الخميس، 23 أكتوبر 2025

في انتظار نفسي بقلم الكاتب رشدي الخميري/جندوبة /تونس

 في انتظار نفسي

قرّرت السّفر، وانتزاع نفسي من بركة الجلوس، ومن ماض مثبّط للخطوات.

السّفر كان فرصتي الأخيرة لأعيش في عوالم تشبهني، وأسلك طرقا سبق خبرها قلبي قبل قدمي.

سألتقي بكلّ من عمل جاهدا ليكون كما أراد، وأين اختار أن يعيش.

بهذا السّفر، سأفرغ القوالب الجامدة الّتي احتوتني سنين، وأرمي ما فيها عبر طواحين الهواء، لعلّها تتجدّد بما يزيّنها ويمنحها حياة أخرى.

أمّا حقيبتي، فليست إلّا بعض الكتب، وأوراقا، وقلما.

وأمّا ملابسي، فهي أحلامي القديمة والجديدة، وأحلام بلدي.

كتبي ستكون غناء يوقظ فيّ كلّ مشاعري.

في الطّريق، كلّ وجه يمرّ بي يحمل ظلّي القديم، وكلّ محطّة تعيد إليّ جزءا من صوتي الضّائع بين الزّحام.

لم أكن أبحث عن مدينة جديدة، بقدر ما كنت أبحث عن مسافة بيني وبين ما كنت عليه.

أدركت أنّ الحريّة ليست أن تبتعد، وقد تخسر أكثر ممّا ستربح، بل أن تخلع جلد الخوف، وتواجه بأوجه مختلفة.

كلّما انغمست أكثر، خفّ وزن الحقيبة، وكأنّ الذّكريات تتبخّر من تلقاء نفسها لتمنحني أجنحة أطير بها.

كنت أتحرّر من القيود، من المسلّمات، من الرّضا الصّامت، ومن الأصوات الّتي كانت تملي عليّ أيّامي وأحلامي.

السّفر كان تمرينا على النّسيان، لكنّه علّمني أنّ ما ننساه لا يموت، بل يتحوّل إلى نغمة أخرى في داخلنا...

نغمة تشحن العزائم وتفتح نوافذ على الآتي.

عندما بلغت آخر الطّريق، لم أجد مدينة تستقبلني، ولا جماهير على جانبي الطّريق تنادي باسمي وتصفّق لي،

بل أنا جديد ينتظرني عند المفترق، فرح بعودتي، ومتحفّز لبدايات جديدة.

لم أعد برايات ولا بانتصار، لكنّ قلبي كان خفيفا، كأنّه أخيرا عرف اسمه،

أو سجّله بين الكتب وقصائد الشّعر الّتي سافرت من خلالها.

رشدي الخميري/جندوبة /تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق