الأربعاء، 26 أبريل 2023

رأسي في قفص الإتّهام ــــــ الشاعرة التونسية زهرة الحواشي


 *** رأسي في قفص الإتّهام ***

في بَهوِ الْمحكمةِ الأخرص الْمُهاب
مئاتُ الرؤوسِ التّائهة
تَرتقبُ في قلقٍ و اٌضطراب
صُدورَ آخرِ الأحْكام
محكمة!
جلوسْ
سكوتْ
نظامْ !!
على يميني اُنتصبتْ مِلفّاتٌ
تهم ٌ... قضايا ...أحكامْ
كقنابلَ موقوتةٍ
كعمودَ ألغامْ
و على يَساري مُقرِّرٌ و سِجِلّ و أقلامْ
و أمامي ، في قفصِ الإتهّام
يَمْثلُ رأسي....
غائرَ العينينْ
مُكبّلَ اليديْنْ
لا امتناع لا اضطراب و لا استفهامْ
بيني و بين رأسي المتّهمِ
حاجزٌ قويُّ البنيانْ
سوٌر.. لا بل مدخُل قضبانْ
و ثلاثة ُامتارٍ...مِسافةُ أمانْ
_أنت موقوفٌ بتهمةِ الْعِصْيانْ!!
أجبْ .
فأنت مُدانْ !
-- سيدتي القاضية
أنا لا أعلمُ معنى العصيانْ
فهل يستقيم ُجوابٌ
في قضيةٍ مجهولةِ الْقَرائنِ و الْبيانْ
-- تضليلُ الرّايِ العامّ
الْحشدُ و الإعتصامْ
التّحريض على الحكّامْ
و الدّعوة لإسقاط النّظامْ
تلك أركانُ تهمةِ العصيانْ
فلا مفرّ لك منَ الإعدام ْ!!
.
.
* التهمة الأولى تَضليلُ الرّأيِ الْعامّ
-- تقولُ الحكومةُ عبرَ الإعلام :
الوطنُ هزيلٌ منهكُ الأوْصالْ
و الثرواتُ في اضْْمحلالْ
و منَ الوطنيةِ مزيدُ التّقشّفِ
وَ مضاعفةُ الجباية ِو الطّاعةُ و الإمتثالْ
فكيفَ تَتهِمُ الْحكومةَ بالْكذبِ و البُهتانْ !!
-- سيدتي القاضية
أتمسّكُ بِرأيي و بكلِّ الأقوالْ
فَوطني أكرمُ الأوطانْ
و أرضي طِيبَة و سخاءٌ و حنوّ و حنانْ
قمحٌ و زيتونٌ تمورٌ و بُقولٌ
و جنانُ كرومٍ و برتقالْ
و معادنُ خالصةٌ حديدٌ و بِلّورٌ ونحاسٌ
و فسفاطٌ و رخامْ
وَ بحري و خِلجانيِ
دٌررٌ و مَرجانْ
و هذا العالمُ يا سيِّدتي
على خيراتِ أرضي شاهدٌ عِيانْ
وَ ليِ على كلِّ حرفٍ دليلُ و برهانْ
و أنت يا سيدتي الفاضِلة
قد أدّيت القسم َو الإيمانْ
و ليس لي غيرُ ضميرك ضمانْ
و شرفُك و وقارُك للإحتكامْ
فمن منّا الصّادق
فَمن المدانْ ؟
.
.
*التهمة الثانية : الْحشْدُ و الإعتصامْ
دعوتَ إلى الٌتجمْهرِ و اٌحتلالِ الشارعِ و الإعتصامْ
-- سيدتي القاضية
أتمسّكُ بأقوالي
و إن عدتُ إلى الشّارعِ فسأكرّرُ أفعاليِ
فالشّارعُ يا سيّدتي منزليِ
مكانُ عملي إذ لا عملَ لي
مأوايَ و ملجإي
أنا المفقّرُ المعطّلُ
أنا المفروزُ المكبّلُ
لا سكنَ لي و لا زيجةَ و لا أطفالْ
لا جوازَ سفرٍ و لا تأشيرةَ و لاعنوانْ
ليس لي غيرُ شارعيِ حيثُ أكونُ مكانْ
و لا غيرُ شارعي و رفقتي موطئَ أقدامْ
و العجبُ كلُّ.العجبِ
أن يختلفَ المقامْ
فأنا على الشّارع مرغمٌ إرغامْ
و أما الحشدُ يا سيدتي
فطبيعةُ الأمورِ أن تتقاربَ الأمثالْ
فالمهمّشُ للمهمّشِ حبيبْ
و المفقّرُ من المفقّرِ قريبْ
و المعطّلُ مع المعطّلِ معتصمٌ مجيبْ
نطالبُ بالشغلِ من أجل كرامتنِا فما الغريبْ
أليست هذه أبسطُ حقوقِ الإنسان !!
فهل مطلبي يا سيدتي جريمةٌ حتّى أدانْ !!.
.
.
* التّهمةُ الثالثة :
-- التّحريضُ على الحكّامْ
فهل لك في هذا كلامْ ؟
-- سيدتي القاضية
في فقهِ التحريضِ جانبانْ
و أنت عارفةُ العرفانْ
أوّلهما مادّي ،،أكتوسْ ريّوسْ،،
أي التّأثيرُ .و أدواتُهُ
استعمالُ سلطة ٍ
أو إهداءُ هديّةٍ
أو تنفيذُ تهديدٍ
أو ابتكارُ حيلةٍ
أو إرسالُ عملةٍ و أموالْ
فهل تَرَيْْنَني قادرا على هذه الأفعالْ
و أمّا المعنويُّ يا صاحبةَ الميزانْ
ال،،مانْس رِيَا،، أي العزمُ على تحقيقِ الجريمة
فاُسْمحي لي جنابَكِ بسؤالْ :
منْ قتّل أصدقائي عُزّلاً برصاصِ الْغدرِ و الْعدوانْ
منْ شرّدَ أصحابي إلى أهوالِ البحارِ و جشعِ الرّبانْ
منْ أباح دمي في كهوفِ الدّاخلية ِ
و َوراءَ القُضبانْ
كمْ تفنّنَ الْجلّادونَ في تعْذيبي
كم اٌنتزعوا إنسانيةَ رفاقي و أنكرُوا مفاهيمَ الإنسانْ
فهل سمعتِ يا قاضيةَ الأحكامْ
عن قلعِ الأظافرِ..
و عنْ وضعِ ،،الدّجاج الْمصْليِّ.،،
و كرسيِّ الكهرباءْ
و إطفاءِ السّجائرِ فوق جلديِ
و رائحةِ الشّيّ و الدّخانْ !!!
ذلك الْعزمُ أي الْ،،مانس ريا،،
على تحقيقِ الجريمةِ ليسَ عَزمي
بلْ هو عزمُ الحكّامْ
فهم أصحابُ التّشريعِ
و التّطويعِ و التّنفيذِ
و السَّجنِ و التّسخيرِ و التّسريحِ
و الأوامرِ و الإلزامْ
و هذا ما قرّروه في شأني
فهل حرّضَ على تحقيقِ مأساتي
غيرُ الحكّامْ !!!
فيا قاضيةَ الميزانْ
منِ الضّحيةُ و منِ الٌمدانْ !!!
.
.
* التّهمةُ الموالية: الدّعوة لإسقاط النّظام
بلْ هو ،،الشّعبُ يريدُ. إسقاطَ النّظام ْ،،
شعارُ الأحرارْ
أيقونة ُملايين الثّوّارْ
ضدّ أنظمةِ العهرِ و الإستهتارْ
و إنْ ساقني جلّادي إلى آخر قرارْ
فَسيظلُّ مطلبيِ
تاجًا على هامتي
تُردّده جماهيرُ الأحرارْ
حاملةً نَعشي:،،الٌشعْب يريد إسقاط النّظام،،
و ينقشُه الرِّفاقُ على وجهِ قبري
فوق صفحاتِ الرّخامْ !!
فهل بعد قرارِ الشُّعوبِ
لهذا الوباءِ حقّ الإستمرار !!
و أنا يا قاضيةَ الأحْكامِ
قبل صدورِ الْحكم ِ
و بعدَ تنفيذِ الإعدامْ
متمسّكٌ بتجريمِ الحكّامْ
و بإسقاطِ النّظامْ !
ــ حَضرةَ النّائبِ الْعامّْ
نحنُ قاضيةُ القضاةِ و الأحكامْ
حَكمناَ و أمْضينا و قد تأكدْنا
من تلفيقِ القضايا و كيدِ الإتّهام ْ :
بإسقاطِ حكمِ الإعدامْ !!
و عدمِ سماعِ الدّعوى !!
و إطلاقِ سراحِ المتّهمْ في الحالْ !!
ـــــ يَحيا العدل !!!! و يسْقط النظام !!!
الشاعرة التونسية زهرة الحواشي
من كتاب رأسي في قفص الإتهام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق