الجمعة، 16 فبراير 2024

صُمودُ غَزَّةَ بقلم:الشاعر الجزائري محمد جعيجع

 



تارِيخُ غَزَّةَ حَافِلٌ ومُرَصَّعُ ... ماسًا وياقوتًا بأَبيَضَ يَنصَعُ
مَسرَى رَسولِ اللهِ مِن أزَلٍ ومَهْـ ... بِطُ أنبِياءِ اللهِ صَرحٌ أَرفَعُ
والمَسجِدُ الأَقصَى المُبارَكُ حَولَهُ ... أَرضٌ وماءٌ والهَواءُ الأَنفَعُ
بالقُدسِ أُولَى القِبلَتَينِ وقَبلَ بَكْـ ... كَةَ قِبلَةً لِلمُسلِمِينَ ومَرجَعُ
في لَيلَةِ الإِسراءِ والمِعراجِ صَلْـ ... لَى أَحمَدٌ بالأَنبِياءِ فَأُجمِعوا
وبِعَينِ جالوتٍ وحِطِّينَ الأَشا ... وِسُ لَقَّنوا الدَّرسَ العُداةَ فَأَوجَعوا
أَعناقَ صُلبانٍ بِقَطعِ رِقابِها ... والسَّيفُ يَفتِكُ والخَنا يَتَوَجَّعُ
ومَضَى الزّمانُ بِتاجِهِ والرَّأسُ تَحْـ ... تَهُ شامِخٌ في عَرشِهِ يَتَرَبَّعُ
والغَربُ والشَّرقُ اكتَرَى أَفعَى تَبُثْـ ... ثُ زُعافَها في جِسمِهِ وتُرَوِّعُ
أَطفالَ غَزَّةَ والشُّيوخَ ونِسوَةً ... وحِمَى فِلِسطِينٍ وأَسرٌ أَفزَعُ
حَرقٌ وتَقتِيلٌ وتَنكِيلٌ وتَجْـ ... وِيعٌ وتَعطِيشٌ ومَوتٌ أَسرَعُ
أَفعَى خَنَت في أَرضِ غَزَّةَ والسَّما ... ويُعِينُها ثُعبانُ رَأسُهُ أَقرَعُ
رَغمَ الحِصارِ صُمُودُ غَزَّةَ شَوكَةٌ ... في حَلقِ أَبناءِ الكَيانِ ويُوجِعُ
أَجسادَهُم أَرواحَهُم أَعوانَهُم ... ومِنَ الأُسارَى عَدُّهُم يتَوَسَّعُ
والجَيشُ قَد كَسِرَت مَهابَتُهُ بِسَيْـ ... لٍ جارِفٍ بَينَ الجُيُوشِ الأَبشَعُ
هَذا الزَّمانُ عَلَى البَوَاسِلِ شاهِدٌ ... وعَلَى الشَّجاعَةِ والنَّذَالَةِ يُطبَعُ
لِصُمُودِ أَنفَاقٍ لَهُم تَحتَ الثَّرَى ... والحُكمُ مُرَّ هَزِيمَةٍ يَتَجَرَّعُ
نَصرٌ وتَوفِيقٌ مِنَ اللهِ العَظِيْـ ... مِ لِأَهلِ غَزَّةَ دَاعِيًا أَتَضَرَّعُ
محمد جعيجع من الجزائر ـ 15 فيفري 2024

أنتَ لسْتَ مثلي بقلم:الأديبة سامية خليفة/

 

أنتَ لم تشْهدِ انطفاءَ القنديلِ في ليلةٍ غيرِ مقمرة، لم تتحسّسْ سرايا القلبِ المظلمةَ كيف يدلهِمُّ عليها اللّيلُ أسودَ وهي منكّسةٌ لواءَ الذّاتِ بخذلانِ فرسٍ لم تفزْ في سباقِ جَريٍ .
أنتَ لم تذقْ مرارةَ الاضطهادِ هربًا من غيلانٍ تمتصُّ عمرَك ، لم تختبرْ لوعةَ الاختباءِ خلفَ المتاريسِ مخافةَ اقتناصٍ، لم تكتئبْ من لحظات تصميمٍ على اعتزالٍ من ذلك العالمِ المصابِ بلوثةِ جنونٍ ، أنت لم تختبرْ إحساسًا بفاجعةٍ وكيف بها ستضطرُّ مرغمًا بأن تفقأَ عينَ الشّمسِ، كي تسترَ معالمَ الحزنِ المعشّشِ في كيانِك.
ذلك الظلُّ يخبّئُ تحتَ جناحيهِ ضوءًا ما يزالُ على قارعةِ الانتظارِ يقامرُ بما تبقّى من ذاتِه ليمنحَ حبيبًا حزمةَ أملٍ وإن بنورٍ مُختلَسٍ لعلّهُ يحظى بتعاطفِ أطيافٍ دخيلةٍ على عالمِه الأجوفِ !!!
للحنينِ اشتعالاتٌ لا تنطفئُ، ذلك الظلُّ هو تلكَ الذاتُ المتمردةُ على حصارٍ هو أشبهُ بغرفةٍ مقفلةٍ رغمَ اتّساعِ الفلاةِ، رغمَ رحابةِ الآفاقِ أمامَ ناظريْها، الظلُّ المثقلُ بحصارٍ من سدودٍ يأبى التّشتُّتَ حتّى وإنْ في شذراتٍ ذهبيةِ اللّمعانِ مهما ضاقتْ عليهِ سعةُ القبرِ المنْفى.
سامية خليفة/ لبنان



الخميس، 15 فبراير 2024

صرخة قلم ــــــــــــ د . صالح وهبة


"صرخة قلم"
يكتبها لكم د . صالح وهبة
قلمي صقر مغرد في في سماء الإعلام
قلمي لو حكيت عنه منين هلاقي كلام !
قلمي صوت صارخ في محكمة العدالة
قلمي نبراس ساطع في بلاط صاحبة الجلالة
قلمي أقوى من القنابل والدبابات
قلمي عابر كل المحيطات والقارات
قلمي باعث للأمل وبلسم للألم
قلمي خافض لحرارة الظلم ورافع للعلم
قلمي مزود بأجنحة العقاب
يعلو بها فوق ناطحات السحاب
قلمي أقوى من الأسلحة والدبابات
قلمي صوته يعلو فوق كل الأصوات
قلمي مميز من دون الأقلام
قلمي له بصمة ثابتة طول الأيام
قلمي لا يؤمن بأنصاف الحقائق
قلمي يبحث عن إنصاف الحقائق
قلم شامخ، متعال وليس له رقبة
لذلك، لا ينحني أمام أية عقبة
قلمي يضخ الحقائق في شرايين الصحافة
ليعرضها على الرأي العام بكل صراحة
قلمي أقوى من السيف فالسيف إلى حين
لكن أنت يا قلمي بصماتك في كل حين
السيف مع الأيام مكروه ومغلوب
لكن قلمي دائما غالب ومحبوب
كل سطر فيك تكتبه ، سراج للتائه المظلوم
وتقف بجانبه حتى يحصل على حقه المهضوم
كل هذا تعمله في صمت وبتقنية عظيمة
لأنك ممسوك في أيدي مؤمنة وأمينة
قلمي جيتاري حين أتقن العزف على أوتاره
يخرج أرق نغماته ليعطي أحلى ألحانه
قلمي صلاحيته سارية لا تنتهي
سيسجل التاريخ حروفه إلى المنتهى
قلمي صمام أمان وضمان لاسمي
الذي يحافظ عليه حتى ألاقي ربي
سيتحدث عني عندما الناس تنساني
فيذكرهم بي وبكل أعمالي
مقالاتي.. حواراتي ومسرحياتي .. أشعاري
محفوظة عنده في حياتي وبعد مماتي .

حوار الأفكار ـــــــــــــ د. غانم ع الخوري


 حوار الأفكار

ياجبل شامخ وقلب كبير
حبي لك استيقظ ع بكير
ملكت النقاء ثلجاً ذا عطاء
سقي حنان دافئ بالزمهرير
حين تقترب مني تملكني الغبطة والسعادة
تراني ك فراشة تراقص الأزهار أونسمة طرية تنعش الأجواء
منك يزدهر ربيعي
أرجوك
تعال واقترب تودد ولا تخجل
لاتقرر الفراق وتعجل
أنا مغرمة فرق العمر والسنوات غير محرمة......
آه ياعلة بالقلب من وجع الحب
قد قَلبَ الزمان الظروف وهيأ الأحداث لألتقي بفاتنة حسناء يجملها الحياء وضفيرة تتهادى على الأكتاف
اينما مرت يخضر العود
تغني الأطيار تنثر عبيرها الورد
آهٍ وآآه على رجل مثلي غربت دنياه هاجر ربيع عمره والخريف والشتاء يعتمر قلبه ترتجف يديه
أحببتك ياصبية
ذات العيون العسلية
ولكن بعد فوات الأوان
لن أدخل الامتحان
عن قناعة و شجاعة
أتخلى عن الأنا
وأكرم نفسي
وأصون شبابك
د. غانم ع الخوري..

نبوءة قلبي ــــــــــــ محمد مجيد حسين


 نبوءة قلبي .. أتاكاما

بين تلك الأصابع
الشامخة في أتاكاما
وعلى مقربة من المحيط الهادي
أرى بعضاً من ظلال روحي
وكأن المسافة تنحني لي
هنالك في موطن نيرودا..
ونبوءة قلبي تحنُ
لدموع فروغ فرخزاد
أشواق لوركا لعناق ماريانا
غرائبية التحولات في أفكار كافكا ..
محمد مجيد حسين

كرهت الحب ـــــــــــ ربعي عبد الحميد


 كرهت الحب

أشتقت فيك
إلى صوت
إلى حرف إلى كلمة
تعيد الروح في جسدي
الذي من بعدك إنهار
فلا قلبي
إحتوى يأسي
و لا عطشي رأى كأسي
و لا صمتك
كان للإحساس إنذار
لهذا أريد نبرتك
لتحييني
و حرف من حروف هواك
ليسعفني و يشفيني
و كلمة …
من خفايا القلب
تحتفظ بها لي كتذكار
كرهت الحب في صمت
فألفت له شعرا
تعذبني مواجعه
لأن الحب أشعار
و أسميته
مواجع من القلب
لعل القلب
إذا قرأ مكاتيبي
سيرسل باقة أزهار
كلمات : ربعي عبد الحميد
R-A 14-12

نِـصْـفِـيَ الـثَّــانـي ــــــــــــ الدكتور راغب أحمدالعلي الشامي


 نِـصْـفِـيَ  الـثَّــانـي

يَـا نِـصْفي الـثَّـاني أَعِــدْ       قَـلْبـاً  سَرَقْـتَـهُ مِنْ جَسـدْ 

إنْ كُنْتَ تَبحَـثُ عَنْ حَلا       في الحُسْنِ مثلي لن تَجِدْ

أو كُنْتَ تَبْحَثُ عن هَویً       فالــحُـبُّ عنـدي مُعْـتَـقَـدْ

أنـا مَنْ تُصــانُ عُهُــودُهُ        لا ليـسَ يُـشْــبِهُني  أَحَــدْ

لا تَـــحْــسِدوني إنَّـنـــي       ما كُـــنْتُ أؤمِـنُ بالْحَـسَدْ

بِلْــــقِيسُ جَاءتْ حَظَّـها        مِنْ هُــدهُـدٍ طافَ الــبَـلَدْ 

رُزِقَـتْ سُلــــيْمَانَ الَّــذي       حَكَــمَ الـعَـوَالِـمَ  بالــعَدَد

والحُــبُّ مَكْـتُـــوبٌ لــنا        من قَبـــلِ أنْ نُـولَدْ  وُلِــدْ

للْعِشْــــــقِ عِنْدي صَفْوةٌ         بالنَّــــفْسِ والرّوحِ اتَّـحَدْ

يكْفـــــيكَ قــلْبـاً عاشِـقاً        زَرَعَ المَـــــحَبّـةَ واجْــتَهَدْ

سَبْــعٌ عِــجَافٌ ما لَـــدَيْ        سَبْعٌ من الخُضرِ احْتَـصِدْ

كُــنْ ياحبــــيبي واثِـــقَاً         من حُبِّــــنـا طولَ الأَمَـدْ

يَعْــــقوبُ أبْصَـرَ فَــرْحَهُ       من ريــحِ يوسـفَ إذْ وَرَدْ

حتّی بِـفَـــرْحِهِِ قد هُـديْ       فَـــرَحَ الأُبُـــوَةِ  بالْــــوَلَـدْ

وأنـا وعِشــقي مُحْـــكَمٌ        قدْصِـرتَ نصفي والسَّنَـدْ

بقلمي الشاعر 

الدكتور  راغب أحمدالعلي الشامي

2024/2/15

رباط الحب ــــــــــــ يوسف بلعابي


 رباط الحب

يا من تعلق قلبي بك
اني في الحب لا أخون
وحبك علي لا يهون
أنا من عشقت بصدق
أبدا لا أتغير ولا أتبدل
مهما كان أو يكون
أنا مثل الشمعة
أذرف دموعي
أحترق أشتعل
لأنير لياليك
أنا الحضن الدافئ
والملجأ الامن
فيهما تستريح
أنا الصديق والأخ
والأب والرفيق
أوقات الشدائد والضيق
أنا سر سعادتك وأفراحك
أنا الحارس الأمين
في مقلتي عيني تسكنين
هذا هو رباط الحب
أن تثقي بي وأثق بك
فالحب ليس لعبة
الحب شيء مقدس
الحب يستمر بالنقاء
الحب مشعل
لا يحمله إلا الأوفياء
الحب الحقيقي
هو أن تكوني معي
وأكون معك
في كل لحظة وحين
في السراء والضراء
في الافراح والأتراح
بقلمي يوسف بلعابي تونس

تَعَالَي ـــــــــــ مريم كباش


 تَعَالَي

------------------------
ضلالٌ حديثُ الهوى والأغاني
ووهمٌ جميلٌ سرى في الأماني
ليغزو القلوب بحاءٍ وباءٍ
يصبُّ الحنين لظىً في كياني
أتذكر قلبي غداة أتانا
فصاد الشُّعور بسهمٍ رماني ؟
وراح يغرِّدُ فوق غصوني
كما الطَّير يشدو على غصنِ بانِ
يراقص روحي بهمسٍ جميلٍ
فأغدو لديه أسيراً أراني
تغنِّي طيور الرِّياض لأجلي
مع القلب ترجيع صوت المثاني
وإلفين صرنا بذاتي هواهُ
وروحي تباهي بذاك القرانِ
وأحسست أنِّي أميرة عصري
وأنِّي مليكة عرش المكان
ينام كطفلٍ بحضن قصيدي
إليه تشير أيادي البيانِ
ويصبح لحن القوافي بحرفي
إذا صاغ شعراً بهيَّاً لساني
أخالفتَ قلبي وصايايَ عمداً
مشيتَ إليهِ بغير توانِ ؟
وسلمَّتَ أمري وسرِّي ونبضي
وأرخيتَ للحبّ طوعاً عناني
أما قلتُ : ياقلبُ , ياروحُ مهلاً
سيجرحنا الحبُّ لو تعلمانِ
أترضى فؤادي أعيش سقيماً ؟
أترضى لجفني وروحي تعاني ؟
حريقاً يصبُّ التَّجافي بصدري
ونارُ الجوى تستزيد دخاني
وموجُ الهموم علا فوق شطِّي
غريقٌ بدمعي , ونومي جفاني
فبئس الفؤاد يبيح عذابي
وبئس الخيالُ مريراً سقاني
تضمُّ عليه الحنايا برفقٍ
وتروي هواهُ بفيض الحنان
يجيبُ فؤادي : هناك دعيهِ
كفاني ملاماً وعذلاً كفاني
فما انصاع خفقٌ لنهيٍّ وأمرٍ
وفي حبِّه النَّبضُ عمداً عصاني
فمازال غيثاً يُرَوِّي حياتي
يعيد ربيعي لعمر الزّمانِ
تعالّي إليهِ بشوقٍ تعالَي
أزيحي الظُّنون وشكَّاً غزاني
فإنِّي أراهُ بكلِّ المرايا
بكلِّ الزَّوايا , بكلِّ الثَّواني
بيومي أراهُ , بليلي سناهُ
بقلبي نداهُ , حبياً أتاني
تعالّي نعيد الأماني بهاءً
نضيءُ اللَّيالي بحلم التَّهاني
وندنو إليه بلحن القوافي
نغنِّي هواهُ بأحلى المعاني
سيبقى هواهُ , بقلبي شذاهُ
تبعتُ خطاهُ بحلمي المُزانِ
بشعرٍ أتاني , بحرفٍ رماني
بلحنٍ سباني, بحبٍّ شداني
سأسقي ودادي , وبوحَ مدادي
وحبَّاً أهادي بخمر دناني
---------------
بقلمي :
مريم كباش

الحرمان ـــــــــــــ عبدالمنعم عدلى


 الحرمان

خيرونا إنتم مين
إنتم ال حبيتوا أنفسكم
ولا إختارتوا حب الجار
تركنا حب النفس
وحبينا الجار
أتارى الجار نار
وإحنا ذى ماإحنا
الحب لايشترى
ولايباع ولكن
إختارنا الجار
سند لينا من الدمار
أتارى ياعين
سلط علينا
الجار نار مولعة
حرمتنا من
الأهل والخلان
يخسارة على
أيام كنا
فيها عمى البصر والبصيرة
وإحنا ال إعتمدنا عليهم
وكنا فى الأصل
بندور على الجار
قبل الدار
يخسارة على
ناس فى العما أحرار
مساكين مانعرف
عدو من حبيب
وكل ده كان ليه
حب النفس
والنفس أمارة بالسوء
ياعين علينا
خسرنا الدار
والأهل والأصحاب
وأصبحنا على
شفى حفرة من نار
وحرمونا نكون أحرار
ليه يادنيا ليه
عملنا فيك إيه
حرمتينا من
كل ده ليه
بقلمى عبدالمنعم عدلى

