثة والتقاليد"

  · "محاورات من أجل الغد"

  · "في المعنى والحيرة"

الميزات العامة لفكره وأدبه

1. الانزياح عن التيار: لم ينتمِ المصباحي لأي تيار سياسي أو أيديولوجي مهيمن،مما جعله صوتًا حرًا وناقدًا لاذعًا في كثير من الأحيان لكل الأطراف.

2. التأمل الوجودي: تتسم كتاباته بنظرة وجودية تتأمل مصير الإنسان،وعلاقته بالزمن،ومعنى الحياة والموت.

3. اللغة المكثفة: استخدم لغة أدبية رفيعة، مشبعة بالإحالات الفلسفية والأدبية،مما يجعل قراءته تتطلب تركيزًا خاصًا ولكنها تمنح القارئ متعة فكرية كبيرة.

4. الجمع بين الشخصي والعام: في سيرته الذاتية المتخيلة،كان يحول تجربته الشخصية إلى قضية إنسانية عامة،تعكس هموم جيل كامل ومأزق المثقف العربي.

وخلاصة القول،حسونة المصباحي لم يكن مجرد كاتب،بل كان مشروعًا فكريًا وإبداعيًا متكاملًا.ترك بصمة لا تُمحى في المشهد الثقافي التونسي والعربي،كواحد من آخر "الموسوعيين" الذين جمعوا بين حسن الأدب وعمق الفكر.رحل الجسد، لكن إرثه من الكتب والأفكار لا يزال ينبض بالحياة،ويشكل مرجعًا أساسيًا لكل من يريد فهم تيارات الفكر والأدب في تونس الحديثة.

**راجعوا مقالنا في هذا السياق

بصحيفة-الصباح-في عددها الصادر يوم الجمعة 31 اكتوبر 2008 تحت عنوان " الصباح» تفتح ملف «السرقات الأدبية» والاتهامات بشأنها.

(فتحت «الصباح» في عددها الصادر يوم الجمعة 31 اكتوبر 2008 ملف «السرقات الأدبية».. والاتهامات بشأنها..انطلاقا من «تهمة» وجهت الى حسونة المصباحي ب«سرقته» قصة لإبراهيم الدرغوثي..وقد أثار هذا الملف ردود فعل عديدة على الساحة الأدبية والثقافية في تونس..وكان أن بادر«حسونة المصباحي بارسال نص توضيحي ردا على ما كتبه محمد كمال السخيري بخصوص هذه «التهمة» وبعث في ذات الوقت الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد برأيه في المسألة،كما كتب في ذات الموضوع صالح الدمس ومحمد المحسن..

كل هذه الآراء تلزم أصحابها وما يهمنا بدرجة أولى تفاعل القراء مع مثل هذه القضايا الأدبية «الساخنة».. فباب الحوار مفتوح على صفحات هذه الجريدة بكل تجرد ونزاهة وموضوعية بعيدا عن كل موقف متشنج.. فالهدف الرئيسي يبقى تبادل الرأي وتقديم الحجة بإقناع وبكل هدوء..

ومرحبا بكل الآراء والأقلام الأدبية..")

***ملحوظة : سنوافي القراء الكرام بالنص-كاملا- كما كتبته وقتئذٍ بصحيفة الصباح المشار إلى تاريخ إصدارها أعلاه،رفقة ثلة من الكتاب منهم من وافته المنية،ومنهم من مازال ينتظر..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق