بين سآمة وحنين
تقت اليــــك ، أبي
وأنا على الــربوة أنتظر
أرقب خـــروجك..
من تحت الجــــبل...توقي
الى خروج الهلال من وراء السحب
يبشّر بالضـــياء ، بالنور الساطع
وأركض نحوك مـــعانقا مقبّــــلا...ثم
أطير نحـــو أمي مبشرا بمقدمك
وأنك ،...لم تجـــرح ولم تمــت
ويضحك وجهها مشرقا ، وتنشط
لتحضر لك الماء والطعام...
ومـــوفور المكان للجلوس والراحة
ثم ، تشرع في الـــزينة...لأن
نسوتنا لا يتبرجن ولا يتزين ، الا
لأزواجهن ، بعد خروجهم سالمين
من المغاور ، من تحت الجبل
تقت اليك أمي
أنت والـــجارات في السقيفة
تنفشين الـــصوف ، وتلك تمشـــطه
وتي تغزله خيوطا ، والشّاي يوزّع
تقت الى المنـــسج ، وأنا
جـــئة ، وذهابا، أســدّي وأنـــيّر
رغم صــغري ، وبراءة الأطفال تهزّني
وينتهي النسيج غطاء ، أو فراشا يدفئني
أو برنسا تحت جناحه شتاء ، أبي يضمني
تقت الى جــدتي ، في ركن دافئ
عليها أستند ، وهي تسرد على مسمعي
حكاية ابن السلطان علي...وكم...تقت
أن أكون كابن السلطان علي ، يوم أكبر
تقت الى توزر ، الى حامة الجريد
أين يقــضي أبي عطلة الســـنة
تقت الى عين النجوع ، الى وادي المشـرع
حيث النساء يغسلن الــصوف على ضفافه
ينشرن الثـياب ، بعد غسلها بالطين الأبيض
تقت الى الصبايا ، منه يملأن القـلال
باللـــيف يغلقنها ، غطاء ومصفاة لها
يحملــنها على ظهورهن تقــــطر
وهن ضاحكات ، زاهيات ، كأنهن في محفل
تقت الى العير ، من الوادي تكرع
والى مناخــها ، حيث ( وقيدها ) يجمع
نجعله فحــما منه النار توقد
عليــها نطبخ مرقا ، أو خبزا ينضج
والســــعادة تغمرنا ، والله نحـــمد
تقت الى عنز ، أحلبه بيدي وأشرب
حليبا سخنا ، منه كل صباح أرتوي
تقت الى خالتي ، تجمع حبات الزيتون
تنقيها ، تغسلها ـ ترحيها ، تعجـــنها
تستقطر منها زيتا عذريا عذب المطعم
تصب منه على الفلفل المهروس
مع بيض مطبوخ ، عليه في الصباح أفطر
تقت الى جمع الحطب معها ، عليه نتدفأ
وسئمت الآن يا أمي المدينة وفوضاها
سئمت ضــوضاءها ، سئمت بناها
سئمت النفاق ، سئمت الصلف...
سئمت الكذب والريــاء ، سئمت العراء
وشابا يقبل فتاة ، على الرصيف
وأخــرى تراود الرجــال دون حياء
سئمت الأرائك والكراسي ، وركوب السيارات
سئمت فوضى المرور ودوس القانون بين الناس
سئمت أماه الشــوارع وما حوت
سئمت نحديثا وحــداثة وما أفرزت
سئمت التلفزة والفضائيات وما قدمت
سئمت الحاسوب ، سئمت كل الوسائط
حتى هـاتفي الجـــوال وما به يأتي
وماذا أقول ، وأقول يا أمي ، ونحن
لم نأخذ من الحضارة شيئا
غير القـــشور ، وتفاهات الفتات
أين منا المـــخابر والبحوث والورشات؟؟؟
أين منا الآلات والابداع والتقنيات؟؟؟
لا شيء أمـاه ، غير نعيق في الأبواق
وكلام فضفاض ،
في الحياة - لا معنى له -
سعيد الشابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق