قراءة تحليلية بقلم الشاعرة أ. سامية خليفة/لبنان
لرواية حورية والوحش للأديبة الشاعرة
فاطمة محمود سعدالله
العنوان وهو عتبة الرواية وعلاقتها الكبيرة بها:
قبل قراءة رواية حورية والوحش والمكونة من سبعة وعشرين جزءا متماسكا بحبكته القوية وأهدافه النبيلة وثيماته المتعددة، ومن خلال عنوان الرواية تبادر إلى ذهني للوهلة الاولى هذا التناص بينها وبين عنوان قصة جميلة والوحش وبعدما اتممت قراءتها وعلمت ان الوحش هنا هو حقيقة، وليس حبيبا مسحورا كما في جميلة والوحش، بل هو الوحش العدو الذي إن لم نصرعه صرعنا وقضى علينا ..إنه مرض يأخذ صفة تليق به ، ذلك الخبيث المخفي الذي يتربع على كرسيه وهو ينظر إلى ضحيته فيفترسها بنهم دون أن تدرك وجوده ..فما أخبثه!
الثيمات وأبرزها ثيمة الصراع مع المرض:
الثيمة الاساسية للرواية هي الصراع، الصراع مع المرض ،
تلحقه ثيمات أخرى مكملة لها ، الخسارة (بفقد أحد الثديين خسارة لرمز من رموز الأنوثة، الخوف من خسارة ابنها لعام دراسي )، الصداقة (دعم صديقتيها المعنوي) ، الحب( حب الزوج لها واهتمامه الكبير بها) ، الخيانة( خيانة صديقة الطفولة بانتهاز فرصة مرضها لإدارة المنتدى دون التطلع لمبادئ مؤسِّستها الأساسية حورية.
التحدي ( مواجهة المرض وما تبعه من الهذيانات، وموت عدة سيدات تعرفت عليهن بهذا المرض ) إنه التحدّي في صمود الروح البشرية لمواجهة التحديات الكبرى .
شخصيات القصة:
شخصيات القصة عديدة وهي من مميزات الرواية وأحداثها المتتابعة . البطلة الأساسية حورية وزوجها عمر التي تدعوه بالفاروق ثم صديقتا الطفولة خيرزاد وريحانة والشخصيات الثانوية هي الابن والإبنة وسيدات تعرفت عليهن مصابات بالمرض، والأشخاص الذين حضروا الندوة .
حورية هي البطلة الأساسية المحورية التي ركزت عليها الكاتبة لنرافقها في رحلتها مع مواجهة هذا المرض، وكيف أنها أثّرت وتأثّرت بمن حولها، وكيف تحدّت بصبر وجلد وألم كل المعوقات من حولها، من خيانة لصديقة الطفولة إلى هواجس هذيانية إلى شكوك واهية بخيانة الزوج نظرا لشعورها بالنقص إثر بتر جزء ىن أنوثتها وهو بتر أحد ثدييها إلى التمسك بالأمل وبمحبة من يحيطونها. فكم من الرائع أن تحاط بتعاطف صديقتيها عند حلق شعورهما!
المعاناة والشعور بالضياع والصراع مع المرض:
ففي الفصل الثاني عشر، وهو الفصل الذي ابتدأت معه مشاعر
حورية تُعبر عن حالة من الاغتراب الجسدي والنفسي، حيث تشعر بأن جسدها "ليس هي"، وأنها فارغة من كل شيء عدا الوجع. تتجلى حالتها النفسية المتدهورة في صرختها اليائسة لزوجها عمر : "خذني من هنا فأنا خائفة... خائفة". هذه الكلمات تكشف وبعمق عن معاناتها وشعورها بالضياع والضعف أمام هول المرض .
الدعم المعنوي والروابط الإنسانية سند كبير لتخطي المرحلة:
في الفصل الرابع عشر تظهر أهمية قوة الصداقة ودعم الزوج وبشكل عام أهمية الروابط الإنسانية في مواجهة الشدائد.
إنها في صراع بل في معركة، إن خاضتها وحدها قد لا تنجو. صديقتها "خيرزاد"، التي تقرر الوقوف إلى جانب حورية في "معركتها الشرسة مع ذاك الوحش اللعين" السرطان،
هذا الدعم يتجسد في تعهدهما بخوض المعركة معًا و"رفع راية الحياة"، ولكن هل ستستجيب النفس بعزتها وكرامتها لذلك الدعم بسهولة ؟ حتما لا فهي ستعتبره شفقة حتى من زوجها وهنا في الفصل الخامس عشر الصديقتان تدعمانها فعليا لا قولا بحلق شعورهما، مما حرك فيها نزعة حب البقاء فاقترحت بنفسها إقامة أمسية شعرية على شاطئ البحر وإعادة الاتصال بالحياة من خلال الإبداع، إذا تخلصها من شعورها بشفقة الآخرين لم يكن عبثيا، بل من خلال مشاركة الآخرين لمعاناتها فعليا، فالشَّعر زينة المرأة وتاج على رأسها، وتخلي صديقتيها عن شعورهما، كان لها دعما ملموسا وقويا في لفتة ذكية منهما ملؤها التضحية والتعاطف مع الألم.
الحب والحاجة إليه خصوصا في حالة المرض والضعف:
الحاجة إلى الحب ثيمة أخرى تتجلى ابتداءً من الفصل السادس عشر، حيث تصل حورية إلى قمة معاناتها النفسية ، معبرة عن ألمها بفقدان ذاتها بكلمات مؤثرة: "أنا أفتقدني، أعدني إليَّ، أشْعِلْ ما انطفأ مني فيك". وذلك إثر فقدانها لخصلات شعرها الحريرية، التي تعتبرها رمزًا لأنوثتها . كلماتها لزوجها "يا عمري، يا شقيق قلبي، أحتاجك كثيرا وأكثر من أي وقت" كلمات هي دليل على حاجتها إلى دعمه. تتناقض مشاعر الحاجة إلى الحب مع مشاعر من التشتت حيث أنها ترى كل شيء فيها يركض. على حدة، تعبيرا عن حالة من التشتت والقلق التي تعيشها، ذلك هو الصراع بكل أبعاده.
ثيمة التحدي وأثرها في مقاومة المرض والمصاعب:
في الفصول اللاحقة تظهر ثيمة التحدي، ففي الفصل التاسع عشر، تخاطب حورية ابنها "معز" بقلب الأم المحب والداعم،هنا قلب الأم أنساها مرضها رغم خطورته، فأصبحت هي مصدر دعم لابنها الذي تخاف عليه خسارة سنة دراسية
من عمره تحثه على السفر.
الاستغلال وثيمة الخيانة:
في الفصل الحادي والعشرين، يكبر الصراع ليس مع المرض فحسب، بل مع خيانة صديقتها، إنه صراع إنساني.
ريحانة صديقتها، والتي استغلت مرضها وانصرافها عن إدارة منتدى (الركن المنير ) الشعري "اغتنمَت فرصة مرض صديقتها لتثبت وجودها بأسوأ أسلوب". فأساءت إلى سمعة المنتدى، لكن فيما بعد سنرى أن حورية ستصفح عنها ، مما يعزز فكرة أننا كلنا خطاؤون وعلينا العفو عند المقدرة وعدم شطب صديقة الطفولة بجرة قلم لخطأ ارتكبته ونسيان العشرة .
التضامن الأسري :
في الفصل الثاني والعشرين، يتورط "معز" ابن حورية في تحقيق أمني بتهمة الإرهاب وهي تهمة باطلة سببها تشابه بالأسماء، مما يزيد من الضغوط على عائلتها التي تخفي الخبر عنها كي لا تنتكس صحيّا، ليعود ابنها بعد إثبات براءته فتُفاجأ به، وهو من المفترض أنه يجري امتحاناته الدراسية في الخارج، لكنه للأسف جرى إيقافه والتحقق معه.
تنقذ الموقف أخته زاعمة لأمها بأنه تم الغاء امتحاناته لتأخره عن الحضور. وفي ذلك تضامن أسري كامل
للحفاظ على صحة حورية.
: ثيمة الشعور بالنقص تتبعها ثيمة التحدي
حورية أثناء انشغال زوجها في التحقيق الذي لا تعلم عنه شيئا ، بدأت تساورها شكوك أنثى ستفقد قريبا جزءا من كيانها الأنثوي فكانت ثيمة الشعور بالنقص والذي عصف بكيانها فأشعل نار الغيرة، خصوصا أن مكالمات زوجها كانت "همسية" إلا أنها تتدارك ذلك النقص في الفصل الثالث والعشرين خصوصا بعد بتر الثدي فصدرها سيبقى يعج بالحياة رغم صوت خفي يصفها بامرأة منقوصة الأنوثة، هو التحدي بقمته للهذيانات وللواقع معًا.
الصراع الفردي وتماهي الآخرين به وتأثيره الإيجابي والجماعي على الوعي المصيري:
في الفصل السادس والعشرين، نجد تحولا جذريا في نظرة
حورية للحياة أصبحت روحها معطاء متعاطفة ورحيمة ليتحول صراعها بعد شفائها إلى نبع تتفجر منه الرأفة التحول من "الركن النيّر" وهو اسم منتداها الأدبي بتحويل اللقاءات الأدبية إلى "ودادية" تخدم مرضى السرطان من الأطفال والنساء مشروع طرحته في ندوة فكيف كانت ردود الفعل؟ كانت ردودا إيجابية تؤكد على أن الصراع الفردي الذي عانته حورية لم يعد فرديا أو سلبيا انتقل إلى الآخرين ولكن بنظرة جماعية متماسكة، الدعم الإيجابي المادي والمعنوي من الحضور هو تأكيد على أن الصراع الشخصي الفردي الذي عانته حورية تماهى به الحضور ليمسي وعيا مصيريا حثهم على تبني فكرة عمل جماعي إيجابي في إقامة مشروع خيري يحدد خطى واضحة لمؤسسة تهتم بمرضى السرطان.
في الفصل السابع والعشرين، والذي لمست فيه روحا شاعرية عكستها الروائية لتعطي مساحة من الهدوء بعد عاصفة عاشها القارئ بكل جوارحه مع حالة إنسانية، بل مع عدة حالات رافقت البطلة حورية وهي ترى سيدات يذوين أمامها وهن في ربيع أعمارهن كأوراق خريفية.
رمزية الشجرة والأسلوب الشاعري في كتابة الجزء الأخير تعبيرا عن انتهاء العاصفة والهدوء النفسي:
اعتمدت الروائية على رمزية عالية في ختام روايتها متجسدة بشجرة من خلال وصف "الشجرة" التي "تصدت لرياح الفناء وقاومت معاول الاقتلاع"، وظلت جذورها ممتدة "تمتح من معين التحدي وترتوي من نسغ البقاء". شجرة ترمز للتجذر والعطاء والحياة والصمود بوجه الصعاب كما صمدت حورية وتحولت إلى امرأة معطاء متحدية لعواصف الأزمات تلك الشجرة التي احتاجت إلى سقاية واهتمام فوجدت كل ذلك في دعم الأسرة والأصدقاء في حين أن إحدى معارفها استسلمت للمرض لما لقيته من سخرية ومعاملة سيئة من زوج غير داعم وأخته عديمة المشاعر التي ورثت ملابسها أمام عينيها وهي مازالت طريحة الفراش تحتضر وتتنفس حياة.، لكنها حياة بائسة، فالأجدى بها الاستسلام للموت.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق