السبت، 25 فبراير 2023

مقتطفات من الرواية /هادية آمنة


 مقتطفات من الرواية .

جلست فاتن على حافة الحوض تستردّ أنفاسها من عناء النفض والكنس والغسيل .
ـ بُرجي بالخيشة والسطل .
ثمّ قامت لتنزع أعشاش العنكبوت السارحة في دعة وسلام بين الأركان .
ـ ينظّف عرضك بنيتي وإقلّل مرضك ..
ثمّ طفقت خالتها تحكي لها عن تلك الجارة الناكرة لمعروفها وإحسانها .
ـ الفقر والفرعنة .قلتُ هجّالة تساعدني وأساعدها . والله يابنيتي وبدون أن أحلف أجزل لها العطاء كلّما جاءت زعمة ..زعمة إتنظّف قول إتوسّخ .لكن الذي زاد الطين بلّة ..السرقة وقلة الخير والكلام الماسط .والله شدّيتها بفضيحتها لم يسلم منها لا زيت ولا مؤونة حتى التمر والشريحة تحشوها في طيّات ثيابها
كان صوت شكوى الخالة يصلها حيث ماذهبت فتصيح مجيبة كلّما سألتها
ـ تسمعي فيا يا طفلة .عرفتها مكبوبة السعد ؟
ـ أسمعك …خالتي .عرفتها عرفتها
ـ لا تقولين خالتي بخيلة أو شحيحة والله والله أعطيها نصيبها من كلّ ما يدخل داري
لكن الساقط ساقط ..
ما كان للخالة أن تصمت إلا عندما يُهاجمها النوم . بغتة يأتي وبغتة يذهب عندها تواصل حديثها معيدة مكرّرة لما قالته سابقا .
*********
عند الظهيرة جلست فاتن تستمتع بنتيجة حملتها الشعواء التي شنتها على الدار .متأوهة من الإعياء الذي انتابها .
ـ فاتن بنيتي قدّاش ليا شاهيّة غطسة في الحمّام .
ـ صدقتِ والله هذا الغبار الذي علق بجسدي وبشعري وهذا التعب لا يذهبه إلا الحمّام .
يجب أن أكون على أحسن صورة عند مقابلتي لباتريك .
الموعد من المفروض اليوم لكن لا ضير أن يتأجّل غدا فأنا أشبه بالكلبة المُجرابة ثمّ بدأت بحكّ فروة رأسها وظهرها .
شقّها البحث في دولاب الخالة عن ملابس لا تنضح عرقا .أعدّت صرة لها ولابنتها وأخرى لخالتها غسلت السطل النحاسيّ بمسحوق الكريستو وضعت فيه طاسة بها طَفْل ’ ثلاثة حبّات من البرتقال و حزمة صغيرة من السواك .
*********
غابت ملامح الأجساد العاريّة تحت كثافة بُخار بيت السخون . مدّت الخالة دوجة يدها إلى سطل ماء بارد غسلت وجهها قائلة
ـ ما عدت أحتمل أريد الخروج أحسّ بدوار في رأسي .حاولت فاتن أن توقف خالتها على ساقيها فلم تقدر فاستعانت" بحارزة " سوداء البشرة شديدة .
قاداها في تؤدة دافعات النسوة المعترضات لهنّ قائلات
ـ المرأة مريضة دائخة .
أجلست فاتن خالتها على دكّة إسفلتيّة بعدما دفعت بالماء الذي في السطل لفافات شعر و أدران أقرفتها .
نظرت الحارزة للجسم الضخم التي احتل نصف الدكّة قائلة
ـ أتحبين أن أحكّّ لك ؟
أجابت دوجة
ـ لا طلية صابون تكفي .
ـ وأنت يا شابة
ـ لا يعييشك
انصرفت الحارزة بعد أن قالت ساخرة
ـ ربّي معاك أخيّتي
مدت فاتن يدها تحك ذراع خالتها بكفّها فتكعبرت فتائل الوسخ تحت أناملها .
ـ وتقولين فركة بالصابون تكفي ؟ ربّي يعطيني الجهد
ثمّ هرعت لإبنتها التي نسيتها فوجدتها على حالة يُرثى لها من الإعياء وقد احتقن وجهها وتسارعت نبضات قلبها .فحملتها بين ذراعيها وأخرجتها لتُجلسها قرب خالتها . صبّت عليها ماء باردا ثمّ دفعتها فانزلقت وارتطمت بالجدار اللزج .غسلت فاتن حزمة السواك دست البعض منه في فمها وفي فم خالتها. ثمّ عكفت على الجسد الضخم تدعكه بليفة في يدها فتتساقط بعدها فتائل الأوساخ على جوانب الهضاب والمرتفعات .
ـ وتقولين طليّة صابون تكفي ..
صبّت فاتن على الجسد المُحمرأسطلا عديدة من الماء الفاتر اجتهدت في توفيرها إمّا بالوقوف في طابور أمام الحنفيات الخاصة بالماء الساخن والبارد أو بالتسوّل على أعتاب بعض " المطاهر " التي استوطنتها القادرات العفيّات من النساء .
بالطفل المرنّخ في ماء الورد غسلت فاتن شعر خالتها المُخضّب بالحنّاء ثمّ دعكت لها جسدها بمسحوق عطر .تشممته فاتن قائلة
ـ بنينة رائحة " الشنان "
ـ شنان العرائس ليس له مثيلا يشحط الجلدة ويُنعّم البشرة .
أخذت فاتن البعض منه ومسحت به وجهها .
ـ ليس الآن يا فتّونة هو آخر ما تفعلينه بعد دعك الجسم وتنظيف الشعر ثمّ قالت
حمص وفول يابس تنقعيهما في ماء الزهر والعطرشيّة ثمّ تتركيهما ليجفّا في الشمس بعدها اهرسي الخليط بالمهراس وتضيفين صابونة مهروشة من المسك.
ـ وأنا أقول ما هو سرّ جملك ياخالة ؟
ضحكت دوجة غامزة
ـ بعد هذا الحمّام يلزمني فحل .
ساد جوّ من الحبور بين المستحمّات حتى أن ّ إحداهن هزّها الطرب فأخذت سطلا تدقّ عليه مغنيّة ساندتها أخرى مزغردة وأخرى راقصة .
رفعت دوجة يدها متمايلة مغنيّة
ـ يا خالي يا دحنوس ميّل الجبّة معنقر الكبّوس والبنات عليك حبوس .
يا ممّا يا حنّا يا للّا خالك جاء عرّضييلوا بالحملة.
ثمّ احتضنت الطفلة سوسن قائلة
ـ ما أحلى زينها ياربّي …ما أحلى عينها ياربّي… ما أحلى فمها وخشمها .
ابتسمت سوسن وعانقت الخالة ممتنة لها فنادرا ما تسمع مثل هذا التدليل والتربيج من أحد.
هادية آمنة
تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق