الأربعاء، 10 مايو 2023

قراءة في قصيدة الشاعرة بلقيس قاسمي بقلم الشاعر طاهر مشي

 قراءة في قصيدة الشاعرة بلقيس قاسمي:

لَطالما شكّلت قصيدةُ النّثر حواراتٍ جدليّةً خاصة في الآونة الأخيرة خلال القرن الأخير، وقد عبّر العديد من النقاد عن آرائهم، إزاء هذا المولود الأدبيّ الذي ما فَتِئ ينمو ويكبر، بسرعة فائقة، إذ شهِدتْ قصيدةُ النثر انتشاراً كبيرا بعيداً عن أعمدة الشعر وكوابيس القوافي وبحور الشعر.
فهذا التحرّر الأدبي، لا يُشكِّل أزمةً في الشعر، بل فُسحةً خيالية، وكتلة من المشاعر الفيّاضة، تجاوزت حدود القوافي ؛ لإثراء الساحة بطرحٍ فنِّي، ذي خصائصَ فريدةٍ ومُتقنة، حيث باتت محورَ التّحرر خاصة بعد ظُهور قصيدة التفعيلة وانتشارها.
ومن هذا المنطلق، اخترتُ قصيدةَ الشّاعرة المتميزة بلقيس قاسمي؛ حتى أقاسمَكم هذا الطّرح.
حيث اعتمدتْ شاعرتُنا النثر كوسيلةٍ تعبيريّة، جمّلتْها بإيقاع سخيٍّ بالمقاطع الصّوتيّةِ الرائعة،
كما أنّ لِهذا النَّص، مُثُلاً جماليّةً إبداعيّة بتكاثف الصُّورِ البنّاءة  واللغة البلاغية السلسة،
فقد اشتمل على العديد من الاستفسارات بنقاط استفهاميّةً خاطبتْ بها الشاعرةُ ذاتَها وشخصها الباطنيّ ؛لِتُردفَها بإجابات عميقة، أبلَغتْها للمُتلقي على شكل لوحاتٍ فنية إبداعية؛لتُضفي على القصيدة صبغةً شعريّةٍ بِبَديهةٍ
 وحنكةٍ في الصّياغة والتعبير، حيث وضعت النّقاطَ على الحروف وحمَلتنا في رحلة استكشافية لِما يجول في مخيّلتها، من مشاعِرَ وأحاسيس وما نتج من مخاضٍ لهذه الأحداث:
قالت:
إلى أين المسير؟
إلى ترهات الزمن العسير؟

فالقصيدة نثريّةٌ ذو طابع بديع بلغة شعريّة، غلبت على تركيبها الاستفساراتُ والتشابيه الحية ،لتبليغ رسالتها .
ولقد اعتمد هذا الأسلوبَ الشّاعِرُ الرّاحل والمدرسةُ الأديبة العريقة "محمود درويش" في العديد من نصوصه الشعرية.
من قولها:
إلى أين المسير؟
سؤالٌ نازفٌ بِحقّ مَن غلت حُمى الأوطان في عروقهم ،
بمن تشبّثوا بوَهْمِ الأرض كحلم أبديّ.
يزاحم شتات الذاكرة...
هنا سيدتي لمحتُ بريق فنٍّ وإبداع، كأنك تُبصرين من وراء سدٍّ منيع؛ لِتصلَ الصورة ُمتكاملةً، متزامنةً لا خُدوش يَعتريها، فتُبدعين الولوج إلى ما لا وجود للإبحار معك.
قالت الشاعرة:
خلْفَ رفاتِهم أطاعت أجسادهم وهْمَ الموت.
وأطعنا نحن طابور المسير
هكذا تكمن المُفارقة بين الحياة والموت، فعندما ينتهي المسير يُقبلُ الموت.
هذا الجمال المفقود، وهذا المشهد الكامنُ وراء الستار، شكّل بحثاً روحيّا؛لتكتَمِلَ الصورة الشعريةُ، وتنفرد القصيدة
بِلوْحةٍ فريدةٍ من شاعرة متميزة، أتقنت خبايا الحرف والكلمات،
غاصت شاعرتُنا في البحث ؛لتكونَ لها كلمتُها الخاصة، ومسار ُها المنفرد الذي حدّدته القصيدة،
إن قصيدة النثر قد تجاوزت جوهر القصيدة العربية، وخطيبها، فكان لها  رونقٌ خاص، وحسٌّ وجودي متميّز كبقية الأجناس الأدبية، كقصيدةِ التّفعيلة، والقصيدة العمومية وغيرها من الأنماط الأدبية.
إني أرى هذا الكيان يكبر ويغزو ميدان الساحة الثقافية بشدة، ورغم هذا يبقى لكلّ نمَطٍ ولوْن إبداعيٍّ روادُه ومحبّوه ومُتقِنوه.
دمتِ شاعرتَنا المتميّزةَ بهذا العزم والعطاء!
الشّاعر طاهر مشّي.

ألقصيدة:
ربما نحن العابرون إلى أحقاب زمن غابر
ربما نحن ما ورثنا هذا القلق الدائم
إلى أين المسير؟
إلى ترهات الزمن العسير؟
و نعلو كموج في مدى هذا الوقت العصيب
ربما احتجنا إلى حروف زئبقية مائية
لنملأ رئانا بأكسجين القصيدة
و تتطهر أجسامنا من ثاني أكسيد....قلق حياة لعينة!!
إلى أين المسير؟
سؤال نازف
بحق من غلت حُمى الأوطان في عروقهم
بمن تشبثوا بوهم الأرض كحلم أبدي
يزاحم شتات الذاكرة...
إلى أين المسير؟
خلف رفاتهم أطاعت أجسادهم وهم الموت
و أطعنا نحن طابور المسير
ربما كان الفناء لهم حياة
و كانت حياتنا دونهم فناء
إلى أين المسير؟
و ملح الأرض من دمعنا يسيل
ومن عرق كل جبين كادح يهيم
إلى أين المسير؟
على بساط الريح...
أوزّع سعادة المحبين على من خذلوا
كنبي للعشق أطير...
أو أشرع كل أماني العمر بحق من تألموا
كإلهٍ للأمل أصير...
إلى أين المسير؟
سؤال نازف
من عمق جرحنا تُراق حيرته
و من أمل كاذب فينا ربما تُستطاب محنته...
بقلمي
بلقيس قاسمي

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق