الجمعة، 17 أكتوبر 2025

المحكمة العليا بقلم الكاتب: عمر أحمد العلوش

 ( المحكمة العليا )

إنّ القانون والأخلاق والعدالة  قيم مترابطة مع قيم الحق والخير والجمال ، لتكون محور حياتنا الوجدانية .

القانون ليس شعارات تُرفع ، ولا نصوصاً تُعدّ في بطون الكتب ، ولا مُرافعات جوفاء في بهو محكمة عرجاء ، بل هو  وجدان حي ، ينبض في ضميرالإنسان ، ومن ينتهك هذا القانون، ويستخف به ، يكون قد اعتدى على العدالة ذاتها ، وعلى الفطرة السليمة التي جعلتنا قادرين على التمييز بين الحق والباطل  والخير والشر والجمال القبح .


هناك بالمحكمة العليا ستصدر الأحكام المبرمة.حيث لااستئناف، ولن يكون هناك عذر.الظلم هناك لا يُمحى بالتقادم بل يتراكم في وجدان المظلومين حتى يصبح قضية وجودية عليا . في صورة محكمة أعلى من محاكم الأرض ، هناك لن تشفع الحيل ولا الثغرات، لأن الحكم سيكون على جوهر الأفعالك لا على ظاهرها.


إن الحكم بالجحيم من قبل تلك المحكمة العليا هو تشريعياً في نظام الوجود بل هو الضمانة الأخيرة لجدّية القانون الإلهي والركيزة التي تمنح العدالة الجزائية طابعها الجمالي .وهنا يأتي الجحيم ليؤكد أن القانون الكوني ليس مجرد خطاب ، بل منظومة ملزمة تُسنَد بقوة الردع العام. وجوده إعلان صارم أن أفعال الإنسان ليست بلا عواقب وأن كل خروج على القانون الإلهي الأخلاقي سيواجه جزاءً يتناسب مع خطورته .


الجحيم ليس مشهد للعذاب بل الركن الردعي والجزاء النهائي في منظومة العدالة. بدونه تنقلب الحرية إلى عبث  ويتحوّل القانون إلى نص بلا أثر. وجوده يحفظ التوازن الأخلاقي  ويؤكد أن العالم لم يُترك لهيمنة الطغيان بل يخضع لميزان عدالة لا يُساوم عليها .


الجحيم بهذا المعنى ليس لعنة  بل إعلاناً عن سيادة القانون الكوني ووجه آخر للعدل المحكمة العليا التي تضمن أن لا يُترك ظلم بلا عقوبة  ولا تُطوى خيانة بلا حساب.


فكرة الجحيم أواسي بها نفسي  لم تكن شهوة انتقام بل حاجة فطرية لأن أصدق أن العدل لا يغيب وأن دموع المقهورين لن تذوب بالوجوه. أجده عزاءً. كلما أظلمت الدنيا من حولي وكلما طغى القويّ وظُلم الضعيف . لابد من وجود نارٍ تحرق الطغيان وتطهّر العالم من عفنه.


إن هناك ناراً تنتظر من لوّثوا حياتنا . لم تكن شماتةً بقدر ما كانت استعادةً لشيء من التوازن. لأن القلب الممزّق يطمئن بأن الكون لم يُترك كلقمة في فم الطغيان.


إن الإنسان أيّاً كان يحمل في داخله شعوراً خفياً بالإنصاف يثور حين يرى ظلماً ويأنس حين يُرد الحق إلى صاحبه. غير أن هذا الشعور يتكسّر في دنيا يملؤها الطغيان حيث يسود الأقوياء ويُسحق الضعفاء. عندها لا يجد المظلوم عزاءً إلا في فكرة الجحيم ، أن هناك ميزاناً أعلى من كلّ موازين البشر وأن كل خيانة أو طغيان أو غدر إن أفلت من يد العدل الأرضي، فلن يفلت من يد العدل الإلهي .


كنتُ أظن أن كراهية الجحيم ضربٌ من النقاء لكنني أدركت أن وجوده يذكرني بكرامتي الإنسانية أنني مسؤول عن أفعالي وأن العدالة ليست وهماً بل نظاماً معقولاً لا بد أن يجد مكانه في الوجود ولو على هيئة نارٍ حارقة .


الجحيم ليس شراً في ذاته بل هو تمثيل للعقل حين يطالبنا بالوفاء لمبدأ الواجب. هو الترجمة القصوى لمقولة (عامل الإنسان دائماً كغاية، لا كوسيلة). فمن خان ومن ظلم و من طغى قد جعل غيره وسيلة لرغباته فاستحق أن يواجه صورة أخرى للعدالة عدالة لا تحابي ولا تُشترى.


أطلب الجنة لكنني أعترف بشوقي للجحيم أن أنظر فيه إلى من خان وغدر وظن أنه بمنأى عن الحساب. عندها سأبتسم لا ابتسامة الشماتة بل ابتسامة من أدرك أن الوجود لم يكن عبثياً وأن النار التي التهمت الطغاة هي ذاتها التي جعلت حياتي محتملة وأعطت لمعاناتي معنى.


كم من ليلةٍ طويلة سلّيتُ نفسي بفكرة أن الغادر سيقع يوماً في قاعكِ وأن من خانني سيذوق ما يستحقه وأن وجعي لم يكن عبثاً. أنتِ يا أيتها الجحيم جعلتِ الحياة محتملةً لأنكِ وعدٌ بأن العدالة ليست محض وهم أو ترف فكري بل قدرٌ آجل.قادم لا محالة ، حق اليقين .


✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق