الاثنين، 10 أبريل 2023

لحظات من نور ــــــ محمد بن سنوسي من سيدي بلعباس


 لحظات من نور

عندما تعانق الكلمة الإحساس النبيل
ترتقي الجوارح فتلامس البديل
دروس و مواعظ و محكم التنزيل
وعودة بالمواقف للزمن الجميل
أيام معدودات و منبر أصيل
تشع و تنير بيوتكم في الشهر الفضيل
********************
مسار تتوق نفس الصالح أن يستطيل
لترسي درب الجنان قبل فوات الأوان
*******************
أيام ترفع النفس فيها البنيان
بالذكر و الصلاة و حفظ اللسان
فتتعطر الجوارح و تسمو بالكيان
إذ بها الخشوع و آية نزول القرآن
فأطلق لجوارحك بالخير العنان
لتشهد لك حسناتك نهاية الزمان
ساعات صيام و عبادات حسان
فمرحبا بك شهر الخير رمضان
****************
تفتحت أبواب النعيم و الأمان
و أغلقت زوايا شرور الملهى
*****************
نفحاته بهية تتحقق معها المنى
تقود الجوارح برفق لساحة الهدى
تسمو بالفؤاد برقة لإشعاع الدجى
و تتلألأ النفوس شوقا لطلب العلا
ذكر و تراويح و تلاوة آيات عظمى
توثق للنهل من عابر بسرعة يفنى
فتقبل ربنا من نفوس لإرضائك ولهى
وتجاوز عن المسيء و من للخير سعى
محمد بن سنوسي من سيدي بلعباس
الجزائر

عبرت المحيط ــــــــــ سعاد محمودي


 عبرت المحيط..

على ظهر حرفي..
نسجت الشراع ..
من نور الأماني..
و زيّنت السّماء ..
شدوا جميلا..
نثرت الحروف..
على وجنتيها..
كطوق بجيد الحسان..
اذا ما غزلت الرّبيع بساطا..
تكون الازاهر والأقحوان..
بفرشتي غرست الرًروابي..
بساتين..
لوز
و خوخ
...و تين..
تباهي النّسيم العليل
و كلّ يناغي ..
شموس الدًلال
و ليلي مراح ليوم تعرّى..
و فاح اساه الطّويل..
قمور لكّل محبّ دنت..
تواسي ليالي السّاهرين..
و انًي خبزت الرّغيف ..
و اولمت الحرف للجائعين..
وكنت الدّثار ..
يوم الصقيع..
وكنت اناجي..
الشّتاء الثقيل
فيا حرف املأ..
دناني..نبيذا
و اسكب كؤوسي للشاربين..
سعاد محمودي

التيه ـــــــ الشاعر د عبد الفتاح العربي


 التيه

رأيت في قوس قزح ألوان،لكن الزمان ليس الزمان
رأيت السماء لا أراها سواي ،لا أدري فقد قال لي ما قال
هو ذاك الذي يلهمني من رحيق الشيء ،البعيد لا يناله الا العارفين
رأيت ستارا وراء ستار ،أمطت ما لا أراه بل يراني ،لكنه دلني
لكنه الشيء الذي يضيع
رأيت أشياء فيها تيه و فيه أسرار الكون الضائع في كهنوت الانوار
رأيت التجلي في ليلة ظلماء ،نوره بعيد و خيوط النور لا ترى
رأيت مصباح الحياة نوره خافت كأن الموت يلازم الامل
يغلبه تارة و يموت الموت أخرى
رأيت كل شيء في السراب
حتى الموت رأيتها كما العذاب
رأيت ذلك الذي لا تراه أنت أيها العابد
فأنا أعبد من أعطاني مصباح النور الخافت
لا أرى إلا ما تراه أنت يا نور
لا تنطفأ ابدا مادام الكون صامت
رأيتك عاكف ،عابد،جاثم،ساجد
تجري الدموع تطفأ حريق جهنم
رأيتك تدخل مكان النور فلا عدت أراك
و لا أرى النور و انطفأت الأنوار
رأيت النهاية و خراب الديار
استوى كل شيء و جاء الواحد القهار
الشاعر د عبد الفتاح العربي

ترنيمة الطفل ـــــــــ زهراء شاكر حمادي


 ترنيمة الطفل

رتل الطفل حين ذرّ شعاع الشمس
في الصبح لحنهُ ترتيلا ((١))
ربّ هبّ للنهار صبحًا أغرّ
الوجهِ باليمن ضاحكًا موصولا
ربّ هبّ للسهولِ عشبًا نديا
زاهي الالوان بالورود تشكيلا
ربّ هبها قُرَنفُلا ورياحينًا
وفُلاً وياسمينًا خضيلا ((٢))
ربّ هب للحقول ماءً فراتًا
وروابي التَّلاع ظلاً ظليلاً ((٣))
ثم فجرَّ حلو الينابيع فيها
عذبةُ الري، ثرةً، سلسبيلا ((٤))
رب هب للطيور لحنًا رخيمًا
تتغنى شدوًا بهِ وهديلا ((٥))
طيورًا مُسبحاتٌ، نشاوى
لك بالحمد بكرة واصيلا
ربّ هبّ للحِملان مرعى خضيلا
ربّ هبها الفراء ، حلوًا جميلا
ربّ دعها تَقرُّ وعلى السهلِ عُشبًا
عطرًا ناعمًا وتغشى الحقولا
ربّ نفس عن الحزين وسليهِ
وخفف همًا وعبئًا ثقيلا
ربّ هبّ للسجينِ بعد عناءٍ
وشقاءٍ حُريةً وسبيلا
ربّ هبّ لليتيمِ قلبًا يواسيهِ
وشخصًا يحنو عليه طويلا
ربّ هبّ للضريرِ عونًا
وللمسكينِ خُبزًا وملجأً ومُعيلا
ربّ هبّ للغريبِ امنًا وعافي
كل شخصٍ واشفي المريض العليلا
ربّ هبّ لي علمًا وفضلًا به انفع
قومي وموطني والقبيلا
أنتَ يا ربُّ خالق الكون حقًا
فلكَ الشُكر كل يوم جزيلا
ليس في الحق من يرى لكَ ندًا
وشريكًا وصاحبًا ومثيلا ((٦))
لستُ ارضى عن غير حُبكَ يا ربي
ولاعن رضاك ، امرا بديلا
((١)) ذرّ / شع
((٢)) خضيلا/ بليلا .
((٣)) فراتًا / عذباً ، وروابي التلاع _ المرتفعات من الأرضين
((٤)) ثرة _ غزيرة ثجاجة المياه ، وسلسبيلا عذبة سائغة .
((٥)) الهديل _ صوت الحمام والفخات .
((٦)) الند / الكفء
زهراء شاكر حمادي

يا أمّةً ــــــــــ عائدة قباني


 يا أمّةً أخنى على روحٍ لها

معنى الضّياعِ وقادها نحو العدم
حتّامَ هذا الذلُّ ينثرُ شوكَهُ
يُدميهِ قلبَ القدسِ يُهديهِ الألمْ
أوّاهُ يا قدسي الحبيبةَ ما جرى
مضُّ الجراحِ أفاضَ دمعاً ماهَ دمْ
خانت ْ أُساتُكِ حينَ جندلكِ الأسى
فاشتدّ هولُ الخطبِ بأساً واحتدَمْ
لا نخوةٌ عصفتْ بهم لا شدّهم
ريحُ الإباءِ ولا بدا منهم شممْ
متخاذلونَ وعيشُهم ذلّا همى
أحنوا الرؤوسَ ومالؤوا ذاك القزم
لا حسَّ فيهم لا ضميرَ يؤزُّهم
باتوا كصخرٍ جُلْمُدٍ قاسٍ أصمْ
كلّ المآسي والخطوبُ دُموعُنا
ما استنهضت فيهم بقايا من هِمَمْ
ثكلى تنوح حرائرٌ سحلتْ وما
هبّوا ولا سارتْ بهم يوماً قدم
أينَ الأُلي إنْ صرخةٌ ردّ الصّدى
صلّتْ سُيوفُ وصالَ جيشٌ واقتحَمْ
تُعساً وقَصْماً للعبيدِ ونسلهم
وعسى إلهي عرشَ زيفِهِمُ حطَمْ
من باع قدسي للأعادي وانتشى
في شربِ نخبٍ للعمالةِ وابتسمْ
قدسي فداكِ الرّوحُ يا بابَ السّما
معراجَ أحمدَ ذا النّدى والطّيبُ عمّ
ومباركٌ ما حول أركانِ الحمى
ومُوشّحٌ بالنورِ أقصى مِنْ قِدَمْ
ذا شعبُكِ المقدامُ يمتشقُ الرّدى
بركان نارٍ يغتلي بلظى الحمم
هذا الشبابُ الحرُّ ذخرٌ للحمى
ليثٌ هصورٌ إنْ تواثبَ أو عزم
صقرٌ وإن غلّوا جناحه ما اشتكى
طاف الأعالي واعتلى تيك القمم
في همّةٍ تحدوهُ قطفاً للمنى
والقيد ياللقيد معصمَهُ وسَمْ
ومضى يشقُّ الرّيحَ في إثْرِ العِدا
للثأرِ هبَّ وما توانى .. وانتقم
لن ينثني الأحرارُ يا وطنَ الفِدا
عن بذلِ روحٍ تفتديكَ بدفقِ دَمْ
نعمَ الأشاوسُ والحماةُ لذا الحمى
في قلبِهم تغلي وتضطرمُ النِّقَم
لله نودِعُهم ومسجدَنا الذّي
طهراً تهامى فوق باحاتِ الحرَمْ
فالله خيرٌ حافظاً هوَ حسبُنا
عدْلٌ خبيرٌ قادرٌ نعمَ الحكم
عائدة قباني

دشرة قصة لـــــــ محمد بن الحاج


 قصة قصيرة

بقلم:
محمد بن الحاج
دشرة
لفظته عربة نقل البضائع من صندوقها وقد تصلبت أعضاؤه من طول السفرة.
كانت ظلال المساء تخيم على المكان ،تخترقها اقباس باهتة من نور القمر المتسللة
من خلال الغيوم.
عض بنواجده على مقبضي حقيبته المهترئة التي لم تفارق حضنه منذ انطلاق الرحلة
وكأن بجوفها أثمن ما في كنوز كسرى!
استوى واقفا يشد وسطه بكلتا يديه وقد بدت على ملامحه علامات الضنى.
أجال بصره في المكان.
كل شيء كما تركه منذ شهر تقريبا. الطريق الاسفلتية الضيقة التي تركها المستعمر
تمتد على مدى البصر مخترقة أرضا قاحلة لاحياة فيها سوى لبعض النباتات
الشوكية والزواحف.
ألقى الحقيبة على ظهره واتبع مسلكا تربا متعرجا وسط سكون مطبق يقطعه من حين
لآخر نقيق الضفادع وعواء كلاب شبقة.
تراءت له أضواء قناديل الزيت الخافتة من بعيد تشع من نوافذ بيوت الطين المنتشرة
على الربوة هنا وهناك.
لقد ظلت هذه الدشرة على حالهامنذ عقود غابرة.
استقرت بها فئة من البشر في منأى عن الحضارة،وفي صراع دائم مع قوى الطبيعة
للبقاء.
هم اهله وعشيرته ،عاش بينهم وربطته بهم علاقة متينة ويعز عليه ان يفارقهم.ولكن
عليه أن يغير حياته وحياتهم،فشد الرحال إلى العاصمة تحدوه آمال عذاب ورغبة
جامحة في بلوغ مرتبة البشر.
لما أشرف على النجع،اعترضته الكلاب مبصبصة بذيولها ،ونهقت أتان أبيه مرحبة
بعودته.
استقبلته والدته التي لم تنطق منذ ولادتها،ضمته إلى صدرها ثم أسرعت تعد له بعض
لبن الماعز وخبز الذرة.
جمع بعض الحطب واتخذ لنفسه مكانا قرب جدار بيت الطين.
أضرم النار في الحطب ثم دخل إلى الكوخ وأحضر مذياعا في حجم قبضة اليد.
عاد إلى حيث النار.
أخذ الحقيبة.
فتحها وأخرج منها عددا من البطاريات المربعة وراح يتحسس بطرف لسانه قطبي كل
واحدة منها ثم يضعها على حجر قرب النار.
لقد عثر عليها في كيس حذو حاوية القمامة لما كان تائها في المدينة،فكانت بالنسبة
إليه كنزا ثمينا.
عاد مرة أخرى الى الحقيبة وأخرج منها نسخا لشهائد تخرجه ومطالب الشغل.
قرب طرفها من لهيب النار ثم وقف رافعا يده نحو السماء فشع الضياء في تلك البقعة
النائية المنسية.وما لبثت أن استحالت تلك الاوراق إلى رماد .وبانطفائها،انطفا
بداخله آخر قبس من شعلة الامل.
عاد ألى مكانه يجلس القرفصاء،أخذ بطاريتين شدهما بخيط مطاطي إلى ظهر
المذياع.
ثبت الأسلاك في أقطابها فسمع خشخشة.
عدل الإبرة فصدح صوت المذيع الجهوري:
إذاعة الوطن الكبير،عند الاشارة تكون الساعة منتصف الليل.ومنها نقراعليكم آخر
نشراتنا الاخبارية لهذا اليوم...."
غير المحطة.
فكل أخبارهم لم تعد تهمه في شيء.
لقد وأدوا داخله كل القيم
كسروا مجاذفه وأحرقوا المركب ،وأقبروا أحلامه والأمنيات.
استقرت الإبرة عند صوتها وهي تصدح بصوتها العذب"سكن الليل وفي ثوب السكون
تختبئ الأحلام.....فتعالي..."
وضع المذياع بقربه وأسند ظهره إلى جدار الطين وسبح بخياله في بيداء لا أمل فيها
ولا حياة...احترقت الجمرات وأضحت رمادا ذرته نسمات الصباح الباردة المحملة
برائحة الشيح والصبار.
استيقظ من غفوته.
أدار إبرة المذياع حتى استقرت عند صوت المقرئ البراق.
حرك المذياع حتى انقطع الصفير ثم نهض ينفض عنه الغبار.
أجال بصره في الأرجاء.
السماء تشوبها حمرة قانية.إنها تنبئ بهطول الغيث ،وذاك ما تعلمه من جده الذي خبر
الطبيعة في تلك الربوع القاسية.
استبشر بذلك،فهطول امطار الخريف تفتح له أبواب الرزق. سيجمع الحلازين ويبيعها
على طريق العابرين.
رأى والده يخرج من بيت الطين وقد انتابته نوبة من السعال.
خطا نحوه وبادره بالتحية فمد إليه يده يصافمحه.
لم ينبس الأب ببنت شفة
رفع رأسه إلى السماء ثم غمغم
"سأجمع بعض الحطب قبل قدوم العاصفة"
اعتلى الاب صهوة اتانه وراح مبتعدا،وظل إبراهيم يتبعه بنظراته وقد انتابه شعور
بالقهر أفاض مآقيه دمعا.
كان حلمه أن يريح واليديه وينسيهما عذابات السنين.
ود لو يغدق عليهما من مرتبه كل ما حرمت نفسيهما من ملذات
ولقد سعى إلى ذلك
فقطع المسافات سيرا ليلتحق بالمدرسة
وفرطت والدته في ذخر السنين ،مصوغها الذي توارثته الاسرة على مدى الزمن
وباع والده بقرته الوحيدة
كل ذلك ليتمكن هو من مواصلة دراسته الثانوية والجامعية
ولكن ذهبت كل أحلامهم أدراج الرياح!
دخل الكوخ ثم غادره يحمل كيسا وانحدر إلى أسفل الهضبة ليصل بعد فترة
إلى الطريق الاسفلتية الضيقة وقد احتوى كيسه عددا من الحرابي.
نظر إلى السماء فألفاها تغشيها الغيوم.
لعلها تمطر بعد حين!
اتخذ لنفسه مكانا على قارعة الطريق
أخرج الحرابي من الكيس وجعلها تتمسك بعود جاف غرس طرفه في الارض وبقي
ينتظر عسى ان يسعفه الحظ بعابر يؤمن بالخرافات فيقتني ما عنده!
استوى ميزان النهار والامر على حاله،
فلا السماء امطرت، ولا اثر لعابر على الطريق.
في تلك الاثناء ،تراءى له عن بعد طابور من السيارات السوداء الفارهة.
وماهي إلا ردهة من الزمن ،حتى كان الركب أمامه.
أخرست المحركات، وفتحت الابواب،ونزل رجال في كسى سود يتقدمهم رجل قصير
القامة منتفخ البطن ابيض الشعر يشع وجهه بريقا وكان الشمس لم تلامس سحنته
يوما.
تقدم نحوه وخاطبه بلكنة أهل المدينة قائلا:
أنا رئيس حزب الوطن، ندعوك وعشيرتك للتصويت لنا في الانتخابات المقبلة،ونعدكم
بأن نجعل دشرتكم جنة.
هاله الموقف،ولم يجد ما يقول وظل يدحرج رأسه في صمت.
مد إليه أحد مساعديه حزمة من الاوراق الرفيعة حملت صورة المترشح وبرنامجه
الانتخابي وقال:
وزعها على أهل العشيرة وبلغهم تحياتنا ووعدنا بتغييرحياتكم لو انتخبتمونا .
انطلق الركب مبتعدا،وظل إبراهيم في مكانه وقد افتر ثغره عن ابتسامة وعاودته
صور مرت بذاكرته لأولئك الذين مروا من هنا على مر السنين.
شعر أبراهيم بسيارة رباعية الدفع تقف بجانبه.ترجلت منها سيدة إفرنجية في عقدها
الرابع من العمر. بادرته بالتحية باللغة الفرنسية ثم توجهت نحو الحرابي وسالته عن
ثمنها.
ابتسم ابراهيم وقال :هي لك مجانا.
ابتسمت وكررت عليه سؤالها،فكانت إجابته ذاتها وأسرع يشد كل الحرابي بخيط
واتجه صوب صندوق السيارة ليضعها هناك.
قبلت السيدة الافرنجية هديته ويبدو ان إبراهيم قد حاز في نفسها ببعض الإعجاب
فشكرته وقالت:سامر من هنا بعد غد صباحا،فهل تقبل ان تصحبني في جولة؟
انتشت نفس إبراهيم وعبر لها عن موافقته.
وابتعدت السيارة ،وظل إبراهيم سابحا في احلامه الوردية .فراى نفسه يقود سيارة
طويلة يشع بريقها ،يجوب بها شوارع باريس وبقربه فاتنة شقراء...
ولم يستفق إلا عندما اشتم رائحة اتان ابيه وشعر بها وهي تقرب انفها منه وتدعوه
للنهوض...فالعاصفة على اهبة الانفجار...
محمد بن الحاج
تونس
محمد بن الحاج

مقالات في رمضان ـــــــ عبد الكريم احمد الزيدي


 مقالات في رمضان

الزكاة في الاسلام ..
..............................
الزكاة بمعناها هي التصدق بالمال ، وهي حصة من المال ونحوه يوجب الشرع ادائها للفقراء ونحوهم بشروط خاصة ، والزكاة لغةً ، هي مصدر ( زكّا ) الشيء اذا نما وزاد بمعنى البركة والنماء والطهارة والصلاح ، وهي الحصة المقدرة من المال التي فرضها الله للمستحقين ومعناها قد يفهم بالصدقة كما جاء في قوله تعالى " خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ، وصلّ عليهم ان صلاتك سكن لهم " وقال الصادق المصدوق في الحديث الشريف " الصدقة برهان " .
لقد جاءت الزكاة في اول البعثة النبوية الشريفة تطوعا وبصورتها الخيرية ولم ترد بفعل الامر الدال على الفرض والوجوب باعتبارها جزءا من عقيدة الاسلام والايمان وهي الصفة الملازمة للمؤمنين والمتقين والمحسنين وان تركها لهي صفة من الشرك بقوله تعالى " الذين لا يؤتون الزكاة " الا ان الامر تغير بعد الهجرة النبوية فنزلت آيات كريمات بينات اكدت وجوب الزكاة وبعض احكامها بقوله تعالى " وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة " ، والزكاة واجبة على المسلم ولا يطالب بها سواه او تكون دينا في ذمته وهي واجبة في مال الصبي والمجنون باعتبارها حق يتعلق بالمال فلا يسقط بالصغر او الجنون .
والزكاة تجب على الذهب والفضة ، بقوله تعالى " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " وتجب ايضا على الزروع والثمار ، بقوله تعالى " كلوا من ثمره اذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده " ، كذلك الكسب من تجارة وغيرها بقوله تعالى " يا ايها الذين امنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم " كذلك الخارج من الارض من معدن وغيره ، بقوله تعالى " ومما اخرجنا لكم من الارض " ، والمال عند العرب لا يشمل النقود كما في وقتنا وانما كل ما يقتنيه الانسان ويمتلكه نحو الابل والبقر والغنم والضياع والنخيل ، كذلك الذهب والفضة والمال الذي يمكن حيازته والانتفاع به على وجه محدود .
ويشترط في المال الذي توجب زكاته ان يكون المال مال الله وهو صاحب المال الحقيقي ومالكه بقوله تعالى " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " والمعنى هنا ان العبد انما الحيازة والتصرف في مال الله ، كذلك المال النامي الذي يتضاعف فهو وعاء للزكاة بخلاف المال الذي نماؤه محدودا وضعيفا فقد عفي عنه تحقيقا وتشجيعا لاصحابه ، وان يبلغ النصاب اي مقدارا محددا يوجب زكاته ، فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صل الله عليه وسلم باعفاء مادون الخمس من الابل والاربعين من الغنم ، فليس فيهما زكاة وما دون مئتي درهم من النقود الفضية ( الورق) وما دون خمسة اوسق من الحبوب والثمار والحاصلات الزراعية ، والنصاب من الاموال ما يعادل (86) غراما من الذهب ولا تجب الزكاة في حلي الزينة للمرأة او سكن المسلم ولو كان قصرا ولا وسيلة مواصلات وتعفى الالات في المصانع ومعدات الورش ، فقد جعل الله سبحانه وتعالى في حكمته وعاء الانفاق ما زاد عن الكفاف وما زاد عن الحاجة ولا يختلف في الحول الذي معناه ان يمر على المال في ملك المالك اثنا عشر شهرا عربيا وهو مشروط للنقود والانعام .
اما الزروع والثمار والعسل والمستخرج من معادن وكنوز فلا يشترط لها حول وهو ما يمكن ان يدخل تحت اسم زكاة الدخل ، ولتدبر قول الله تعالى " خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فان الزكاة تحقق التكافل بين الناس باعتبارهم متفاوتون في المقدرة وتحصيل الرزق بقول الله سبحانه وتعالى " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق " فهي تبين صفة الرحمة والمودة للضعيف والشعور بِهِ وتعطي السعادة والرضى للمعطي والآخذ فيحس بعطاء الاخرين ويشعر بسعادة الزكاة التي تسد خلته .
والزكاة الركن الثالث من اركان الاسلام بعد الشهادتين والصلاة ، والتي ثبت وجوبها في الكتاب والسنة وقد فرضت لثمانية اصناف ، هم الفقراء والمساكين ، والعاملون عليها الذين يقومون باستحصال وحفظ وتوزيع اموال الزكاة الذين ليس لديهم راتب من الدولة ، والمؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في اقوامهم ، وفي الرقاب وهم الرقيق والعبيد فيعطون لفك رقابهم ، والغارمون وهم اصحاب الديون ( المدينون ) ، وفي سبيل الله وهم المقاتلون والمجاهدون ، وابن السبيل وهو المسافر الذي انقطع عن بلده وليس لديه مال يكفي لايصاله وعودته .
وما يهمنا في هذا المقال ونحن في شهر الطاعة والغفران والعمل الصالح هي زكاة الفطر ، وهي زكاة للابدان ، صدقة معلومة بمقدار معلوم وتجب بالفطر من رمضان ، طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، وقيل ان زكاة الفطر هي زكاة مرتبطة بالابدان اي بالشخص وليس المال كما جاء في الحديث الشريف " زكاة الفطر من رمضان على الحر والعبد والذكر والانثى والصغير والكبير " وهي مفروضة على كل من شهد رمضان حتى وان لم يكن مكلف بالصيام ، ومن امتلك ما يزيد عن حاجته وحاجة من يعوله في يوم العيد ، وقد فرضها رسول الله صل الله عليه وسلم في رمضان صاعا من تمر او صاعا من شعير على المسلمين ، ولا تعطى الا للفقراء والمساكين والذين لا يملكون كفايتهم في يوم العيد وهي من غالب قوت او طعام البلد ، ويستحب اخراجها يوم العيد قبل صلاة العيد وله ان يعطيها للساعي قبل ذلك بيوم او يومين ، وهي شعيرة من شعائر يوم العيد تصبح صدقة من الصدقات لو تم ادائها بعد صلاة العيد .
وانّا ان نخاف الاجتهاد في ما شرع في زكاة الفطر هذه ، نجد بان اخراجها مالاً بما يسع المسلم في ادائه عن نفسه ومن يعيلهم لهي افضل من القوت والطعام الذي قد يختلف فيه الكثيرين نوعا وكما ولربما يستطيع الفقير او المسكين ان يؤمن بهذا المال ما يدخل السرور والبهجة الى اهله فيشتري بهذا المال ما يحسبه خيرا من طعام او ملبس او حاجة يفرح بها في العيد ، ولربما تم اداء المال لهذه الزكاة حسب مقدرة المسلم فيزيد ويقدر على حسب ما يملك مستشهدا بقول الله تعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها " ، اما توقيت زكاة الفطر فالافضل على قول الكثيرين من العلماء ان تكون بوقت كاف قبل صلاة العيد توفر للفقير والمسكين ما يؤمن من وقت في شراء او اقتناء ما يحتاجه من طعام او ملبس .
نفعنا الله بما علمنا وهو اعلم بالقول ، وتقبل منا ومنكم شهر رمضان الكريم ووفقنا فيه لطاعته وابتغاء مرضاته ، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
..................................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بَغداد