الأربعاء، 26 يونيو 2024

هطول غَـصَّـنَهُ حرف الغزل. بقلم/د.إكــرام عمــارة.

 هطول غَـصَّـنَهُ حرف الغزل.

                  """""""""""""""""""""""""""""""""""

من وشائج لهفتي ووتين يقيني أسبح حد الغوص لاأبالي هدرة الموج؛ فأنا يافاتنتي في العشق دفتر وللمحاق جرف يفتقر إلى الضوء، ونفرة فرس يميزه صوتٌ للصوتِ

فيكِ يكون البحثُ مُضنياً؛ شاسعات للنظرات يفرقدهن الشغف ويزلزل بالهن الترقب ثقةً تسبقُ الأملَ؛ بأن الليلة عزف على أوتار الشجن بلحن ترنمه قطرات المطر تدغدغ المتلألئ من عيون الحسناوات فيكِ أيتها المرسوم بحدود هويتها وتُرجمان كينونتها بالأثمد الحاني خارطة أمنيتي

أُلبس الصِفةَ مزيداً من الصِفَةِ وأبسط رداء قلبي لك طواعية؛ فأنا الزاهد فيما دونكِ ،أُجيد القنصَ لاأبالي بالأنواط والرُتب؛ أمتلك من البيان نواصيه ،أصول وأجول بين الخبري والإنشائي ، لي دلال على الفعل ومكرمة بأشباه الجُمل؛ أمتطي صهوة الكَلِمِ؛ يخشاني من لايخشى الظُلَمِ.

يامَنْ أخشى أن يُؤرق آخره أوله؛ يُوسِّدُ السُهد مَغبة تفكره

إليَّ بسِفرٍ من النور أرنمه أو آي من الحكمة أرتله

شطحاتي تعيد للقلب دقاته؛ على النبض سائر الأرجاء تنتفض؛ لاأقول لكِ معللتي  الصَبُّ تفضحه عيونه

لكن كوني على ثقة أنَّ الطيران ليس فقط للطير، وأن الهذيان ليس فقط للمحموم، وأنَّ الصمتَ يقيناً هو جوهرُ الكَلِمِ؛ تُحدقُ بنا الطُيوف في غير سأم أو ضجر، تعيد المارق في غير نزق وتُعير الحاضر خُلع من الربيع الحادي

يستجمع فيه القلب ماتستدفؤ به المشاعر وتهدأ معها غمغمة التجوال وزمن البرد؛ لايزمجر وصالها ريح تاهت مآويها أو يعكر صفو ودادها كدر يغشاه فتور.

هطول غَصَّنَهُ حرفُ الغزل بولوج يُسَفِّده شَفقٌ حائر ؛يُزَنِّره مِئْزَارُ الشَغفِ، وعرابيد الشوق تنخر عظام اللهفة

بنافذة حُبلى بتواقيت للانتظار خَارتْ قُواها أَبَتْ الاستسلام؛ يستأسد شذا إصرارها بأريج كل الزهور

غادتي ياشاجيةَ المموسق من تجليات ألحاني المُثْمَلة بأنفاس الأغاريد للموشحة القاطنة أوداج وجداني

إليكِ تفانيد حِلِّي وتِرْحَالي وقصيد أشعاري بليلة بكى فيها القمر سيقت كقربان ونوارس بالأفق تترصد المشهد.

   

 بقلم/إكــرام عمــارة.




سفر النغم بقلمي د رنيم رجب

 (بقلمي د رنيم رجب)  


سفر النغم 

   

القرب أجمل من غياب قاهر 

من صدفة سكنت جفون محابري


...   .... ..... ... .... ... 

من بهجة تغزو السطور قضية 

فتطوعت تلك الغمامة ساهري 


...... ... ... ..... .... ..... 

آوي إلى كهف الرزينة مغرما 

لكنها انصدمت ببوح دفاتري 


........   .... ....  .........  

صيفا يهب عباب فجر تبلدي 

كيما يزيد تصنعي في حاضري 


....    ......  .....   ....... 

ولئن رصفت الشعر في أبياته

هيهات أدنو من عيون الساهر


 .... ...    .... ...... ...  


الدرب من تعبي يسابق محزنا 

وغدى ألاحقه بهمس حائر

      .....  .... ..... 


ألقاك يانجما تألق في غدي 

ماكان لو نلت الغرام بزائر 

...  ... .... ... ... .... .....

السيكولوجيـــة الشــــعرية بين الحداثة والمعاصرة . بقلم : د . فالح الكيــــــــلاني .

السيكولوجيـــة الشــــعرية  بين الحداثة والمعاصرة


.

بقلم :  د .  فالح الكيــــــــلاني

.


           الشعر العربي كان ولا يزال يعد الفن الاول للغة العربية في مجتمع الامة العر بية ككل .


فالانسان العربي الاول جبل على قول الشعر او سماعه او الاهتمام به فهو يمثل أكثر الفنون القولية تاثيرا في او لدى الانسان العربي و التاريخ الأدبي اذا ما قارناه بالنثر او بالخطابة وكدليل على أهمية الشعر عند العرب . قيل ( الشعر ديوان العرب ) وهو كذلك حقا نتيجة لتعايش الانسان العربي و ما أبدعه الشاعر العربي من شعر تمثلت به كل معطيات الحياة اليومية لديهم منذ عصر الجاهلية الاولى ، فهو حافظ لتاريخ العرب وأيامها وعلومها المختلفة ،يمكننا ان نعتبره مصدرا مهما بل المصدر الاول والرئيس الذي يمكن الاعتماد عليه في التعرُّف على أحوال العرب وبيئاتهم وثقافتهم وتاريخهم مع طبيعته بالاحتفاظ بالرؤية الفنية اذ يتميز الشعر العربي عبر كل عصوره المتلاحقة بعلاقة الإبداع الشعري بالنغم الموسيقى من خلال الإيقاع الشعري والذي يمثله الوزن والقافية .


       قصيدة الشعر العربية تتكون من ابيات,و كل بيت منها يتألف من مقطعين الأول ويسمى الصدر، والثاني يسمى العجز، ثم سمي الشعر بمجموعه او كليته ( الشعر العمودي) الذي هو الأساس المعتمد للتفريق بين الشعر والنثر اذ يخضع هذا الشعر في كتابته لضوابط معينة . و كان الشاعر العربي يحضى بها بعفوية وتندرج في سياق الاذن الموسيقية المألوفة لدى الشعراء او بحركات متناغمة ماخوذة من واقعهم المعاش كسير الابل في الصحراء او حركة الراكب فوق بعيره او من خلال صوت هجير الرمال في الصحراء وقد بحث فيها العالم الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري – وهو علم من اعلام اللغة و الادب – في العصر العباسي واوجد لها موازين او ضوابط كقواعد اساسية في قول الشعر ونظمه واطلق عليها ( بحور الشعر ) او (علم العروض) .


      ويعرف علم العروض بأنه علم معرفة أوزان الشعر العربي أو هو علم أوزان الشعر الموافق للشعر العربي وبما انه موافق لهذه الحالة ولقرب الشعر من النفوس ومحبتها له فقد قام بعض علماء اللغة والادب بنظم اساسيات علومهم المختلفة المستجدة او المستحدثة او التي يراد الاحتفاظ بها لنفاستها في قوالب شعرية على شكل قصائد طويلة مستقلة بكل موضوع .


      وقد اتخذ هؤلاء العلماء عمود الشعر اساسا في تنظيم قواعدهم وما ارادوا ايصاله الى القارئ العربي او السامع العربي وتقريبه اليهم بافضل واحب واسهل طريقة قريبة ومحببة الى نفوسهم و شائعة عندهم الا وهي الشعر   كألفية بن مالك   في قواعد اللغة العربية مثلا او بعض القواعد والعلوم او غيرها وذلك لما ألفته الأذن العربية و استساغة النفس للنظم وسهولة حفظها وقرب استيعابها بهذه الطريقة. و الإيقاع المنتظم ، مما يجعل تلك المنظومات أسهل للحفظ والاسترجاع في الذاكرة.


       وقد خرجت هذه المنظومات من حالة وجدانية الشعر إلى حالة النظم وذلك لانها بصراحة افتقدت اهميتها كشعر او فاعليتها الجمالية فاخرجتها من دائرة الشعر الذي اهم ما يميزه العاطفة الانسانية الكامنة في الشعرية والتواصل المشدود الى النفس الانسانية وخلجاتها واتحادها بروحية الشاعر وما اوحاه اليها من عواطف نفسية قد اعتملت في نفسيته فاستودعها قصيدته او شعره فياتي الشعر كنبضات قلب متدفق حيوية ويعبر عما في نفس الشاعر او ما يسمى بالشعر الوجداني . ولهذا فقد تميز الشعر عبر أدواته ا لمختلفة التي لم يكن هذا العمود او المنظومة إلا مظهراً من مظاهر الشكل الفني غير الجوهرية ، قد فقدت روح الشعر ومثال ذلك المعلقات السبع او العشر وهي افضل قصائد الشعر الجاهلي وسميت بالعلقات بسبب تعليقها في داخل الكعبة   بيت الله الحرام   وهو افضل مكان عند العرب لجيادتها وسمو سبكها وبلاغتها وقوتها الشعرية والتعبيرية وقربها من القلب والنفس وما يعتمل فيهما من نزعات وقيل انها كتبت بماء الذهب لنفاستها الفنية وقد نظمت بأوزان الشعر العربي دون أن يعتريها أي فقدان لروح الشعر او جمالياته الإبداعية و بأبعاده الفنية والعاطفية او النفسية و تعد أشهر ما كتبه العرب في الشعر من حيث السبك واللغة ، وقيل أيضا إن هذه المعلقات اشبه بالعقود النفيسة التي تكاد ان تعلق الأذهان وتدخل القلوب والافئدة وتسير غائرة في اعماق النفس لتروّيها ولا تزال حتى الان تشد القارئ العربي اليها شدا وثيقا في تاثيرها الشديد في القارئ العربي عند قراءته لها او مراجعتها  وما اجمل ماقاله امرؤ القيس في معلقته وهو يتغزل بحبيبته قديما  وكانه قاله الساعة لها :

 

أفاطِـمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ

                                      وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي


أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي

                                           وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ


وإِنْ تَكُ قَدْ سَـاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَـةٌ

                                              فَسُلِّـي ثِيَـابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُـلِ


وَمَا ذَرَفَـتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِـي

                                           بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّـلِ


         وقد لا اخرج عن الموضوع ان قلت إن مفهوم الشعر عند أرسطو الشاعر اليوناني القديم ينحصر في المحاكاة، والشعر الحق عند ه يتجلى في المأساة ويتمثل في الملحمة والملهاة فهو يقرر بحزم أن الأعاريض الشعرية لا تعتبر الحقيقة المميزة للشاعر بخلاف الشعر العربي الذي تمثله ازدواجية العروض والجمالية . فالمحاكاة لا الوزن هي التي تفرق بين الشعر والنثر عند ارسطو اذ يثبت جوهرية المحاكاة الافلاطونية ومعاناتها بدرجات متفاوتة تبعا لدراسته الكثير من الاعمال الفنية واشكالياتها المختلفة فكل أنواع الشعر التي درسها إضافة إلى الموسيقى مثل الرقص والفنون التشكيلية وأشكال المحاكاة. فالمحاكاة عند ارسطو بعيدة عن الحقيقة بدرجة متساوية بحيث يجمل بنا ان نقول بأن المواقف والأفعال والشخصيات والإنفعالات النفسية ينبغي أن تكون متشابهة ومتوازية ومنسجمة مع الحياة وليست مثل صورة تصويرية او فوتوغرافية منها – فمهمة الشاعر في هذا المجال هدفه ألا يحاكي احداثاً تاريخية معينة أو شخصيات بنفسها بل عليه محاكاة ذات الحياة في عالميتها الشاملة وسموها المتعالي من حيث الشكل والجوهر.


      لذا فالشعر وجد باعتباره محاكاة للإنطباعات الذهنية ومن ثم يتبين انه ليس نســــخا ً مبــــاشراً للحيــــاة. وإنما هو تمثيلٌ لها ينبع منها ويصب فيها . ويتبين بأن الشاعر الفذ يحاكي الأشياء كما هي، أو كما كانت أو كما ينبغي أن تكون اي على حالتها او وجوديتها في الطبيعة وربما – كما اعتقد الناس – بأنها كانت كذلك، أي أن هذا الشاعر الذي ربما كان متهما بالبعد عن الحقيقة المعروفة عند الناس، يمكن أن يدافع عن موقفه بأن يعرض الأشياء الحاضرة والماضية وبمثالية أو بما يعتقده الناس فيها.

لاحظ قولي في قصيدتي  عيد النصر   :


الحريّة  حمــــراء   بنا   شمخت

                                      فخر الرجال  وللا غا د  في  وجر


حمراء - سوداء  للاعداء - ناشرة

                                        هول الحتوف وهم الخوف والذعر


الليل ملتهب والشمس في حجب

                                   والحقد محتظر والظلــــــم في سفر


مزقت جفن الردى بالهول تشدخه

                                    شـــــدخ الزلازل للاعلام والحجر


والشر  تجتثه  ان   مد  مخلبه

                                نحو الضياء ونور الحق في سدر


فاضرب  فديت  عدوا  لاحياة لهم

                             واطوي ظلام الليالي السود في سقر


في صاعد من دخان الحرب تحبسه

                              سحبا من الغيم قد اشفت على المطر


         والشعر قد يكون كانما  سماوياً وهذا لا يعني أنه يجب أن يكون كذلك او انها لازمة ضرورية له ومن هنا يتضح لنا ان مزامير نبي الله داود عليه السلام هي إغانٍ قد نظمت في أوزان معينة الا انها ليست شعرا حيث ان الوزن وحده لا يقيم شعراً بمفرده اذ يفتقد الايقاع او النغمة الموسيقية والعاطفة .لذا يتوجب الحصول على الإبداع الحيوي الذي يمثل الخاصية المميزة للشاعر وتقاس امكاناته الشعرية بقدرها او بقدر ما يأتيه منها فهو يبدع أشياء جديدة معتمداً على فطنته الذاتية او فطرته وما عاناه او يعانيه خلال  ساعة النظم او الكتابة او يتفكر فيه .


        فالشعر معرفة انسانية تحمل معطيات الرؤية و الاحساس النابع من القلب وهذا الاحساس المعني هو المصدر الوحيد لمعرفة الاشياء في هذا العالم الذاتي, أي ان الشعر الذي ينبثق من الروح اللاعقلية و  اللاتصورية مضاد لكل تفسير منطقي .اي ان ما عناه الشاعر ربما يبقى مبهما عند الاخرين وبما يحقق المقولة المعروفة ( المعنى في قلب الشاعر) ومن هنا يتضح ان الشعر في الاتجاه الرمزي ربما يكون تعبيراً عن العلاقات التي تخلفها اللغة لو تركت لذاتها بين الحد العيني والتجرد المادي والمثالي وبين المجالات المختلفة للحواس. او بمعنى اخر أن الشعر هو الإيحاء لصور مثالية قد تتصاعد إلى الإعلى محلقة باجنحة شعرية منبثقة من روحية الشاعر وعاطفته المنبعثة من اعماقه وممتزجة بخوالجه المتدفقة منها و المشحونة بها والتي يخترعها في شعره والتي قد تتبخر في بعض الاحيان فينكص الشاعر عن قوله في تلك اللحظة او الفترة الزمنية ( فترة الالهام ) او نقول أن الشعر هو الخلق الجميل الوقع ، و يقصد فيه التبصر والسمو و التأمل في تجربة ذاتية لنقل الصورة الجميلة المعبرة عما يجيش في نزعات الشاعر وممتزجة بأقوى عناصر الجمال الشعري والشعوري الذي يتمثل في الموسيقى الكلامية المنبعثة من امكانية الشاعر في الايتاء بها او تقائها من خلال تمازج او تزاوج الحروف اللغوية مع بعضها بحيث تعطي نمطا او نسقا موسيقيا معينا ونغما رائعا تبعا لأمكانية الشاعر ومقدرته على الخلق والابداع وامكاناته في سبر اغواراللغة لأنها طريق السمو بالروح نحو مسارات عالية ذات نغمات تبثق من نفسية هذا الشاعر وعواطفه وامكانيته التعبيرية والتي هي السبيل للإيحاء وللتعبير عما يعجز التعبير عنه الاخرون .


       من هذا نفهم ان الشاعر يتميز بخاصية فنية ابداعية فطرية في اغلب الاحيان ربما تُشحذ بالاكتساب والتعامل مع النصوص والمطالعة او بالمران ويتحقق من ذلك انه – أي الشاعر – يمثل قمة الاحساس النفسي في ذاته بحيث تنثال شاعريته في اغلب الاحيان انثيالا فلا يتأتى ما ترد عليه لغيره من الذين يبقون ناكصين مهطعين مقنعي رؤوسهم ازاء ذلك بينما ينظر أصحاب الشعر الخالص او الشعراء الفحول ويسلمون الى أن جوهر الشعر هو حقيقة مستترة عميقة وايحائية لا سبيل إلى التعبير عنها بمدلول الكلمات بل بعناصر الشعر الخالصة، وهذه العناصر الخالصة غير مقصورة على جرس الكلمات وجماليتها ورنين قافيتها وتاثيرتها  وايقاع التعبير السامي وموسيقى الوزن وتغماتها – فهذه كلها قد لا تصل إلى المنطقة العميقة التي يتحدر منها الإلهام – بل تتعداها الى ارهاصات التفكير الاسنى وارتعاش القلب الوالع ونوازع النفس الشاعرة وانتشاء الروح المتلقية بما يحقق الامل المرجو منها . 


     بدأت بوادر النهضة الفنية في الشعر العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، حيث بدات  كشذرات خافتة لدى بعض الشعراء او ضئيلة الشأن وكأنها أصوات هامشية كما عند الشاعر ناصيف اليازجي وولده ابراهيم اليازجي وغيرهما ثم أخذ عودها يقوى ويشتد على ايد ي الشاعر محمود سامي البارودي وغيره من شعراء ذلك الزمن فجاءت مندفعة بجد نحو الرقي والاكتمال حتى اذا اكتملت خلال القرن العشرين فاضحت متبلورة في اتجاهات شعرية مختلفة في نهضة ادبية شعرية قد حددت مذاهب الشعر العربي الحديث و تفوقاته ورصدت اتجاهاته .

– راجع كتابي  شعراء النهضة العربية ) –  المجلد الثامن من موسوعتي (موسوعة شعراء العربية -


        مستفيدة من التراث العالمي وخاصة الفكر الاوربي آخذةً منه ما يوائم القيم والتقاليد العربية الأصيلة سائرة في سمتها الاصيل نحو الافضل ودائرة في محورها وبالوقت نفسه رافضة مفهوم القصيدة الشعرية كعملية تأليف أو تنظيم كنظم القواعد او نظريات علمية بل فتحت آفاقاً شعرية جديدة غير مسبوقة في تاريخ الشعر العربي مثل الشعر الحر    شعر التفعيلة   الذي رسم الشعر وفق اوزان معينة هي نصف بحور اوزان عمود الشعر ومنه  يقول الشاعر  بدر شاكرالسياب في قصيدته غريب على الخليج    :   


أتعلمين ..


أي حزن ٍ يبعث المطر..


 وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع .. 


طفلا بات يهذي قبل أن ينام 


بأن أمه التي أفاق منذ عام ٌ 


فلم يجدها ثم حين لج في السؤال .. 


له بعد غد ٍ تعود لابد أن تعود فتستفيق 


     ثم ولدت قصيدة النثر او ما يسمى بالسطر الشعري بالشعر الحديث او المعاصر والتي أثبتت في نهايات القرن العشرين وبدايات هذا القرن حضورا متميزا في الساحة الشعرية العربية على الرغم من شدة المعارضة  – من اصحاب عمود الشعر او الشعر التقليدي ( التقييدي ) ا و الذين شكّلوا دافعاً قويّاً لاستهداف التغيير والحط من قيمته ومكانته – غير عابهين بهم او غير مستمعين  – للتطور الزمني الرافض لهذه الحالة والسائر في مسيرة متقدمة نحو المستقبل بنزعاته وارهاصاته وفيه تقول الشاعرة المغربية فاطمة المنصوري  في قصيدتها (آهات قمر ):


 على جناح الطير  الشادي


 سافرت ....


الى الورد الجوري


 وكتائب البوح تنادي


من اعماق النيلوفر


خرجت حكاية


ترويها الحواري


 على  نغمات اليمام


وجرس الحمام


رعد في قلوب الجبناء


يغتال العنجهية


 على نغمات الاوتار


وحفيف الاشجار


        فالشعر الحديث صمد أمام تيارات الرفض هذه وبدأت هذه المعارضة الرافضة تضعف رويداً رويداً أمام رغبة الأغلبية في حتمية التغيير والتحديث وذلك لان الشعر عالمٌ يختلف كليا عن عالمنا المرئي فهو عالم ملئ بالسحر والجمال والطقوس والرمزية ( المعاصرة ) في بعض الاحيان بعيداً ومتجرداً تماماً من المادة 


. راجع كتابي –   الموجز في الشعر العربي   الجزء الرابع  

الرمزية في الشعر المعاصر صفحة\632 وما بعدها 


     اما الشعر الجيد فهو الكنز الثمين والوجه الحقيقي للواقع الإنساني ولطالما حلم الإنسان به منذ أقدم العصور بأ ن يكون شاعرا او يولد شاعرا . لذا استطيع ان اقول ان الشعر حالة روحية او نفسية تكتنفها العاطفة الحقة و تتأ رجح بين التأمل والالهام والحدس فالانسان الحديث ربما كانت له حالة مركبة من المشاعر الرومانسية والألم الواقعي والرموز السيريالية والقلق الوجودي فهو غير الانسان العربي القديم الذي كان هائما في الصحراء ينشد الكلآ والماء ويتغنى بما يجيش في نفسه من مشاعر واحا سيس في حدود امكانيته وظروف طبيعته فالإنسان العربي الحديث ربما تعتريه حالة او مجموعة حالات متناقضة بما تمليه عليه نفسيته والواقع المعاش في الوقت الحاضر وتناقضات المجتمع الانساني المختلفة المحيطة به .


       والشاعر الحقيقي هو هذا الذي يرخي عنان قصائده فتخرج عفوية حصيلة ثقافة انسانية عالية  ومشاعر مركبة ومعبرة عن طموحات نفسية الشاعر ومدى تأثيرها في الاخرين و ابداعات خلابة وطموحة . فالقصيدة الحالية تمثل كائنا حيا او هي أشبه بالكائن الحي حيث يمثل شكل القصيدة او بنيتها جسده . ومضمونها روحيته فهي تمثل الصدى الذي تنبلج منه اسرار روح الشاعر واراؤه ممتزجة بعواطفه واحاسيه .ومن المفيد ان ابين ان الشاعر الحديث المطبوع شاعر تتمثل فيه غزارة الثقافة في امتدادات عميقة وكأنه وارث الحضارات كلها ومطلع على ثقافات الامم المختلفة . 


         لذا اصبح متمكنا من استخدام مفردات اللغة لتصوير افكاره وارائه وعواطفه وخلجات نفسه دون تاثير من خارج او امر من احد و يرتكز على فلسفة عميقة غنية تحصنه عن القول الضحل الفاني او الركيك الى القول العميق والرصين فهو اذن يمثل فيضا هادرا وتلقائيا للمشاعر النفسية القويَّةِ المنبثقة من اعماقه يَأْخذُ بها مِنْ العاطفة المتأملة المتجددة المنطلقة نحو الافضل متألقة متناغمة تنشد الحياة والانتشاء فيها والحب للانسان المثالي ونحو الافضل في توليده للافكار والابداعات الشعرية الجميلة ومحـــاولة خلـــقها مـــن جــديد واختم بحثي  بقصيدة الشاعرة الفلسطينية المعاصرة    ا يمان مصاروة   وهي تغني لمدينتها المقدسة القدس قصيدتها (  تنهيدة  عشق   :


على أعتابِ حزنكِ قد مَضَينا

فُرادىً في المنافي نُستباحُ


أيا فجرَ الأماني  في  عيوني

أيا وجعاً يُناجيهِ الصباحُ


تَسيلُ  دماؤُنا  حِيناً  فتَروي

على أعتابِها جُرحاً يُباحُ


ألا يا قدسُ يَبكي الشعرُ مِنّي

دماً يُشفَى إذا حُمِلَ السلاحُ

.لاحظ كتابي  الشعر العربي  بين الحداثة والمعاصرة 

.

اميــــر  البيـــــــــــــا ن  العربي

فالح نصيف الكيــــــــــــــلاني

العراق - ديالى - بلــــــد روز

.

علَی شطِّ بحرِ الأسَى بقلم الشاعرة سعیدة باش طبجي☆تونس

 《علَی شطِّ بحرِ الأسَى》


تَرِفُّ القصائدُ في خَِافقي 

مِثْلَ أرجُوحَةٍ بالکَرَی ناعِسَةْ


كَنَجْمٍ ..تَسَلَّلُ أطرَافُهُ

لِتَنَامَ عَلَى أذْرُعِي اليَابِسَةْ


كَنَغْمةِ نَايٍ تُناغِي حَنينِي

وَ وَجْدِي...بِنُوتَتِها الهَامِسَةْ


كَنِسْمَاتِ فَجْرٍ تَفُوحُ و تَسْرِي

برَمْشِي...وعَیْنِي لهَا حَارِسَةْ


ولَكِنَّها تَسْتَبيحُ عَذابِي

وتَهْرَبُ مِنْ صُحبَتِي العَابِسَةْ


فهَذِي القصائدُ تَوْقٌ وشَوْقٌ

لِأُهْزُوجَةٍ مِنْ هَوًی...دَارِسَةْ


وطَیْفٌ..وحُلْمٌ..وبَوْحٌ.. ونَوْحٌ ..

وفَرْحٌ..وتَرْحٌ...رُٶًی یاٸِسَةْ


تَهِلُّ عَليَّ...تُهِیجُ حَنِینِي

وَتَحمِلُها مَوْجَةٌ فَارِسَةْ


تَحُطُّ عَلَى كَتِفي وذِرَاعِي

وَتَغمُرُني صَبْوَةً بائسَةْ


وَتَنْدَاحُ مَكْسُورَةً في الْتِيَاعٍ

ورَغْوتُها  للمَدَی طامِسَةْ


وأبقَى أنَا في صَقيعِ ضَياعي

عَلَى شَطِّ بَحرِ الأسَى جَالِسَةْ ☆


 《سعیدة باش طبجي☆تونس》

الثلاثاء، 25 يونيو 2024

بين أحضان الإله بقلم الشاعر رشيد بن حميدة-تونس

 بين أحضان الإله 

*********************

أكاد ألمحني

بين ثنايا الغيم

أدهس كثيرا من الأشواك

في دروبي.. 


وأمضي

لا أبالي بالمواء والنّباح

ولا الجراح

والنّدوب..


أكاد ألمحني

في ضياء الأفق

أمسك بتلابيب الحظّ

وأحضن الفجر السّعيد

إثر غيابه

والشّحوب..


أكاد ألمحني

خاشعا بين أحضان الإله 

يجبر بخاطري

يؤمّن روعاتي

ويمسح عن جفوني

أثر الأرق

والشّجون...

*********************

رشيد بن حميدة-تونس 

في25-6-2024




حين تقول غزة..كلمتها الجاسرة بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حين تقول غزة..كلمتها الجاسرة


-علمني وطني أنّ حروف التاريخ مزوّرة.. حين تكون بدون دماء.. "(مظفر النواب)


-

-إن الجرح الفلسطيني ما فتئ يتعمّق،وغزة  بالنيابة عنا جميعا،يخوض أبطالها معركة الصمود والبقاء،تحت زخات الرصاص ووسط حصار الدبابات والصواريخ،يحدوهم أمل وضّاء في تحقيق النّصر المبين..( الكاتب )


.. لأنّ إسرائيل متذرعة-بالسماء فقد احتلّت الأرض..ولأنّ حاخاماتها المهوسون يرفعون شعارات قتل العرب والإستيطان عملا-بأحكام الرب-حسب ز عمهم الذي اختار هؤلاء اليهود تنفيذا لمشيئته..! ولأنّنا كما قال المستوطنون النازيون الجدد نستحق القتل..وكما قال -كبيرهم الحاخام يوسف عوفاديا-أنّنا من جنس أقل،ففتوى قتلنا مشروعة من وجهة نظر دينهم،وتدنيس المقدسات الإسلامية،واستخدام آليات القتل والتدمير وإبادة الفلسطينيين ومحاولة الإستيلاء على الحرم القدسي بإعتباره وفي نظرهم-جبل الهيكل-أمر لا يستحق الإستنكار.. !

ومادام ذلك كذلك فلا حرج أن تقفز إسرائيل على قرارات الشرعية الدولية وتنتهك كل القوانين والإتفاقيات والتشريعات التي تكفل إحترام الفرد وتعزّز إنسانيته،وتذهب إلى أبشع مدى وتتجاسر على هتك المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس وتخترق السيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف..وتصعّد من عمليات القتل والترويع وهدم وإحراق المباني والممتلكات الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة والقدس..

إنّ الجرح الفلسطيني ما فتئ يتعمّق،وغزة بالنيابة عنا جميعا،يخوض أبطالها معركة الصمود والبقاء،تحت زخات الرصاص ووسط حصار الدبابات والصواريخ،يحدوهم أمل وضّاء في تحقيق النّصر المبين..

وفي عالم فقدنا الثقة في نزاهته وفي ظل التواطؤات العالمية في مختلف أشكالها المخزية، يزداد الصلف الإسرائيلي وتوغل حكومة"آكلة الموتى"بتل أبيب في القتل والترهيب،ويغدو تبعا لذلك"السلام المنشود"زبدا وطواحين ريح..

فالعقلية التلمودية-كما أسلفنا-لا تعترف بقرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين التاريخية بين اليهود والعرب الفلسطينيين بنسبة 50 في المائة !! ولا تكترث بقرار عودة اللاجئين ولا بموضوع وقف النشاط الإستيطاني..

وهذا يعني في مجمله أنّ-تحقيق السلام المزعوم-أمر يكاد أن يكون مستحيلا مع"شريك إسرائيلي"لا يلتزم بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام..

وإذن؟

بات لزاما إذا-على دعاة السلام-من الفلسطينيين و العرب على حد سواء أن يعوا بأنّ-الدعوة-للتفاوض المزعوم وتكريس قضية التطبيع بمختلف الأشكال المريبة،قد برهنت الأحداث الدامية في فلسطين على السقوط الفاضح لها وعرّت طريقها المسدود وكشفت زيفها وخداعها من أوسلو إلى شرم الشيخ،وما الصمود الباهر -لأبناء غزة-في حرب الإبادة التي يشنها الإحتلال الغاشم على-القطاع-ومتساكينيه،إلا دليل قاطع على إفلاس المفاوضات العربية-الإسرائيلية،وعلى هشاشة التطبيع مع كيان غريب يستمدّ قوّته من ضعفنا ومن دماء الأبرياء..

ولذا فقد قالت-غزة-كلمتها الجاسرة،وانتصرت لقضيتها العادلة ورفعت-اللاءات-التي تخترق سجوف الصمت العربي وكذا الصلف الإسرائيلي وبرهنت للعالم أنّ فلسطين جرح غائر في الوجدان العربي لا تبريه المفاوضات العبثية وأنّ "الحكمة" التي طالبت أمريكا-الجانبين-أن يتسما بها استحالت جنونا،بما يؤكّد أنّ هذه الأمة الغائرة جذورها في التاريخ لن ترض بأي حلول أو اتفاقات تقفز على دماء الشهداء وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وما على العالم إلا أن يعي أنّه من المستحيل التفريط في-تلك الدّماء الزكية-مهما سعى الآخرون وهم في طريقهم المسدود إلى تحويلها إلى حبر زائف تكتب به بيانات التنديد أو الإتفاقات المشبوهة..


 

محمد المحسن




لا شيء في نشوة الشوق..يثبت أنّي أحبّك..غير الكتابة.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 لا شيء في نشوة الشوق..يثبت أنّي أحبّك..غير الكتابة..


الإهداء:إلى تلك التي مازالت تتجوّل في خراب يسكنني..ووحدها تراه..


-أعدّي لِيَ الأرضَ كي أستريحَ..فإني أحُّبّك حتى التَعَبْ (محمود درويش)


..في الأفق البعيد..

                يلوح ضوء باهر

يسربله السّحر

               ذاك الأفق البهيّ

متشحا بباقات من الحسن

هوذا الحسن..

يتوهّج في سحر عينيك

وإنّي لأقرأ هذا المدى العندميّ

                    على شفتيك..

***

يا إمرأة

إنّ فيك لسحر السّماء

          وجوع الحياة

وكون من التيه

       والبوح والموج

والرغبات..

ياسيدة اليمّ

امنحي كلامي لغات السّفن

   امنحي قلبي لغة سافرة..

***

يا سيدة اللّون

أنيري ضوء الكون المعتّم في أجوائي

                 علّني أفتح بؤبؤ الرّيح

وأستوطن الذاكرة

***

يا سيدة البحر

“أسندت روحي على وهج العشق فيك”

أستنجد الوجد..

أحتسي لغة الكوثر في كأس الهديل..

خذيني بقربك..“كي أقرأ روح العواصف”

حين يعانق النورس زرقة اليمّ

          ويسرج القلب أفلاكه..

للرحيل..

***

يا سيدة البحار..

على جدائلك بروق البحر والملح..

             وفي سماوات عينيك

ذاك الفضاء البدائيّ

  أراه متشحا بالغيم

والصّمت

والنّور

والنّار..

وأنا..

أغذّ الخطى بين جرح

وجرح

   وأقتفي أثرا للمرايا

لكنّ الدرب إليكِ..

غدا دروبا لا تؤدي إليكِ..

كنت أرى وجهكِ..

         في المنام

أراه على صفحات البحار..

         وكنت أقول: غـدا..

أقول غدا ربّما قد أراها..

         إن قدّر اللّه حسن النوايا..

لكنّ السنين تعدو

                والأمنيات تمضي

وكل الرغبات تنأى..

             والقوافل أسقطتتني

في منعطف للثنايا..

***

يا سيدة الكون واللّون

            ها أنذا على مرمى..

نبضتين من القلب..

         أتصفّح دفتر عمري..

أكفكف غيمي

        أسرج وجدي..

 إلى جهة في المحال..

وأسري إليك..

لكأنّي في غمرات البنفسج..

أولد الآن..

ولا شيء في نشوة الشوق ..

يثبت أنّي أحبّك..

   غير الكتابة..

ذبل الزّهر ولم يجيء الربيع..

رحل طائر البرق..

       ولم ينهمر الغيم..

مثلما وعدتني الرؤى..

   كما وعدتني رؤايَ

ترى..؟

هل أظلّ أحبّك إلى آخر العمر..؟

وهل..؟

وتظلّ في تضاعيف الرّوح

              محرقة للسؤال..


محمد المحسن


*ازدحمت أسماء النساء في ذاكرة خرّبتها الأزمنة المفروشة بالرحيل..ولذا،أهدي هذه الكلمات المتخمة بالمواجع إلى واحدة فقط ظلت تسكنني عنوة في زمن الجدب..وظللت أهفو إلى عطرها كطير غريب حطّ على غير سربه.



أمسية أدبية فكرية بالمقهى الثقافي البوزار باب بلد قليبية الأحد 23 جوان 2024 للاحتفاء بالمجموعة القصصية (محرقة السوس.. أغاني الحياة2) لمؤلفها الأستاذ عبد القادر بن عثمان

 أمسية أدبية فكرية بالمقهى الثقافي البوزار باب بلد قليبية  الأحد 23 جوان 2024 للاحتفاء بالمجموعة القصصية (محرقة السوس..  أغاني الحياة2) لمؤلفها الأستاذ عبد القادر بن عثمان 

قدمها للحضور الأستاذ الباحث قيس المرابط.


متابعة وتوثيق فوتوغرافي الأستاد فاروق بن حورية مراسل الوجدان الثقافية ومجلة حورية الأدب








نظّمت مساء أمس السّبت 22 جوان 2024 المكتبة العموميّة بحمّام الأغزاز لقاء أدبيّا للإحتفاء بالإصدار الجديد "كيف تتأسّس المدن؟ في تأسيس مدينة حمّام الأغزاز" للأستاذ مزار بن حسن.

  نظّمت مساء أمس السّبت 22 جوان 2024 المكتبة العموميّة بحمّام الأغزاز لقاء أدبيّا للإحتفاء بالإصدار الجديد "كيف تتأسّس المدن؟ في تأسيس مدينة حمّام الأغزاز" للأستاذ مزار بن حسن.

 قدّم الكتاب للحضور الأستاذ محمّد بن امحمّد بن حسين في قراءة ماتعة شدّت الجمهور الحاضر من أدباء وشعراء ورجال تعليم ومثقّفينن، فكانت أمسية رائعة على كلّ المستويات.

تصوير وتوثيق مراسل مؤسّسة الوجدان الثّقافيّة ومجلّة حوريّة الأدب الاستاذ فاروق بن حوريّة










مهرجان الساف بالهوارية أيام 23/22/21 جوان 2024 في دورته الخامسة والخمسين

 مهرجان الساف بالهوارية أيام 23/22/21 جوان 2024

في دورته الخامسة والخمسين 

تدشين وزيارة المعرض التشكيلي والفوتوغرافي التونسي الجزائري بنادي البيازرة 

متابعة لمسابقة بيازرة حمام الأغزاز وقليبية بالساف والصقر

رغم الرياح فقد تمت المسابقة في جو بهيج وحضور جماهيري محترم. 


تصوير وتوثيق الفوتوغرافي الأستاد فاروق بن حورية مراسل الوجدان الثقافية ومجلة حورية الأدب














...تَعَارُفٌ . (من غزَل الشّباب، أيّام الدّراسة ).. بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف (تونس)

 ...تَعَارُفٌ . (من غزَل الشّباب، أيّام الدّراسة )..

عُـلِّـقْـتُـهَا، بَـعْدَ التَّعَـارُفِ صَادِقًا

وذَكَـرْتُـهَا، قَـبْلَ الشَّـهَـادَة تُـذْكَرُ

وجَـعَلْـتُـهَا خِلِّي الوَحِــيدَ ومُلْهِـمِي

أَشْدُو عَلَى ذِكْرِ اسْـمِــهَا وأُكَـرِّرُ

ونَسَجْتُ أَطْرَافَ النِّخَابِ كِسَاءَهَا

وطَـرَحْتُ آمَــالِـي، بِـهَـا تَـتَــدَثَّـرُ

وعَـصَـرْتُ مَاءَ الـمُهْجَتَيْنِ شَرَابَـهَا

وجَعَلْتُ مَخْزُونَ الحُشَاشَةِ يُفْطَرُ

وسَهرْتُ فِيهَا اللَّيْلَ، أَرْقُبُ نَجْمَهُ

وأُسَائِـلُ الأَطْـيَافَ، إذْ تَتَصَوَّرُ

وأُفَسِّرُ الغَمَزَاتِ فِي الأُفُقِ البَعِيـ

... دِ لَعَلَّـهَا تُـبْدِي الغَرَامَ، فتُخْبِرُ

ونَزَعْتُ مِنْ أَلَـقِ النُّجُومِ مَقَاطِعًا

بِالنُّورِ يَسْطَـعُ ضَـرْبُـهَا الـمُتَكَرِّرُ

وجَنَيْتُ مِنْ عَـرْشِ الثُّريَّا نَفْحَةً

لِأُرَصِّعَ الأَبْيَاتَ، قَـبْـلُ، وأُشْهِـرُ

وحَمَلْتُ هَذَا الكَنْزَ مِنْ دُنْيَا الضِّيَا

فِي صَفْحَةٍ، تُسْنِي القُلُوبَ، وتُبْهِرُ

وبِـطَـيِّـهِ لَـمَـعَتْ حُرُوفٌ خَـمْسَةٌ

رَسَمـَت أُسَيْمًا، لَفْظَهُ لَا أَذْكُــرُ...

أَهْـدَيْـتُـهَا أَغْـلَى شُعُـورِي، إنَّـنِـي

فِي الحُبِّ، أُرْفِدُ مَنْ أُحِبُّ، فَأُكْثِرُ.

حمدان حمّودة الوصيّف (تونس)

"خواطر" ديوان الجدّ والهزل



"وَحْدِي أُعانِي سُهادَ الليلِ" بقلم الشاعر محمود بشير

 ذِكْرَىٰ رفيقةِ  دربِي "نَجِيَّة درويش" التي وافاها الأجلُ في27 نيسان 2024 ستبقىٰ حيَّةً ما حييتُ.


"وَحْدِي أُعانِي سُهادَ الليلِ"


وحْدِي أُعانِي سُهادَ الليلِ مصطَبِرَا

      فالخِلُّ غادرَقبلَ الأمسِ ماانْتَظَرَا


أجَلٌ يُقَدَّرُ والقَهَّارُ يُلْزِمُهُ

    ذاكَ الملاكَ الذي في ذاتِهِ استَتَرا


فَجْراً أفَقْتُ وإذْبالخَطْبِ يدْهَمُنِي

    وقْعُ المُصيبَةِ هدَّ القلبَ فانْفَطَرَا


مصيبَتِي كان ذاكَ الفجرُ شاهِدُهَا

مامن مُغيثٍ يُعِيقُ الموتَ إن حضَرَا


ضاقَتْ عَلَيَّ وقد أُغْرِقْتُ في حَزَنِي

        ناجَىٰ"نَجِيَّةَ"وجْدِي زادَ ما فَتَرَا


لملمْتُ نفْسِي إلىٰ الرّحمٰنِ أُوكِلُهَا

          عَلِّي ألاقِي رفيقَ العُمْرِ مُنْتَظِرَا


يا بُؤْسَ قلبِي إذا ما مسَّنِي ضَرَرٌ

         مَنْ ذَا سيَدْرَأُ عنِّي ذلِكَ الضَّرَرَا


كانتْ رِدائِي هيَ الدِّفْءُالمُدَفِّئُنِي

    كانتْ غِطائِي تَقِينِي البَرْدَ والمَطَرَا


بَقِيتُ وحدِي ولا خِلُّ ألوذُ بهِ

           ماذا تَبَقَّىٰ لِشَيْخٍ ينْطُرُ القَدَرَا


بابُ الصَّفاءِ إذا أقدَمْتُ أقصِدُهُ

  ألْقَىٰ مزيداً من الحسْراتِ قد ظَهَرَا


ربّاهُ هبْنِي إذا أوْفَيْتُ مَنْزِلَةً

             تُعْلِي كِليْنَا ولا تُلْقِي بِنَا هَدَرَا



محمود بشير

2024/6/25



الاثنين، 24 يونيو 2024

المُتحدّي بقلم الشاعر كمال العرفاوي

 *المُتحدّي*

قال الفَتَى الغزّاويُّ النّحيف

صاحبُ العقلِ الرّاجحِ الحَصيف

بلسانٍ عربيٍّ فصيح

وبلهجة المُتحدّي الصّريح

مُتوجِّها بالخطاب لأمّه وأبيه

وأهله وذَويه

وفَصِيلته الّتي تُؤوِيه

ولِعَدُوِّه الّذي يُؤذِيه

  وِجميعِ مُعاوِنِيه

لن نَخضَعَ أبدًا للتّرهيب والتّخويف

لن نَخضَعَ مُطلَقّا للتّقتيل والتّعنيف

لن نركعَ وإن قُطِعَ عنّا الماءُ والكهرباء

ومُنِعَ عنّا الدّواءُ والغذاء

لن نستسلِمَ وإن حُرِمْنا طَعمَ الرّغيف

وفَقَدنا العيشَ في مُحيطٍ نظيف

وأصبحنا نَنام في العراء

ونلتحِف بِوجهِ السّماء

ونتوسّد الصَّخرَ على الرّصيف

وَسط الظّلامِ الحالِكِ المُخيف

فقالت أُمُّ الفَتَى

مُسانِدةً لِابنِها الفَصِيح

وهي تُزَمجِرُ في غَضَبٍ تَصِيح

لن نضعُفَ من وطأة الشّقاء

سنصبر على الابتِلاء

سنتحمّل الضُّرَّ والأذى

وشتّى أنواعِ البَلاء

وقِلّةَ المَؤُونةِ والغلاء

ثُمَّ أضاف أبو الفتى

في إصرارٍ وتَحَدٍّ ودَهاء

لن نستسلم أبدا للعَناء

سندفع دِماءنا تضحيةً وفداء

لفلسطين الحبيبةِ

أرضِ المُرسَلين والانبياء

وبَوَّابةِ الأرضِ إلى السّماء

سنَذُودُ عن قُبّةِ الصّخرةِ

والمسجدِ الأقصى

وساحةِ الإسراء

سنحمي القُدسَ الشّريف

بقُوّةِ كلِّ صِندِيدٍ عَفيف

حتّى نحرّرها من العدوّ العنيف

ومن إجرامه وإرهابه المُخيف

كي ننعمَ بهواء الحُرّية النّظيف

وبالأمنِ والسّلامِ في قُدسِنا الشّريف

كمال العرفاوي في 23 / 06 / 2024



إِلَــــــهِـــــــــــــــــي بقلم الأديب عَبْدُ الْمَجِيدِ زيْنُ الْعَابِدِينَ

 إِلَــــــهِـــــــــــــــــي


إِلَهِي أَنْتَ يـَـــــــــــا رَبِّي **شكوتُ أَخِي إِلَيْكَ أَنَا

أَخِي بِالْأَمْسِ نَحْضُنُهُ **وَهَا هُــــــــــوَ ذَا يُقَاتِلُنَا

أَخِي بِالْأَمْسِ نَحْمِيــهِ **وَصَارَ الْيَوْمَ يُفْنِينَـــــــا

أَخِي بِالْأَمْسِ عَايَشَنَا **وَصَارَ الْيَوْمَ يُغْرِقُنَـــــــا

بِأَسْلِحَةٍ مُكَدَّسَةٍ **يُسَخِّرُهَــــا لِغَزَّتِنـَـــــــــــــا

فَيُدْمِينَا بِلَا سَبَبٍ**سِــــــوَى عِشْقٍ لِمَوْطِنِنَا

**********

سَأَلْتُكَ أَنْ تُزَعْزِعَهُ **كَمَا قَدْ كَانَ زَعْزَعَنَا

وَأَنَّكَ أَنْتَ تُسْكِتُهُ **لِأَنَّهُ كَانَ أَسْكَتَـنَـــــــــا

وَتُنْهِي أَنْتَ جَرَائِمَهُ **فَقَدْ فَاقَتْ تَصَوُّرُنَا

فَلَمْ يَرْدَعْهُ إِحْسَاسٌ **بِأَنَّهُ يَظْلِمُ عُزَّلَنَــــا

بِقَتْلٍ أَوْ بِتَهْجِيرٍ **لِأمْكِنَةٍ لِيُهْلِـــــــــكَنَــــا

عَبْدُ الْمَجِيدِ زيْنُ الْعَابِدِينَ

الأحد 12/04/2024


يا أيها الوطن السجين بصمتنا بقلم الشاعرة د.زهيرة بن عيشاوية

 يا أيها الوطن السجين بصمتنا 

فك القيود وحطم الأغلالا 


لا تبك من خان العهود ومن جفا 

لا تلتفت لا تندب الأطلالا 


لا تسمع الصوت الجبان ولا ترى 

أطياف قوم باركوا الإذلالا 


يا أيها الوطن الجريح بقلبنا 

اضغط على الجرح الذي قد طالا 


لا تنتظر منهم طبيبا مسعفا 

مهما النزيف من السواعد سالا 


لا تنتظر من ذلهم عزا ولا 

من طول صمت شفاههم أفعالا


لا تأمل النصر البعيد بسيفهم 

لا تنتظر خلف السيوف نبالا 


يا أيها الوطن القتيل بجرمنا 

رغم الحصار صمدت خضت قتالا


وطن وحيد فالعروبة أُجهضت 

وطن وحيد أنجب الأبطالا 


قد دست وجه الذل ملء جباهنا 

ولففت حول الظالمين  حبالا 


ودفنت طين الخوف تحت رقابنا

ووضعت فوق المثقلين جبالا 


ومنحت فوق دماء شعبك سجدة 

وحمدت رب العالمين تعالى 


يا أيها الوطن القتيل بصمتنا 

صرخات جرحك أيقظت زلزالا 


لكنما الأعراب ذلا أُشرِبوا 

سُلِبوا الصواب و أُلبِسوا التمثالا


زهيرة بن عيشاوية 

                           Zouhaira Ben Aichaouia



الأحد، 23 يونيو 2024

إكْسِيرُ عُشَّاق بقلم الشاعرة سعيدة باش طبجي☆ تونس》

 إكْسِيرُ عُشَّاق


قَذًی بِعَیْنِي و عُوَّارٌ باؔمَاقِي

مُذْ خانَ عهْدُکَ غَدرًا عَهْديَ البَاقِي


مُذْ عَرّّشَ الدّمعُ في رَمْشي وأنْسِجَتي

وعاثَ ليْلُ القذَى في فَجْرِ أحدَاقِي


وعَشَّشَ العُقْمُ في نَبْضِي وقافیتِي

وجَفَّ فَوْقَ یَراعِي حِبْرُ أشواقِي


واسْتَوْطَنَ العَتْمُ في دَمّي وأوْرِدَتي

وفِي بِلادِي تَهاوَی الکأسُ وَالسَّاقي


وفَوْقَ عَرشِ القَوافِي اسْتأسَدَتْ قِطَطٌ

ومَربَعُ الضّادِ أضحَى جَدبَ أعذَاقِ

☆☆

فاسْكُبْ أيَا قلَمِي بَوْح الجَوى نَزِفًا

ولا تَذَرْ دَمعَتي تَثْوِي بأعمَاقِي


فالرَّأسُ مِنّي كَسَاهُ الشّيْبُ مِنْ وَهَنِي

َلكِنَّ حَرفي سيَغْدُو نَبْعَ أشواقِ


لاضَيْرَ مِن ثَلْجِ أسْقامٍ يُكَلِّلُنا

مادَامَ في نَبْضِنا أكْسِيرُ عُشّاقِ☆


 《سعيدة باش طبجي☆ تونس》

بلاد الحرمان بقلم/عثمان زكريا(رسول الإنسانية)

 بلاد الحرمان


بقلم/عثمان زكريا(رسول الإنسانية)


_ليبيا


أنا الشاعر

هنا في بلاد الحرمان 

أريد أن أقلد السلاطين

في كتابة الشعر

في الانخطاف 

وتدوير التاريخ

استيقظت قصيدة اللاوعي

تنبض على أصابعي

على هامش المدينة المكتوبة

بأقلام السلاطين

ولا أحد يحفظ إلا الهامش

هذا العالم ليس أكثر من حاوية 

هذه الحرب يا سيدتي

ترتدي جلدنا

كل أمراض المناعة الذاتية 

تكسوه بالطفح المشوه

يرتفع في جسد المدينة 

من سوء التغذية 

في حروبات تدور رحاها

بين تاجر الدم

وحطاب الحرب 

تجر مدينة كبيرة ظهرها مقوس 

على طريق الإعراب السياسي

ككلاب حراسة

إلى المجلة

كمجلة الطريق بلا قراء.




قصيدة بعنوان // لي مكان في اللأشىء بقلم الشاعر // محمد الليثي محمد

 قصيدة بعنوان //        لي مكان  في اللأشىء

ليس لي مكان في المكان

ضعوني علي ظهر فراشة 

( فأنا مشتاق وعندي لوعتا )

لن أؤذى ظلي المركون بجانبي

ولن أسيء إلي نفسي

كل ما أريده هو البكاء

علي قمة التل

لأضع دمعي علي حرف الطريق

لعلي أبلغ المنتهي

يا حزني الطويل كأشجار الكلام

لا تضع يومي في قبري

سأهتدي إليه بضوء سيارة

كما يهتدي الوليد إلي ثدي أمه

فعندما ترفع الرايات

وتقرع الطبول 

أسحب مسدسي

كالفارس المهزوم .. أغني

لتقص حكايتي أيها الغريب

 عن الأحباب

ثم الصراخ في آخر الليل 

فيسمع صوتي من في البيت

ومن في الطريق

ومن في العالم


ثم أسحب نفسك من نفسك

كحذاء قديم خلف الباب

أتحسب أرصفة الشتاء

كالكمسري النائم 

وتذاكرني في يده

سأدفن وجهي في لحم  ظلي

فحزني يبعثره عمال النظافة

في حارات انتحاري

هل أتبعك ؟

لقد حاولت صعود السفينة 

والهبوط من عربات الحضارة

لم أجد كياني 

لن أغفر لذاتي أبدا

كلامي عن الحنان

سأعود إلى قريتي

 ولو حبوا

لأنثر حولي رفرفة الحمام

وأرتمي علي عشب أمي

لي مكان في الحياة 

لم أجده بعد 

لكنه موجود في أملي 

كجندي مهزوم 

 يطالب بالانتصار

سأعبر كل أبواب البحر 

ونوافذ الماء 

محلقا كعصفور

يطير فوق سنوات العمر

كنت أتسكع في العتبات

كعجوز يهوي الحديث 

عن الذكريات البعيدة

مترددا في استقبال الموت 

أعطني حبة شعير

وحبة فول

وبقايا أيام

سوف أصنع عمري

سأحب صوتيا 

حين أغني ، أغنية  الفرح

سأحب حضنيا

حين أحضن نفسي 

سأحب ضوء قنديلي

حين يهديني للنهر

في قلب الطريق

في  الطريق ؟ 

           *************************

بقلم الشاعر // محمد الليثي محمد


قراءة نقدية في رواية ابن العاقر للكاتبة زهرة الحواشي تقديم : د. كمال الساكري

 أخيرا وبعد طول هجر للنقد الروائي عزمت على تجديد العهد مع الرواية وكانت رواية ابن العاقر لزهرة حواشي هي البداية. وقد قدمت هذه الورقة النقدية في معرض تونس الدولي للكتاب في أفريل ثم أرسلتها إلى مجلة الحياة الثقافية التي تكرمت بنشرها في عدد 345 مارس2024 والذي صدر منذ يومين....شكرا على القراءة والصدى


قراءة نقدية في رواية ابن العاقر للكاتبة زهرة الحواشي

                                                      تقديم : د. كمال الساكري

" إن الكتابة لم تعد كتابة مغامرة وإنما صارت مغامرة كتابية"

               جان ريكاردو(1932-2016) :منظر الرواية الجديدة)

            يبدو لي أن أفضل مدخل لمقاربة رواية الاديبة والكاتبة والشاعرة باللغتين والترجمان زهرة حواشي  هي زاوية الخطاب في روايتها ابن العاقر. كيف حكت لنا قصة هذه العاقر؟ هل كانت مجرد سارد يروي مغامرة بإمكان أي إنسان أن يرويها ولا تميز إلا للمغامرة  أم أن الأديبة واعية بمغامرة الكتابة الروائية وما تقتضيه من إبداع يستلزم الإلمام بشرائط الحكي من خلال مسرحة الاحداث وعرضها لا قولها وسردها.

أولا : التقديم المادي والمعنوي

1 : التقديم المادي

ابن العاقر رواية للكاتبة زهرة الحواشي. تقع في مائة وتسع وثلاثين صفحة. الطبعة الأولى بمطبعة الثقافية المنستير/ تونس. 

2 : التقديم المعنوي

أ- منطق الرواية 

 جمعت ابن العاقر بين اسم الرواية وخصائصها من حيث موضوع عقر امرأة اسمها ربح وولادتها بعد تزوجها ثانية وما اكتنف مغامرة ربح الاجتماعية والوجودية حتى حبلت وولدت من جهة وشكل المسرحية وفصولها وهي بعدد خمسة هنا وعروضها من جهة أخرى.

إن العقرمشكلة اجتماعية صحية نفسية يمكن أن تكون رمزا للجفاف والجدب والمحل وكيف يمكن التغلب عليها بالصبر والحب والتسامح ذلك أن العقر ليس هو العقم... 

ب- الشخصيات وعلاقة بعضها ببعض

تزدحم الرواية بالشخصيات ويمكن تقسيمها حسب وظائفها حسب نماذج فلاديمير بروب والتي اختصرها غريماس (الجيرداس) في ثلاث علاقات الرغبة بين الذات والموضوع والتواصل بين المرسل والمرسل إليه والصراع بين المساعد والمعارض.

*الرغبة : رغبة ربح بنت الضاوي في الإنجاب من ابن عمها زوجها وحبيبها  لكن تلك الرغبة  منيت بالفشل. فكان تطليق زوجها لها. ثم تعلق ربح بالإنجاب دفعها إلى المغامرة بزواج ثان وتربية ربيب لها رضيع أحبته حبا جما وتمنت الحمل فكان لها ما أرادت.

* الصراع : لربح أحباء كثيرون أبوها الضاوي وأمها فاطمة وأخواتها زمردة وتبر وابن عمها زوجها الأول وعلي بلخمري زوجها الثاني والناجي ربيبها من أمينة زوج بلخمري الثانية وعمر ابن بلخمري من زوجته الأولى...ولربح باعتبارها الشخصية المحورية أعداء قليلون جدا أولهما العقر وثانيهما زوجة عمها أم طليقها التي يبدو أن لها يدا في عدم إنجاب ربح. ولم يكن الصراع قويا ولا متجسدا بل كان صراعا خفيا يدور في النفوس والأذهان أكثر منه متبلورا في الواقع والعيان.

* التواصل حوار بين ربح وأبيها وأمها وأخواتها ثم زوجها علي بلخمري وهو حوار تفاهم وتعاون وإمتاع ومؤانسة. فكثيرا ما كان الضاوي يغني لربح وكثيرا ما كانت ربح تغني للناجي وكثيرا ما غنت ربح في الأعراس وأمتعت وشتفت..

لكن الحوار يكاد يختفي بين ربح وحماتها زوجة عمها وبينها وبين ربح وطليقها حتى أن أسماءهما لم يذكرا فكان التواصل تسمية للشخوص وتكنية للوجود واستمتاعا بالحياة من ناحية وكان عدم التواصل ذكرا لبعض السمات أو الصفات وسكوتا عن الكلام المباح وإعداما لذكر ذوات من ناحية أخرى.

تبدو القصة المغامرة قصة عادية لا أهمية كبرى لها فليس فيها مخاطرات ولا أخطار ولا غرائب تشيب لها الولدان ولا عجائب تسحر الوجدان بل حكاية تكاد تكون عادية هذه الأيام ولكن ما الذي قد يجعلها رواية إبداعية ذات خصال وشأن؟

ثانيا : الخطاب الروائي

ونعني به الطريقة التي بواسطتها يجعلنا الراوي او الراوية نتعرف على أحداث القصة المغامرة.

وينقسم إلى مستويين المستوى التركيبي النحوي والمستوى الدلالي.

I. المستوى التركيبي النحوي

ويتكون من الزمن أي علاقة زمن القصة بزمن الخطاب وعلاقته ببناء النص ثم صيغ الخطاب أو السرد وتتحدث عن العلاقات بين الخطابات وكيفية اشتغالها( خطاب مسرود –معروض – منقول) وأخيرا الرؤية السردية أو التبئير أي الراوي وعلاقته بالسردي بوجه عام.

انبنى عنوان الرواية على المفارقة. فمن جهة ربح عاقر لما تنجب ومن جهة أخرى ابنها الناجي ربيبها الذي اتخذته ابنا ثم ابناها اللذان أنجبتهما من صلبها أي غير عاقر. فالقانون الذي يحكم هذه الرواية مبدئيا المفارقة والتباين وعدم الاتفاق أي الاختلاف. فهل ينطبق هذا القانون على بقية جسم الرواية؟ وما قيمته الفنية في تحقيق روائية الرواية وأدبيتها؟

1- الزمن :

 لا توجد مطابقة بين الزمن التاريخي والزمن الروائي. فالرواية تنطلق أحداثها من فترة ما بعد طلاق ربح من ابن عمها وهي خمسينية . "ربح بنت الضاوي امرأة قمحية البشرة ...تلك الفتاة القادحة نشاطا ...تزوجت وكان عمرها ثلاثة وعشرين سنة من ابن عمها وعاشت معه ما يزيد عن عشر سنين  ولسوء حظها لم ينجبا..." (زهرة الحواشي، ابن العاقر(رواية) ، ط 1، مطبعة الثقافية بالمنستير، 2023، ص 7). ونضيف مدة الطلاق حوالي07 سنوات لتصبح مع انطلاق القصة خمسينية. بينما التسلسل التاريخي يفرض البداية من الولادة ثم النشأة والطفولة والشباب ثم الزواج والطلاق بسبب العقر ثم الزواج والإنجاب وخاتمة القصة.

لذلك اعتمدت الساردة التضمين والتسلسل والتناوب.

*التضمين : القصة الأم مغامرة ربح بنت الضاوي. تنطلق الرواية من حدث توقف ربح عند حالها وقد شارفت الخمسين وبدأت تيأس من الزواج والإنجاب فتتذكر صباها السعيد مع والديها ومعاناتها في زواجها الأول وطلاقها ومرارة عيشها اليوم تذكر الراوية :" بقيت ربح مع والديها واستمر بها كابوسها وقتا طويلا ثم تتكلم ربح " علاش مخاليق ربي الكل تولد من البقرة للنعجة للدجاجة للكلبة...لا نفعت معاي قوابل لا عزامة...توة أيست وبرد قلبي على الصغار" (زهرة الحواشي، ابن العاقر، ص 12).

*التسلسل : تندفع الأحداث أحيانا متتابعة في الزمن متسلسلة تسلسل التاريخ. تنطلق الأحداث إلى الأمام متسلسلة منذ إخبار زمردة أختها ربح بوفاة أمينة زوجة علي بلخمري وحثها على قبوله زوجا إن تقدم لها لتبدأ قصة الزواج بين الرفض فالتمنع فالقبول مرضعة لابنه فزوجة فمنجبة. وطبعا تتخلل هذه القصة الاجتماعية فالعاطفية فالغرامية تضمينات لأحداث وتناوب لها.

* التناوب : تسرد الرواية سفر علي بلخمري وزوجته ربح وربيبها الناجي وأبيها الضاوي إلى العاصمة قصد متابعة العناية بربح في حملها بعد عقر مديد فتصف الطريق من السرس إلى تونس مرورا بالروحية ومكثر وسليانة وجبل برقو زمن الاستقلال في بداياته فينقطع وصف الطريق لينفتح القص على زمن الاستعمار حين يتذكر الضاوي سفراته إلى الفحص في شبابه ليتاجر مع رفاق له في بيع الدجاج " الداندان" للفرنسيين. يقول السارد :" كانت السكك الحديدية تحاذي طريقهم فتذكر الضاوي كيف كان يمر بتلك الربوع ...ثم يقول الضاوي : الثنية حتى للفحص مشيتها ميات المرات قبل الاستقلال...كنت نا وجماعة صحابي ..نربو الدندان ونهبطوه في أقفاص ...ونقصدو ربي للفحص . كانوا فيها الفرنسيس والمعمرين يحبوا لحم الدندان ياسر" ( ابن العاقر، ص ص 122 و123).

إن توفر هذه الأنواع الثلاثة من الأزمنة شائع في الرواية ولكن فضل بعضها على البعض بتخير الأزمنة في الخطاب بعيدا عن تسلسلها في الخبر وهو ما يعرف بتقنية التخطيب من جهة و بإتقان تنويع الأزمنة وإدماجها في المتن الحكائي فترد سلسة منسجمة لا تصنع فيها ولا إسقاط من جهة أخرى. وهنا نجحت الكاتبة في حسن تضمين الأحداث من خلال مركزتها في شخصية محورية هي ربح. واكتفت ربح بسرد ما تعيشه وتجاوزت التعاقب التاريخي غير الإبداعي في الرواية باستخدام التذكر والاسترجاع فتتحدث عن طفولتها المرحة وشبابها المنكسر وكهولتها المضطربة. ثم تتخلص من ربقة الماضي والحنين لتمني النفس بانبثاق صباح جديد عبر الحلم والمنام استباقا للحاضر المحبط. فتكسر سلاسل الحاضر وأغلال الماضي القريب منذ خيبة الزواج والعقر لتتطلع إلى المستقبل عبر الرؤيا. لطالما كانت تحلم وخاصة بالظفر بحصاة لؤلؤة في نهر. وكبر هذا الحلم لما انتقلت إلى منزل علي بلخمري لترضع له ابنه يتيم الأم. وتكرر ذلك الحلم ليلة أرضعت الناجي " ثم فتحت يدها وبقيت تتأمل الحصاة وتمسحها ...فيزداد بريقها حتى صارت لؤلؤة ..واستفاق بها الحلم على صياح الديكة فأخذت تبحث عن لؤلؤتها في صدرها لتجد الرضيع في حضنها ..." ( ابن العاقر، ص 48).

ولا يخفى هنا حبكة الراوية وحنكتها ومهارة الصنعة في التصريح والتلميح بين الحصاة التي تحولت لؤلؤة في المنام ولما أفاقت وجدت لؤلؤتها في حضنها. أي أن الحلم بدأ يقدم بشائره ولو عن طريق الرمز وعبور الحلم.

إن ارتباط كافة أحداث الرواية بربح وانبثاق كافة الأحداث من ربح وأهلها وعالمها يشد معمار الرواية إلى هيكل صلب ومنبع ثر وصانع ماهر في الحكاية والغناء وتقدم الأحداث وتناوبها كما تشد خيوط إلى النول وتتعرج وتتفرع وترتفع محكمة الصنع في يد امرأة صناع تذكرنا بإحكام السرد لدى شهرزاد سيدة الحكي وأميرة البيان.وهنا مظهر كبير من مظاهر الأدبية ربحت الكاتبة رهانه.

فكيف جاءت صيغ السرد ؟

2- صيغ السرد   

وفيها نتعرف الطريقة التي بها يقدم الراوي القصة أو يعرضها. وتنقسم عامة إلى السرد المحكي telling)  ) والعرض (showing) والنقل (Reported speech). وتنبع أدبية الخطاب هنا من بناء عالم سردي خيالي يوازي أحداث القصة فيكسبها جمالية تتجاوز المباشرة الفجة والواقعية المبتذلة تسمى اليوم الجمالية الواقعية.

احتوت رواية العاقر على الحكي والعرض ونقل السرد أي بين التقريري والوصفي و بين الحكاية في تحركها والمشهد المسرحي الثابت في عرضه. فكانت هذه مفارقة الجنس الفني الذي سمته الكاتبة رواية بالرغم من أنها مسرحية أيضا. أو لعلها مزيج بينهما. وهنا مفارقة التكنية. هل نحن أمام جنس أدبي محدد التصنيف  يدعى رواية أم نحن أمام شكل أدبي يجمع الرواية بالمسرح والغناء.

لذلك نجد أنواعا من الخطاب المسرود وأصنافا من الخطاب المعروض والمنقول.

وهي إجمالا 7 أصناف (صيغة المسرود الذاتي وينبني على الاسترجاع وتذكر الماضي وصيغة الخطاب المعروض وفيه يتكلم المتكلم مباشرة إلى متلق مباشر والخطاب المعروض غير المباشر وصيغة المعروض الذاتي ويتميز بمحاورة ذاته عن شيء يحدث في الحاضر أما المنقول فنوعان منقول مباشر عندما ينقل غير المتكلم كلام غيره كما هو والمنقول غير المباشر حينما ينقل الخطاب المسرود بتصرف).

وبالعودة إلى ابن العاقر فلا نكاد نجد الصنف الأول أي المسرود الذاتي والمعروض الذاتي  وعلى العكس من ذلك تحضر  بقية الأصناف الخمسة التي يهيمن فيها السرد المعروض والمنقول مباشرا وغير مباشر. 

مثل ذلك ربح تتذكر طفولتها "عاشت ربح سنوات من السعادة مع حبيبها ولكن نكد عيشها عدم الإنجاب.." (ابن العاقر، ص 8). فالاسترجاع هنا لا يمر عبرذات ربح وصوتها بل عبر صوت الراوية . وكذا أغلب الاسترجاعات. 

 والرواية في معظمها خطاب معروض أو منقول يتمحور حول ربح. ولا شك في أن طغيان الخطاب المعروض والمنقول يعكس رؤيا الكاتبة وجهة النظر أو التبئير ورؤيتها العالم. فما هي خصائص الرؤية السردية في ابن العاقر؟

3- الرؤية السردية أو التبئير

ويهتم التبئير بالراوي وعلاقته بالعمل السردي. ويعرف تنظيريا بوجهة النظر والرؤية ( تودروف مثلا) والبؤرة  والتبئير(جرار جنيت مثلا)...

وتتجسد الرؤية السردية عمليا في التقديم البانورامي (الراوي مطلق المعرفة ) والتقديم المشهدي (تغيب الأحداث وتقدم الأحداث مباشرة للمتلقي) واللوحات الفنية (تركز الأحداث على ذهن القارىء أو إحدى الشخصيات). وقد قدم تودروف أصنافية في الغرض تتكون من الراوي العليم أو الرؤية من الخلف والراوي الشخصية أو الرؤية مع والراوي الشخصية من الخارج أو المحدود.

وحينما نطبق على روايتنا نلحظ بيسر هيمنة الراوي العليم. فالتعريف بربح وبحياتها العائلية وبقريتها " دشرتها" وتجارب الزواج والطلاق بل وأحلامها وحنينها كلها تمر عبر الراوي العليم يعرف كل شيء ويتدخل في كل شيء حتى في المنام يرافق ربح ويحيط  بهواجسها وأحلامها وكوابيسها وقد يسمح في بعض المرات بابتعاده القصير لتتكلم أو تبلغ موقفا.

كما يحضر التقديم المشهدي منفلتا إلى حين لتقديم حدث أو موقف أو مشهد وخاصة عندما يكون المشهد أغنية شعبية أو موقفا ملحميا.

مثال ذلك إتاحة السارد لربح الغناء. وكان ذلك عن طريق استراق علي بلخمري صوتها وهي تغني

تقول الساردة "وكان علي بلخمري يطرب لصوتها فيبقى خلف الباب. وكم كان يتأثر عندما تغني ربح :

وحش الصرا وبرودة

يا ولفتي وحش الصرا وبرودة

يا من عزم شرف على قمودة...

وقد تلجأ الساردة لاستغلال فرصة الحديث عن الزلاج وسقوط شهداء في معركة الزلاج سنة 1912 وإعدام الشاذلي بن عمر القطاري والمنوبي بن علي الخضراوي المعروف بالجرجار تستغل هذه الذكرى لتعرف بالجرجار وتعرض الأغنية الملحمية التي ظهرت بعد الإعدام

 مناحة الجرجار

بر ي وإيجا ما ترد أخبار علجرجار

يا جماعة شوفو ما صار

القطاري معاه الجرجار..

آه يم خلوني نبكي بالغصة

آه لا إله إلا الله...

ولا تعدم رواية ابن العاقر الرؤية المصاحبة لكنها قليلة جدا إذا ما قورنت بالرؤية العليمة. لكنها تكاد تعدم الرؤية من الخارج.

انطلاقا من أصناف الرؤى السائدة في الرواية  وهي الرؤية من الخلف أساسا والرؤية "مع" نادرا فإن التبئير باعتباره الموئل السردي المركزي يعكس هيمنة الراوي وإمبرياليته. وهذا الاستنتاج يطابق غياب السردي الذاتي في محور صيغ السرد ويفسر طغيان السرد  المعروض والمنقول ويقر عدم توفق الكاتبة إلى إبداع السرد الكاشف للذوات وما يعتمل في وجدانها وما يتطلبه من قوة الخيال وثراء اللغة ونضح الصنعة وما يتيحه من تعدد الأصوات وفرادتها. وهي نواقص تتجاوز بتعميق التجريب.

قصرت الكاتبة في زرد سرد متخيل ذاتي حر ينطق به الشخوص فيشعروننا أننا أمام كائنات حية تعيش وتحلم وتتألم وتتشوق وتعشق وتكره كأنها كائنات دموية تنضج بالحياة وليست دمى حبرية تحتاج أكسير الحياة . ومع ذلك وفقت الكاتبة في حبك الأزمنة وتوظيفه إبداعيا من خلال استخدام الحلم والذاكرة.

فكيف انعكس التميز في البناء الحكائي والضعف المسجل في صيغ السرد ورؤاه على البعد الدلالي في رواية ابن العاقر؟ أو كيف تنبني الدلالة ونستحصل المعنى أمام مفارقة الخصب والعقر؟  

II. المستوى الدلالي التدلالي

ويشمل المكونات الأساسية في المتن الروائي من عنونة وعتبات وقضايا/ تيمات مصرح بها أومسكوت عنها والتي يسميها جيرار جنيت "المتعاليات النصية" في كتابه أطراس وكيفية تصويرها للمفارقات  وقيمتها الجمالية وميزتها الشعرية ، " أدبية الرواية"...

أولا : مفارقة العنوان

    يقوم العنوان على مفارقة بين العقر والإنجاب. والمفترض في العنوان أن يكون وليد اختيار عميق هادف وليس عملا اعتباطيا. فالعنوان مرآة العمل الفني ووجهه وواجهته إن أحسنا اختياره أفلحنا وإن تعاملنا معه بسذاجة خبنا. ولذلك نشأ علم كامل في أروبا مؤخرا وتطور ليبلغ أوجه اليوم تحت اسم العنونة La titrologie) ).

يذهب في روع القارىء لعنوان ابن العاقر أن في الأمر تناقضا لا مفارقة. كيف للعاقر أن تنجب؟

غير أن بالعودة إلى المعجم أول درجات الكتابة والتفسير اللغوي سرعان ما تتبدد غيوم المقابلة لتتجلى مفارقة عجيبة لغوية ودلالية إذ تفرق اللغة العربية بين العاقر والعقيم. العقيم من العقم مدارهما على الجدب وعدم الخصوبة و عدم الإثمار والإمطار والإنجاب والموت بينما العقر من الجرح والقطع والذبح فنقول انعقر البعير بمعنى الجرح والذبح. ونقول اعقر الله رحم المرأة أصابها بداء في رحمها فلم تحمل. هنا نتبين الفرق الكبير بين العقم المؤذن بالجدب والهلاك وعدم الإنجاب والموت والعقر الدال على عقم جزئي بل عرضي يمكن تجاوزه والنجاة والحياة بالمداواة والرعاية...

فهل قصدت الكاتبة من خلال روايتها ابن العاقر حال السرس موطن الحكاية وتونس الإطار الأكبر 

للسرس بعد الاستقلال وما أصابها من الجراحات والخيبات والقطائع مع التاريخ الوطني النضالي والأصالة التاريخية والثقافية والحضارية مثلت كلها مأزقا أودى بها إلى عقر كدنا نعتبره عقما لولا أن الكاتبة استدركت بأن قلبت الميم أولى حروف الموت راء أولى حروف الرواء والحياة فانتقلنا من ظلمات الجدب والممات إلى ممكنات الخصب والإنجاب والحياة إلى أغاني الحياة...

قد يكون. اعتنت الكاتبة بعتبات النص فوصفت ابن العاقر بالرواية. وهو تنصيص توجيهي قد لا ينطبق بالضبط على نصها ابن العاقر.. فحتى المعيار الكمي تعد ابن العاقر 139 صفحة لايعد محددا حاسما فبإمكان القصة أن تقارب هذا الكم وقد تتجاوزه. وقسمت نصها إلى خمسة فصول. وهو تقسيم أنسب إلى المسرحية. وجمعت ابن العاقر بين السرد والمشاهد المسرحية والمواقف الغنائية والملحمية. فهي قصة غنائية هجينة ليست بالرواية ولا بالمسرحية. وهي رواية بالاتفاق. لكن هذا التنوع الأجناسي في رواية ابن العاقر وتعدد الأصوات لتعدد المتكلمين أخصب الرواية وأغناها لتزاحم النصوص المتعالية صلبها.


ثانيا : مفارقة الجدب والخصب والموت والحياة 

  لاحظنا في بنية الرواية جمعها بين الرواية والمسرحية بين الحكي والإخبار وبين العرض ونقل المواقف والأشعار وهي ثنائية السرد والعرض ثنائية الماضي والحاضر والميت والحي تنعكس دلاليا في نوعية الرواية خبرا وخطابا.

قصة ربح امراة خمسينية تزوجت ابن عمها عن حب ووفقا للتقاليد فابنة العم لابن عمها يحل له خطفها من الهودج إن زوجت لغيره كما استقر في التراث الشعبي. لكن عدم إنجاب ربح كان حاسما في تطليق ابن عمها الذي لم تسمه الراوية ولحماتها دور خطير في حصول الطلاق.

تأتي اختها زمردة لتعرض عليها الزواج من علي بلخمري الذي فقد زوجته بعد إنجابها الناجي الذي يحتاج إلى مرضعة.

بعد رفض وتمنع تقبل ربح المغامرة كمرضعة للناجي لا زوجة لأبيه لكن حسن معاشرة بلخمري من جهة وتحريض أختها زمردة على اغتنام ربح كهولتها ويسر زوجها دفعاها لإتمام الزواج.

تبدو الأحداث هنا عادية لكن تعلق ربح بالرضيع وإخلاصها له وعنايته الفائقة به وحبها الخرافي له جعلها تحن إلى الحمل والإنجاب والعلاج بعيدا عن دجل الدجالين ورقيات الأفاقين مثلما حصل لها في زواجها الأول. وما حصل كان عجبا عجابا كيف تقمصت ربح دور الحامل وعاشت الدور وتقلبت في الفراش تكور بطنها بأقمشة مذكرة إيانا بتقمصات أبطال كافكا في روايته الشهيرة المسخ مع فرق جوهري فإذ تحول فيه البطل الكافكي إلى حشرة صرار فإن تحول ربح من العقر القريب من العقم إلى حمل حقيقي بعد عقر وحمل كاذب..هنا دعوة قوية من الراوية إلى ضرورة مقاومة العقر والجدب بالحب والصبر والإرادة وصنع القدر لا انتظار السانحات...إذا الشعب يوما أراد الحياة ...فلا بد أن يستجيب القدر.

وتنجم مفارقة ثانية لصيقة بالأولى متصلة بمفارقة العلم والعمل والشعبذة والدجل. تصور الراوية ماساتها مع العقر خلال زواجها الأول من ابن عمها. وكيف كانت تجبر على التردد على المشعوذين الدجالين والمتطببين ليصفوا لها أدوية غيرنافعة ويعطوها حروزا بمثابة كتيبات شفاء غير مجدية. فكانت النتيجة الفشل في الإنجاب فالطلاق. تقول الساردة :" وقد أخذها زوجها عديد المرات إلى أحد العزامين المشهورين ...يسلمها مكاتيب صغيرة مكتوبة بماء الصمغ ... مع "حروز" تضعها تحت وسادتها أو تعلقها في ثيابها. لكن لم يجد كل ذلك نفعا" (ابن العاقر، ص 11).

بينما زواج ربح الثاني من بلخمري ورعايتها لابنه الناجي وتعلقها به كل ذلك شجعها على حب الإنجاب فسهرت من أجله وتعلقت همتها به وطلبته بتمثيل دور الحامل وحب بلخمري حتى أدركته 

ولكن نجاح الحمل والولادة لم يتما إلا بتدخل الطبيب بتشخيص صعوبة الحمل لدى العاقر ربح ومعالجة المعيقات بالأدوية اللازمة جعلا قضية الإنجاب ممكنة. وهكذا زال عقر ربح بطلب الأسباب من رغبة فيه ومعاشرة لزوج أحبته بالمطاولة والتجريب واختارته بالعقل والتدبير على عكس زواجها بابن عمها على مقتضى التقليد ثم لما أرادت الإنجاب قصدت الطبيب رمز العلم لا المشعوذ رمز الجهل والتخلف فكان لها ما أرادت وغادرت العقر والعقم إلى الولادة والخصب. 

ويتخذ الصراع بين العقر والإنجاب بعدا ثقافيا في مراوحة الكاتبة بين الفصحى والتي تستخدمها في الحكي والعامية التونسية الريفية الفلاحية من أعماق السرس والشمال الغربي وعموم تونس في الستينات والتي تستخدمها الكاتبة في نقل مواقف الشخصيات وحواراتهم الداخلية أو الخارجية.

فكأنما الفصحى للتاريخ والسرد أي البونوراما والعامية للحوار ونقل بواطن النفوس فهي لغة المسرحة والدراما. مثال ذلك : "كانت كثيرا ما تنظر إلى الحيوانات الصغيرة ويغلب عليها الحزن. "علاش مخاليق ربي الكل تولد م البقرة للنعجة للدجاجة للكلبة حتى الخنافيس تولد ونا ما نولدش" ( ولد العاقر، ص 12).

ولقد تكررت هذه الخاصية في معظم الرواية. وهي ميزة إيجابية تقوي السمة الإبداعية للرواية فترتقي بها من سرد الكاتبة الأحداث إلى صنع الشخصيات بأنفسهم لها. وهذا ما كان نوه به الروائي الأمريكي هنري جيمس في دعوته "إلى ضرورة مسرحة الحدث وعرضه لا إلى قوله وسرده بمعنى أن على القصة أن تحكي ذاتها لا أن يحكيها المؤلف" .

ولكن السؤال هل تنجع المزاوجة بين الفصحى والعامية في تحقيق أعلى مراقي الإبداع؟ وهل تصلح الفصحى للسرد والعامية للمسرح والمسرحة دائما؟ بصفة أخرى كيف نوظف اللغة ودرجاتها في العمل الإبداعي؟  أعطت الكاتبة إجابة وهي الفصحى للقص والعامية للمسرحة. وهي إحدى المقاربات الممكنة ولكن ما خصائص اللغة الفصحى وميزات العامية المختارة؟ في الفصحى والعامية أبعاد جمالية إبداعية لكن تخير العبارات والكلمات ليس أمرا هينا فهو لا يقل قيمة عن تخير العناوين.

استمتعنا بنصوص في العربية الفصحى من إبداع الكاتبة حضر فيها الجهد الشخصي لزهرة الحواشي  وخصائص نصوص إبداعية مشهورة مسجلين ظاهرة التناص الأثيرة. مثال ذلك  حينما تتذكر طفولتها مع أبيها الضاوي: "وقد قضت معه طفولتها البسيطة والسعيدة بين المروج الخضر والجداول المنسابة حين كانت ترافقه للمرعى وتستمع إلى صوته البديع وهو يردد الأهازيج العذبة" ( ابن العاقر، ص9)

ثم " لكنها عادت منكسرة الجناحين" ( ابن العاقر، ص 10). طبعا نلحظ أسلوب الكاتبة ونصوص الشابي وحسين هيكل وجبران خليل جبران...

وشنفتنا الراوية بعرض قصائد من الشعر الشعبي الذي تتغنى به الأرياف والمدن في أغراض الغزل

والحب والحرب والملاحم البطولية. مثل " ياربح يا نجمة الصبح لو كان منك ياسر"

أو فاجعة إعدام القطاري والجرجار......

مناحة الجرجار

بر ي وإيجا ما ترد أخبار علجرجار

يا جماعة شوفو ما صار

القطاري معاه الجرجار..

آه يم خلوني نبكي بالغصة

آه لا إله إلا الله..

وهي قصائد شعبية كانت منتشرة في ربوع الشمال الغربي وربما في أغلب البلاد التونسية أحسنت الكاتبة استثمارها فأدرجتها في سياق وصف شخصية أو ذكر حدث وطني وذكرتنا بها حفظا للذاكرة الجماعية واعتزازا بالتراث الشعبي صنو التراث الفصيح.

وفي هذا الحرص على استذكار التراث الغنائي والملحمي تشبث بالهوية الخصبة لتنوع مكوناتها وأبعادها وتحذير من الجحود والتجاهل والقطيعة وهي كلها عبارات مرادفة للعقر إن استطال ولم يعالج أو تتوفر العزيمة للتغلب عليه استحال عقما.

 وقد سجل تحاور النصوص العامية والفصحى والادبية والتاريخية والغنائية والملحمية  تناصا او " تفاعلا نصيا" على حد تعبير سيد يقطين في كتابه انفتاح النص الروائي يدلل على تميز النص الجامع أو الرواية وفرادتها.يقول جرار جنيت في مدخل على جامع النص :" ليس النص هو موضوع الشعرية بل جامع النص أي مجموع الخصائص العامة أو المتعالية التي ينتمي إليها كل نص...". حبلت رواية ابن العاقر بالنصوص المختلفة والمتنوعة شعرا ونثرا وتاريخا ومسرحا وملاحم ومشاهد واكتظت بالأصوات عامية وفصيحة عالمة وشعبية معاصرة وتاريخية عريقة. نلمح حضور تلك النصوص مجردة أو مضمنة أو مقتبسة ولكنها مغيبة بشكل ما. وهي حاضرة في غيابها. فلئن كان الغياب فقرا وعقرا ومحلا فإن شظاياها وأطيافها وشخوص بعضها يوثث مائدة زاخرة بالأطعمة والفواكه ووليمة دسمة تعلن عن الخصوبة والغنى وترسم سجادا مطرزا بشتى الأشكال والألوان وتغري الأنوف بأطايب العطور والعود والبخور. 

ولقد اختارت الكاتبة نهاية طريفة لمثل هذه المفارقات والمنسلة للصراعات. لقد اختارت التسامح حلا ممكنا للأحقاد والنزاعات والكراهية الناجمة عن النزاع حول الميراث والثروات ولم تختر الحرب والسجال والقتل والثارات. وهي أمراض اجتماعية إن لم نوفق في معالجتها أهلكنا الضرع والنسل وحققنا العقر المؤدي حتما إلى العقم والمحل والهلاك. 

فلقد اكتشفت ربح كيد عمر لأبيه وسرقته لأمواله وترصده لسرقة العقود للاستحواذ على الأرض والميراث دون إخوته من ربح. وعوض أن توغر ربح صدر زوجها بلخمري على ابنه عمر من زوجته الأولى وتؤجج الكراهية والحقد بسبب الإرث خاصة وقد ظلم الورثة وخاصة ابنه عمر  "وميز عنهم ربح اعترافا لها بجميلها مع الناجي" ( ابن العاقر، ص 138) فإن ربح اختارت العدل والتسامح حلا وعنوانا للحياة. فطلبت من زوجها علي أن يعدل وينصف عمر رغم حقده على أبيه. خاطبته قائلة :" نعرف اللي أنت وعمر ولدك ماكمش متفاهمين لكن هو يتيم ووحداني ما كانش عنده خيوة ذكورة...نا ما ش نتنازل ليه على بايي في الأرض وغيرها. نهار آخر ما يلقو كان خوهم الكبير"

ولم يكن من الأب علي بلخمري إلا أن يصفح عن ابنه عمر" وأمام نبل مشاعر ربح ورجاحة عقلها ازدادت معزتها عند زوجها وصفح عن ذنب ابنه ...وقد استعاد علاقته مع أبيه وأسرته".

وهكذا توفق الكاتبة إلى حل أزمة العقر وما تشي به من عقم وتستبعد كافة حلول العنف والقوة والكراهية والحقد وتختار التسامح .

 التسامح قلب يسع المفارقات ويتفهم الاختلافات ويتسامى عن الإساءات والتعديات ويدعو إلى التعايش والتكامل والتجاوز عن الصغائر من أجل هزم العقر والجدب والمحل والسعي المخلص إلى طي صفائح البغضاء القديمة وفتح صحائف أخلاق التسامح والقيم العليا ومجالات العلم والعمل والإرادة والمحبة والعيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة ضد كافة أشكال العدوان الأجنبي والهيمنة الاستعمارية والعنصرية في مجتمع حر وعالم متضامن مع الحق. 

الــخــاتـمـــة

   ابن العاقر للروائية والشاعرة والترجمان زهرة حواشي جنس بديع يجمع بين الرواية والمسرح والغناء فهي أقرب إلى رواية غنائية تصور ربوع تونس الخضراء بالشمال الغربي عامة والسرس والدهماني والروحية والكاف خاصة زمن الاستقلال وما قبله وما بعده بقليل. فترة تحول كبرى شهدتها تونس والمغرب العربي والوطن العربي والعالم. فترة الاستقلالات على حد تعبير المغربي علي أومليل والديكولونيالية حسب فرانز فانون (1925-1961) الفرنسي المارتينيكي وإيمي سيزار(1913-2008) أستاذ فانون ومواطنه. تروي قصة امراة كهلة عرفت العقر في زواجها الأول من ابن عمها فطلقها فتزوجت أحد جيرانها فأنجبت. هي حكاية عجيبة بعض الشيء لأنها تتحدث عن عقر امراة ثم إنجابها. ولكن العجيب حقا كيف حكت الراوية القصة؟ أي كيف جاء خطاب الرواية؟

تكون خطاب الرواية ككل رواية من مستوى تركيبي نحوي ومستوى دلالي تاويلي.

ويتفرع المستوى التركيبي النحوي إلى صيغ الزمن وصيغ السرد والتبئير.

تميزت الرواية بتخطيب الزمن (اختيار ازمنة بعينها وتوزيعها) في مخالفة للزمن التاريخي وربطه بالراوية العليمة مما سمح بالتلاعب بالأحداث والتصرف فيها وعرض لوحات غنائية ومشاهد درامية ومواقف بطولية تخلد الحركة الوطنية فسمعنا أصواتا متعددة لفاعلين كثيرين تسجل الحوارية الباختية وتجسد أشكالا من  المناص أو العتبات والتناص وألوانا من التسلسل والتناوب والتضمين في كف راوية عليمة تدير خذروف الحكي وتهيمن على الإخبار فتتجاور البانوراما والمشهدية وتتنافس القصة مع المسرح والماضي مع الحاضر وهو ما ينقلنا إلى المستوى الدلالي التدلالي الذي ينهض على متوالية من المفارقات أولها العنوان ابن العاقر ليتناسل في مفارقات الجدب والخصب والعلم والجهل والفصحى والعامية والثارات والتجاوز لتفصح الرواية عن تصوير مشكلة اجتماعية صحية نفسية ثقافية فكرية حضارية منطلقها ربح والشمال الغربي في تونس زمن الاستقلالات ومنتهاها تونس والعرب والعالم الثالث في صراعه بين عقره الناجم عن الماضي والاستعمار وتطلعه إلى الاستقلال الحضاري. وهنا قدمت الكاتبة زهرة التسامح والعلم والإرادة حلا للخلاص والتغلب على كافة أشكال العقر والعجز.

رواية ابن العاقر رواية غنائية اجتماعية واعدة نجحت في تشخيص المشكلة أي العقر وتقديم الحل أي العلم والتسامح ولكنها مطالبة بتعميق الجوانب الفنية لاسيما صيغ السرد وتحرير الشخصيات.