السبت، 1 أبريل 2023

مقالات في رمضان ــــــــــ عبد الكريم احمد الزيدي


 مقالات في رمضان

آيات القرآن الكريم
……………………………
ظل الكثير من علماء اللغة والتنزيل وآخرين من الفقهاء واصحاب الرأي والتأويل مختلفين في اصل لغة القرآن الكريم الذي جاء بلسان عربي مبين ، فقال تعالى " انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " ، وذلك يعود الى ورود الفاظ فيه يظنها الكثيرين انها غير عربية ولم تعرفها قريش التي نزل القرآن بين اهلها وظهرانيهم .
ولاهمية بيان هذا الامر الذي التبس على الناس ، فأني ساحاول ما اجتهدت ان اخذ برأي كل المخالفين واهل العلم والتفسير وان اضع (ما يرى هؤلاء من رأي وقناعة عسى ان ينفعنا علمهم ) بين ايدي المتابعين وتحت ابصارهم لعلهم يتبحروا في المزيد من المصادر والبحوث لتبسيط هذا الفهم والاخذ بأصحه ، والبداية في رأي البعض منهم بان لغة القران جاءت بعربية قريش ( اي بلغتها ولهجات قبائل عربية اخرى ) مستدلين بذلك من قول الله تعالى " قرآنا عربيا " ولم يقل قرشيا ، فالاسم عربيا هنا ياخذ بلغات القبائل كافة ، فيما قال البعض ان ما في القرآن الكريم من ألفاظ هي من معظم قبائل العرب ، وإلى ما فيه من ألفاظ غير عربيّة لم يشأ هؤلاء أن يسموها عجميّة أو معرّبة، بل قالوا هي ألفاظ «وافقت لغة العرب». وهذه نماذج من الألفاظ القرآنية على لغة قريش وغيرها من لغات القبائل الأخرى ، اي جاؤا بدليلهم من الالفاظ :
1. قوله تعالى: «وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ» (الدّخان، 54). لغة يمانيّة، لأنّ أهل اليمن يقولون: زوّجنا فلانًا بفلانة (الإتقان 135:1).
2. قوله تعالى: «فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا» (الإسراء، 58). أي مكتوبًا. وهي لغة حميريّة؛ فهم يسمون الكتاب أسطورًا (الإتقان 135:1).
3. قوله تعالى: «أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ» (البقرة، 13). السّفيه الجاهل بلغة كنانة.
4. قوله تعالى: «فَلَا رَفَثَ» (البقرة، 197). يعني فلا جماع بلغة مَذْحِج.
5. قوله تعالى: «يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ» (آل عمران، 113). يعني ساعات اللّيل بلغة هذيل.
6. قوله تعالى: « أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» (النساء، 15). يعني مخرجًا بلغة قريش.
7. قوله تعالى: «غَيْرَ مُسَافِحِينَ» (النساء، 24؛ والمائدة، 5). يعني غير زناةٍ. والمسافحة الزّنا بلغة قريش.
8. قوله تعالى: «فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» (المائدة، 26). يعني تحزن بلغة قريش.
9. قوله تعالى: «بِعَذَابٍ بَئِيسٍ» (الأعراف، 165). أي شديد بلغة غسّان.
10. قوله تعالى: «إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (الأنعام، 25). أي كلام الأولين بلغة جُرْهم.
11. قوله تعالى: «إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا» (مريم، 47). يعني عالِمًا بلغة قريش.
12. قوله تعالى: «يس، وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ» (يس، 1-2). يعني يا إنسان بلغة طيء.
ولكن العلماء الذين يؤكدون ان القرآن الكريم انما نزل بلغة العرب فهم يحتجون الى امرين ، اولهما ان الايات الكريمات واضحة بينة لا ريب فيها والتي تنصّ على عربيّة القرآن ، " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا " (يوسف: آية 2) و " وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا "(فصلت: آية 44) ، وثانيهما أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شيء لتوهّمَ متوهّم إنّما عجزت عن الإتيان بمثله ، لأنّه أتى بلغاتٍ لا يعرفونها ، وفي ذلك ما فيه من التباس ، وهم يرون في ذلك انما هذه الالفاظ ( توارد لغات )او ( انها الفاظ وافقت لغة العرب ) ، هذا من جانب ولكن النفر من الفقهاء والصحابة واهل العلم انما يفسرون وجود هذه الالفاظ على انها اعجمية ولكن العرب استعملت اصول تلك الالفاظ بكثرة وعرّبتها تعريبا وافق لغتها فصارت منها ، فيما رأى اخرين ومنهم حبر الامة عَبدِ الله بن عباس رضي الله عنهما ان حروفا كثيرة جاءت بلغات العجم ومنها قوله تعالى : " طه ، اليم ، الطّور ، الربانيّون " ، فيقال إنّها بالسُّريانيّة ، و " الصّراط ، القسطاس، الفردوس " ، يُقال إنها بالروميّة ، و " مِشْكاة ، كِفْلين " يقال إنها بالحبشية .
ان هذا البيان انما سيرشدنا ربما الى معرفة معاني مقاطع الايات الكريمة التي جاءت في بدايات الكثير من السور في القرآن والتي ظن البعض انما اراد الله بها امرا لا يعلمه الا هو ، وهذا ما يتعارض والله اعلم مع ما جاء في قول الله تعالى " كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " (فُصّلت، آية 3) ، ولعل البعض من هذه الدلالات ما يتطلب منا ان نراجع معانيها في لغات اخرى لم تعهدها قريش واعني ما عرفت في لغات الكتب السماوية التي انزلها الله على رسله في اهل الكتاب ، ومن المثير للجدل ان نجد من هذه المعاني ما تتطابق في اللغات السريانية والارامية وحتى العبرية عند اليهود مثلا وهي تعني الاشارة او النداء والمخاطبة ولعل ما اثار انتباهي الى تفسير احد اللغويين لبعض هذه الايات التي جاءت في بدايات السور القرآنيه على سبيل المثال :
الٓمٓ ، وهي اية قرآنية جاءت في سورة البقرة اولى السور بعد فاتحة الكتاب والتي يظن ان معناها لغويا في العبرية ( صمتا ) لتتوالى بعدها من الايات ما يستدعي التدبر والانصات .
الٓر ، وتنطق في اللغات العبرية والسريانية ( الير ) ، بمعنى تبصر او تأمل لما يأتي من بعدها من آيات ، وانها جاءت في بداية الكثير من السور القرآنية مثل ( هود ، يونس ، يوسف ، ابراهيم ، الحجر ) .
طه ، وهي بمعناها كما افاد بها اللغويين نداء او خطاب بمعنى ( يا رجل ) وهي لاتعني اسم من اسماء النبي عليه الصلاة والسلام .
كٓهيٓعصٓ ، والتي جاءت في بداية سورة مريم وبحسب رأي اللغويين فانها كلمة ارامية بمقطعين ( كٓه ) و ( يٓعصٓ ) بمعنى هكذا يعض ، حيث تبتدأ بالذكر وتنتهي بالعظة في الاية " قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " .
ولعل بعد ما اشرنا اليه في هذا المقال ، ان نتذكر بان الله سبحانه وتعالى ما كان ليضع في كتابه الكريم ما يعجز فهمه وادراكه وهو من انزله بلسان عربي مبين ، وكذلك ما ذكره حبر الامة والتأويل سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وتوافقه على ان بعضا من الفاظ القرآن الكريم جاءت بلغات العجم وهي مفهومة لديهم ، وانما اراد الله التمحيص والتدبر والاستنباط فيما غفل عنه الكثيرين ورموا بانه من علم الله ولا يجوز المجادلة او الخوض فيه ، والدليل على ذلك أن العرب الذين نزل فيهم القرآن وهم أفصح الخلق في لغة القرآن وعلى حرصهم على محاربة هذا القرآن ورميه بكل نقيصة ، لم يساورهم قط ولم ينقل عنهم أنهم اعترضوا على القرآن العظيم وشغبوا عليه بأن فيه طلاسم وغمغمات من الحروف لا معنى لها في ذاتها ، بل إن سكوتهم عن هذا هو مما يدل على أنهم عرفوا أن لها معانٍ معجزةٍ في ذاتها وإن لم يعلموها ، ولعل الله سبحانه وتعالى اراد بها نظاما هندسيا محكم البناء في عدد الحروف التي ترد في كل سورة .
وفي الخاتمة اسال الله تعالى ان يعلمنا مما لا نعلم وان يفقهنا في دينه وان ما نقوله انما سعيا لطاعته وتدبر كتابه وان لا يؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا هو مولانا ونعم النصير ، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
……………………………………………………………….
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق