الخميس، 4 ديسمبر 2025

بِلا وَداع — بقلم الكاتب سعيد إبراهيم زعلوك

 بِلا وَداع — 


بِلا وَداعٍ…

تَفَلَّتَتِ اللحظةُ مِن كَفّي

كما يَفلِتُ الضوءُ من نافذةٍ ضيّقة،

وكان قلبي يحاوِلُ أن يَحتفِظَ بصوتِكِ

ولو كظلٍّ يَرتجفُ على جدارِ المساءِ.


بِلا وَداع…

تراجَعَ الطريقُ عن خطاي،

وأصبح بابُكِ بعيدًا

كمدينةٍ أطفأتِ الغربةُ آخرَ قناديِلها.

لا نداءٌ يَهتدي إليه قلبي،

ولا حلمٌ يَكمُلُ بلا ملامحكِ.


بِلا وَداع…

ظَلِلتُ مُعلَّقًا

بينَ سطرٍ يكتُبُكِ خشيةَ النسيان،

وسطرٍ يَمحوكِ خوفًا من الألم.

بينَ قلبٍ يَنتسِبُ إليكِ

وقَدَرٍ يَشيِّدُ بيننا جدارًا

لا يراهُ إلا مَن يَخافُ الفقدَ مثلي.


بِلا وَداع…

ما زلتُ ألتقطُ رنينَ خُطوتِكِ

كأنه آخرُ ما تركَته الريحُ في المكان،

وأُنصِتُ لصدى البابِ

كأنَّه يُغلِقُ فَصلًا مِن عُمري

أكثَرَ مِمّا يُغلِقُ الغرفة.


وبِلا وَداع…

أكتُبُكِ الآن،

لعلَّ الكلمةَ تُمسِكُ ما أفلت،

ولعلَّ القصيدةَ

تُصبِحُ الوطنَ الوحيد

الذي لا ترحَلينَ عنه.


وها أنا…

أمدُّ يدي في العَتمة،

لا لِأُلَوِّحَ لكِ،

بل لأتأكّدَ أنني ما زلتُ هُنا،

وأنَّ الطريقَ

لم يَبتلِع أثري بعد.


فإن رَجعتِ يومًا…

ستَجِدينَ القلبَ

بابًا قديمًا يُصِرُّ على الفتح

ولو انكسرت مِفصلاتُه.


وإن لم تَعودي…

فلن أنكسر.

سأتركُ اسمَكِ يمضي مع المطر،

وأمضي — وحدي —

كمن يُدرِكُ أخيرًا

أنَّ بعضَ الحكايات

يمضي فيها الإنسانُ

بِلا وَداع.


سعيد إبراهيم زعلوك



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق