** قصيدة "المالِكَة"
بين هيمنة الرمز وسؤال المصير.
قراءة نقدية في بنية القمع وتمثلات السلطة..
في قصيدة الشاعر:
(مصطفى الحاج حسين).
بقلم:(ضياء الدّين قنديل)
تأتي قصيدة "المالِكَة" للشاعر (مصطفى الحاج حسين) كصرخة مضمخة بالدم والوعي، مشحونة بطبقات رمزية كثيفة، تستحضر الواقع من خلال الخيال، وتعالج الهيمنة عبر المجاز الشعري. النص يندرج ضمن أدب المقاومة، بلغة حداثية تنأى عن الخطابية المباشرة لتتوسل بالسرد الشاعري وتكثيف الصورة.
بنية التكرار والرمز: "يدٌ" كمعادل سلطوي.
القصيدة تنبني على ثيمة محورية متكررة: "يدٌ"، تتحول من كونها أداة بشرية إلى رمز شامل للقوة المطلقة، والسيطرة التي تمتد من الجسد إلى الأرض، ومن الخاص إلى العام. التكرار البنائي لكلمة "يدٌ" يعكس حالة الإحاطة، حيث تصبح اليد سُلطةً كونية تمارس القهر والتوجيه والنهب والمراقبة.
جدلية السلطة والجسد: من السرير إلى المدينة*
ينتقل الشاعر ببراعة من الخاص إلى العام، من "اليد التي تقاسم السرير" إلى "اليد التي تسوق المدينة إلى الهلاك". هذا التدرج يكشف البنية الجبرية للهيمنة، حيث يتماهى الحميمي مع السياسي، وتصبح العلاقات الفردية مسرحًا للقوة المطلقة.
البنية النفسية: الخضوع المقنّع بالخوف.
النص مشبع بخوف داخلي، صامت أحيانًا وصارخ في العمق. إذ يتجلّى في ارتجاف الذات أمام اليد المالكة،والخنوع القسري إزاء قوة لا تُقاوَم. تساؤلات الشاعر في النهاية: "فهل تدوم؟!" ليست فقط صرخة، بل محاولة لرسم أفقٍ للتحرر، رغم التهديد، ورغم أن اليد "لا تشبع".
الصورة الشعرية والانزياح الدلالي.
تغيب الألفاظ العاطفية التقليدية لتحل محلّها صور مجازية حادة، كـ "تدلق البحر وتذرو الشواطئ" و"تثمر الجوع". هذه الانزياحات تكشف عن لغة شعرية متمردة، لا تتورع عن خرق السياقات المألوفة، لتُحدث صدمة لغوية ومعنوية في آن.
المكان والزمان: حلب 1985م.
إنّ توقيع النص بـ"حلب – 1985" يمنحه خلفية تاريخية واقعية تفتح المجال لتأويل سياسي مباشر. إذ يربط القارئ بين بنية النص المجازية، وبين سياق سياسي مضطرب. ما يجعل القصيدة وثيقة أدبية وشهادة زمن، لا تكتفي بالبكاء على الألم، بل تنبّه إلى آليات إنتاجه.
"المالكة" ليست فقط قصيدة احتجاج، بل نصّ بصريّ، سياسيّ، وجوديّ، يعرّي البنية السلطوية ويواجهها بالمجاز والسؤال. قصيدة تنتمي لقصائد "ما بعد الانكسار"، حيث تتجاور الفجيعة مع الحلم، والخضوع مع الرغبة في التحرر، لتؤكد أن الشعر، حين يكتب بصدق، يتحول إلى شكل من أشكال المقاومة الهادئة.*
ضياء الدين قنديل.
** (( المالِكَة ))..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
يَدٌ..
تُرَبِّتُ بالسِّكّينِ
حولَ امتِدادي تَلتَفُّ
تَجُزُّ دَمي
يَدٌ..
نَاصِعَةُ القَتلِ
أكبَرُ مِن مِساحَتي
ومِن أصحابِها أطوَلُ
هي لا تُصافِحُ..
تَنسِفُ
لا تَكتُبُ..
تَخمِشُ
لا تُبصِرُ..
تَدلُقُ البَحرَ وتَذرُو الشَّواطِئَ
عَلَى الشَّوارِعِ تُخَيِّمُ
تُنَظِّمُ صَمتَ الزِّحامِ
الأَغَانِي.. دُجِّنَت لامتِداحِها
يَدٌ..
فِي جَيبِنا
فِي القَلبِ
بالرِّيحِ
تَلفَعُ عُرْيَنا
تَسُوقُ المَدِينَةَ نَحوَ الهَلاكِ
تُسَلِّطُ عَلَيْنا ظِلَّنا
وتُغَلِّفُنا بالوُعُودِ
لا تَشبَعُ
وإذا نَنهَضُ.. تَبطِشُ بصَحوِنا
فمَن يَجرُؤُ عَلَى عَضِّها
وقد قاسَمَتْنا السَّرِيرَ؟
يَدٌ..
تُثمِرُ الجُوعَ
فَهَل تَدُومُ؟
وقد سَلَبَتِ الهَوَاءَ
ومَلَكَتْ بَيادِرَنا
واحْتَكَرَتِ الغُيُومَ
ولكِنَّنا.. إذ نَقُومُ
هل تَدُومُ؟!؟!*
مصطفى الحاج حسين.
حلب - 1985م

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق