ما يترك المجال للوجع (الحزن والخوف)
الحزن يسكن القلب، يثقل نبضه ويجعل العالم يبدو أبطأ، كأن الزمن يتباطأ ليترك المجال للوجع أن يتمدد. هو شعور داخلي لا يُرى، لكنه يُحس بوضوح، يغيّر في تعابير الوجه، في طريقة الكلام، في النظرة، في السكون الذي يسبق الدموع أو الذي يرفضها. أما الخوف، فهو يسكن أحشاءنا، يتغلغل في الجهاز الهضمي، يربك المعدة، يقطع الشهية أو يفتحها بشكل غير متزن، يسبب التقلصات، الارتباك، الشعور الدائم بعدم الارتياح. هو رد فعل داخلي أمام المجهول، تهديد حقيقي أو متخيل، لكنه في كلا الحالتين يهز ثباتنا من الداخل، ويجعل أجسادنا تتصرف وكأنها في خطر حتى وإن لم يكن هناك ما يُهدد فعليًا.
وعندما يجتمع الحزن بالخوف، يتشوش النظام النفسي والبدني معًا. القلب المضطرب لا يعود قادرًا على النبض بثقة، والجهاز الهضمي يرفض استقبال الحياة بشكل طبيعي. الشعور بالضعف يتضاعف، وتختلط الدوافع حتى لا نعود نميّز بين ما نريده وما نهرب منه. في هذه الحالة، يختل التوازن، ذلك التوازن الدقيق الذي يحتاجه الإنسان ليحيا بشكل سليم. ليس الأمر مجرد شعور عابر، بل حالة تلامس الجسد والروح معًا، تنذر بأن هناك شيئًا في الأعماق يحتاج إلى تفهم لا إلى إنكار، إلى احتواء لا إلى تجاهل.
الاعتراف بهذه المشاعر لا يعني الاستسلام لها، وإنما يعني وعيًا بها، لأن ما نجهله في دواخلنا يملكنا، وما نفهمه يمكننا احتواؤه. ولذلك، لا بد أن نمنح أنفسنا لحظات صمت نسمع فيها أجسادنا، نلاحظ ما يحدث داخلنا عندما نحزن أو نخاف، لأن الجسد لا يكذب، وإن أنكرنا نحن ما نشعر به، فإن الأعراض ستُظهر الحقيقة. الاهتمام بالصحة النفسية ليس رفاهية، هو ضرورة، لأن التوازن لا يتحقق بالقوة، بل بالانسجام، وحين نُهمل مشاعرنا، فإننا نُربك هذا الانسجام من حيث لا ندري.
الوعي بمكان المشاعر في الجسد هو بداية فهم أعمق لأنفسنا، فكما أن العقل يتأثر، الجسد أيضًا يحمل بصمات ما نمر به. الحزن لا يختفي بالصمت، والخوف لا ينتهي بالتجاهل، لكن كلاهما يُشفى بالاحتواء، بالراحة، بالإصغاء الداخلي، وبمنح أنفسنا المساحة الكافية للمرور عبر الألم لا للهرب منه.
للاإيمان الشباني

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق