أُرِيدُهَا بِرُوحِهَا
لِ رفيق بوجاه
فِي أَواخِرِ خَرِيفِ سَنَةِ 2020 السَّنَةُ اَلَّتِي إِكْتِسِحَتْ فِيهَا جائِحَةُ كُورُونَا العالَمَ ،
فِي القَيْرَوَانِ رابِعَةِ الثَّلاثِ وَ أولَى المُدُنِ الإِسْلاميَّةِ فِي المَغْرِبِ العَرَبيِّ وَ الأَنْدَلُسِ
، فِي حَيِّ المَنَارِ الحَيِّ اَلْبُرْجوازيِّ اَلَّذِي تَمَرْكَزَتْ فِيه مَبَانٍ جَديدَةٍ لِعَدَدٍ مِنْ الإِداراتِ الحُكوميَّةِ ، أَمَامَ فيلّا مِنْ الفيلّاتِ الفَخْمَةِ و أَثْناءَ وُقوفِهِ أَمَامَ خَليطٍ إِسْمَنِيٍّ مُتَّكِئٍ بِمِرْفَقِهِ عَلَى عَصَى اَلْكُرَيْكِ جَذَبَ صابِرُ أَجيرُ البِناءِ هَاتِفَهُ اَلْنوكْيا المُتَواضِعَ الأَسْوَدَ ذَا العِشْرِينَ رُوحًا مِنْ جَيْبِ سِرْوالِهِ القِّماشيِّ الأَزْرَقِ مَمْنيا نَفْسِهِ بِإِنْتِهَاءِ شَقاءِ هَذَا اليَوْمِ .
ضَغَطَ عَلَى زِرٍّ مِنْ الأَزْرارِ أَضَاءَ بِهِ الشّاشَةَ ، نَظَرَ إِلَى الوَقْتِ فَأُدْرَكَ أَنَّ الشِّقَاءَ لَمْ يَنْتَهِ بَعْدُ .
أَمْسَكَ بِاَلْكُريكِ بِيَدَيه الْإِثْنْتِينِ ، مَلَأ اَلْجَرْدَلَ مُتَمَلْمِلًا مِثْلَمَا يَتَمَلْمَلُ فِي نِهايَةِ كُلِّ يَوْمِ عَمَلٍ .
حَمَلَهُ وَ مَشَى فِي تَثاقُلٍ إِلَّا أَنَّ صَوْتَ صاحِبَ الفيلَا اَلَّذِي هَجَمَ عَلَيْهمْ مُخْتَرِقًا شَبَكَةَ صَمْتِهِمْ جَعَلَهُ يَنْتَبِهُ .
يُدْعَى اَلْمُخْتَرِقُ "عَلي" و هوَ رَجُلٌ ضَخْمُ الجُثَّةِ ، عَريضُ الكَتِفَيْنِ ، يَحْمَرُّ وَجْهَهُ إِذَا غَضِبَ كَثِيرًا أَوْ فَرِحَ كَثِيرًا أَيْضًا و هوَ رَجُلُ أَعْمالٍ .
يُعْرَفُ بَيْنَ النّاسِ بِالتَّدَيُّنِ إِلَّا أَنَّهُ في الحَقيقَةِ يَتَّخِذُ مِنْ الدّينِ مَطيَّةً وَ واجِهَةً لِلتَّرَبُّحِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ .
تَوَسَّطَ عَلي الرِّجالَ الثَّلاثَةَ ثُمَّ تَوَجَّهَ بِنَظَراتِهِ وَ كَلامِهِ فِي تَرَّفُعٍ إِلَى المُعَلِّمِ مُحَمَّدٍ ( وَ هِيَ كَلِمَةٌ تونِسيَّةٌ تَعْنِي رَئيسَ اَلْبِنائينَ ) حَيْثُ قَالَ ، " تُشِيرُ السّاعَةُ الآنَ إِلَى الثّانيَةِ وَ النِّصْفِ وَ إِنَّ إِرْتِبَاطِي بِمَوْعِدٍ ضَروريٍّ يُجْبِرُني عَلَى المُغادَرَةِ لِذَلِكَ يُمْكِنُكُمْ المُغادَرَةَ الآنَ .
هَذِهِ أُجْرَتُكَ وَ أُجْرَةُ العَامِلِينِ . "
بَعْدَمَا أَنْهَى الرَّجُلُ كَلامَهُ سَريعَا
رَكِبَ سَيّارَتَهُ السَّوْداءَ الفَارِهَةَ وَ غادَرَ مُخَلِّفًا وَرَاءَهُ كَثِيرًا مِنْ الغُبارِ .
حِينَهَا ، نَظَرَ ثَلاثَتُهُمْ إِلَى بَعْضِهِمْ بَعْدَ أَنْ زَالَ عَنْ وُجوهِهِمْ اَلْتَّجَهُّمُ اَلَّذِي يَكْتَسِحُهُمْ فِي حَضْرَةِ السَّيِّدِ وَ إِزْدَانَتْ أَفْوَاهُهُمْ وَ عُيونُهُمْ بِبِسِماتٍ مُتَبادَلَةٍ فَرَحًا بِقُدُومِ اللَّحْظَةِ المُنْتَظَرَةِ ، لَحْظَةُ جَنْيِ ثِمارِ الشَّقاءِ .
أَلْقَى كُلٌّ مِنْ صابِرٍ وَ أَحْمَدُ الأَجيرِ اَلْآخَرِ مَا كَانَ فِي أَيْديهما وَ تَوَجَّهَا نَحْوَ المُعَلِّمِ اَلَّذِي بادَلَهُمَا البَسْمَةَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ ، " لَقَدْ حالَفَنا الحَظُّ اليَوْمَ يَا شَباب .
فَقَدْ أَعْتَقَنا بَاكِرًا مِنْ عُبُودِيتِنَا المُؤَقَّتَةِ اللَّعِينةِ هَهههه "
واصَلَ الرَّجُلُ قَهْقَهَتَهُ فِي خُفوتٍ أَثْناءَ نَقْدِ ثَلَاثِينَ دِينَارٍ لِكُلِّ أَجيرٍ بَعْدَ خَصْمٍ أُجْرَتَهُ .
إِثْرَ إِنْتِهَائِهِ صَرَخَ ، " إِنَّنِي ذاهِبٌ إِلَى الحانَةِ لِشُرْبِ بَعْضِ قَواريرِ البيرَةِ فَهَلْ تَذْهَبَان مَعِي ؟ "
أَجَابَ أَحْمَدُ ، " أَذْهَبُ مَعَكَ إِلَى جَهَنَّمِ حَتَّى يَا مَعَلْمِي هَهْهَهَه . "
نَظَرَ الرَّجُلَانِ سَرِيعًا فِي نَفْسِ الوَقْتِ إِلَى صابِرٍ اَلَّذِي قَالَ ، " وَ اللَّهِ إِنَّ شِقالَةَ كُسْكَُسي أُلْقِيَ عَلَى سَطْحِهِ قِطَعُ لَحْمِ خَروفٍ ، حَبّاتُ حُمُّصٍ ، زَبيبٍ أَحْمَرٍ وَ يقطين نُصِبَتْ عَلَى المَائِدَةِ الزَّرْقاءِ ذَاتِ الأَرْجُلِ القَصيرَةِ إِلْتَفِفُتُ حَوْلَها كُلُّ مِنِّي أَنَا ، أَمَانِي زَوْجَتِي وَ الأَطْفالُ عَشَّشَتْ فِي خَيَالِي مُنْذُ الصَّباحِ وَ إِنَّهَا مَازَالَتْ مُصِرَّةً عَلَى التَّعْشيشِ و مَازَالَتْ مُصِرَّةً إِصْرَارًا خاصَّةً عَلَى إِسْتِفْزَازِ مَعِدَتي لِذَلِكَ فَإِنِّي سَأَرْكُضُ إِلَى عَمِّ حُسَيْنٍ الجَزّارَ فِي شارِعِ النَّحّاسينَ قَبْلَ أَنْ يُغْلِقَ مَحَلَّهُ فَكيلو جِرَامِ اَلْهْبَرَةَ لَدَيْهِ بِعِشْرِين دِينَارٍ فَقَطْ .
هَذَا ثَمَنُهُ وَ رَبِّ الكَعْبَةِ و هوَ ثَمَنٌ لَنْ أَجِدَهُ حَتَّى وَ إِنْ بَحَثَتُ فِي كُلِّ أَرْجاءِ المَدينَةِ .
و لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَنْ يَتَسَنَّى لِي مُرافَقَتُكُمْ . "
نَظَرَ أَحْمَدُ إِلَى مُعَلِّمِهِ مُحَمَّدٍ غامِزًا ثُمَّ قَالَ ، " إِنَّهُ يَعْشَقُ اَلْدِفْءَ . . . الأُسَريَّ هَهْهِهْهَهُ . "
قهقَهُ صابِرٌ ثُمَّ أَجَابَ ، " بَلْ إِنَّنِي مُتيَّمٌ بِهِ .
طَيِّبْ سأُغادِرُ .
نَلْتَقِي فِي الغَدِ إِنْ بَقينا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيَا .
تَصْبُّحَانِ عَلَى خَيْرٍ . "
تَرَكَ صابِرُ مُحَدِّثيهِ وَ توَجَّهَ نَحْوَ عَمودٍ كَهْرُبائيٍّ قَفَلَ فِيه دَرَّاجَتُهُ العَتيقَةَ الزَّرْقاءَ المُتَهالِكَةَ .
فَتَحَ القُفْلَ ، جَذَبَهَا إِلَيْهِ ، أَعَادَ إِقْفالَ القُفْلَ ، جَلَسَ عَلَى كُرْسيِّها غَيْرِ المُريحِ وَ غادَرَ نَحْوَ العَمِّ حُسَيْنٍ مُغْنِيًا أُغْنيَةَ الفَنّانِ المِصْريِّ مُحَمَّد مُنيرِ ' رَبَّك لما يرِيدْ أَحْلامَنا حَتتحقق و كلامنا حيتصدق' . . . "
قَادَ الدَّرّاجَةَ بأقصى سرعة ولّدها جهده .
كَانَتْ حَرَكَةُ سَاقَيه كَحَرَكَةِ سَاقَيْنٍ يَصْعَدانِ دَرَجاتِ سُلَّمٍ لَكِنْ فِي نَسَقِ أَفَقِي .
حَتْمًا لِذَلِكَ اطْلِقَ حِينَهَا عَلَى هَذَا الْإِخْتِرَاعِ الوافِدِ مِنْ الغَرْبِ إِسْمَ الدَّرّاجَةَ .
بَعْدَ زُهاءِ الثُّلُثِ ساعَةٍ بَلَغَ الجَزّارَ لّاهِثًا لَكِنَّهُ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ وَ مُدَنَّدِنَا نَفْسَ الأُغْنيَةِ .
قَالَ ، " السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا عَمُّ حُسَيْنٍ .
زِنْ لِي كِيلُو جِرَام هَبْرَةَ خَروفٍ مِنْ أَجْوَدِ مَا تَبِيعُ بِرَحْمةِ والِدَيْكَ . "
أَجَابَ ، " وَ عَلَيْكُمْ السَّلامُ .
يَرَحَمْ والِديًّ وَ والِدَيْكَ .
حاضِر يَاوِلَدِي . "
إِلْتَفَتَ القَادِمُ مُنْذُ ثَوَانٍ إلى الشارع و أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ .
أَخْرَجَ أَجْرَتَهُ المُكَوَّنَةَ مِنْ وَرَقَتَيْنِ ، وَرَقَةٌ مِنْ فِئَةِ العِشْرِينَ دِينَارٍ وَ أُخْرَى مِنْ فِئَةِ العَشَرَةِ .
نَظَرَ إِلَى الأُولَى مُتَمَعِّنًا ثُمَّ قَالَ فِي نَفْسِهِ ، " هَلْ مِنْ المَنْطِقِ وَ العَدْلِ أَنْ أَدْفَعَ ثُلُثْي أُجْرَةَ شَقاءَ أَكْثَرَ مِنْ 8 سَاعَاتٍ مِنْ العَمَلِ ثَمَنًا لِكيلو جِرَامٍ واحِدٍ مِنْ اَللَّحْمِ فِي وِلايَةٍ هِيَ الأُولَى فِي النَّشاطِ وَ الإِنْتاجِ الفَلّاحيِّ ؟
هَلْ مِنْ المَنْطِقِ وَ العَدْلِ أَنْ تَكونَ نِهايَتهُ المِرْحاضَ ؟
وَ العَجيبُ أَنَّنِي لَمْ أَشْتَرِ بَقيَّةَ مُسْتَلْزَماتِ العَشاءِ مِنْ خُضَرٍ فَقَدْ فَعَلَتُ ذَلِكَ بِالْأَمْسِ .
ثُمَّ لِنَفْتَرِضْ أَنَّنِي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الأَمْسِ مَاذَا عَسايَا أَنْ أَفْعَلَ اليَوْمَ ؟
أ تُرَانِي أَقْتَرِضُ ؟ "
ظَلَّ يَنْظُرُ إِلَى الأَرْضيَّةِ أَثْناءَ إِنْغِمَاسِهِ فِي التَّساؤُلِ ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ قَالَ جَهْرًا ، " عَلَى كُلِّ مَنْ شَابَهَ دَوْلَتَهُ فَمَا ظَلَمَ . فَهُوَ نِتاجُ سِيَاسَاتِهَا بِالضَّرُورَةِ . "
حِينَهَا مَدَّ لَهُ الجَزّارُ كِيسَ اللَّحْمِ قَائِلًا ، " تَفَضَّلْ يَا وَلَدي . "
أَجَابَ صابِرٌ بَعْدَ أَنْ عَادَ إِلَيْهِ إِنْشِرَاحُ صَدْرِهِ ، " هَاتْ يَا عَمُّ هَاتَ فَنِهايَتُها مَوْتٌ وَ رَبِّ الكَعْبَةِ لِذَلِكَ لَنْ أَحْرِمَ نَفْسِي وَ لَنْ أَحْرِمَ دُودَ قَبري . "
إِبْتَسَمَ الجَزّارُ عِنْدَمَا لَامَسَتْ أَنامِلَهُ الوَرَقَةَ النَّقْديَّةَ وَ قَالَ ، " أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ فِيه صِحَّةً وَ شِفاءًا . "
حَيَّا صابِرُ الرَّجُلَ عَلَى دُعَائِهِ الطَّيِّبِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الوَرَقَةِ المُتَبَقّيَةِ وَ هَمَسَ ، " حَتَّى تَكْتَمِلَ المُتْعَةُ يَجِبُ أَنْ يَكونَ العَشاءُ مَتْبُوعًا بِكَأْسِ شَايٍ أَحْمَرٍ شَديدِ التَّرْكيزِ مَرْفوقًا بِبَعْضِ سَجَائِرَ اَلْكْريسْتو ( الكِرِيسْتَال ) التّونِسيَّةِ الأَصيلَةِ .
نَعَمْ هوَ كَذَلِكَ هَهْهَهَهُ .
طَيِّب عَلَى الظَّالِينِ آمِينْ . "
رَفْعَ عَيْنَيْهِ ناظِرًا إِلَى مُرادٍ بائِعِ التَّبْغِ فِي الضَّفَّةِ الأُخْرَى مِنْ الشّارِعِ فَوَجَدَهُ يُمارِسُ عادَتَهُ الشَّبْهَ سرِّيَّةً .
لَقَدْ دَأَبَ مُنْذُ فَتَحَ مَحَلَّهُ عَلَى الجُلوسِ عَلَى كُرْسيٍّ أَبْيَضٍ كَفَرَسِ نَهْرٍ ضَخْمٍ بَخيلٍ يُراقِبُ كُلَّ أُنْثَى تَمُرُّ أ كَانَتْ حَسْناءَ أَمْ لَمْ تَكُنْ .
تَوَجُّهَ صابِرُ إِلَيْهِ وَ قَالَ ، " وَفِي أَنْتَ لِعَادَاتِكَ يَا صاحِبي هههه . "
أَجَابَ مُبْتَسِمًا ، رَبِّي لَا تُقْطَع لِي عادَةً . "
صابِرُ " عُلْبَةُ كْريسْتو بِرحمةِ الوالِدَةَ . "
أَجَابَ البائِعُ ، " وَ رَحْمَةِ أمي لَا أَمْلِكُ سيجارَةً تونُسيَّةً واحِدَةً .
كُلُّهُ مُسْتَوْرَدٌ . "
ضَاقَ صَدْرُ صابِرٍ كَأَنَّهُ يَصَّعَدُ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ تَذَكَّرَ حَدِيثَ صَدِيقَهُ أَمين حَوْلَ هَذَا المَوْضوعِ حَيْثُ قَالَ لَهُ ، " هَلْ تَدْرِي يَا صَدِيقِي أَنَّ الحِزْبَ صاحِبَ الشَّعْبيَّةِ الأَكْبَرِ فِي الجُمْهُورِيَّةِ اَلتّونِسيَّةِ الثّانيَةِ حِزْبٌ لِيبِيرَالِي التَّوَجُّهِ مُتَسَتِّرٌ بِجُبَّةِ الدّينِ .
هَلْ تَدْرِي أَنَّ مِنْ مَبادِئِ اللِّيبِيرَالِيَّةِ مَنْعَ الدَّوْلَةَ مِنْ الْإِسْتِثْمَارِ وَ حَصْرَ دَوْرِها فِي سَنِّ اَلْقَوانينِ وَ تَوْفيرِ مُناخٍ إِسْتِثْمَارِيٍّ لِلْمُسْتَثْمِرِينَ وَ بِذَلِكَ تُقْصي اللِّيبِيرَالِيَّةُ عَلَى القِطَاعِ العُمُومِيِّ لِذَلِكَ فَإِنَّ مَا نَشْهَدُهُ مُنْذُ سَنَةِ 2011 مِنْ فَوْضَى فِي المؤسَسَاتِ العُموميَّةِ هوَ بِغَايَةِ تَفْليسِها وَ خُوصْصْتِهَا .
هَلْ تَدْرِي أَنَّ المَساعيَ تَهْدِفُ إِلَى خَوْصَصَةِ قِطاعَ اَلتَّبَغِ ، شَرِكَةِ فَسْفَاطَ قَفْصَةِ ، الخُطوطِ التّونِسيَّةَ .
هَلْ تَدْرِي أَنَّ الخَوْصَصَةَ سَتَشْمَلُ قِطاعَ الصِّحَّةِ عَبْرَ السَّماحِ بِالْفَوْضَى فِي القِطاعِ العُمُومِيِّ لِتَسوءَ الخَدَمَاتِ.
كذلك المطارات من تأخر مواعيد الرحلات و سوء الخدمات أيضا.
كَذَلِكَ قِطاعُ التَّعْليمِ ، أَلَمْ تَلْحَظ التَّزايُدَ الكَبيرَ لِلْمُؤَسَّسَاتِ التَّعْليميَّةِ الخاصَّةِ .
لِذَلِكَ فَعَدَمُ إِيجَادِكَ لِلسَّجَائِرِ التّونِسيَّةِ اَمْرٌ طَبيعيٌّ فِي ظِلِّ هَذَا المُخَطَّطِ .
و إِنَّ هَذِهِ الإِضْراباتَ المُقامَةَ مِنْ قِبَلِ المُوَظَّفِينَ وَ العُمّالِ بِوَعْيٍ أَوْ دُونِ وَعْيٍ تُسَرِّعٍ فِي بُلوغِ الهَدَفِ المَنْشودِ بِشَكْلٍ أَساسيٍّ.
تَصَنُّعُ الدَّوْلَةُ لِلضَّعْفِ وَ مُشاهَدَتُها لِكُلِّ ذَلِكَ أَمْرٌ طَبيعيٌّ أَيْضًا فَهُوَ مُخَطَّطٌ مِنْ صُنْدوقِ النَّقْدِ وَ البَنْكُ اَلْدُوْليينِ ، الدّوَلُ الفاعِلَةُ فِي الشَّأْنِ التّونِسيِّ وَ الأَحْزابُ اللِّيبِيرَالِيَّةُ .
إِنَّهُمْ بِإِخْتِصَارٍ يَا صَدِيقِي يُرِيدُونَ قَبْرَ مَفْهومِ اَلدَّوْلَةَ الرّاعيَةَ، الرَّئيسَ الرَّاعِي أَوْ الحُكومَةَ الرّاعيَةَ "
تَنَهَّدَ صابِرٌ بِعُمْقٍ وَ قَالَ ، " آهْ أَيْ غَدٍ يَنْتَظِرُنا ؟ !
اللَّعْنَةُ عَلَى ذَاكِرَتِي وَ اللَّعْنَةُ عَلَى السَّجائِرِ سَأَكْتَفِي بِالْإِسْتِمْتَاعِ بِاللَّحْمِ وَ كَأْسِ الشّايِ الأَحْمَرِ وَ رَزَقَنِي اللَّهُ الصَّبْرِ حَتَّى إِيجَادِ عُلْبَةَ سَجَائِرٍ . "
نَظَرَ صَابِرُ إِلَى عَرَباتِ الغِلالِ اَلْمُنْتَصِبَةِ فَوْضَوِيًّا فِي الشّارِعِ مُسَبِّبَةً فِي تَّثاقُلِ حَرَكَةِ المُرورِ وَ قَالَ ، " هَلْ أَشْتَرِي ؟ "
ثُمَّ أَرْدَفَ ، " لَنْ افْعَلْ فَقَدْ يَطْرَأ طارِئٌ . "
بَعْدَ أَنْ أَلْقَى الفِكْرَةَ فِي سَلَّةٍ مُهْمَلاتٍ أَفْكارَهُ مُعْتَبِرًا إِيَّاهَا وَسْوَسَةََ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِمْتَطَى دَرَّاجَتَهُ وَ قَصَدَ حَيَّ المَلَاجِئَ ( حَيٌّ شَعْبيٌّ فِي المَدينَةِ ) .
بَعْدَ أَنْ نَزَلَ المُنْحَدَرَ الشَّهيرَ فِي الحَيِّ وَلَجَ إِلَى أَحَدِ اَلْأَنْهُجِ الجانِبيَّةِ ثُمَّ تَوَقَّفَ أَمَامَ مَنْزِلٍ مُتَواضِعٍ لَمْ يَعْرِفْ الطِّلاءَ إِلَيْهِ سَبيلا مُنْذُ بِنَائِهِ .
دَفَعَ الْبَابَ ، دَخَلَ وَ أَدْخَلَ دَرَّاجَتَهُ فَوَقَعَ نَظَرَهُ مُباشَرَةً عَلَى وَجْهِ زَوْجَتِهِ أَمَانِي اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ كَعَهْدِهِ بِهِ بَشوشًا إِنَّمَا كَانَ أَشْبَهَ بِجَمْرَةٍ مُلْتَهِبَةٍ فِي قَلْبِ بُرْكانٍ مُتَقَّدٍ .
صَرَخَ صابِرٌ ، " يَا إِمْرَأَةَ مَاذَا حَدَثَ . "
أَجَابَتْ مُومِئَةً بِرَأْسِهَا إِلَى إِحْدَى الغُرَفِ ، " لَقَدْ قُضِيَ الأَمْرُ . "
رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّماءِ و قَدْ شارَفَ عَلَى الكُفْرِ بِاللَّهِ كُفْرًا بِهَذِهِ اللَّحْظَةِ إِلَّا أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ وَ تَوَجَّهَ مُباشَرَةً إِلَى الغُرْفَةِ اَلَّتِي أَوْمَأَتْ إِلَيْهَا زَوْجَتُهُ .
وَقَفَ أَمَامَ الجُثَّةِ اَلْمُنْتَصِبَةِ أَمَامَهُ زُهاءَ الدَّقِيقَةِ يَنْظَرُ إِلَيْهَا دُونَ أَنْ يَنْبَسَ بِبِنْتِ شَفَةٍ ثُمَّ فَجْأَةً نَزَعَ عَنْهَا اَلْأُنْبوبَ ، أَلْقَاهَا عَلَى كَتَفِهِ وَ غادَرَ دُونَ أَنْ يُكَلِّمَ زَوْجَتَهُ وَ لَكَأَنَّها غَيْرُ مَوْجودَةٍ أَصْلًا .
ظَلَّ يَسيرُ حَامِلًا مُصيبَتَهُ فَوْقَ كَتَفِهِ ، إِعْتَرَضَهُ جارُهُ ، جارَتُهُ وَ آخَرُونَ لَمْ يُكَلِّمْهُمْ و لَمْ يُكْلِّمُوهُ بَلْ إِكْتِفوَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهُ نَظْرَةَ حُزْنٍ وَ أَسَفٍ رَاجِينَ مِنْ اللَّهِ أَلا يُصيبَهُمْ مَا أَصَابَهُ و إكتفى هو بغض بصره.
بَعْدَ سَيْرِ زُهاءَ الخَمْسِينَ مِتْرًا بَلَغَ الحَانُوتَ الأَوَّلَ.
وَجَدَ صاحِبَهُ جَالِسًا أَمَامَهُ .
هَمَّ بِسُؤَالِهِ إِلَّا أَنَّهُ عَدَلَ حِينَمَا لَمَّحَ قُرابَةَ العَشْرِ جُثَثٍ مُلْقاةً فِي إِهْمالٍ فِي رُكْنٍ مِنْ الأَرْكَانِ .
واصَلَ سَيْرَهُ .
بَلَغَ الثَّانِي ، الثّالِثَ . . . التّاسِعَ حَتَّى دَخَلَ إِلَى العاشِرِ اَلَّذِي سَأَلَهُ بِأَمَلٍ يَحْتَضِرُ ، " هَلْ لَدَيْكَ قارورَةَ غَازٍ . "
أَجَابَ اَلْبائِعُ فِي ضِيقٍ وَ مَلَلٍ ، " عِنْدِي جُثَثٌ فَقَطْ ، هَلْ تُرِيدُ جُثَّةً ؟ "
قَالَ صابِرٌ ، " أُريدُها بِروحِها . "
أَضَافَ البائِعُ ، " واللَّهُ يَا وَلَدي مُنْذُ رُضوخِ رَئيسِ الحُكومَةِ لِمُعْتَصِمي الْكَامُورِ عَبْرَ تَوْقيعِ إِتْفَاقِيَّةٍ تَحْتَوِي عَدَدًا مِنْ إِجْراءاتِ التَّنْمِيَةِ سُخِرَتْ لَهَا ميزانيَّةُ 80 مِلْيونَ دِينَارٍ إِقْتَنِعَ أَغْلَبُ الشَّبابِ المُعَطَّلِينَ عَنْ العَمَلِ أَنَّ مَنْعَ الإِنْتاجَ فِي شَرِكاتٍ حَيَويَّةٍ فِي وِلايَتِهِمْ هوَ الحَلُّ لِتَشْغيلِهِمْ وَ لِلْإِنْطِلَاقِ فِي بَعَثِ مَشاريعَ تَنْمَويَّةٍ .
و قَدْ زَادَ تَصْريحُ رَئيسِ مَجْلِسِ النّوّابِ فِي هَذِهِ القَناعَةِ حِينَمَا صَرَّحَ فِي حِوارِ تَلْفَزي مُبَارِكًا إِتْفَاقِيَّةَ الْكَامُورِ ، " مَا تخرج الصَّدْقَة إِلَّا مَا يَتَزَازَاوْ إِماليها " وَ نَتيجَةً لعَتامَةِ الأَمَلِ فِي أُفُقِ الحَياةِ وَ لِما ذَكَرَتُ لَكَ سَابِقًا أَغْلَقَ عَدَدٌ مِنْ شَبابِ وِلايَةِ قابُسَ المِنْطَقَةَ الصِّناعيَّةَ اَلَّتِي تَحْتَوِي عَدَدًا مِنْ مَصانِعِ قَواريرِ الْغَازِ مَانِعِينَ العَمَلَ وَ الإِنْتاجَ فِيهَا مِمَّا قَلَّلَ بِنِسْبَةٍ كَبيرَةٍ جِدًّا التَّوْزيعَ فِي تونُس كُلُّها وَ خاصَّةً الجَنوبَ وَ الوَسَطَ . "
بَقِيَ صابِرٌ أَثْناءَ حَديثِ الرَّجُلِ شِبْهِ غائِبٍ عَنْ الوَعْيِ ، يَسْمَعُ حَدِيثًا يَرْفُضُ سَماعَهُ و يَرْفُضُ تَصْديقَهُ لَكِنَّهُ إِسْتَحَى مِنْ إِسْكاتِ المُتَحَدِّثِ قَبْلَ الْإِنْتِهَاءِ لَكِنْ وَدُونَ وَعْيٍ مُسْبَقٍ مِنْهُ دافَعَ دَخْلِي دَفَعَهُ إِلَى الْإِسْتِدَارَةِ إِلَى بَابِ الحَانُوتِ لِتَقَعَ عَيْنَاهُ عَلَى صَديقِهِ الدَّاخِلِ تَوًّا حَامِلًا مُصيبَتُهُ هوَ الآخَرُ .
لَمْ يَتْرُكْ لَهُ مَجَالًا لِلسُّؤَالِ اَلَّذِي أراد طرحه بَعْدَ أَنْ افْشَى السَّلامَ ، " لَا يوجَدُ يَا أَمينٌ لَا يوجَدُ . "
أَمينٌ ، " يَبْدُو أَنَّ جَميعَ الْقِيرْوَانِيّينِ قُبِضَتْ أَرْواحُ قَواريرِهِمْ مَعَ بِدايَةِ هَذَا الْإِعْتِصَامِ اللَّعينِ .
و لَا حَياةَ مِنْ دُونِ رُوحٍ يَا صَدِيقِي . "
صابِرٌ ، " هَذَا مُؤَكَّدٌ . لَكِنْ مَا الحَلُّ ؟ "
أَمينٌ ، " ممممم طَيِّبٌ يُمْكِنُكَ التَّوَجُّهُ فِي فَجَّرِ الغَدِ إِلَى المِنْطَقَةِ الصِّناعيَّةِ بِالْباطِنِ المُتَواجِدِ فِيهَا مَعْمَلُ تَوْزيعِ قَواريرٍ وَ الْإِصْطَفَافُ أَمَامَهُ فِي صَفٍّ مِنْ المُؤَكَّدِ أَنْ يَبْلُغَ طولُهُ مِئاتِ الأَمْتارِ وَ مِنْ المُحْتَمَلِ بُلوغَهُ الأَلْفَ اَوْ أكثر .
وَ اَلَّذِي يُمْكِنُكَ أَنْ تُصَابَ بِعَدْوَى كُورُونَا هُنَاكَ فَلَا إِحْتَرَامَ مُطْلَقًا لِلتُّبَاعُدِ المَفْروضِ نَظَرِيًّا مِنَ الحُكومَةِ .
كَمَا يُمْكِنُكَ أَيْضًا إِيجَادُ سَبيلٍ مِنَ السُّبُلِ إِلَى السّوقِ السَّوْداءِ لِتَشْتَرِيَ واحِدَةً بِثَلاثِ أَضْعافِ ثَمَنِها أَوْ الْإِنْتِظَارِ حَتَّى تَضْغَطَ دوَلُ شَمالِ المُتَوَسِّطِ وَ الجَزائِرِ عَلَى حُكومَتِنا لِإِيجَادِ حَلٍّ أَوْ أَنَّهَا تُساعِدُ عَلَى تَوْفيرِهِ فَالْإِتْحَادُ الأوروبّيُّ لَازَالٍ يُذْكَرُ جَيِّدًا الثَّلَاثُونَ أَلْفًا اَلَّذِينَ فَرُّوا مِنْ جَهَنَّمَ تونُسَ نَحْوَ جَنَّةِ المواطَنَةِ الأوروبّيَّةِ مَعَ إِنْدَلَاعِ أَحْداثِ 2011 وَ ضُعْفِ الدَّوْلَةِ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ .
أَمَّا الآنَ و إِنْ كَانَتْ الدَّوْلَةُ فِي حالَةِ ضُعْفٍ فَوُجُودِ نِظامٍ هَشٍّ أَفْضَلُ مِنْ الْإِنْحِدَارِ نَحْوَ الفَوْضَى .
الفَوْضَى عِنْدَنَا تَعْنِي تَهْديدًا لِلْأَمْنِ القَوْميِّ عِنْدَهُمْ . "
اطبقَ الصَّمْتُ عَلَى الثَّلاثَةِ المُتَوَاجِدِينَ داخِلَ الحَانُوتِ حَتَّى دَخَلَ رَجُلٌ خَمْسِينِيٌّ ، مُتَوَسِّطُ الطّولِ ، أَسْمَرُ اَلْبَشَرَةِ ، حَليقُ اللِّحْيَةِ صَرَخَ أَمينٌ قَائِلًا فَوْرَ رُؤْيَتِهِ ، " سِي اَلْمولِدي مَرْحَبًا .
أَعْرِفُكُمْ بِسِي المُولِدِي هوَ أُسْتاذُ فَلْسَفَةٍ و هوَ أَيْضًا وَ خاصَّةً أَحَدُ أَلْسِنَةِ الدِّفَاعِ عَنْ الحِزْبِ الحاكِمِ فِي المَدينَةِ . "
نَظَرَ أَمينٌ فِي عَيْنَي الأُسْتاذِ وَ قَالَ ، " هَلْ تَعَلَّم يَا سِي اَلْمولِدي أَنَّ عَجْزَ الحُكومَةِ اَلَّذِي يُمَثِّلُ حِزْبَكُمْ الدّاعِمَ الأَوَّلَ لَهَا عَلَى تَوْفيرِ ضَرورَةٍ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الأَساسيَّةِ ' لِلْمُوَاطِنِ التّونُسيِّ ' هوَ فَشَلٌ لِحِزْبِكُمْ بِدَرَجَةٍ أولَى ؟
هَلْ تَعْلَم أَنَّ كُلَّ الحُكوماتِ اَلَّتِي تَعَاقَبَتْ بَعْدَ ' الثَّوْرَةِ ' هِيَ حُكوماتٌ فاشِلَةٌ عَمَّقَتْ فَقْرَ ' المواطِنِ ' وَ وَسَعَتْ فَجْوَةَ التَّفاوُتِ الطَّبَقيِّ لِيُصْبِحَ المُجْتَمَعُ التّونِسيُّ مُخْتَصِرًا عَلَى إِثْنْتِينِ و هُما الفُقَراءُ وَ الأَثْرياءُ ؟
هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ الطَّبَقَةَ الوُسْطَى نُسِفَتْ وَ لَمْ يَعُدْ لَهَا وُجودٌ ؟
هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ أَزْمَةَ قَواريرِ الْغَازِ اَلَّتِي نَمُرُّ بِهَا نَتيجَةَ فَشَلِ الحُكوماتِ المُتَعاقِبَةِ فِي تَحْقيقِ وُعودِها بِالتَّشْغيلِ أَسَاسًا و هوَ السَّبَبُ الأَوَّلُ اَلَّذِي دَفَعَ الشَّبابَ لِلتَّظَاهُرِ وَ الْإِحْتِجَاجِ ضِدَّ النِّظامِ السّابِقِ ؟
هَلْ تَذْكُرُ وَعَدَ القياديُّ فِي حِزْبِكُمْ وَ رَئيسُ كُتْلَتِهِ فِي جَلْسَةِ مَنْحِ الثِّقَةِ لِحُكومَةِ الحَبيبِ الصَّيْدِ بَعْدَ إِنْتِخَابَاتِ 2014 ؟
لَقَدْ وَعَدَ بِتَوْفِيرِ 400 أَلْفِ مَوْطِنِ شَغَلٍ .
لَازِلَتُ أَذْكُرُ جَيِّدًا تِلْكَ العَجْرَفَةَ اَلَّتِي اتَّسَمَتْ بِهَا مُدَاخَلَتُهُ .
و حَتْمًا إنَّكَ تُدْرِكُ أَنَّ حِزْبَكَ كَانَ مَوْجُودًا فِي كُلِّ هَذِهِ الحُكوماتِ إِمَّا بِالتَّشْكِيلِ أَوْ المُشارَكَةِ .
و هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ مَنْ خَرَجُوا رَافِضِينَ لِحُكْمِ النِّظامِ السّابِقِ خَرَجُوا مُطالِبينَ بِالْعَدَالَةِ ، الحُرّيَّةِ وَ الكَرامَةِ الْإِجْتِمَاعِيَّةَ و لَيْسَ لِتَحْكُمُوا أَنْتُمْ ؟
هَلْ تَعْلَم أَنَّ الكَثيرَ مِنْ التُّونِسِيُّينَ يَحِنونَ لِحُكْمِ النِّظامِ السّابِقِ نَتيجَةَ مَا يُكَابِدُوهُ مِنْ مَصاعِبَ الحَياةِ فِي حُكْمِكُمْ ؟
هل تدرك أن عموم الشعب كره كل الطبقة السياسية؟ "
اَلْمولِدي ، " كَلامُكَ صَحيحٌ لَكِنْ مِنْ الطَّبيعيِّ أَنْ يَشْهَدَ الْإِنْتِقَالُ مِنْ نِظامٍ إِسْتِبْدَادِيٍّ إِلَى نِظامٍ ديمُقْراطيٍّ إِنْتِكَاسَاتٍ نَتيجَةَ تَغَلْغُلِ النِّظامِ السّابِقِ فِي الإِدارَةِ وَ مَفاصِلِ الدَّوْلَةِ وَ الْحَمْدَلَلَهِ أَنَّ الثَّوْرَةَ التّونِسيَّةَ لَمْ تَنْزَلِقْ إِلَى حَرْبٍ أَهْليَّةٍ مِثْلَ الثَّوْرَةِ السّوريَّةِ أَوْ إِرْتِدَادٍ إِلَى النِّظامِ الدّيكْتاتوريِّ مِثْلَ الثَّوْرَةِ الرّومانيَّةِ أو المصرية . "
أَمينٌ ، " و مَا دَخْلُ عُمومُ الشَّعْبِ فِي صِراعاتِكُمْ عَلَى حُكَمِ تونُسَ وَ اَلَّذِي هوَ حَقيقَةً صِراعٌ بِالْوِكالَةِ بَيْنَ دَوْلَتَيْنِ أَسَاسًا هوَ المَتْبوعُ التَّقْليديُّ وَ العَمُّ سَامْ .
أ لَسْتُمْ مَدْعُومينَ وَ مَحْسُوبِينَ عَلَى العَمِّ سَامْ ؟
ثُمَّ هَا قَدْ تَوَافَقَتَمْ مَعَ المَرْحومِ الْبَاجِي قائِدِ السِّبْسِي فِي لِقاءِ بَارِيسَ الشَّهيرِ بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ كِلّاكما أَلَّايَتَحالَفَ مَعَ الآخَرِ .
أَلَمْ يَقُل السِّبْسِي أَنَّ حَرَكَتَهُ وَ حَرَكَتُكُمْ خَطَّانِ مُتَوَازِيَانِ لَا يَلْتَقِيَانِ وَ إِنْ إِلْتِقِيَا فَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ اَلَا بِاللَّهِ .
كَذَلِكَ فَعَلْتُمْ مَعَ قَلْبِ تونُسَ فِي إِنْتِخَابَاتِ 2019 ، فَبَعْدَ تُهَمِ الفَسادِ وَ إِسْتَغْلَالِ الجَمْعيَّةِ الخَيْريَّةِ فِي حَمْلَةٍ إِنْتَخَابِيَّةٍ مُبَكِّرَةٍ تَحَالُفَتُمْ مَعَهُ .
لِأَنَّ مَا يَجْمَعُكُمْ هوَ اللِّيبِيرَالِيَّةُ وَ البَرْنامَجُ اللِّيبِيرَالِيُّ المُرادُ تَطْبيقُهُ فِي تونُسَ .
إِنَّ عُمومَ المُوَاطِنِينَ
وَ إِنْ كَانُوا يُبارَكونَ جُزْئِيًّا جَوَّ الحُرّيَّةِ اَلَّذِي سَادَ بَعْدَ 2011 وَ اَلَّذِي بَلَغَ حَدَّ الفَوْضَى نَتيجَةَ ضُعْفِ الدَّوْلَةِ لَكِنَّهُمْ ساخِطونَ وَ بِشِدَّةٍ عَلَيْكُمْ نَتيجَةَ تَرَدِّي كُلٍّ مِنْ الوَضْعِ الْإِقْتِصَادِيِّ وَ الْإِجْتِمَاعِيِّ .
مَجْلِسُكُمْ الْفَسِيفْسَائِيُّ اَلَّذِي عَجَزَ عَنْ تَوْفيرِ كُتْلَةٍ تَتَحَمَّلُ مَسْؤوليَّةَ الحُكْمِ وَ تَكونُ قادِرَةً عَلَى تَكْوينِ حُكومَةٍ بِمُفْرَدِهَا نَتيجَةَ إِمْتَنَاعِكُمْ عَنْ تَنْقيحِ الْقَانُونِ الْإِنْتِخَابِيِّ هوَ سَبَبٌ رَئيسيٌّ فِي هَذِهِ الفَوْضَى اَلسّياسيَّةِ . "
اَلْمولِديُّ ، " كَلامُكَ نسبيا صَحيحٌ لَكِنِّي اقْولٌ لَكَ مَا قَالَهُ اَلشَّيْخُ فِي سَنَةِ 2013 تَقْرِيبًا ' الحَمْدُ لِلهِ أَنَّ المواطِنَ التّونُسيَّ يَضْغَطُ عَلَى اَلْزَرِّ فَيَجِدُ الكَهْرَباءَ وَ الحَمْدُ لِلهِ أَنَّهُ يَفْتَحُ الحَنَفيَّةَ فِينْسَابَ الْمَاءُ ' وَ أُضيفُ عَلَى مَا قَالَهُ الحَمْدُ لِلهِ عَلَى وُجودِ الخُبْزِ وَ كُلُّ المَوادِّ الأَساسيَّةِ فِي الأَسْواقِ . "
إِنْفَجَرَ أَمينٌ ضَاحِكًا وَ قَالَ ، " أَنْتُمْ حِزْبٌ ليبْراليٌّ وَ مُؤَكَّدٌ أَنَّكم تسعون لِرَفْعِ الدَّعْمِ الحُكوميِّ وَ هَا نَحْنُ بَدَأْنَا نُشاهِدُ ذَلِكَ تَدْرِيجِيًّا عَبْرَ الرَّفْعِ فِي تَسْعيرَةِ الْإِسْتِهْلَاكِ وَ الْأَدَاءَاتِ لِكُلٍّ مِنْ فاتورَتَي الكَهْرُباءِ والْماءِ وَ حَسَبَ عِلْميٍّ هُنَاكَ نيَّةٌ لقونْنَةِ الشَّراكَةِ مَعَ القِطاعِ الخاصِّ عَبْرَ مَجَلَّةِ الْمِيَاهِ اَلَّتِي بِصَدَدِ الإِعْدادِ أَمَّا عَنْ الخُبْزِ فَمُؤَكَّدٌ أَنَّكُمْ سَتَرْفَعونَ الدَّعْمَ عَنْهُ إِضافَةً إِلَى السُّكَّرِ اَلَّذِي يَرْفَعُ تَدْرِيجِيًّا حاليًّا وَ الزَّيْتِ ( زَيْتُ الحاكِمِ ) كما انكم و من المؤكد ستقومون بتحرير الأسعار. "
ضَاقَ اَلْمولِديُّ ضَرْعًا بِكَلامِ أَمينٍ وَ قَالَ ، " نَعَمْ سَيَرْفَعُ الدَّعْمُ وَ سَيُعَوِّضُ بِمَبَالِغَ ماليَّةٍ تُدْفَعُ لِمُسْتَحِقِّيه فَقَطْ . "
تابَعَ صابِرُ الحِوارَ الدّائِرَ بَيْنَ صَديقِهِ وَ لِسانِ الدِفَاعِ لَكِنْ فَجْأَةً إِلْتِفَتَ إِلَى البائِعِ سَائِلًا ، " هَلْ لَدَيْكَ فَحْمٌ . "
البائِعُ ، " لَقَدْ نَفِدَ . "
صابِرٌ ، " تَبًّا لِلَّحْمِ وَ الكُسْكُسي سَيَكُونُ العَشاءُ لَبْلابي يُدَفِّئُ أَطْرَافِي وَ أَمْعَائِي فِي هَذَا البَرْدِ . "
قَالَ أَمينٌ بَعْدَ أَنْ تَجاهُلَ اَلْمولِدي ، " فِكْرَةٌ طَيِّبَةٌ يَا صَدِيقِي . "
صابِرُ ، " نَعَمْ يَا صَدِيقِي هِيَ كَذَلِكَ .
سَأْتُرٌكُمَا لِتَواصُلَا نِقاشَكُمَا العَقيمِ اَلَّذِي لَا يُغْني وَ لَنْ يُغْنيَ فَقيرا مِنْ جُوعٍ .
تُصْبِحونَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ بَقِيَ خَيْرٌ فِي هَذَا البَلَدِ المَنْكوبِ .
الْقَى قارورَتَهُ عَلَى كَتَفِهِ وَ سَارَ فِي نَفْسِ الطَّريقِ اَلَّتِي أَتَى مِنْهَا .
هَمَّ بِالْغِناءِ ' رَبِّكَ لِما يُرِيدُ أَحْلامَنا حَتَتَحَقَّقَ ' لَكِنَّهُ أَمْسَكَ وَ قَالَ ، " لَمْ يَشَأ اللَّهُ أَنْ يُحَقِّقَ حُلْمي البَسيطَ لَكِنَّ مَهْلًا مِنْ تَرَاه المَسْؤولُ عَنْ ذَلِكَ ، هَلْ هوَ اللَّهُ أَمْ الدَّوْلَةُ أَمْ الحُكومَةُ ؟
هَلْ أَنَا فاعِلٌ فِي قَدْرِي أَمْ مَفْعولٌ بِي ؟
تَبًّا أَصُمَتْ يَا عُقْلي . "
بَلَغَ بَابَ دَارِهِ بَعْدَ تَعَبٍ ، دَفَعَهُ بِقوَّةٍ ، دَخَلَ فَإِعْتَرَضَتْهُ أَمَانِي بَعْدَ أَنْ سَمِعْتْ دَفْعَ الْبَابِ ، أَلْقَى القارورَةَ فِي رُكْنٍ مِنْ الأَرْكَانِ وَ قَالَ موَجِّهًا كَلامَهُ إِلَيْهَا ، " هَذِهِ خَمْسُ دَنانير، أَرْسَلِي الوَلَدَ لِشِرَاءِ لَبْلابيٍّ .
سَيَكُونُ عَشاءُ اللَّيْلَةَ .
مَدَّ إِلَيْهَا الْمَالَ ، دَخَلَ إِلَى غُرْفَةِ نَوْمِهِ مِنْ دُونِ أَنْ يَنْتَظِرَ مِنْهَا قَوْلًا وَ أَلْقَى بِجَسَدِهِ عَلَى السَّرِيرِ لِيُخَلُّدَ إِلَى النَّوْمِ سَرِيعًا .
أَشْجارٌ كَثيرَةٌ ، أَصْواتُ ثَّعالِبٍ وَ ضِباعٍ ، صُراخٌ قِرَدَةٍ .
هَكَذَا رَأَى صابِرُ نَفْسِهِ أَثْناءَ نَوْمِهِ .
إِسْتَدَارَ إِلَى مَكانٍ مِنْ الغابَةِ المُتَواجِدِ فِيهَا فَشاهَدَ قارورَتَي غَازٍ ، واحِدَةً كَبيرَةً وَ الأُخْرَى صَغيرَةً .
سُرَّ كَثِيرًا حَتَّى أَنَّهُ تَبَسَّمَ أَثْناءَ الحُلْمِ .
رَكَضَ إِلَيْهُمَا لَكِنْ فَجْأَةً صَعدَا رَجُلَانِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ مَنَعاه .
تَفَحَّصَ وَجْهَيهما ، إِنَّهُ اَلْمولِديُّ لِسانُ الدِّفَاعِ وَ عَلَي رَجُلِ الأَعْمالِ .
هُمْ بِتَجاوَزِهِمَا لَكِنَّ اَلْمولِديَ مَنَعَهُ وَ قَالَ ، " إِلَى أَيْنَ . "
صابِرٌ ، " إِلَى قارورَةِ الْغَازِ . "
اَلْمولِدي ، " إِرْحَلْ مِنْ هُنَا .
إِنَّهُمَا لَنَا . "
صابِرٌ ، " لَا سُلْطَةَ لَكَ عَلَيَّ لَتَمَنْعَنِي . "
اَلْمولِدي ، " أَمْنَعُكَ بِسُلْطَةِ الحِزْبِ الحاكِمِ . "
صابِرٌ ، " طَيِّبٌ أَنْتَ قياديٌّ فِي الحِزْبِ الحاكِمِ .
فَهْمْنا .
لَكِنْ مَاذَا عَنْ السَّيِّدِ ؟ "
أَجَابَ عَلَيُّ ، " أَنَا مَنْبَعُ سُلْطَتِهِمْ وَ أَصْلُها . "
صابِرٌ ، " أَنَا مواطِنٌ وَ المُوَاطِنُونَ فِي الدَّوْلَةِ المُحْتَرَمَةِ لِمُوَاطِنِيهَا سَواسيَةٌ فِي الأَيّامِ العاديَّةِ فما بالكما باليَوْمَ فَإِنَّهَا فَوْضَى وَ لَا سُلْطَةَ فِي الفَوْضَى . "
اَلْمولِدي ، " آآآآ . "
صَرَخَ صَرْخَةً قَوَيَّةً بَعْدَ أَنْ إِسْتَلَّ صابِرٌ سِكّينًا مِنْ طَيّاتِ ثيابِهِ و طَعَنَه في فَخِذَهُ فَخْرَّ مُتَأَلِّمًا و هُمَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ عَلي لَكِنَّهُ فَرَّ وَ قَدْ سَبَقَتْهُ بَطْنُهُ و لَحِقَتْ بِهِ مُؤَخِّرَتُهُ قَبْلَ أَنْ تَلْتَفَّ بِهِ مَجْموعَةٌ مِنْ الضِّباعِ أَفْواهًا عَلَى شَكْلِ مَيكْرُوفُونَاتٍ .
تَرْكَهُ صابِرٌ يَفِرُّ وَ عَادَ إِلَى اَلْقارورَتِين ، أَلْقَى الكَبيرَةَ عَلَى كَتَفِهِ وَ غَابَ حالَما بالشِقالَةِ المُنْتَظَرَةِ .
رفيق بوجاه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق