تعقيب الأستاذ طه عبد الرحمن
على قصيدتي"يا موطن الوجع"
دمت سيدي الكريم ودام نبضك سيل يغمر كلماتي
التعقيب:
أيها النصُّ الذي استقرَّ في الأعماق كالوجَعِ..
يا من جعلتَ الحروفَ أنينًا، والكلماتِ جراحًا نازفةً!
لقد أبدعتَ، فأخرجتَ لنا "موطنَ الوجَعِ" كائنًا حيًّا، يُلامسُ الروحَ قبلَ الأذن، ويُحرِّكُ في الأعماقِ أسئلةَ الشوقِ والحنينِ والضياع.
انظروا كيفَ صدحَ الشاعرُ بصوتِ الحيرةِ واللوعةِ، فجاءَ النداءُ: "يا موطنَ الوجَعِ"، فكأنَّما الوجَعُ قد صارَ وطنًا يُقيمُ فيهِ القلبُ، وتائهً لا يُغادره!
ثمَّ ها هوَ يخاطبُ الشوقَ فيقول: "يا شوقَ محبرتي"، فالشوقُ ليسَ شعورًا فحسب، بل هوَ ينبوعُ الإبداعِ، ومصدرُ الكلامِ، وكأنَّ القصيدةَ وُلِدَت من رحمِ اللَّوعة!
وتأتي الصورةُ البلاغيةُ في قولِه: "أُحادثُ الصمتَ والأنفاسُ في حَذَر"، فالصمتُ هنا كائنٌ يُحادثهُ، والأنفاسُ خائفةٌ مترقبةٌ، وكأنَّما الخوفَ صارَ أنفاسًا، والوحدةَ صارتْ حوارًا!
أما قولُه: "وماتَ حلمي على أعتابِ مُنحدَر"، ففيهِ استعارةٌ مكنيةٌ مؤثرة، جعلتِ الحلمَ إنسانًا يموتُ على عتباتِ منحدرٍ، وكأنَّ الأملَ سقطَ من عَلٍ، فتحطَّمَ على صخرةِ الواقع!
ولنُمعِنِ النظرَ في هذا السؤالِ البلاغيِّ الذي يكرِّرُه الشاعرُ بحسرةٍ: "أينَ الذي كنْتُ أهديه مودّتي؟"، فهوَ سؤالٌ وجوديٌّ، يُذكِّرُنا بسؤالِ "التيَّاموس" في الشعرِ الجاهليِّ، وحيرَةِ العاشقينَ في غزلياتِ القدامى.
وقولُه: "خُذني إليكَ فإني تائهٌ عطِشٌ.. لا البحرُ يُطفئني ولا الغيمُ إنْ مَطَر"، ففيها نَفَسٌ صوفيٌّ عظيم، كأنَّما العطشَ روحانيٌّ، والبحرُ ماديٌّ لا يروي ظمأَ الأسرار!
وأخيرًا، تلكَ الخاتمةُ المُفجعة: "وغفرتُ ذنبَكَ.. لكنّ صبرَ الهوى قد خانَهُ قدَري"، حيثُ يلتقي العذرُ معَ الخيانة، والصبرُ معَ القدر، في مفارقةٍ تراجيديةٍ تليقُ بنهايةِ مأساةٍ إنسانية.
فلكَ التحيةُ أيها الشاعرُ..
لقد جعلتَ منَ الألمِ فنًّا، ومنَ الشوقِ قصيدةً، ومنَ الفراقِ سيمفونيةً تئنُّ بها الروحُ، فتغنَّى!
طه عبد الرحمن
القصيدة
يا موطنَ الوجَعِ
ااااااااااااااااا ااااااااااا
يا موطنَ الوجَعِ
يا شوقَ محبرتي
قد هدَّني الهجرُ
وأتعبني طولُ السَّفَر
يا مهجتي،
كم سَهرتُ الليلَ في قلقٍ
أُحادثُ الصمتَ
والأنفاسُ في حَذَرِ
ضاعَ الهوى
بين آهاتٍ وأُمنيةٍ
وماتَ حلمي
على أعتابِ مُنحدَرِ
أينَ الذي
كنتُ أهديه مودّتي؟
وأكتبُ الشوقَ
في عينيه كالقَمَرِ؟
أينَ السكونُ
وقد كانت ملامِحُهُ
تُغني فؤادي
عن الأيّامِ والخَطَرِ؟
كم كنتُ أرجوهُ
دفئًا لا يُفارقني
لكنّهُ غابَ
مثلَ الطيفِ في السَّحرِ
خُذني إليكَ
فإني تائهٌ عطِشٌ
لا البحرُ يُطفئني
ولا الغيمُ إنْ مَطَر
ضاقت خُطايَ
على دربٍ يُبعثِرُني
كأنني طيفُ
ماضٍ دونَ مُعتَذَرِ
قد كانَ وعدُكَ
مثلَ السرابِ يُغرّني
فمضيتُ أتبعهُ
في الوهمِ والخطرِ
وغفرتُ ذنبَك
حينَ القلبُ مُنبَهرٌ
لكنّ صبرَ الهوى
قد خانَهُ قدَري
ااااااااااااااااا ااااااااااا
طاهر مشي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق