على الشّاطئ ~
تركته جالسا على الشّاطئ الخالي وسارت حذو البحر كانت المويجات تداعب قدميها الصّغيرتين والأفكار تتزاحم في رأسها وكلّ فكرة لا تريد أن تخلّي مكانها للأخرى نسمات الهواء تداعب شعرها الأسود فتأخذ معها بعضها الذي لا يستطيع الصّمود .. وجدت على حافّة الماء نجمة صغيرة أخذتها و وضعتها على شعرها برشاقة ... واصلت طريقها وهي شاردة الذّهن تحاول لملمة شتاتها ... لم تشعر به وهو يقترب منها واهتزّت قليلا حين طوّق خصرها بذراعه وقرّبها منه، تساءل حائرا: "ما بك ؟؟؟ لماذا تهربين منّي ؟؟؟" توقّفت عن المسير، التفتت إليه ونظرت في عينيه لأوّل مرّة ترى عينين فاتحتين تحت نور الشّمس جميلتين دقّ قلبها لما رأت فيهما من وميض الحبّ ولكنّها تردّدت كي لا ينعكس ما تشعر به على صفحة وجهها حين تحمرّ خدّاها وتلمع عيناها السّوداوان اللّتان لا تغيّر شمس الصّيف من لونهما مهما كانت قويّة .. اقترب منها شعرت بأنفاسه تلامس صفحة وجهها تراجعت خطوة إلى الوراء وردّت على سؤاله الذي بقي صداه يتردّد في قرارة نفسها "لست أهرب... لماذا أهرب ؟؟؟" انتبه إلى النجمة البحريّة التي تزيّن شعرها أعاد خصلات نزلت على عينيها فلامست يده صفحة وجهها اضطربت أصابعه وتورّد خدّاها ابتسم معجبا ومطمئنا ... أبعد يده وعاد يقول ملحّا "أراك تبتعدين عنّي لستِ على ما يرام ؟؟؟ ماذا يحدث لنا؟؟ وأرانا اليوم أبعد ما نكون ونحن تحت سقف واحد... تعلمين أنّني تعمّدت اليوم أن أترك الأولاد عند والدتي كي نجد فرصة للحديث ... أنت تتسرّبين بين أناملي كالرّمال وسعادتي بك منذ عشرين سنة أراها تتبخّر كما تفعل مياه البحر ... عزيزتي حبيبتي أرجوك أتوسّل إليك أن تخبريني ما يحدث وأن تبصّريني بما قد أكون قصّرت فيه..." صمتت لم تردّ عليه سرحت ببصرها بعيدا حيث إحدى السّفن تمخر عباب المتوسّط نحو وجهة ما .. شغلتها طيور النّورس وهي تعلو بأصواتها محلّقة طورا وعائمة على المياه أخرى ... وحسدتها على روعة الحرّية وجمال الانعتاق ... لم تجد ما تقوله له تشعر حقّا أنّ الأمور بينهما تزداد تعقيدا لا تجد سببا تقنعه به ولكنّها في قرارة نفسها تشعر بأكوام من الرّمال بدأت تتراكم بينهما منذ سنوات ... مع كلّ سنة تمرّ تزداد المشاغل تزداد المسؤوليّات ويتناقص منسوب الحبّ فلا كلمات العشق والغرام بقيت كما هي ولا خلوات الاعتراف أو المناجاة مازالت كماهي ... لا شيء كما هو ... عدد الهدايا يتناقص من سنة إلى أخرى عدد السّهرات خارج البيت صار صفرا لا شيء بقي على حاله فلماذا يطلب منها أن تبقى هي على حالها ؟؟؟؟؟ مدّ يده وأمسك بيدها يريد استعادتها من أفكارها التي أخذتها بعيدا تركتها له لم تشأ إبعادها أرادت أن تشعر بالرّعشة الّتي طالما شعرت بها حين كان يتعمّد أن تلتقي يده بيدها مرّات عديدة قبل الزّواج ... شعرت بالدّم يصعد إلى رأسها ارتعشت يدها، أحسّ بها فأمسكها بالثّانية وصارت يدها كالعصفور الخائف بين يدي صبيّ قد يغريه اللّعب أن يعبث به .. هزّ يدها كأنّه يوقظها من حلم طويل نظرت إليه فأغمض عينيه يحاول أن يمسح حزنها وابتسم بحنوّ، جعل يدها على قلبه سمعت دقّات سريعة كأنّها تستنجد بها ... قرّبها منه وضمّها إليه: "ألا تسمعين قلبي يناديك ؟؟؟ كلّ نبضة فيه تهتف باسمك .. صدّقيني حبيبتي لا يسكنه غيرك ولن يكون لغيرك ما حييت .." صدّقته أرادت تصديقه سيتعبها ألاّ تفعل ... هي لا تريد أكثر من هذه الكلمات ... لا تريد إلاّ أن تعرف أنّها الأولى والأخيرة .. ابتعدت عنه قليلا ونظرت في عينيه رأت دموعا تتلألأ أو هكذا خيّل لها .. عادت تضمّه إليها شعر بها هي ذاتها تلك التي لقيها منذ عشرين سنة .. أحسّ أنّه استعادها ... رفع يدها إلى فمه قبّلها من كلّ اتجاه مرّرها على صفحة وجهه .. أراد أن يشعر أنّها أقرب من أيّ وقت مضى ..لولا بعضا من حياء لحملها بين يديه وجرى بها إلى السّيارة ولكنّه اكتفى بسحبها من يدها ..وهو يقول لها: "كم محظوظ أنا ولكنّني غبيّ جدّا لأنّي كدت أفقد أجمل ما أملك ... يا لغبائي اعذريني حبيبتي ... اعذريني ... فقبل أن أبتعد عنك ابتعدت عن نفسي .. صدّقيني لم أكن أشعر إلاّ وأنت توغلين في الابتعاد وكنت أراك تفعلين ولا أجد ما أفعله"
ركبا السّيّارة كلّ سعيد بما بين يديه كان يسوقها بيد واحدة والأخرى لم تفارق يدها كطفل يخشى أن تضيع حلواه فينام قابضا عليها....
~ فوزية عاشور ~
~ 20 / 04/ 2012 ~
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق