في المهجع
كم أعجبني ذاك الشاب /عبد الهادي/ من دمشق، صاحب الوجه البشوش، الذي أتحفنا خلال جلسة تعارفنا في مركز تجمع النبك لأفراد الجيش، أتحفنا ببضعة طرائف و كلمات أثلجت صدورنا و تدحرجت معها همومنا
قال عبد الهادي - و يا جمال و روعة ما قال - قال: نحن الآن يا شباب أمام واحدة من اثنتين، إما أن نقضي فترة خدمة العلم هذه بشيء من مرح و ابتهاج أو تعاسة و اكتئآب، و قال: أما أنا فقد اخترت الأولى
وقد أتعبتني كلمات عبد الهادي تلك، إذ كنت أتساءل: كيف يمكن للمرء أن يختار السعادة لنفسه؟! ثم أليس من تمام الاختيار تعدد الخيارات، بينما ما من خيار أمامنا نحن سوى أن نخضع و نستسلم لأوامر عسكرية تسوقنا كيف شاءت و حيث شاءت !!
لكنني ما لبثت أن اهتديت إلى إجابة، مفادها أن السعادة تكمن في حسن تعامل المرء مع الواقع و معطيات الواقع
أمسا علينا المساء و دلفنا إلى مهاجعنا التي لا خيار لنا سواها، و على مضض قبلت أن أنام على واحدة من تلك الأسرة الحديدية الصدئة و ما عليها من فراش منتنة و مخدة عليها تراكمات سنين من أوساخ [ أما المخدة فقد غلفتها بمنشفة وجه كانت معي في حقيبة السفر، و كذلك كنت أحمل شرشفا ناصع البياض غلفت بها تلك الفرشة القذرة، و أما البطانية فلا حيلة لي فيها ]
مرهق أنا جدا و أريد أن أنام و أغفو، و لكن !! يا لها من ليلة عصيبة و صعبة جدا، فهذا أحد نزلاء هذا المهجع الرائع يريد أن يأكل قبل أن ينام، و قد أخرج من حقيبته خبزا و تفاحة راح يقضمها و يصدر أصواتا - يصعب علي جدا تجاهل تلك الأصوات التي يصدرها جراء قضمه للتفاحة، و إن كانت مسألة جمع الخبز مع التفاح مسألة غريبة غير مألوفة في طعامنا في الوسط الذي عشت فيه -
و ثمة نزيل آخر من نزلاء هذا المهجع أخرج من حقيبته راديو ترانزسستور و جعل يقلب بين المحطات و يصدر أصواتا مقلقة تطرد النوم و تقضي عليه
و ثمة نزلاء آخرين اجتمعوا فجأة على لعب الورق و ما رافق ذلك من أصوات تقض المضاجع
و ثمة نزيل آخر داهمته نوبة شخير و هو نائم
و ثمة اثنين من الأصدقاء جلسا يسترجعان معا بضع ذكريات - و ليتها كانت ذكريات ذات شأن -
وكتب: يحيى محمد سمونة - حلب.سوريا
إشراقة شمس 79
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق