الأربعاء، 3 مايو 2023

أصدق الشِّعر ــــــــ الأديب/ يوسف صافي الجيل

 أصدق الشِّعر

يَـا عَــــاذِلِـــي إِنَّ الَّـــذِي أَرْدَانِـي
مَـرَضُ العُـيُـونِ وَصِـحَّــةُ الأَبْـدَانِ
وَالخُـودُ تُـرْدِي يَـا عَـذُولُ بِنَظْـرَةٍ
وَسِـهَـامُـهَـا بِـمَـنَـاصِـــلٍ وَسِـنَـانِ
تُـدْمِي الـقُـلُـوبَ وَمَا لَهَـا طِـبٌّ إِذَا
أَوْمَــتْ بِـجَـفْـنٍ نَـاعِـسٍ وَسْـنَـانِ
أَشْـتَـاقُ لِلـزَّمَـنِ الجَـمِـيلِ بِحُـرْقَـةٍ
وَخَــرَائِـدِ النِّـسْــوَانِ فِـي زَغْوَانِ
وَمَجَالِسٍ طَابَ الحَـدِيثُ بِذِكْـرِهَـا
وَكَــوَاعِـبٍ أَحْـلَـى مِــنَ الـرُّمَّـانِ
شَـوْقِـي لِـذَيَّـاكَ المَـكَـانِ يَـحُـثَّـنِي
وَيَـقُــودُنِـي لِـمَــــرَاتِـعِ الـغِــزْلَانِ
وَلَـهِـي عَـلَـى وَرْدِ الخُـدُودِ أَبُـثُّـهُ
لِـنَـوَاعِــمٍ كَــشَــقَـــائِـقِ الـنُّـعْـمَـانِ
لَهْفِي عَلَى مَرِّ السِّـنِـينِ وَحَسْرَتِي
لَا تَـنْـتَـهِــي إِلَّا مِـــــنَ الكِـتْـمَـانِ
يَـا لَـلْعَــذَارَى وَالـحَـنِـينُ يَـشُـدُّنِي
كَـمْ دَاعَـبَـتْ كَـفِّــي بِـطَــرْفِ بَـنَـانِ
لَوْ كُنْتَ تَلْقَى مَا أُلَاقِي فِي الجَوَى
لَـعَـــذَرْتَـنِـي نَـارُ الـجَـوَى نَـارَانِ
أَتُـرَى تُـحِــسُّ بِـلَـوْعَـتِـي لَوْ أَنَّنِي
صَـرَّحْـتُ بِاللَّـفْـظِ الفَـصِـيـحِ بَيَانِي؟
أَكْـثَـرْتَ فِـي عَـذْلِـي لِغَـيْرِ جِـنَايَةٍ
فَـاسْـمَـعْ حَــدِيثَ الـنَّـفْــسِ لِلْـخِـلَّانِ
إِنِّـي بِـعِـشْــقِـي لِلـنِّـسَــاءِ مُفَـاخِـرٌ
حَـظِّـي إِلَـى حُــبِّ النِّـسَـاءِ رَمَـانِي
يَـا أَيُّـهَـا الفَـظُّ الغَـلِـيـظُ خَـذَلْـتَـنِي
أَ تَـعِــيْـبُ فِـيَّ مَـحَــبَّـةَ الـنِّـسْــوَانِ؟
وَالـغِــيدُ إِنْ هَـبَّ النَّـسِـيمُ تَمَايَلَتْ
كَـتَـمَــايُـلِ الأَزْهَــارِ فِـي الأَغْصَانِ
نَـظَـرَاتُـهَـا وَكَـلَامُـهَـا وَعَـبِـيرُهَا
بَـيْـنَ الـحَــشَـا كَـمَـوَاقِـــدِ الأَفْــرَانِ
أَ تُـرِيْـدُ أَنْ أَلْـقَـى الجَمَالَ بِجَفْوَةٍ؟
كَــلَّا وَلَـيْـسَ لِـذَاكَ مِـنْ إِمْـكَــانِ
وَالنَّـفْـسُ تَأْنَسُ بِالحَبِيبِ سَـجِـيَّـةً
وَالأَهْـلِ وَالأَصْـحَـابِ وَالجِـيْرَانِ
دَعْـنِي أَقُـولُ لَكُـمْ بِكُـلِّ صَرَاحَةٍ
أَنَـا عَـاشِـقٌ وَالعِـشْــقُ هَــدَّ كَـيَـانِي
حَاوَلْتُ فِي أَمْرِ الهَوَى بِوَسَائِلِي
لَـكِـنَّـمَـا كَـيْـدُ الــنِّـسَــا أَضْـنَـانِي
أَخْلَصْتُ فِي حُبِّي بِكُلِّ عَوَاطِفِي
وَمَـشَـاعِـرِي وَجَـوَارِحِــي وَلِسَانِي
إِنِّي لِأَهْـلِ العِـشْـقِ أَصْـدَقُ عَاشِـقٍ
أَفْـنَـيْـتُ فِـي حُـبِّ الـحِـسَانِ زَمَانِي
وَقَضَيْتُ عُمْرِي فِي الغَرَامِ مُغَامِراً
يَــا لِـي أَنَـا مِـــنْ عَـاشِـــقٍ وَلْـهَانِ
عَالَجْـتُ أَصْـنَافَ الهَوَى مِنْ لَاعِجٍ
وَصَــبَـابَـــةٍ وَمَــذَلَّـــــةٍ وَهَــوَانِ
وَنَـظَـرْتُ فِـي أَمْــرِ الغَـرَامِ مُحَقِّـقاً
فَـعَـجِـبْـتُ مِـنْ نَفْـسِي وَمِنْ أَقْرَانِي
بَـعْـدَ التَّـجَـارِبِ وَالتَّـعَـقُّـلِ وَالحِجَى
أَسْـلَـمْــتُ لِلْـقَــلْـبِ الـدَّلِـيـلِ عِـنَانِي
فَــوَهَـبْـتُــهُ قَـلْـبِـي وَعَـقْـلِـي رَاغِــمٌ
مُـتَـفَـانِـيـاً فِـي الحُــبِّ كُـــلَّ تَـفَــانِ
سَـأُعِـيـدُ لَـوْ عَـادَ الـزَّمَـانُ تَجَـارِبِي
أَوْ كَــانَ لِـلْإِنْـسَــانِ عُـمْــــرٌ ثَــانِ
رَاضٍ بِـمَــا قَـسَــمَ الإلَـــهُ لِـخَـلْـقِــهِ
وَعَـلَـى زَمَـــانِي لَـسْــتُ بِالنَّـدْمَانِ
مَـــا أَرْوَعَ الأَيَّـامَ حِـيْـنَ نُـحِـبُّـهَــا !
فِـيْـهَــا الجَـمَـالُ وَبَـهْـجَـةُ الأَلْـوَانِ
مَـا رَاعَـنِـي خَــطُّ الـمَـشِـيبِ بِلِمَّتِي
يَـا إِخْــوَتِـي ثَـوْبَ الوَقَـارِ كَسَـانِي
لَـيْـسَ الَّـذِي لَـبِـسَ الـوَقَـارَ مُلَازِماً
إِيَّـاهُ كَـالـمَـسْـلُــوبِ وَالـعُــرْيَـانِ
أَدْمَـنْـتُ رُؤْيَـةَ مَـنْ أُحِـبُّ كَقَهْـوَتِي
وَالـحُــبُّ يَـا قَـوْمِـي مِـنَ الإِدْمَـانِ
لَا شَـكَّ أَنَّ الـوَجْـدَ يَـعْـصِرُ خَافِقِي
وَمَـلَامِـحِـي تُـغْـنِـي عَـنِ التِّـبْـيَـانِ
يَـا مَـنْ بِحُـبِّكِ قَــدْ وَجَـدْتُ حَقِيقَتِي
وَعَرَفْتُ مَعْنَى الحُـبِّ فِي وِجْدَانِي
أَشْـفِـقْ عَـلَـى قَـلْـبٍ مُـحِـبٍّ مُـدْنَفٍ
حُـبّـاً لِــرُوحٍ فِـي هَـــوَاكَ تُـعَـانِي
إِنِّـي وَقَــفْــتُ بِـبَـابِ دَارِكِ زَائِــراً
بَـعْـدَ الشَّـقَــاءِ وَطِـيـلَــةِ الحِـرْمَانِ
أَنَـا فَـارِسُ الأَحْـلَامِ جِـئْـتُـكِ رَاجِلاً
قَـدْ كُنْتُ فِي الأَحْلَامِ فَوْقَ حِصَانِ
وَكَتَبْتُ فِي قِصَصِ الغَرَامِ قَصِيدَتِي
فَـعَـجَــائِـبُ الـدُّنْـيَـا بِــذَاكَ ثَـمَـانِ
وَقَـبَـضْـتُ مِـنْ أَثَـرِ الخَلِيلِ بِقَبْضَـةٍ
وَنَـبَـذْتُـهَــا طَـوْقــاً بِـعُـقْـدِ جُـمَانِ
أَحْـبَـبْـتُ أَلْـفَ مَـلِـيـحَــةٍ وَمَـلِـيـحَـةٍ
وَبَنَيْتُ فِي أَرْضِ الهَوَى سُلْطَانِي
وَتَـسَـاقَـطَـتْ كُـلُّ العُـرُوشِ لِدَوْلَتِي
وَالجِـنُّ حَـتَّـى الجِـنُّ مِـنْ أَعْوَانِي
وَعَلَى بِـسَـاطِ الـرِّيْحِ طُـفْـتُ مَمَالِكاً
وَحَـكَـمْـتُ بِاسْمِ الحُبِّ فِي البُلْدَانِ
وَجَلَسْتُ فِي طَـرَبٍ بِقَصْفِ دَسَاكِرٍ
شَـنَّـفْـتُ سَـمْـعِـي أَعْـذَبَ الأَلْحَانِ
وَخَلَعْتُ مِنْ طَرَبٍ عِـذَارِي صَـبْوَةً
وَقَـفَزْتُ مِـنْ فَـرَحٍ كَمَا "طَرَزَانِ"
وَقَـطَـفْـتُ مِـنْ خَـدِّ الجَـوَارِي طَاقَةً
وَشَـمَـمْتُ عِطْرَ الوَرْدِ والرَّيْحَانِ
وَعَصَرْتُ خَمْرَ الحُبِّ شِعْراً صَافِياً
بِـمَـحَـابِـرِي وَمَـلَأْتُ مِـنْـهُ دِنَانِي
نَـقَّـلْـتُ قَـلْـبِي حَيْثُ شَاءَ مِنَ الهَوَى

مَـــا بَـيْـنَ جَــارِيَـةٍ وَبَـيْـنَ قِـيَـانِ
وَأَكَـلْـتُ مِـنْ ثَـمَـرِ الـنُّـهُـودِ قَـطَائِفاً
وَبَسَطْتُ فِي ذَاكَ السِّمَاطِ خِوَانِي
وَرَشَـفْـتُ مِـنْ خَـمْـرِ الشِّفَاهِ سُـلَافَةً
كَـلِـفـاً وَلَـمْ أَشْـبَـعْ مِـنَ الأَحْضَانِ
وَطَـفِـقْـتُ مَـسْـحـاً بِـالـيَدَينِ مُـدَاعِباً
خَـصْـرَ الـفَـتَـاةِ بِـرِقَّـــةٍ وَحَـنَـانِ
وَثَـمِـلْـتُ مِـنْ لَثْمِ الـرُّضَابِ بِثَغْرِهَا
أَ وَكُـلَّـمَا غَـابَ الـرَّقِـيـبُ سَقَانِي؟
وَقَـضَـيْـتُ أَوْطَـارِي وَنِلْـتُ مَـآرِبِي
مُـسْـتَـرْخِـيـاً وَتَـسَـبَّـلَـتْ أَجْـفَانِي
وَرَقَصْتُ حَتَّى بَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ لِي
وَنَـفَـثْـتُ كَـالـتِّـنْـيـنِ بَعْضَ دُخَانِ
وَظَـفِـرْتُ بِالنَّـصْـرِ المُـبِـينِ مُؤَزَّراً
قَدْ صِرْتُ فِي عِشْقِي فَتَى الفِتْيَانِ
وَعَـلَـوْتُ لِـلْـعَــلْـيَـاءِ دُوْنَ مُــنَـازِعٍ
إِنِّـي لِــذَا رَجُــلٌ عَـظِـيـمُ الشَّـانِ
فَـغَـدَوتُ فِـي كُـلِّ الضَّـمَـائِرِ سَاكِناً
كَـالمَـوْتِ كَـالإِحْـسَاسِ كَـالإِيْمَانِ
أَبْحَـرْتُ فِـي بَحْـرِ السُّرُورِ مُسَافِراً
مِـنْ غَــيْـرِ مَـــلَّاحٍ وَلَا قُـبْـطَـانِ
أَسْـلَـمْـتُ لِـلـتَّـيَّـارِ أَمْــرَ تَـوَجُّـهِــي
ضِدِّي الـرِّيَــاحُ وَمِـقْــوَدُ الـرُّبَّــانِ
وَرَسَـوْتُ فِـي عَيْنَيْكِ بِـضْـعَ دَقَائِقٍ
مُـسْـتَـغْـرِقـاً مُـتَـنَـاسِـيـاً أَحْـزَانِي
وَرَأَيْـتُ فِـيْـهَـا مَـرْفَــأً لِـسَـفِـيـنَـتِـي
وَشَـوَاطِـئـاً مِـنْ أَبْــدَعِ الـشُّـطْـآنِ
أَنَا آسِـفٌ فَـالـوَقْتُ يَمْضِي مُسْرِعاً
وَدَقَــائِـقِـي فِـي ذَا الجَـمَـالِ ثَـوَانِ
لَـمَّـا هَـمَــمْـتُ مُـوَدِّعاً وَوَقَفْتُ لِلــ
رَمَــقِ الأَخِـيْـرِ تَـهَـدَّمَـتْ أَرْكَـانِي
ذَابَ الـفُـؤَادُ لِـرِقَّـــــةٍ فِـي قَـوْلِهَـا:
"مَالَتْ عَلَيكَ ، أَخَافُ أَنْ تَنْسَـانِي"
حَـاوَلْـتُ أَنْ أُخْفِي مَشَاعِرَ لَوْعَتِي
شَـفَّ الـحَـنِـيـنُ لِـمَـوطِنِي بِكَـيَانِي
وَرَأَيْـتُ فِـي الـبُـلْـدَانِ تُـونُسَ جَنَّةً
مُـزْدَانَــةً بِـالـنَّـخْـــلِ وَالـرُّمَّــانِ
تَـبْـدُو كَـمَـــا حُـبْـلَى بِآخِرِ شَهْرِهَا
فَـوْقَ الـخَـرَائِـطِ دُرَّةُ الأَوْطَـانِ
كَـمْ أَنْـجَـبَـتْ مِـنْ عَــالِـمٍ فَــذٍّ عَلَى
مَرِّ العُصُـورِ عَلَى مَدَى الأَزْمَـانِ
كَــمْ وَلَّـــدَتْ مِـــنْ فِـكْــرَةٍ بَـنَّــاءَةٍ
وَتَـمَـخَّـضَــتْ خَـيْـراً وَعَـهْدَ أَمَانِ
قَـدْ أَبْـهَـرَتْ كُـلَّ العُـقُـولِ بِحُـسْنِهَا
وَجِـنَـانِـهَــا وَبِــوَادِهَــــا الـمَــلْآنِ
وَتَـزَيَّـنَـتْ مِـنْ كُـلِّ عَـصْـرٍ مَعْلَماً
وَتَـشَـامَـخَــتْ بِـبَـهَـائِـهَـا الفَـتَّـانِ
بَـلَـدُ الـسِّـيَـاحَـةِ وَالتِّجَـارَةِ وَالـمُنَى
مَـهْـدُ الحَـضَـارَةِ ، مُلْتَقَى الأَدْيَانِ
بَـادَلْـتُـهَـا حُــبّـاً بِـحُــبٍّ خَــالِــصٍ
وَعَـشِـقْـتُـهَـا فِـي السِّـرِّ وَالإِعْلَانِ
تَرْشِيْشُ يَا أَرْضَ العُرُوبَةِ وَالرُّؤَى
يَـا قَـلْـعَــةَ الأَمْـجَـــادِ وَالشُّـجْعَانِ
يَـا غَـابَـــةَ الـزَّيْـتُـونِ إِنِّـي مُـغْرَمٌ
يَا مَـضْـرِبَ الأَمْـثَالِ فِي العُمْرَانِ
قَـدْ شُـتِّـتْ بَـيْـنَ الأَمَـاكِـنِ فِـكْرَتِي
فَـوَهَـبْـتِـنِـي سَـبْـعِـيـنَ أَلْـفَ مَكَانِ
وَذَكَـرْتُ عَـهْـدَ الـقَـيْـرَوَانِ تَشَـوُّقاً
جَـسَـدِي هُـنَا وَالقَـلْبُ فِي القِرْوَانِ
شعر الطبيب الأديب/ يوسف صافي الجيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق