الخميس، 11 فبراير 2021

لله في خلقه شؤون. بقلم الكاتب المحلل السياسي. سعد الزبيدي

 لله في خلقه شؤون.

ومضى العمر سريعا.
محظوظون هم من لا يغير الزمن شكلهم الخارجي فسوف يظلون عالقون في ذاكرة الآخرين ويسهل التعرف إليهم بمنتهى السهولة.
وضع صورة قديمة له على صفحته على الفيس بوك وباقي وسائل التواصل الإجتماعي ليتمكن أصدقاء الماضي وزملاء الدراسة من معرفته تشاء الأقدار أن تراه إحدى زميلاته أن تتعرف على صورته فتبعث له بطلب صداقة من حساب لم تضع فيه صورتها الحقيقية وتراسله لتذكره بأيامه الخوالي كيف كان خجولا ومنطويا على نفسه وكيف يخفى مشاعره نحوها وكيف كان يسترق النظر إليها كلما سحنت له الفرصة وهو يشحذ مخيلته كي يتذكرها ويتعرف إليها بعد أن أجابها أنه لم يكن إنعزاليا أو منطويا ولا حتى خجولا لكنه كان هادئا وله اهتمات أخرى ولكن ألح عليها بالأسئلة ٠ يعرف من هي وراح يعدد أسماء من يتذكر من زميلات الدراسة بل وأخرج من إحدى الحقائب مجموعة صور قديمة وانطلق يسألها عن شكلها أيام الدراسة ومواصفاتها وصفاتها ولم تتمكن بشتى السبل أن يتوصل لاسمها ونهاية المطاف قررت أن يتواعدا في مكان عام.
طار من شدة الفرح وراح يحسب الساعات والدقائق للموعد المرتقب وهي كذلك حيث ذهبت لصالون الحلاقة لصبغ شعرها وإخفاء تجاعيدها ولجأت إلى حزام لشد بطنها وارتدت ملابس تغطي تجاعيد رقبتها وبشرة يدها المتعبة من غسل الأواني والصحون والملابس بينما لجأ هو إلى لبس مشد لتعديل الكتف وشد البطن وارتدى ما يمتلك من ملابس وهي كذلك ووضعوا أغلى وأجمل العطور وزينوا أيديهم بساعات ثمينة وكانت الأقراط والقائد والخواتم ووضعت عدسات طبية لاصقة على عيونها وحان موعد اللقاء في مطعم في أشهر حي من أحياء العاصمة وصل قبلها واختار طاولة منعزلة تطل على المدينة من زجاج النوافذ الكبيرة.
كان يتصل بها بين الفينة والأخرى مستعلما عن مكانها حتى أخبرته أخيرا أنها وصلت المطعم وكان يحدق في وجوه الداخلين بينما هي تخفي ارتباكها وهي تبحث في وجوه الجالسين عنه. أخذ هاتفه النقال كي يتصل بها وإذا به يرى إمرأة كبيرة تستل هاتفها كي تجيب وهو ينظر إليها وهي تقول أين أنت؟!!!
وإذا بها تقع عيناها على وجه رجل في بداية عقده السادس أشيب الشعر خط الزمن على جبهته وترك آثاره عليها وعيون غائرة خلف نظارة طبية.
تقدمت نحوه وكأنه يقول في قرارة نفسه أيعقل أن تكون هذه زميلتي وأنا في نفس عمرها؟!!!
لأول مرة شعر بأن قطار العمر يمضي سريعا وهو يرى انعكاس صورته في اصفرار وجها الذي انهكته السنون بعد إن خبت شعلة شبابها وأصبحت أمرأة ستينية.
استقبلها بحفاوة ولكن الذاكرة لم تسعفه أن يعرف اسمها شعر بحرج شديد وجلسا بهدوء تام وكأن على رؤوسهم الطير ثم بادرها :- أم....؟
فأجابته :- ما زلت آنسة.
وسألته :- أبو من؟
أجاب :- أبو معتز ومصطفى رحمهم الله استشهدوا في انفجار الكرادة وأغمض عينيه وتنهد حتى لا تنهار دموعه المتلألئة في حدقات عيونه.
وراح يروي لها كيف ماتت زوجته كمدا عليهم بعد فترة قصيرة.
بالرغم من كل شيء ولجوا يتذكرون الأيام الخوالي في الجامعة وافترقا على أمل أن يتواصلا ما تبقى من العمر وهم يجتران ذكريات أيام مضت.
و... لله في خلقه شؤون.
الكاتب المحلل السياسي.
سعد الزبيدي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق