السبت، 4 أكتوبر 2025

"ميشو" و "هديل" المشهد الثاني بقلم الكاتبة لطيفة_سالم_بوسته

 "ميشو" و "هديل" 


المشهد الثاني :


"ميشو "


 في ليلة من ليالي الشّتاء القارس والشّديدة الظّلمة كان القطّ "ميشو" كعادته يتّخذ أحد الزّوايا في الحديقة مأوى له حين تسكن كلّ حركة في المكان ربّما كان ذلك منذ أن ولدته أمّه مصادفة بحديقة منزلي. لكنّ تلك اللّيلة كانت موحشة جدّا حيث كانت الرّياح الهوجاء تعصف بشدّة والأتربة تتطاير في كلّ اتجاه وكان نور الشّارع منطفأ على غير عادته فأغرق الحديقة والشّوارع المحيطة وكامل المنطقة في ظلمة حالكة واستمرت العاصفة على تلك الحال إلى حدود ساعة متأخّرة من اللّيل. وجال بخاطري عديد الأسئلة: كيف حال القطّ "ميشو" يا ترى؟ 

 ربّما هو منكمش على نفسه في تلك الزّاوية يرتعد من شدّة البرد والجوع؟ 

ربّما انتابه الخوف خصوصا وقد هاجمه في بداية المساء أحد قطط الحيّ الشّرسة فأدماه وافتكّ منه الطّعام الذّي خصّصته له وتركه يموء مواء حزينا؟

 ذلك القطّ المسكين ذو العين الواحدة إذ أنّه خسر عينه الأخرى إثر مرض غير معلوم ألمّ به منذ نعومة أظفاره ولم تنفع محاولاتي بمداواته وإنقاذه. فقد عطفت عليه في السّابق وخصصت له مكانا داخل المنزل حتى اشتدّ عوده وحميته من أحد الكلاب السّائبة الذّي أراد الانقضاض عليه ذات يوم ولم يجد من ملجأ سوى أسوار حديقتي للتّواري والاختباء وراءها. 

في صباح اليوم الموالي كانت العاصفة قد هدأت قليلا حين هممت بمغادرة المنزل ذاهبة للعمل.

اذ استرع انتباهي مشهد غريب على أحد أرصفة الحديقة وتبادر إلى سمعي نواح طير الحمام من أعلى شجرة النّخيل بالمكان حيث تعوّد أن يبني أعشاشه في أعلاها. تلك الشّجرة المباركة الواقفة بثبات والصّامدة منذ دهر تعلّمنا الحكمة والشّموخ في وجه الزّمن والعواصف والمحن كلّما رفعنا أعيننا ونظرنا إليها وهي تناطح السّحاب فتحيّ لنا في زهوّ بجريدها المقوس نحو الأرض في انحناءة وقار وإباء واعتراف بالجميل للأرض التي مكنّتها من التّشبث بالحياة والصّمود.

 وحين خطوت بعض الخطوات واقتربت أكثر استجلي الأمر الغريب الذي استرعى انتباهي منذ أن أغلقت باب المنزل ونزلت إلى الحديقة  فتبيّن لي وجود جناح حمامة مبتور مازالت آثار الدّماء بادية عليه ثم لمحت جناحا ثانيا مقطوع هو الأخر وملقى بالقرب من مرقد القطّ "ميشو" ولا أثر لباقي الحمامة سوى هاذين الجناحين المبتورين والمتناثرين هنا وهناك في أرجاء الحديقة.

إعتصرني قلبي من شدّة الألم لهول الفاجعة ولفّ المكان حزن عميق في حين باغتتني عديد الأسئلة :

ماذا فعلت يا "ميشو" أيها القطّ الأليف؟

أيّ رسالة تريد أن تسوقها لي منذ الصّباح ؟ 

هل أجهزت هذه المرّة على الحمامة "هديل" ؟

أه يا "ميشو"  كيف لك أن تفعل هذا أيّها القّط الأليف الذي طالما احتضنتك في حديقتي واعتنيت بك في الحرّ والقرّ و وفّرت لك الأكل والشّرب وأطردت جميع القطط التي ضايقتك وأرادت بك السّوء في كلّ مرة ؟ 

لماذا تركت إحدى جناحي الحمامة  في المكان الذّي وجدتها فيه في الصّائفة الفارطة والجناح الثّاني بالقرب منك؟

هل هو نكاية فيّ وتحدّ لي لأنّني حرمتك من اصطيادها في حضرتي ففعلتها في غيابي؟ 

أم أنّ الطّبع غلاب وما بالطّبع لا يتغيّر؟ 

هل هو قانون الغاب الذّي يسود العالم وما أنت سوى حلقة مصغّرة منه؟ 

هل أنّ المصير محتوم حتى لو تدخّلنا لتأجيله بعض الوقت ؟ 

هل كلّ محاولاتنا للانقاذ باءت بالفشل؟

هل كلّ تحكّم في مجرى التّاريخ هو هباء منثور وعبث هي محاولاتنا تحييده عن مساره المعلوم؟

أمّ أنّ بعد ظلمة الشّتاء العسير حتما ستشرق شمس النّهار ويزهر الرّبيع وتغرّد الحمائم البيض من جديد؟


♡لطيفة_سالم_بوسته 

♡بنت_الجزيرة_الحالمة 

♡تونس_جربة 7جانفي 2024



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق