لأوراق المتساقطة
حينما أنظر إلى ما مضى من عمر أجده بعد هذا الوقت الذي مضى ليس سوى أوراق تساقطت من فوق شجرة الزمن، تلك الشجرة التي استقبلتنا كغصن صغير أورق لكل وقت من عمرنا ورقة شجر ينقش عليها خطوط أيامنا التي مضت، فكل خط على ورقة من أوراقها هي أيام وليال. منها ما هو خطوط فرح ولهو ومنها ما هو خطوط بكاء وحزن، فهذه الأوراق قد خط عليها الزمان كل لحظة من لحظات حياتنا سعيدة كانت تلك اللحظة أم حزينة، وستظل تلك الأوراق تحمل في داخلها معان وحكايات مرت علينا، ولكن كلما تباعد الزمان بين طفولتنا وكبرنا ستكون تلك الخطوط ضئيلة في أعيننا؛ ليس لأنها ضئيلة في ذاتها؛ ولكن لطول العهد بها وتباعد الزمان، فأصبحنا نراها من مكان مرتفع نراها من فوق كومة السنين التي مرت بنا فبعد المسافة بيننا وبينها جعلها تبدو كذلك، فلم نعد نتذكر من ماضينا إلا الأحداث التي أصبحت بمثابة علامات على طرق الذكريات التي تتلاشى معالمها بمرور الزمان، فشجرة الزمن كانت ترتوي بماء عمرنا الذي يسيل على شجرة الزمن وأثمر منها تلك الأوراق التي كلما مرت حقبة من أعمارنا ذبلت ورقة وأخذت في السقوط، ونحن نراقبها تتساقط ولم نكن نبالي بما يسقط من ورق أعمارنا؛ لأن العمر كانت له أوراق كثيفة نخط عليها ما تجود به حياتتا، والآن بعد غفلة حينما نظرنا إلى أوراقنا وجدنا أنه لم يعد منها إلا القليل، ورغم محاولتنا لمنع ما تبقى من السقوط، لكنه حكم الزمان وأفاعيله، فهو يغرينا في البداية بازدهار أوراقنا وشدة خضرتها ونضارتها ولكن سرعان ما تذبل ونلملم ما بقي منها علنا نبقى متعلقين في شجرة الزمان أطول وقت ممكن، لكن هيهات هيهات فقد أقسم الزمان على أن لا يبقي أي ورقة مهما كانت إلا ويسقطها على أرض الفناء، وها نحن نتحسس ملمس ما بقي من أوراق آملين أن نتوارى دون أن يلحقنا الجفاف الذي سبق من قبلنا، ومهما حاولنا أن نعيد الأوراق الذابلة إلى شجرة الزمان لا نستطيع كمن يريد أن يعيد الحليب إلى الضرع فهيهات هيهات، فرفقا شجرة الزمان وإن كنت أبيت إلا إسقاط ما تبقى من أوراق ففضلا وليس أمرا أسقطينا دون ارتطام. ولنكن تحتك أوراقا متساقطة متبعثرة يلملمها الزمان في صندوق الماضي .
بقلمي/ محمد حسان بسيس

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق