السبت، 13 نوفمبر 2021

ما بعد الوصول/المصدر: مرفت السيد أحمد عبد الحميد - مصر/جريدة الوجدان الثقافية


 " ما بعد الوصول "

_______________
بلهجة حادّة ..
بعد السلام ..
آنستي.. أيمكنني إلقاء بعض الملاحظات على كتاباتك في الفترة الأخيرة - كانت هذه أوّل رسالة تأتي إلى صندوق رسائلي الخاص.
كنت أعرفه في السابق، لكن ليست تلك المعرفة التي تمكّنني من معرفة ما يقصد.
قرأت رسالته باستغراب، كيف لشخص عابر سطحيّ مثله يخاطبني بهذه اللهجة؟ ثمّ كم يملك هذا من العلم كي يناظر مثلي؟
بسخرية وفضول قلت له هات ما عندك
- أيّ ملاحظة رأيت..
ألقى عليّ ملاحظاته كطالب يفرّغ كوب أفكاره في ورقة الامتحان دفعة واحدة.. وأمام صمتي تردّد بعض الشيء معتذراً .
لكنّي كنت أفكر في أسلوبه وحواره تغيير واضح في الثقافة والأفكار، صحيح لم يخفَ عليّ أنّها حديثة، لكنّي كنت سعيدة أن أرى نموذجاً واعياً إلى مثل هذا الحدّ.
- قلت معبّرة عن إعجابي: لم أتوقّع أن أرى ناقداً أدبيّاً وفيلسوفاً في رسائل..
ردَّ: ولدتُ في رحم أُمّ جديدة، سافرتُ منذ فترة إلى دولة أوروبية، وهناك تغيّرتُ وتغيرتْ حياتي.
قلتُ مستفهمة: تقصد الغربة؟
- لا أستاذة، الغربة هي التي تعيشينها أنتِ، وكلّ من يعيش فاقداً أدنى أساسيات الحياة، فاقداً الكرامة وسط علاقات ضبابية سامّة.
الغربة هي التي تكتبين عنها.. بالمناسبة كتاباتك رائعة وخصوصاً عندما نكون الضحية. عندما تصفين المغترب بأنّه قربان الظروف الذي يفدّي نفسه لكي تحيا العائلة. ما زلت أضحك على كلماتكِ في وصف المصير المجهول..
بعد أن عبرت حدود الموت وهدأت نفسي، وجدت مناخاً صحيّاً لكي تنمو زهرة العمر وتتفتّح ..
- أراكَ سعيداً بغربتك... أكانت قرارك وإرادتك؟
- أيّ إرادة نملكها أستاذة.. غربتنا ضرورية في وقت أصبحت الحياة فيها مستحيلة في بلادنا. الغربة ليست رفاهية ولن تنتهي بخطوة جريئة. أنتِ لا تعلمين ما يجعل رجلاً مسؤولاً يلقي بنفسه في البحر، ويقف على حافّة الانتحار.
لكن على كلّ حال أنا هنا لأجل كرامتي.
هنا وجدت كلّ شيء، التعليم، والثقافة، واللغة، والصحّة، والعمل، والمستوى المعيشيّ، والعدل، والمساواة، والحرية، والكرامة.
في البداية كنت أفكّر في عائلتي.. أمّا الآن فأنا هنا من أجل نفسي.
- والعائلة.. والأصدقاء!!!
- اعتزلت أصدقائي واعتزلوني عندما انتهت مصالحهم. والعائلة تنتهي عند مكالمة هاتفية لا تتعدّى كلمات ثابتة ملخّصها الاطمئنان على المال، مع سؤال عن الصحّة والأحوال، ثم نهوى بعدها في بئر من الصمت الطويل. لم يعد هناك شيء مشترك.
- والوطن، أليس على قائمة اهتماماتك؟
- الوطن الجديد علّمني أنّها مجرد منافع متبادلة، أنا بالنسبة إلى وطني القديم مصدر دخل، ومادة إعلامية تدعو أحياناً إلى الفخر. وهم بالنسبة إليّ بطاقة هوية قد أنتمي إليها أنا وأولادي يوماً ما..
- أكفرت بالوطن إلى هذا الحد؟
- أنا أصبحت مجرّد جذور تنكشف شيئاً فشيئاً وتفقد دفء التربة الحاني ولا سيقان لها.
- لن تستطيع العيش في ثياب غيرك مهما فعلت، ولن تنتمي إليهم.
- أن أعيش في ثياب غيري، أفضل من العيش عارياً، عري الروح وسط أناس لا تفهم أو تقدّر سوى عري الجسد.. مؤلم.
بعدها ساد صمت طويل واختفت الشارة الخضراء..
26-10-2021 |
09:06
المصدر: مرفت السيد أحمد عبد الحميد - مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق