تَعَالَى الصِّيَاحُ الأخرَسُ ، يُهَروِلُ
بَينَ الأَضرِحَة
يَستَجدِي غَيَابَاتِ الدَّهرِ
والصَّمتُ يُطبِقُ عَلَى الأَضلُعِ
فَيَخنُقُهَا
والوِحدَةُ المُوحِشَةُ تَنزَوِي
فِي رُضُوضِ الدَّمعِ المُتَهَالِكِ
وَأَنتَ عَلى نَغَمِ النّايِ المُثخَن بِالوَجَع
تَغفُو ، فَيَسرَحُ عَبَقُ الأَكفَانِ ، يَغشَى المَدَى
تَتَهَادَى بِثوبِكَ الأَبيَضِ
المُرصَّعِ بِالمَهَابَة
تَغمُرُ الظِلاَلَ بِمَسَامِ الوَردِ
تُفنِي عُمْرَكَ تَخِيطُ
جِرَاحَات الكَرْمِ
حَتَى لاَ يَكُرُّ عَلَيهِ النَّملُ الأَحمَرُ
تَحتَضِنُ وَحشَةَ اللَّيل
وَوَجهُكَ البِلَّوْر وَالثَّغرُ بَاسِمٌ
رَغم قَسَاوَة الرَّحِيل
يَابَطَلاً يَأبَى المَوتُ
أَن يُوَارِي صَهِيلَ النَّجمَات
فِيِ وَطَنٍ بَاذِخٍ بِكُلِّ أَصنَافِ الأَصفَاد
يامِلحَ الرَّدى الذِّي يَمتَطِي
عُيُونَ المَارَة بِوجه مُبتَهِج
يَاوَجعَ الأَزِقَّةِ ، والجُدرَانِ ، والمَوتِ البَطِيِء
فِي حُضْنِ الضَّجَر
هنا رَجُلٌ لَيسَ كَبَاقِي الرِّجَال
رَجُلٌ رَفَضَ الاِنحِنَاء، وَالعَيْشَ كَالجُرَذِ
بَينَ الحُفَرِ
مَجَّ كُلَّ أَشكَالَ الأبُوَةِ العَتِيقَة
المُحَنَّطَة بِالدَّجَل
وَانتَفَضَ يُقَلِّمُ أَظَافِرَ الصَّبَار
وَيَرُمُّ شَهقَةَ الرَّصِيفِ سَاعَةً بِسَاعَة
يَكُبُّ أَشلاَءَ اليُتمِ فِي العَتَمَة
لِيَعتَلِيِ مِنَصَّة الاِنبَاف
اِنبَافُ
تَارِيخُ إِنسَانٍ يَشتَهِي أَنْ يَعِيشَ الحُلمَ
فِي لَحظَةِ المَوتِ الأَخِيرِ
اِنبَافُ حِصنُ إِعصَارٍ
وَأنوَاءٍ تَقصِفُ بِزَخَمٍ
التُّرَعَ وَالمَزَارِعَ البُورَ
فَتَنهَارُ المَعَابِدُ العَتِيقَة
وَوَتتَهَشَّمُ أَبوَاقُ العَنجَهِيَةِ المُقَدَسَة
مِن أَزمِنَةِ فَخَامَةِ المَلِكِ المُوَقَّر
تَصنَعُ لِلفَرَاشَاتِ أَوشِحَةً لِلرَّقصِ
وَلِلعَصَافِيرِ أعشاشا حِينمَا تَهفُو للصَّلاَة
هنَا وُلِدتَ مِن نَزَفِ الجُرحِ
حِينَمَا عَربَدَ الرَّصَاصُ وَزَحَفَ المَوتُ
عَلَى جُثَثِ النًَازِحِينَ مِن حِمَمِ الرَّمَاد
فِي سَاقِيَةِ سِيدِي يُوسَف ذَاكِرَةُ الحُلمِ
الذِّي أَجهَشَ بِالنَّار
كَبُركَانٍ أَخرَص يَنتَظِرُ مِيلاَدَ آخِرَ نَبِيٍّ
هُنَا مِن سُوقِ أَهْرَاس إِلَى عَنَابَة
تَشذِبُ حُقُولَ القَمحِ بِشظَايَا الدَّمعِ
فَتَجَعَّدَت أَكُفُّكَ مِن صَرِيرِ الضِيَاع
المُنهَكَة حَنَاجُرُهَا مِن الانتِظَار
سَأَلتُ الدَّمعَ الذِّي يَعرُجُ مِنَ الأَحدَاق
لِمَ الحُزنُ يُقَطِّعُ أَهدَابَ القَمَرِ
وَيُقطِّبُ ظِلَّ القَنَادِيلِ المَكسُورَةِ
مُنذُ بِدَايَةِ الإعصَارِ؟
فَأَجَابُوا :
عَن ذَاكَ النَّجمِ الذِّي عَكَفَ
عَلى اِنتِشَالِ أَحدَاقِ الغِربَان مِن الغَمَام
وعَلَّمَ الطًُيُورَ أَن تَنتَشِي تَحتَ زَخَّاتِ المَطَر
وَتَجدِلَ أَجنِحَة النُّسُورِ
لِتُحَلِّقَ فِي أَعَالِي الجِبَال
عَن ذَاكَ البَاشِقِ الذِّي تَلَقَّفَهُ المَوتُ غِيْلةً
فَخَلفَ القَلبَ مَكلُومًا لِفرِاقِه
ذَاكَ هُوَ مَنصُور روَابحِية ذَاكِرَةُ إنسَانٍ
وَرُوحٌ تَهفُو إِلَى كُلِّ مَن يُولَدُ وفِي قَلبٍه
نَبضُ مُتمَردٍ