السبت، 9 أكتوبر 2021

قصيدة بعنوان أخي بقلم الشاعرة مريم كباش ريحانة الشام

 قصيدة بعنوان أخي :

__________________
سقامك ياأخي سلب الرّشادا
وصار الكون في عيني سوادا
تعاني اليوم من مرضٍ غريبٍ
وفي عينيك قد زرع السّهادا
وقلبك قد سرى الإعياء فيه
وجسمك طالما هجر الوسادا
عليك الدّاء صبّ البؤس صبّاً
غزا للوجه ، للأعصاب صادا
وآلامٌ كأسياف المنايا
وفي خديك قد عاثت فسادا
لقد حار الطبيب بما تعاني
وكلٌّ راح يجتهد اجتهادا
وليس بنافعٍ طبٌّ وراقٍ
بكل تميمةٍ لا مااستفادا
وقد عجز الدّواء فليس يشفي
بل الوجع الفظيع عليك زادا
تلوك المُرَّ في ليلٍ وصبحٍ
تقاسي من مواجعك الشّدادا
وتدعو الله في دمعٍ غزيرٍ
وبالأذكار أحييت الفؤادا
وترجو الله في سرٍّ وجهرٍ
لكشف الضّرّ تدعوه اعتقادا
وتوقن أنّ بعد العسر يسرٌ
فتسلم للمقادير القيادا
إلهي قد لجأت إليك كُلّي
وناديت أيا خير المُنادى
أجزنا نظرةً بالعطف لطفاً
وكن لعمادَ ياربّي عمادا
أُملَّي النّفس ياربّاهُ خيراً
فإنّ الهمّ في قلبي تمادى
أخي ! ياربّ ألبسه التّشافي
بفضلٍ منك وامنحه المرادا
_______
ريحانة الشام مريم كباش

الناقد الأردني الألمعي يوسف عليمات..في ذمة الله بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 الناقد الأردني الألمعي يوسف عليمات..في ذمة الله

فوجئِنا بخبرِ الوفاة الفاجعِ للناقد الأردني الألمعي “يوسف عليمات” ولم يتجاوزِ الخمسينَ من العمرِ، مما تركَ أثرًا قويًا في النّفسِ، ولا أظنُّ النّاقدَ الحصيفَ يموتُ طَالما كانتْ نقودُهُ الأدبيّةُ تمتازُ بالجِدّةِ،والحيويةِ،والحياةِ.
هذا الناقد الفذ،تفتّحَ عطاؤهُ الفكري مبكرًا،وظهرتْ ميولهُ النّقديةُ مستهلاً مسارهُ العلميّ بدراسةِ الشّعرِ الجاهليِّ، منطلقًا من رؤيةٍ ثقافيةٍ معاصرةٍ في علاقةِ الشّعرِ بالثقافةِ، مفسرًا ظواهرَ الشّعرِ العربيِّ تفسيرًا ثقافيًّا، محطمًا القوالبَ التّقليديةَ الجاهزةَ في الكشفِ عن الملابساتِ الثقافيّةِ والتّاريخيةِ، مؤمنًا بأنَّ دورَ النّاقدِ يتمثّلُ في تجاوزِ التّنظيرِ إلى آفاق التطبيقِ، وتكمنُ مهمّته أيضًا في تفكيكِ شيفرةِ النصِّ الشّعريِّ ورموزهُ.
يُعدُّ عليمات من جيلِ نقادِ الشّبابِ في الأردنِ، وواحدًا من أعلامِ النّقدِ الثقافيِّ في الوطنِ العربي، ويُذكرُ أنّ ليوسفَ عليمات عددًا منْ الكتبِ المؤلَّفةِ في النّقدِ، أوّلها بعنوان النّسقِ الثقافيّ في أنساقِ الشّعرِ العربيِّ القديم، والثّاني :
جماليّات التّحليل الثقافي في الشّعرِ الجاهلي، والثّالث بعنوان النّقد النّسقي في الشّعرِ الجاهليِّ.
رحلَ يوسفُ عليمات بجسدِهِ تَاركًا أفكارًا ورؤىً ثقافيّةً وإنسانيّةً،طامحًا إلى واقعٍ ثقافي غيرَ محدودِ الأفقِ، قادرًا على اختراقِ السّائدِ والمألوفِ، ومتحررًا من القواعدِ الثّابتةِ في تحطيمِ المقاييسِ المفروضةِ على الأدبِ،معطيًا النّصَّ الشّعريَّ الجاهليَّ روحهُ،وحياتهُ،ووجدانهُ.
،وبرحيله تفقد الساحة النقدية واحد من أهنم النقاد العرب.وأكثرهم اشعاعا ولمعانا..
هذا،ويعد الفقيد من بين المتخصصين القلائل في نشاط النقد الثقافي،وهو الذي اشتغل فيه أكثر من عقدين من الزمن بحثا وكتابة وتدريسا، ولم يتجاوزِ الخمسينَ من العمرِ.
وقد استهل تجربته في هذا النشاط بكتابه المهم “جماليات التحليل الثقافي الشعر الجاهلي نموذجا، الصادر عام 2004، وفيه سعى جاهدا من أجل الكشف عن الوجه المشرق للقراءة الثقافية، وذلك بسبر مخبوءات النصوص الشعرية القديمة والبحث عن الجماليات الثقافية المختزنة. ليأتي كتابه “النسق الثقافي” قراءة في أنساق الشعر العربي القديم والصادر عام 2009، والذي واصل فيه ما بدأه في الكتاب الأول، بتقديم قراءات نقدية تتوسل بمقولات النقد الثقافي كاشفا عن المضمرات النسقية المختزنة خلف البناء اللغوي والجمالي للقصيدة العربية القديمة.
وللتذكير فقد فاز هذا الكتاب بجائزة عبد العزيز البابطين في فئة نقد الشعر عام 2013.
رحم الله الباحث الفذ والناقد الألمعي يوسف عليمات.
وإنا لله وإنا إليه راجعمون.
محمد المحسن

الجمعة، 8 أكتوبر 2021

حرفي أنا إن لم يكن حرّا بقلم الكاتب نصر العماري

 حرفي أنا إن لم يكن حرّا

كما أريدْ
يحطّم أوعية الصديدْ
يُعيدُ أنفاس الشّهيدْ
يُضرم النّار
في رؤوس الجليد
أخنقه ُ،أقتلهُ
من غير حديدْ
حرفي علّمته الجسارة
قدّحتهُ ، درّبتهُ أن يكون شرارة
أن يحلّق بجدارة
علتمتهُ أن لا يساوم
أن يْقاوم
أن يُداوم
أن يكون كبسمة الوليدْ
لا يخشى الوعيد
أن يحلمَ كيف يكون نبض
المقهورين الضّعافْ
من أرواحهم كفافْ
أن يكون لهم وسادة
أن يكون بسملة في دور العبادة.
وأشنقهُ إن تطاولَ
أو ظن نفسهُ كاهنا، أو حاولَ
حرفي يا سادة، أحبّه
تقيّا، نقيّا ،عفيّا
ليس بالقصير وليس بالطويل
جارفا كغضب النّيل
ترياقا للعليل
حُرقة في عين العميل
أحبّه
أن لا يكون أعرجا كالسلام
فضفافا كالكلام
ان يدخل النّار دون أن يحترق
أن لا يكون كأحلام المقهورين
حبرا على ورق
حرفي أحبّه صادقا ، يانعا
لا "خَرِبْ"
ليس كمرشح الأحزاب
في بلادي
ليس كأشباه المثقفين
نفاق ممزوج بالكذب
يسبح لله فجرا
ويقامر بعد العشاء مع أبي لهبْ
***
نصر العماري
Peut être une image de 1 personne

غنوه نصر للشاعر السيد الشهاوي

 غنوه نصر

للشاعر السيد الشهاوي
يامصر قومي انهضي قومي اخلعي ثوب الشجن فوقي
قومي اضحكي
قومي البسي توب الفرح وردي
النصر من بعد الغياب بالصبر جالك من تاني
بسواعد مفتوله وهمه رجاله قويه وبالتحدي
قاموا يلبوا صوت الحق بيهتف
قوم يا عربي حقق حلمك
ارفع بسلاحك علمك
دا اليوم.. يومك
قاموا يلبوا نداك يامصر
التار..... التار
وانفجر البركان واشتعلت في كل مكان النار
وصحي العالم لجل يشوف اذاي بنعرف نمحي العار
لجل يشوف ليل يونيو صريع فجر اكتوبر رمضان
وعبرنا القنال
حملتنا الميه الطاهره للشط التاني
علي مركب من جسم شهيد
فوق بركه من دمه الطاهر
تدفعنا انفاسه الجايه من فوق م الجنه....... للنصر
ابدا مش حايضيع الدم الغالي ولا بد ترجع بسمه مصر
علي شفه طفل
وف غنا الطير ع الشجر
في ملامح شعب اقسم ما يدوق طعم الضحكه غير يوم النصر
وما بين الانفجارات وشظايا الدانات والضرب
اترفعت رايه مصر
فوق ارض سينا
وفي الجولان
والعالم كبر..... الله اكبر
والضحكه خرجت من بين الدخان
وشظايا الدانات والضرب
اعلي من صوت المدفع اكبرمن ان يطفيها شبح الحرب
ولاول مره اصدق ان النار
بتطفي يوم التار النار
يومها شفت الفرحه في عيون الرجال.. امل ونور
وشموع بتتهادي
ع الارض الغاليه
تمحي الشرور
وحمامه طاله من فوهه المدفع شايله فرع الزيتون الاخضر
فردت جناحاتها وطارت حره تنشد غنوه نصر
هذه الغنوه كتبتها علي الجبهه يوم ٩ اكتوبر يوم عبرت كتيبتي قناه السويس وكان هذا شرف لي
الشاعر السيد الشهاوي
Peut être une image de 1 personne

قراءة في ديوان : (قبل أن يستفيق الضّوء) .. للشَّاعر والأديب السُّوري : مصطفى الحاج حسين . بقلم : الأديبة والشاعرة والناقدة : نجاح إبراهيم .

 /// قراءة في ديوان : (قبل أن يستفيق الضّوء) ..

للشَّاعر والأديب السُّوري : مصطفى الحاج حسين .
بقلم : الأديبة والشاعرة والناقدة : نجاح إبراهيم .
مثلُ تراتيل موشاة بالسّذاب المقدّس ، تبدو قصائد ديوان” قبل أن يستفيقَ الضوء” للشاعر ” مصطفى الحاج حسين” إذ تنبلجُ من أسمى المطالع : العشق والجرح.
فالشاعرُ يرشحُ عشقاً ظهر له كليلة القدر، ليختزلَ ما جبّ من أعمار قبله راحت هباءً وعناءً، فيرهن المداد والنفس والرّوح له. يسخّر الحبر، يؤرّثه خلوداً ، يكتبه قبل أن يكتبه غيره، وهل أقدر من الشاعر على رصد حالة نبيلة تمورُ به؟!
إنّ المتتبع للتواريخ التي أُمْهرتْ بها القصائد، لوجدها كُتبت جميعُها في وقت قصيرٍ متقارب ومتلاهث، وهذا يؤكّد أنّ في داخل الشاعر بركانٌ ثار دفعة واحدة نتيجة انصهار كبير وضغط أكبر.
وثمّة عوامل كثيرة أسهمت في تشكيلها ، لعلّ أولها: موهبة وثقافة الشاعر ،وعهده بكتابة السّرد ، وثانيها: الألم النابض ، المتدفق الذي يفيضُ في عروقه، والذي لا يمكن أن يظلّ خبيئاً أومخنوقاً ، فالألم كما يُقال يصنعُ المعجزات ، وعند المبدع يغدو إعصاراً هائجاً ، بركاناً لا يقف في وجهه شيء، عطاءاً لا يُحدّ من التبريكات.
وثالثها :حبٌّ عظيم نضجَ بسرعة الضوء ليصير عشقاً كبيراً يوازي عشق وطن غادره الشاعر قسراً، ولم تختف رائحته من مسامه ، بل ظلت تفضحه وتنمّ عنه.
ورابعها: أنّ الشاعر اتخذ الشعر صهوةً لتعبيرٍ راقٍ أراد أن يجسّد حالاته الجوّانية ، فجاء سلاحاً كما سلاح الفقراء في ليل الهزيمة كما قال البياتي عن الشعر.
فلولا الشعر ، ولولا تلك القصائد الرّاعفة لكان “مصطفى الحاج حسين” يتيماً ، مقهوراً أمام غليانه الدّاخلي واحتقانات مشاعره، لأنه مستلب ومأزوم ، وموجوع حتى الترمّد، يعاني اغتراباتٍ عديدة . لهذا أراد وبإصرار أن يتقن لعبة اغتصاب العالم بالكلمات ، بل مفاجأته وخطف ذهوله، ثم غناءه تراتيلَ على فوهة جرح ما يزال يرعف أنيناً صامتاً ، نبيلاً وموحياً:
"أقضمُ الوقت
غريباً
أنزفُ العمر
شريداً
أبعثرُ أدمعي
على سفوح الآلهة
والأنين ..”
في الدّيوان اثنتان وخمسون قصيدة نثرية، ترسمُ كلّ واحدة لوحة خاشعة أمام صلاة ، زاخرة بالضوء والأقمار والمطر واللون والعشق، بطلها الشاعر، يتقمّص الذات العاشقة ، المتيّمة ، والمتسربلة بالمعاناة والألم والحبّ:
”أحتطبُ قهري من حقول الرّوح
وأجمعُ أسراب عذابات الحنين
أفنّد نبضه من آهات الشوق
وأسألُ عمري عن دربه
الذي أطاح بخطاه
عن مفترق الضلالة..”
من اللافت أنّ الشاعرَ يعملُ على كتابة قصيدته بشكلٍ مغايرٍ ، ولعلّ ما يشي بذلك، اللغة الشعرية الرّافلة بحضورها البهيّ ، حيث يقوم بتحريرها من التقليد بممارسة أسلوب التكثيف واعتماد الرّمز والتنويعات الدّلالية التي لا يحدّها حدّ ، والتي تدفعُ إلى الأسئلة باستمرار ، والرّغبة في الكشف، خاصّة وأنّ الشاعر يعزفُ على وترِ شعرٍ ذي بنية فنيّة قويّة، وأبعاد ذاتية وموضوعية ، بأسلوب تلقائي يأتي كماء نبع ، وإحساس بارق كشهاب. فجاءت كتابته مختلفة لأنه يرى العالم برؤية أخرى في تفاصيله وموحياته ، والرّغبة المستميتة في تقديم صور مُدهشة للحياة ، ومفرداتها ، وجماليات انبعاثاتها ، وما تثيره الذات المبدعة من حسّ جماليّ يناضلُ الشاعر ليحيلها إلى خطاب يرتقي بها عالياً ويتمايز من خلالها:
” سأمضي إلى عطشٍ
أسقي منه ندى أيامي
وأرشّ الماءَ على الليل
ليغتسلَ
وأبللَ جذوة الوقت
فقد تيبست أصابعُ الحلم ..”
لم تكتفِ قصيدةُ الشاعر “مصطفى الحاج حسين” في أن تتميّز بانفلاتها من القوالب الشعرية، بل ارتأت أن تستقل بلغتها الخاصّة وتعابيرها وصورها التي اختارها بفنيّة فائقة لتطير في فضاءات تجدّدها ، فعملية بناء اللغة التي قام عليها في جملته الشعرية ليست بالأمر السهل ، إنه يؤرّثها من دمه لتتسم بالمختلف من حيث التعبير .
القصائد تدورُ في فلك الحبيبة التي يلاحقُ الشاعر خيوط انسرابها فيه ، فهو كالفراشة التي تلاحق الضوء وإن احترقت به ، المهم أنها تبغي نهاية نبيلة ومؤثرة، بينما لا نلمح تبادل المرأة له بهذا الشعور. أراد أن يُبقيها بعيداً ، غير متفاعلة كي يبقى معذباً ، متألماً ، متراعفاً، وحالماً في ملكوت الاحتراق، ولو أنها بادلته الحبّ لاكتفى بذلك، ووقف عنده، ولنضب نسغ تدفقه:
” أحبيني
لأحبّ نفسي
وأرى العالم أجمل
وأنجو من موت يلاحقني ..”
بيد أنه يرغب في أن تحبّه ، لأنه سيرى اختلافاً في الوجود، وسيعيد للعمر هسيس الضحكة ، وسيُدخل الفرحة إلى بابه. بينما نجده في قصائد أخرى يلوم قلبه على ما يعتمل فيه من حبٍّ يتعاظم كلّ حين، فيزجره ويرغمه على السكون ويصفق بوجهه الأبواب.
ويستمرئ هذا الحلم في صدّ وردّ ، يشتعل لائباً على همسة منها ، كسرة دفء في صقيع الغربة ، ابتسامة تحيي فيه الرّوح الغاربة. لينتهي الحلم برؤية وجهها فقط ، يتمنى أن يشرق عليه ليشهد على انهياره الأخير، يهديها انهزامه وينتعل الرحيل ويمضي:
” سأهديك انهزامي وأرحل
وأوزع حسرتي على شبابيك السخرية
أدركت بعد عمر ونيف
لا شيء يجمعنا سوى الألم
القاسم المشترك بيني وبينك..”
إنّ معنى عباراته في القصيدة يهمي كمطر حامضٍ لا يعرف التوقف، معنى له أبعاد راعفة ، فدلالاته شديدة الاشتعال، ينضحُ بما تفيضُ به الرّوح ورغبتها الحثيثة في الحياة المأمولة والقضاء على الغربة التي تكاد لا تخلو قصيدة من لذوعة طعمها، والتي ولدت من جرّاء حرب على وطن الشاعر، فصنعت منه مغترباً ما كان راغباً في أن يكونه ، وإنما ظروف قاهرة حملته إلى أن يغادر الحدود ، وقلبه وروحه ينظران إلى الوراء حيث حبّ يتدحرج على أرضه المغسولة بالأرجوان والأنين. لينتجَ عن هذه الغربة اغترابات شتى ، جعلت منه ذاتاً لائبة، مأزومة ومتألمة:
” هو الاغتراب اللعين
سأمشي
حيث لا جهة تودي إليك
ولا شمس
تشرق من صوبك
وحيث
قلبي لا يعرف العودة
سأحمل غصتي على ظهري
وحزم أشواقي الناحبات
وأجر روحي عنوة..”
وعلى الرّغم من انشغال القصائد بموضوعة الحبّ ، إلا أنها تشفّ حزناً وتبدي مرارة ووجعاً لما لاقاه الشاعر من فقد للأحبة وفراق أصدقاء ، و نزول محن وفواجع وخراب نال من البلاد ، فعزف على وتر الألم اللامنتهي ، لهذا فمن البديهي أن تحملَ القصائد رائحته ، وطعم ما يفرزه الواقع من أوضاع يُعاني منها كفرد ينحلّ في الجماعة المحترقة، وذلك من خلال عملية إبداع ينتضي الشاعر دمه وسيفه ليرسمها بحدّه الوهاج، لتنعكس رؤيته بوصفه الخالق للقصيدة ، لهذا فإن ماتعاني منه الذات إنّما هي معاناة شعبٍ ووطن:
” ومازالت تقاوم
توحّد العالمُ على قتلها
الصديق
قبل العدو
كلٌّ يدمرُ ما يرغب فيها
ويقتلُ من شعبها ..”
تختلف القصائد التي يتناول فيها الشاعر وطنه ومأساته وحربه ، نجده يشفّ فيها وضوحاً ، يخفف من اللغة الشعرية التي يمتلكها ، يترجل عنها ليقارب بؤرة الغُصة والوجع ، فتبدو القصيدة سهلة الفهم ، سلسة، تنز ألماً. بينما فيما تبقى من قصائد حملت مواضيع أخرى نجده يمتطي زقورة بنائية سردية مغايرة ، محتفية به كنبيّ صغيرٍ قادرٍ على مزج ما بين مخيال وواقع من خلال لغة متفردة تشكل جسدها اليانع الرّافل بالإيحاء . ومع ذلك وعلى الرّغم من حجم الانكسارات التي فرضتها الحرب ، واغترابه الموجع، حاملاً تشرده وضياعه على أرصفة بلاد باردة الوجه ، سميكة القلب والجلد ، إلا أننا نلمح صبره ، واتقانه في رسم أفق للنجاة والأمل ، ورغبة في مصير مريح، وهذا يدل على وعي الشاعر وقدرته على التعبير من خلال قصائده التي تنفتح على أسئلة متناسلة ، وما هذه التساؤلات إلا مرآة تعكس قلق الشاعر وبحثه الحثيث عن إجابات مضنية أراد أن تُغني بناءه الفنيّ لأنه في حركة دؤوبة تشبه التمرّد المستعر ، يمتطي الشاعر صهوتها من أجل الخلاص الذي يرتئيه ، واطمئنان الإنسان الذي فيه، وولادات الذات المبدعة التي يمارس مخاضاتها. ماضياً بنا إلى مطالع الضوء لتمنحنا قصائده استيحاءً فريداً لواقع يتشظى احتراقاً ورغائب مقدّسة تبْرَع في ارتداء الحلم .. في هذه القصائد وفي تلك..
وبين ضفتيّ ” قبل أن يستفيق الضوء” من هجوعه نقبضُ عليه ، على شاعر مسكون بالشعر، يقدّم بوحاً ذاتياً وموضوعياً ، فيجيء صادقاً لأنه يخاطب الإنسان ، بأسلوب يبحث عن الاختلاف من خلال لوبانه عن عشق له صفة الدّيمومة، عشق الحياة ، النفس ، المرأة ، يوقدُ من خلاله معنىً نبيلاً ، وانفتاحاً على أمل وحلم، ليناهض الخراب الذي ملأ أرجاء وطنٍ محترق . إنها مسؤولية الكلمة التي يحملها الشاعر على عاتقه ، مسؤولية قطف الجمال واللهاث نحو عبارة يأتي بها عابرةً ملامحه القديمة ، وصولاً إلى بوابة المغاير والجديد ، وهذا ما جعلها تتجه صوب فضاءات مثيرة ورحبة .
نجاح إبراهيم .

الثّعْلَب والغراب بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف... (تونس)

 الثّعْلَب والغراب

الثّعْلَب:
أَنا الثَّعْلَب ...أَنَا الثَّعْلَبْ
أَجُوبُ الغَابَ وَالسَّهْـلاَ
أَنَا جَـائِعْ ... أَنَا مُتْعَبْ
وَإِنِّي لَمْ أ َجِــــدْ أَكْـــلاَ
فَـــلاَ طَيْرٌ وَلاَ أَرْنَــبْ
وَلاَ مَـا مِعْــدَتِـي يَمْــلاَ.
الغُرَاب:
أَناَ فِي الغَابِ فَنَّــانُ
أُغَـنِّي بَيْنَ أَغْصَـانِ
وَلِي جُبْنٌ بِـهِ فَـرِحٌ
لَـذِيذٌ مِثْلَ أَلْـحَــانِي
أَعِيـشُ اليَوْمَ مُفْتَخِرًا
كَفـانِي لَــذَّةً مُثْـلَـى...
الثَّعْلَب:
صَبَاحُ الخَيْرِ يَا صَـاحِ
لَـقَدْ شَنَّفْتَ آذَانِــــي
فَزِدْنِـي بَعْضَ أُغْنِيَةٍ
فإِنَّ غِنَاكَ أَشْـجَــانِي
وَإِنّ َأ َبَاكَ شَــنَّفَني
بِـصَوْتٍ سَاحِـرٍ قَبْـلاَ...
الغُـرَابُ:
أَنَا أَ يْضًا أُغَنِّيكَـا
قَصِيدًا سَاحِرَ المَـعْـنَى
وَبِالأَلْحَـانِ أُرْوِيكَا
أَنَا مَسْعُودٌ الأَقـْنَــى
أَلاَ يَاسَامِعِي خَبِّـرْ
بِإِنْشـادِي المَوَاوِيــلاَ...
... سَقَطَ الجُبْنُ من مِنْقَارِ الغُرَابِ ...
الثَّعْـلَبُ: (بَعْدَ أَنْ أ َكَلَ الجُبْنَ)
ضُبَاحٌ صَوْتُكَ "الرَّائِعْ"
وَلَكِنْ جُبْنُكَ الأَطْـيَـبْ
وَلَوْلاَ أَنَّنِي طَامِـعْ
لَمَا أَطْرَيْتُ فِي المَقْـلَبْ
تَعَلَّمْ حِيلـةَ الجَائِـعْ
لِنَيْـلِ مَـرَامِهِ قَــبْـلاَ.
حمدان حمّودة الوصيّف... (تونس)
ديوان "الباقة": أناشيد وأوبيرات للأطفال
Peut être une illustration de oiseau