الرّغيف الطّازج ـــــــــــ كمال العرفاوي


 *الرّغيف الطّازج*

نهضت فاطمة، وهي أرملة شابّة، في الثّلث الأخير من اللّيل، رغم البرد القارس، والأمطار الغزيرة، والرّياح العاصفة الّتي تكاد تقتلع خيمتها البلاستيكية المتواضعة الّتي نصبها لها جارها محمّد في المخيّم على الشّاطئ لتحتمي بها مع أبنائها الصّغار من القرّ، وصلّت صلاة التّهجّد الّتي اعتادت على أدائها بكلّ خشوع. ولمّا أذّن المؤذّن لصلاة الفجر، أدّتها في تذلّل وخضوع للّه، وقد تبتّلت إليه تبتُّلا، ودعته أن يفرّج كربها وييسّر حالها، وينصر شعبها على العدوّ الصّهيونيّ الغاشم. ولمّا فرغت من الصّلاة، تفقّدت أبناءها الصّغار، فوجدتهم يرتعشون من البرد والجوع بسبب فقدانهم للطّعام والغطاء الكافيين، وللمنزل الّذي كان يحميهم بعد أن هدّمته صواريخ العدوّ القاهرة، وأجبرتهم على النّزوح في رحلة طويلة وصعبة وسط القصف والخوف والرّعب والتّعب والتّفتيش والإهانة من مدينة غزّة في الشّمال إلى مدينة رفح في الجنوب الّتي استقبلتهم بصدر رحب رغم الظّروف القاسية الّتي يعيشها الجميع دون استثناء في هذه الفترة العصيبة من العدوان الصّهيونيّ على مقاطعة غزّة إثر عمليّة طوفان الأقصى البطوليّة...
تركت فاطمة أبناءها نياما بعد أن غطّتهم جيّدا بما تيسّر من الأغطية، ورسمت على جباههم قبلات حنان، وأوصت جارتها مريم بتفقّدهم بين الفينة والأخرى إلى حين عودتها إليهم مُحَمَّلة ببعض أرغفة الخبز من مخبزة المدينة، فأبناؤها لم يتذوّقوا طعمه منذ ثلاثة أيّام متتالية، ولولا الأرز المسلوق الّذي كانت تتحصّل عليه من أهل الخير لما استمرّوا في الحياة...
طمأنتها مريم قائلة:
- لا تخافي ولا تجزعي يا فاطمة، فأبناؤك هم أبنائي، سأعتني بهم كفلذات أكبادي.
ابتسمت فاطمة ابتسامة خفيفة، حزينة، وقالت لها:
- شكرا لك يا مريم، دمتم في رعاية اللّه وحفظه.
أسرعت فاطمة الخطى، وهي تعُدّ نقودها القليلة، وتمنّي نفسها بالوصول باكرة إلى المخبزة. ويا لخيبة مسعاها، لقد وجدت صفّا طويلاً جدّا من أبناء وطنها، شِيبا وشبابا، رجالا ونساء، كلّهم جاؤوا من أجل الظّفر ببضع أرغفة من الخبز الطّازج. اصطفّت وراء من سبقوها في الوصول إلى المخبزة، وبقيت تنتظر دورها للحصول على الكنز الثّمين. مرّ الوقت بطيئا، ثقيلا، كئيبا ككآبة هذا الشّعب الأعزل المظلوم...
كانت فاطمة من حين إلى آخر تتجاذب أطراف الحديث مع بعض النّسوة اللّاتي كنّ يروين مآسيهنّ، وقد مرّ من الوقت قرابة سبع ساعات منذ وصولها، فحان دورها، وحصلت على ثلاثة أرغفة من الخبز الطّازج اللّذيذ، فانشرح صدرها، وانبسطت أسارير وجهها، وأصبح حلمها حقيقة...
سارت فاطمة عشرات الأمتار مسرعة نحو خيمتها
لإطعام أبنائها، وفجأة سمع الجميع أزيز طائرات مسيّرة تحلّق في السّماء باعثة الرّعب والخوف والجزع في النّفوس، فتسارعت نبضاتهم، وارتجفت أوصالهم، وارتفعت أصواتهم وأكفّهم إلى السّماء داعية، مُتضرّعة للّه، طالبة الحفظ والسّلامة...وما هي إلّا لحظات حتّى ابتدأ القصف الهمجي العنيف، فتناثرت الجثث والأشلاء في الشّارع، وتهدّمت المخبزة والمنازل المحيطة بها، وصارت رُكاما وغُبارا، واشتعلت فيها النّيران، وتصاعت منها أعمدة الدّخان، وارتفعت أصوات الاستغاثة والألم من كلّ مكان، وسالت الدّماء أنهارا وَوُديانا...
في تلك اللّحظات احتمت فاطمة بأقرب بناية رغم علمها بأنّ كلّ المباني في قطاع غزّة هي هدف مُحتَمل للقصف... وبعد بضع دقائق غادرت طائرات العدوّ سماء المنطقة، فهرعت فاطمة لمساعدة الجرحى والمصابين، وهي الّتي تلقّت تكوينا سريعا في الإسعافات الأوّليّة، علّها تنقذ بعضهم. لكنّ رصاصة غادرة أصابتها في ظهرها، ولم تمهلها لإكمال مهمّتها النّبيلة. فقد كان يترصّد خطواتها السّريعة قنّاص صهيونيّ جبان من إحدى البنايات الشّاهقة بمنظار بندقيّته المجرمة، فسقطت على الأرض تتلوّى من الألم، وفي يدها أرغفة الخبز الّتي تضمّخت بدمائها الطّاهرة، وفي عينيها مزيج من دموع الفرح بنيل الشّهادة الّتي طالما حَلم بها كلّ فلسطينيّ حرّ يرغب في العيش في أمان وسلام ككلّ البشر على وجه البسيطة، ودموع الحزن على فراق أبنائها، قرّة عينها، قبل إطعامهم الخبز الّذي وعدتهم باقتنائه لهم...
كمال العرفاوي في 13 / 02 / 2024

يُبْرِقُ الغَدُ فَتَسْأل ــــــــــــ محمد التوني


 يُبْرِقُ الغَدُ فَتَسْأل: هل مِنْ بَرْقِهِ نُور؟

فَتُجَابُ: لا نُور ولا حُبُور
فالأرضُ جَمِيعُهَا تَطْلُبُ النُّذُور
وتَلفِظُ مَا أُلْقِيَ بها مِنْ بُذُور
تَأْبَىٰ على نَفْسِهَا دَفْعَ المُهُور
أو زَرْعَ النُّجُومِ في لَيْلٍ مَبْتُور
الأرضُ قَبِلَتْكَ..
لَكِنِّهَا لَمْ تَقْبَلْ مَا قَبِلْتَهُ أَيُّهَا الغَرُور
محمد التوني

رقصة حبّ اخيرة قصة لــ ليلى المرّاني

 


رقصة حبّ اخيرة.../. قصة قصيرة

ليلى المرّاني/ من العراق
لا يزال الأرق اللعين يمارس لعبته الخبيثة معها، تغطّي رأسها؛ تجده متربّصاً لها يضحك ساخراً تحت الغطاء، أصبح سوطاً بيد مجنون، يجلدها متلذِّذاً كلّ ليلة، وحين لا تجد مفرّاً سوى أن تستسلم؛ تهاجمها قوافل ذكرياتٍ تحاول نسيانها.. تشعر بحياتها مملّةً أقرب إلى اللاجدوى، تحاول أن تستعيد نفسها، تبعثر نظراتها في أرجاء غرفتها الصغيرة؛ فتطالعها صورة بيتها الواسع وحديقته الغنّاء، وزوج تركها وثلاثة أطفالٍ ورحل مبكّراً، تطلق حسرةً على أيّام عزّ مضت.
أمامها مرآةٌ تعكس ساخرةً وجهها المكتئب، وثمة كتب منسيّة وشمعة خضراء تآكل نصفها، تتطلّع مليّاً في صورةٍ لها بالأبيض والأسود، معلّقةً على الحائط، تنهض وترفعها، تمعن النظر فيها ثمّ إلى وجهها في المرآة، يشهق جسدها متحسّراً.. ياه!.. كم تغيّرتُ، أين ذلك العنفوان وتلك النضارة؟
تسرح بعيداً بأفكارها، ثمّ تعاودها فكرة راودتها منذ حين، سمعت ابنتها وصديقتها تتحاوران..
- لا أدري ماذا أفعل بملابس والدتي وأغراضها الأخرى .... تقول الصديقة
-إبعثيها إلى الجمعيّات الخيريّة... تقول ابنتها
- والصور؟ هناك المئات من الصور القديمة.
- أحرقيها...
- كيف؟ قلبي لا يطاوعني، صورنا أنا وأخوتي حين كنّا صغاراً، صور للعائلة وللأجداد... هههه، وأجداد الأجداد..
تضحك ابنتها….
- اعرضيها في المتحف
- أتسخرين؟
- وماذا عسايَ أن أقول؟ أنا مثلكِ حائرة….هل نسيتِ أنّ أمّي هي الأخرى في أيامها الأخيرة؟ ماذا سأفعل ولديها مئات الصور وأشياء اخرى تخصّها؟
تبتلع ريقها علقماً، تتحسس بطنها الذي يحمل قنبلةً موقوتة لا تدري متى تنفجر وقد هدّها المرض الخبيث،
تجول دموع في عينيها، تتذكّر صندوقها الذي استحال لونه إلى تراب، تمدّ يدها تحت السرير، تكاد تسقط.. وبكلّ جهدها المتخاذل ترفعه.. " العمر يمضي مسرعاً خطاه…"
تختنق بغصّة طعمها موت ومرارة...
.." ماذا سأترك لأولادي؟ لا شيء غير هذا الصندوق العتيق ومئات صورٍ لا تهمّهم بشيء.."
تنشرها على فراشها، صور عائلية قديمة فقدت ألوانها، وتآكل بعضها، كانت قد أرشفت معظمها حسب تواريخها وشخوصها، يخترق سمعها صوت ابنتها وهي تضحك ساخرةً "
اعرضيها في المتحف ..."
فيضحك صوتٌ في المرآة، " نعم، ماذا سيفعلون بها، هم يؤرشفون أيامهم وأعيادهم وحتى ضحكاتهم على أجهزتهم الذكيّة، لم يعد للصور الورقيّة حيّز في عالمهم الذي يلهث وراء كلّ جديد.. سيتخلّصون من هذا الإرث الثقيل.."
- كيف؟..
- يحرقونها.. يهبونها إلى الجمعيّات الخيريّة مع ملابسك وبقايا عطورك.. أو ربما...
- ربما ماذا؟.. ينشب خلاف بينهم بسبب هذه الصور اللعينة؟ إذن سأعفيهم من هذه المهمة الصعبة، سامزّق الصور وأحرقها..
- تفتح ظرفاً بعد الآخر، تتأمّل ما بداخله، تتوقّف طويلاً عند ظرفٍ كبير متخم بصور أولادها.. هذه ندى وهي تتأرجح بخطواتها الأولى.. وميض،عائدًا من المدرسة ببدلته الزرقاء في يومه الدراسيّ الأول.. وهذه تينا حبيبتي في عامها الأول.. ويقع نظرها على صورةٍ تلهب مشاعرها، أوّل يوم في بيتهم الجديد، محتضنةً أولادها وزوجها يقف خلفهم يحتضنها بحبّ..
تناثرت حبّات دمعٍ ساخنة فوق الصورة؛ مسحتها بشفتيها..
الظرف الآخر .. وفيه صورها في الجامعة، تتأمّلها الواحدة بعد الأخرى.. آه.. كزهرةٍ بريّة جميلةٍ كانت، تحوم حولها أسراب النحل، ترتسم على وجهها ابتسامةُ طفلة حين تذكر كيف كانت تتعمّد إظهار مفاتنها في الصور، كي تثير غيرة صديقاتها، ورغبة الذكور فيها...
يعود من جديد ذلك الشعور الذي سيطر عليها ويشعرها بالعدم، الخطوات تسارع بعضها إلى محطتها الأخيرة بعد أن هدّها المرض الخبيث. بيدٍ مرتجفة، تخرج صورته.. ياااااه.. كم من العمر مضى منذ أن أطلق الحبيب ساقيه للريح حين سمع قرقعة سيوف الأهل وخناجرهم، معلنةً رفضه زوجاً لها..!
لا يزال بعض نبضٍ في القلب يهفو إليه، تحمل الصورة، تضعها على موضع القلب.. بحركاتٍ مرتعشة بطيئة ترقص معه.. تدور الغرفة بها.. وتدور معها، تطبق جدرانها عليها، فتسقط محتضنةً حبيبها الذي هرب..