الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

مواء ّ ،،،،، بقلم الشاعر/المنجي حسين بنخليفة

مواءٌ
بقلم: المنجي حسين بنخليفة – تونس -
   في المساء، رأيتها منحشرة على نفسها فوق الأريكة على غير عادتها، نشاطها الذي كانت تملأ به كلّ ركن في المنزل انجزر وما عاد له مدّ، حتّى تمسّحها عليّ بذيلها لم يعد اليوم من عاداتها، لمعان بياضها، ونعومة طول شعرها ذبل كورقات أوّل الخريف حين تحمل لها النسمات أنباءً باقتراب موسم التساقط. ما الذي يجعل قطتي المدلّلة على هذه الحالة؟ ألها مشاعر ورغبات مثلنا تؤثر فيها؟ لعلّ أشياء أجهلها أصابت في نفسها خدوشًا رغم حياتها المرفّهة معي. حملتها، وضعتها في حضني، داعبتها، استكانت أول الأمر، لكن كأنّ شيئا في داخلها صحا فجأة، شيء يجعلها تنسحب من دفء حضني إلى الخارج، تتبعتها بنظري، رأيتها وقد غيّرت من شكل مشيتها، تتبختر حينا، وحينا تتلوّ بمؤخرتها وقد رفعت الذيل شراعا، مواؤها صار فيه بحّة غريبة، كأن في صدرها مواء كُبت لم يجد للخروج سبيلا، فتغنّجت بموائها، مواء له لغة لا يفهمها إلاّ الذكور من القطط، حين يسمعونه لا يستطيعون إلاّ أن يلبّوا نداء من شرّعت أبوابها، وأرخت عليه ظلام الليل ستارا، حين تصل بتبخترها إلى آخر السور الحديقة تعود، لعلّها تلتقي بمن غيّرت مشيتها ومواءها من أجله.
  ليالي الصيف كانت تمدّ أجنحة دفئها، يحلو السهر، يكون للعشّاق قانونا يخالف كلّ شرائع السمّار، لكلّ أغنية من أغاني كوكب الشرق لها عطر ومذاق، نترشّفها أنا وزوجي مع رائحة الهال المجنّحة  من بخار قهوتنا، ننسى أنّنا على الأرض، وأنّنا في فضاء الكون نسبح بين النجوم، كلّما مطّ بنا المسير نعزم على ألاّ نعود، يمسك زوجي يدي، يسري في كلّ ركن خفيّ في جسدي شيء غريب، شيء أشعر به فينشيني ويسعدني ويجذبني إليه، كغيمة تدفعها الرياح فتهرع حيث يصبو هوى الريح، كطير مهاجر تزداد جناحاه خفقانا كلّما اقترب من أرض الأوكار القديمة، كنغمة شاردة من ذهن عازف، حين أدركها نقشها على أوتار عوده حتى لا تضيع في زحمة النغمات.
   عشرون عاما بعدما اختار الرحيل، وبقيت وحدي، أترشّف ثمالة الأيام، وحين تستعر مشاعري أصنع من رغبة تحاصرني شراعا ومركبا، ويكون هو مسامري و جليسي، لكن حين تهترئ أشرعتي أجدني في الحلم وحدي، أتلمس برد الفراش فيخنقني الصقيع، آه من هذا الصقيع حين يحاصرني عشرين عاما.
   جعلت من روحي موقدا يتسامر حوله ولداي، أحميهما، أدفئهما من برد قادم الأيّام، ونسيت طعم الدفء، وأشياء تفرحني، وتسعدني، وتحملني إلى شواطئ ترغب أن تتمدّد على رمالها كلّ النساء، عشرون عاما وأنا أفصّل من حلمي رداء ألبسه، وفي آخر الليل أفيق، أجدني بلا رداء، وهذا الصمت القاتل في غرفتي لا يشاركني فيه إلاّ تمسّح قطتي المدلّلة، والمواء.
أه من ذاك المواء حين تدميني مخالبه، فأبحث كلّ ليلة عن أشياء تضمّد لي جراحه، مازال المواء يمزّق ستائر صمتي، وجراحي كي تستكين تنتظر الصباح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق