جرح..بأصل الروح
٨
(الموت هادم اللذات..خطبة وعظية لتحريك القلوب الغافلة..!)
سامحني يا بني أنني عاجز عن الكتابة،ومهما أوتيت من قدرة فأنا لا أستطيع اليوم أن أكتب عنك ما أريد،فالكلمات تخنقها العبرات،وتمتزج معانيها بالنشيج..
أنت تعرفني يا بني للكتابة عندي مزاج،ولا أحب الكلمة إلا عفوية صادقة لتدخل شغاف القلب بدون أذن! سامحني يا بني فمصابي فيك جلل.. لأنني لن أراك بعد الآن،وأنت تلاطفني بكلمات لطاف..أو تمازح اخوتك..لن أراك الآن وأنت تمارس هوايتك الإنترنيتية،ولا حتى مداعبة شقيقك الأكبر عصام ذاك الذ عبر الأبيض المتوسط في غفلة مني..سهوا عني..ركب-قارب الموت-وتوارى خلف الغيوم الرمادية..
لن أراك الآن وأنت عائد من أوروبا..إنني الآن أشفق على نفسي فالروح مزق ونفايات..ولكنى سوف أذكرك مع كل الأشياء الجميلة التي أحببت...وسوف أبكيك لأنني إنسان وأردد سبحانك يا ربى أعطيت وأخذت والحمد لله على كل شيء (إنا لله وإنا إليه راجعون).
يا من كنتُ أسمِّيك "روحي"..ها أنا اليوم أتكلّم مع غيابك.
لم أكن أعلم أن أصعب كلمة سأنطقها في حياتي هي "وداعًا"..وأن أقسى خطوة سأخطوها هي تلك التي تحملني إلى قبرك. يا بُني،من أين آتي بالكلمات وأنا أعلم أنك لن تسمعها؟ ومن أين آتي بالصبر وأعصابي تذوب كلما مررت بغرفتك..
كنت أحلم بأن أرى ظلك يُلاحق ظلّي،وأن أسمع ضحكتك تملأ البيت،فأجد في عينيك الأمل الذي طالما دفعتني قدُمًا.كنتُ أعدّ الأيام لترى نجاحك، وأتخيل الفخر سيسكن وجهي حين أناديك "يا دكتور"، أو "يا مهندس". لكن القدر..ذلك الغريب القاسي..خطف حلمي من بين عينيَّ، وتركني في عتمة لا تنتهي.!
يا ولدي،لقد كنتُ أعلمك كيف تمشي،فمن يعلمني كيف أمشي في درب الحياة من دونك؟ كنتُ أحملك على كتفيّ عندما تتعب،فمن يحمل روحي الآن وقد أنهكها الحزن؟ لقد رحلت،وتركتني في مواجهة مع الذكريات..كل زاوية في هذا البيت تهمس باسمك،وكل صورة تذكرني بأنك لن تعود.
أقول لهم: "الصبر جميل"،وأحاول أن أكون قويًّا كما كنتُ دائما في عينيك،لكن قلبي ينزف في صمت.إنهم يرون دمعتي وأنا لا أراهم،لأن عينيَّ لا ترى سوى وجهك..لأن أذنيَّ لا تسمع سوى صوتك.
يا من كنتُ أفديه بروحي..سامحني إن قصرت في حقك،أو إن كنتُ قد غضبتُ منك يومًا.فأنت اليوم نور عينيَّ الذي لا يُطفأ،وذكراك هي الوطن الذي سأعيش فيه حتى ألحق بك.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة،وارزقني الصبر الذي لا ينفد،حتى ألقاه يوم القيامة وهو عني راض.
إلى هناك..حيث تستقر الروح..إلى أن نلتقي مرة أخرى.
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق