"بيت الحكمة" ندوة تكريمية احتفاء برائد التجريب في المسرح العربي المعاصر" الكاتب والمسرحي التونسي عز الدين المدني
نظم قسم الآداب بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" صباح يوم أمس الجمعة ندوة علمية بعنوان "قراءة النص المسرحي"، احتفاء بتجربة الكاتب والمسرحي التونسي عز الدين المدني الذي يعتبر أحد أبرز رموز التجريب في المسرح التونسي والعربي.
وافتتح اللقاء الدكتور حمادي بن جاء بالله،رئيس قسم الآداب بالمجمع مبرزا مكانة "بيت الحكمة" باعتباره منارة للثقافة التونسية والعربية والعالمية.وأكد أن تنظيم هذه الندوة التكريمية يأتي تقديرا لمسيرة الأديب عز الدين المدني "رائد التجريب في المسرح العربي المعاصر"،الذي انطلق من التراث ليستلهم منه رؤية فكرية وفنية معاصرة تعالج القضايا الراهنة.
وأشار الدكتور بن جاء بالله إلى أن هذا التكريم يتزامن مع إصدار المجمع التونسي لأعمال عزّ الدين المدني الكاملة،حيث صدر المجلد الأول من الأعمال المسرحية وهو جزء من سلسلة تتكون من أربعة مجلدات تضم نحو 1500 صفحة.وبين أن هذا المجلد يضم عددا من المسرحيات البارزة مثل "ثورة صاحب الحمار" وديوان "ثورة الزنج" و"رحلة الحلاج" و"مولد النسيان" وهي نصوص تجمع بينها روح الثورة والبحث في قضايا الحرية والإنسان.
وفي كلمته،عبّر الأديب عز الدين المدني عن امتنانه لهذا التكريم الذي اعتبره احتفاء بالكتابة المسرحية التونسية الحديثة،مذكّرا بمسار طويل بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي.وأشار إلى أنه انشغل طيلة مسيرته بقضية تحديث اللغة العربية دون القطيعة مع تراثها الكلاسيكي،مؤكدا أن اللغة العربية حية ومتجددة وقادرة على التعبير عن قضايا العصر دون أن تفقد أصالتها.
كما أبرز المدني دوره في تنشيط الحركة المعجمية في تونس من خلال رئاسته لجمعية المعجمية وإشرافه على مجلات متخصّصة في هذا المجال، مشيرا إلى أن جهوده لاقت صدى في عدد من البلدان العربية من سوريا والعراق إلى المغرب.
يشار إلى أن المدني يرى أن المسرح ليس مجرد تسلية أو نقد اجتماعي مباشر،بل هو "طقس" يشبه الطقوس الدينية أو الصوفية.
و الهدف من هذا الطقس هو إحداث "الوجد" في المتلقي،أي حالة من الصفاء الروحي والذهني والاهتزاز الداخلي التي تسمح له بإعادة التفكير في قضايا الوجود والمصير.
هذا المفهوم (الطقس/الوجد) هو حجر الزاوية في فلسفته التجريبية،التي لخصها في عبارته الشهيرة: "المسرح طقس والوجد غايته"
وهي فلسفة ترفض أن يكون المسرح مجرد مرآة للواقع،بل تريده فناً يحرك الساكن في النفس والمجتمع،ويسائل اليقينيات،ويطرح أسئلة وجودية كبرى من خلال استعادة الطاقة التفجيرية للتراث.
هذا،وتميزت تجربته في الكتابة المسرحية من غنى وعمق والعمل على بناء مسرح عربي يستفيد من تجارب المسرح الغربي ويؤكد الخصوصية العربية،وقد حقق المدني مشروعه موائماً بين ثقافة نظرية بتاريخ المسرح وقضاياه وخصوصيته من ناحية وتجريب مسرحي مجتهد من ناحية ثانية،وفعل كل هذا باحثاً عن جماليات ممكنة لمسرح عربي يجمع بين الحداثة والتأصيل ويقيم بين المتفرج والعرض المسرحي علاقة أليفة لا غربة فيها،ولعل تضافر الأصالة والتحديث هو في أساس قراءته المبدعة للتراث العربي،التي انتهت إلى عدد من المسرحيات المتميزة..
وقد جمع عز الدين المدني بين الكتابة للمسرح والتنظير لهذه الكتابة،وتجمع أعماله بين التراث والثقافة الشعبية والمواد التاريخية والشفهية، وذلك على نحو يحيل هذه العناصر إلى مشهد يرضي العين والعقل معاً،فجميع العناصر المسرحية تهدف إلى تحقيق الفرجة الجمالية
باختصار،عز الدين المدني لم يكن مجرد كاتب مسرحي،بل كان مشروعاً ثقافياً متكاملاً سعى إلى تأسيس مسرح عربي له هويته الخاصة،قادر على الحوار مع التراث والعالم في آن واحد.جرأته في كسر التابوهات الفنية والسياسية،وعمقه الفكري، وإبداعه اللغوي جعلته بحق "برائد التجريب في المسرح العربي المعاصر" وأحد أهم أعلامه على الإطلاق.
متابعة محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق