الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

قراءة نقدية في المجموعة القصصية (حبرٌ لا ينضب) للكاتبة (خيرة الساكت) بقلم الدكتور رائد الخزاعي

 قراءة نقدية في المجموعة القصصية (حبرٌ لا ينضب) للكاتبة (خيرة الساكت) بقلم الدكتور رائد الخزاعي

مشكور جدا
===
إن النصوص الأدبية ذات طبيعة خاصة تجعلها قابلة للتأويلات المختلفة ،فالنص الأدبي ليس نصاً مغلقاً على معنى واحد،بل هو حمال أوجه،يمكن قراءته بأكثر من وجه،ومن اكثر من زاويةسواء كان ذلك من قبل قراء نفس العصر اوممن يأتي بعدهم،وبأمكان كل ناقد وقارىء للنص أن يكتشف جوانب لا تتيسر للاخر،كلٌ حسب سياقاته التي نشأ فيها هو أو النص،فكل ناقداو قارىءسيكتشف قيماً جديدة،ومعانٍ جديدة،فالنص الادبي الإبداعي يمتلك من المرونة ما يمكن ان يطوعه حسب الرموز المختلفة والاقنعة المتباينة فيمكن للناقد تثبيتها في اسقاطات متنوعة حسب ما يريد،تقرأ شخصية المستعمر،وزمان الاستعمار،والاحداث التي يفتعلها من سرقة وقتل في (حجر الرجم)،والحديث عن الجذور التأريخية والصراع القومي الديني في (الوهم)،وعن خونة الاوطان في شخصيات القردة تلك المجموعات التي تعين على قومها في (خونة الغابة).
والحديث عن الايمان والالحاد في (دعني مطمئنة).
إن كل ما نقوله هو عبارات مكررة عبر الزمن،والكاتب يعد وحي الجمهور،والمستلهم منه مادته السردية،ليصوغها وفق انموذج نوعي حسب ما يرتأيه،ويرى شكلياته،اي يشكله حسب ما يريد،فيشير الى مايتقاطع معه بنحو من القباحة ويظهره للقارىء حسب رؤيته هو،ويستعمل هنا رمزاً وهناك قناعاً،حسب الظرف الاجتماعي والسياسي الذي يتمتع به الكاتب.
فهنا يشير وهناك يصرّح،وفي موضع آخر يدلِ من طرف خفي لا يكاد يبين،ومرة يسوّق تأريخه ويروج له، واخرى يصدر عقيدته ممزوجة بزخرفٍ سردي أخّاذ،وحالة ثالثة يحاول ان يستنقذ حقاً او يجاهر بظلامة مستلبة،فالكاتب رسول لما يكتبه وترجمان لحال الانسانية،فهو المتحدث بما لا يسطيعه الاخرون لسببٍ او لآخر.
قصص(حبر لا ينضب) للقاصة التونسية خيرة الساكت،رزانة في السرد ودقة الوصف،ولغة سهلة بعيدة عن التعقيد متماشية مع التفاصيل السردية صغيرها وكبيرها،كما يلاحظ المطلع على هذه المجموعة،التي تؤخذ من قريب،حيث وظفت الكاتبة لغة تخدم الافكار التي ضمنتها والتي تريد الافصاح عن جوهرها السردي،تضم المجموعة اثنتان وعشرون قصة متفاوتة قليلاً في احجامها تبدأ منطلقة من (قصة الوهم وتنهي بالبقدونس الاحمر )تنطلق من افق اوسع وتختم في البقدونس حيث لا مقاربة ولا شبه ما يدعو القارىء الى التساؤل والحيرة في عمود الالتقاء ونقطة الاجتماع في هذه المجموعة.
تحمل هذه المجموعة بين دفتيها طاقة إدهاشية عالية،من شغف بالتأريخ وحرقة لمظلومية،وتعلق بالوطن والطبيعة،تمكنت الكاتبة من خلال حنكتها كقاصة شابة وتمتلك الجدية والصدق والمهارة من الولوج الى المتلقي من خلال تمرير افكارها والتنديد بما تكره واظهار ما تحب والاعلان عن مطالبها في نصرة الجنس الانثوي والتنديد ضمناً بما للذكور من هيمنة تسحق الاخر وتلغي دوره،لم تتماهى ولم تتختفي انما كان لها صوتها وجودها السياسي والاجتماعي والاقتصادي،تريد ان تقول: إن في المعترك طرفان هو وهي،ولن تنتهي هذه الحرب مادام الظلم قائم.
القصة لدى خيرة الساكت جنس سردي ممتع،ترجع الى تفتقها الذهني،الذي جعل قصتها متميزة ومتألقة،بل هي رائدة من حيث البراعة الفنية،وتسلسل الاحداث الذي تنظمه بشكل متتابع، فالذي يشد القارىءان المجموعة متنوعة،وثرية جداً وسر الثراء تنوع الافكار،وفرادة الحكايات،والمعرفة التي تضمنها الكاتبة بين متونهاالحكائية،فالقصة على قصر حجمها تدخل فيها الإثارة والتشويق والحبكة،تعبر عن الوعي الثقافي بابهى صورة،وتتدفق عندها القيم،تلمس ذلك الخليط الرائع بين القوى الانسانية في التزاحم الوارد بين اهل الحق واعدائهم ،تتحدث عن الضحية وتصف الجلاد وقسوة بني البشر،تبدي التعاطف وتظهر الحنق،فيستشعر من يقرأ لها احساسها ويسمع نبض قلبها المتألم.
تضع بطل قصتها في زاوية قاتمة،حتى يكون دوره او ظهوره كانفجار يهز كيان القارىء فيصدمه ان البطل قد قُتِل منذ بداية القصة وان حبيبته تنتظر السراب الموهم والغائب الذي لا يعود،قصصها واقعية وطازجة تعيش معنا في كل آن ولحظة في يوم تسمع عن وهم اليهود،وتسمع عن مقتل اهل فلسطين،تخاطب الجمع وتحرك احساس الجميع لينهض ويسترجع إرثه المغتصب،.
الكاتبة التونسية (خيرة الساكت) بما تمتلك من يراعٍ ماتع،وأسلوب سردي مبهِج،تمسك إزميلاً لتخط على الصخر أحرفاًبحبرٍ سماوي وتصور المشاهد باسلوبٍ سردي عالي الدقة،تبتدأ مجموعتها القصصية،بالوهم (التأريخي)وتسرد قصة من نصوص العمل السياسي الذي يحتدم الصراع فيه عقوداً من الزمان،قصة أرضٍ مغتصبة وشعب مظلوم،وهذه القصة من الانساق المضمرة في العمل على ثيمة أن اسرائيل لا وجود لها وليس لها تأريخ وليس لها شعب حقيقي!
وهنا نص سياسي جميل يحاول ان يضرب الآخر ويشير الى ان اسرائيل نشأت من حكاية
ابتدأها طالب الدراسات وختمتها نورة بالبحث عن جذور الشجرة الخبيثة حيث لم تعثر على خريطة ولا تأريخ ولا دولة فهي وهم من أولها الى آخرها.
أما (إهداء)فهو الحب الممتد الذي لا تميته الأيام والتحدي الراسخ للنسيان،والذي يصمد ليزيح الرمال عن الغدير ويروي من يبحث عن الحقيقة فالعاشقة تستمر على كتابتها وتدوّن الاهداء الى الحبيب والعشيق الغائب الذي تتتوقع عودته في كل لحظة وتقفز بعيداً الى رحبة قلبه وتناجيه مع غيابه عنها الا انها تستشعر قربه،ومع اصرارها تخرج اختها من صمتها وتصرح لها ان الحبيب انتقل من هذا العالم الى عالم اخر،قتله اهلها!فتتحول في ارسال الاهداء من الجسد الى الروح،ومنعالم الى عالم من عالم الدنيا الى عالم الآخرة (الى روح صاحب الرواية).
وفي حجرالرجم، عناصر القصة الراوي والجدة والشياطين،هؤلاء الذين يحاولون ان يستلبوا رمزية الطهر وبدايات الترقي الإنساني الذي يحاول ان يعرج الى مقام القداسة،حيث القرب من مظاهر التجلي والاصطفاف مع الملائكة للتقديس والتهليل للخالق العظيم،والدلالة المركزية وقطب رحا الحدث هو حجر صغير تستخدمه الجدة في القرية اذا قرب وقت صلاتها للتيمم استعداداً لصلاتها.
خطورة هذا الحجر تكمن في أنه يرجم به كبير الشياطين،الطهارة التي ستزيح الدنس،لذا جاؤوا للبحث عنه وقد ارتدوا لباساً آخر انهم ينقبون عن الثروة يريدون ان يبنوا مصنعاً للحي وهنا تظهر علائم فسادهم ومصائب وجودهم في القرية،يشيع القتل وينعدم الأمان،انهم يبحثون عن ...، قد قتلوا المُذكِر وسرقوا الحجر وضاعت القرية ولم يَعد هناك ما يُخيفهم فكبيرهم لن يُرجَم
يا لكِ من قبرةً بمعمري
خلا لك الجو فبيضي واصفري
في خونة الغابة،تناول النص نظرية تعديل الجينات التي تفسد الاشجار لتقضي عليها فيما بعد،بسبب دخول اجسام غريبة الى الجسد الأم،فتغير في مسارات انظمته،وتعيق نظامه الطبيعي،فالأمة التي تشترك في تأريخها ولغتها وعناصر وجودها حينما تلج اليها الثقافة الغازية تربك رتابتها وتهز كيانها،بسبب انعدام التأقلم واستحالة التجانس مع اضمار النوايا والاطماع فيما عند الآخر فمن المؤكد ان تأتي الجرافات بعد ذلك لتكتسح كل شيء امامها (فالنظام العالمي) يزيل التاريخ والحضارة ويستبدلها بوجوده وحضارته المراهقة ويحلها محل الحضارات التي اكتنفتها الشيخوخة.
حوار بين الملحد والمؤمن لا يظهر ايمانه بنقله،قوانين الفيزياء الى خارج ما يؤمن به،تقول له دعني مطمئنة وما هو الايمان؟ حيث تضع لنا تفسيراً ناداً وجليلاً له الا وهو الاطمئنان،وحتى في كلام البطلة مع جدتها التي تذكرها بالنصيب والزواج وضرورة ان تعمل لذلك الا انها متمردة وغير ناظرة الى كل ما تقول لها ودائما تواجهها بأتسامة،لانه مطمئنة وتعيش الاطمئنان لقد تغير الزمان ولم المرأى انثى للذكر لقد اصبحت كيانا وله اركان لقد تعلمت وعملت، وشاطرت الرأي،ولديها رؤية حول الوجود والعالم.
فرعون والرقم الخاطىء،الحلم داخل الحلم والاستغراق والنزول الى العمق،هذا الحلم المركب والصراع الجزائري الاسباني حو الصحراء الغربية التي يعيش فيها الامازيغ،هناك فرعون يرتدي القناع وله نفس الصفات من الظلم والاستحواذ وسلب الحق من اهله،حيث الى الان لم تسترجع .
العنوان يُبنى على شفرة النص،انتقاد مضمر للأنساق الدينية التي تدّعي أن مصدرها هو الله تعالىفي حين تجدها متناقضة في دعوتها.
المسيحيون ابتعدوا عن،روح المسيح واليهود يتهمون المسيحية ،والاسلام دخله التطرف وصارت تتحكم فيه الاهواءوصراع المركزيات ودخول الايديولوجات.ان رضاء الله ليس في البنايات الفاخرة او التلاطمات الفكرية،انما في سد رمق الجائعين ومساعدة الفقراء،وتتناغم مع الكاتب دايل كارنيجي في مفردة من مفردات صناعة السعادة للفرد من خلال اسعاد الجماعة.
تبدأبغفوة ومفاجأة عزائيل ويزداد الالم بعلم قرب الموت ثم تبدأ الانفراجة بعد ان تُيقظها (ريتا)فتصبح لديها عودة جديدة للحياة بعد الموت وقد منحت فرصة جديدة للعودة.
وتثور الكاتبة على النظام الطبقي المنغلق على ذاته،وتكشف الصراع العنصري الذي لا زالت البشرية تتجاذب معه سلبا وايجاباًوتسلط الضوء على بقعة خافتة تسبب ارقاً لجموع غفيرة من بني البشر ممن ليس لهم الاختيار في خلقتهم.
وفي شخصية الشابة نجيبة رمز للقروية الضائعة التي تُباع في سوقنخاسة العم لخدمة الرجال،وهي بمثابة صرخة على الواقع،تطرق كل الابواب لصناعة الحياة كي تحصل على لقمة تشبعها وترضي زوجها اللاهي،تقاوم ...وتهرب...ثم تنحت الحياة وتصنع تأريخ الفتاة الامازيغية الجميلة التي تنتصب امامها صورة ضحية انوثتها امام غطرسة الذكورية الصماء المتألهة،تحصل على المال من صناعة العرائس اللاتي ترى فيهن جمالها وتحاول ان تهب لهن ما لم تحصل عليه من لحظة التانق والسعة،تضع لهم التاج وتغدق عليهن اكاليل الورد وتنتشي روحها بالفرح،لن تغيب شخصية نجيبة هي تريد ان تصنع العرس وتنشر الافراح التي تطرد شدة تألمها،لكنها لم تستمر على شراء الطين،وحبذا لو استمرت على شراءه،كانت نجيبة تصنع العرائس لتضع في كل بيت اثر لنجيبة التي ذهبت مسرعة لتغوص في النهر ولن تعود فانتشرت روحها مع تماثيل عرائسها توزع بسمات على وجنات الصغرا والكبار وترش اللعنات على من يظلم النجيبات.
قطعة القماش رمزية ناطقة تطلقها المرأة في مجتمع شرقي عربي،وموقف العامة من كسر القيود والتابوهات،انها تحيا حياة شأنها شأن اليفها الرجل،تريد ان تعيش حرة هي لم تذنب كونها انثى،هي تحمل حضن الحياة وروح الجمال،تحب الموسقيى والنغم،تقرأ وتشع مخيلتها بالعلم والنقاء هذا لا يروق للعمدة،هذا يعارض العادات البالية،ويحطم الهيمنة بفأس ابراهيم،لكن هناك امل،لانها تسمع اغنية الحياة المفعمة بالحب.
في هاييتي الصرخة الباهتة والهروب باتجاه الحياةالكريمة بعيداً عن الجوع القاسي،واعتزازاً بالجسد الاسمر الجميل وحفاظاً من العبث،قفزت الفتاة من النافذة نحو حياة اجمل و احتضت السماء علها تجد من ينصفها بين النجوم فتغدوا لامعة لانها طالما عشقت ذلك وتمنته،عنا تجليات العنصرية المقيتة التي يزقها البيض على السود وحنق على المستعمر ذو الكرش المتدلي المتخم بما يحن اليه اهل هاييتي من لقمة الكاتب غاصت في نفس الفتاة واستشعرت لحظة خوفها الممزوجة بجوعها فختمت لها بموت ربما هو ارحم من الحياة الممزوجة بالعنف والزلازل.
المستشارة تعيش عقدة! الحب وهي المانحة فقط، تعشق الرئيس لكنه لا تروقه الافريقيات ،يروق له فقط ثروات الافريقيين لكن لا تروق له الافريقيات مع جسدها المنتصبو بريق عينيها،ولونها الالمعي،هي جميلة لكنه لا يعيرها اهتماما،تقدم التنازلات وتبدي المشورة الخالصة ولكن انى للمستعمر ان يرضيه القليل انه يريد الكل،ولكن لخدمته فقط ! يتنعم بالثروة ويستمتع بخدمة الجواري
هو لا تروق له الافريقيات لانه من ذرية الالهة العظمى يمارس دور العظيم! وقاهر الشعوب والقلوب يأخذ كل شيء الحب والمال ويأمر بما يريد هم فقط.
إن هذه المجموعة القصصية،تعتبر من المراجع القصصية،لأنها استوفت جميع سمات المجموعة القصصية نجد الشخصية والزمان والمكان والحدث وبلا اطناب من الكاتبة خيرة الساكت قصد ملء الاوراق.
تناولت المجموعة المعاني الانساني بغي التأثير في نفوس المتلقين،بابداعية المنتقي التي تجعلهم يتفاعلون مع ما تكتب(خيرة) فهي قريبة جداً من الواقع بكتابتها،بقية القصص تناولت ظواهر وقضايا متنوعة تنم عن ثقافة واسعة تتحلى بها الكاتبة،فيها الحبكة لكنها سريعة الانفراج فهي سلسة ودقيقة في الوقت ذاتها،تتسرب باسلوبها الى شعور المتلقي فتجعله يحزن لحزن الشخصيات،ويفرح لفرحها،وبالنتيجة فأن مجموعة(حبر لا ينضب)كتبت بلغة مؤثرة فيها نسبة شعرية،واستثمرت فيها جماليات اللغة السيميائية،من وصف وبناء وحركة السرد وبنية حدث،ونمو حبكة،وانتقالات دقيقة،بين الزمان والمكان لتشكل خير داعم لقضايا الانسان والانسانية جمعاء ورداً قويا جباراًعلى الجور والقمع وكبح الحريات ومصادرة حقوق الآخر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق