الثلاثاء، 21 مايو 2024

ومضة..تعبق بعطر الكلمة بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 ومضة..تعبق بعطر الكلمة


في البدء..كانت الكلمة


ما فتئت القصيدة العربية الراهنة تتململ بكل اختزاناتها وسحرها وقلقها للخروج إلى برية الإتساع..حيث الشكل يمسك لذّة الحلم..وحيث الحلم يفور في مسارب المعنى..

و الشاعر التونسي الكبير طاهر مشي يقيم اليوم طقوسه الشعرية على تفاصيل الأشياء،حالما أو كاشفا أو قائما وسط حرائقه،وحرائق الآخرين،يفتّش عن أشياء أخرى بلون الجمر أو لون النساء أو لون الحرية..

إلا أنّ قصيدة الحلم تظلّ عصية..و-طاهر مشي يظل قاسيا مأخوذا ومقموعا بالنّص،يلمّ جسده وأحزانه ويسافر غاويا وسط ايقاعات يتداعى فيها كل شيئ..

وتظل قصائده المسافرة عبر الغيوم الماطرة،تلتمس بصدق وثبات وجدية الخروج إلى الجمال والحلم والإتساع..


محمد المحسن





يا ربّ ! بقلم الشاعرة عزيزة بشير

 يا ربّ !

لا فُضّ فوكَ فقد أتيتَ حقائقاً

وبِهِا سنُنصَرُ والعدوُّ سيُهزَمُ


وعدُ الإلهِ فمَن يردُّ وعودَهُ

نصرٌ لنا للمسلِمين، مُحتّمُ !


عزيزة بشير



الاثنين، 20 مايو 2024

تجليات الإبداع الفني..وتمظهرات المؤثرات الجمالية..في شعر الشاعر التونسي القدير أ-خالد العجرودي- قصيدته -أرض الأحلام نموذجا- بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تجليات الإبداع الفني..وتمظهرات المؤثرات الجمالية..في شعر الشاعر التونسي القدير أ-خالد العجرودي- قصيدته -أرض الأحلام نموذجا-

-في القصائد وحدها نعيد بناء العالم -ألن غسنبرغ-
هذا هو الهدف الأسمى للشعر عموما،أن يبني عالما آخر،عالما مختلفا عن العالم الذي نشغل فيه حيزا من المكان وبرهة من الزمن.
-يا قلبينا كسرا اغلال العادة
احرقا يجب و عليكم و حرام
احرقا غباء الممنوع.و ليس الان و قبل و بعد
يا روحينا كونا شمسين او قمرين
في مملكة الوجد..كونا ملكين..( أ- خالد العجرودي)
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن لكل تجربة شعرية مؤثرة رؤيا حمالية،ولكل رؤيا مكونات أو مرتكزات فنية ترتكز عليها في تحقيق إثارتها وحراكها الجمالي،وهذا يؤكد سبب توجه الدراسات الأسلوبية والنقدية المعاصرة إلى كل ما يثير الرؤيا الشعرية،ويحركها من الصميم،سواء على مستوى البنى اللغوية،أم البصرية،أم الإيقاعية،وهذا يؤكد السبب المباشر في توجه الدراسات النقدية المعاصرة إلى إبراز الجوانب الفنية/ الرؤيوية / أو العاطفية التي تثير الشعرية،وتبتعث نواتجها الدلالية وفواعلها الرؤيوية المحركة للشعرية من جوانبها كله،اوأغلب تلكم الدراسات تسعى للكشف عن البنى الدالة العميقة التي توجه حركة النصوص الشعرية الإبداعية في توجهاتها الجمالية/ ومستبطناتها الشعورية العميقة،مما يدل على أن ثمة رغبة جامحة لدى جمهرة من النقاد إلى البحث عما خفي من الدلالات بالاستعانة بالإيقاعات البصرية،لأن المداد اللغوي ما عاد يفي بالغرض في ظل التفاعلات الكثيرة التي تشهدها القصائد المعاصرة،سواء أكان ذلك بالشكل اللغوي أم بالشكل البصري،أم بالمحتوى البؤري العميق..
ويرى الكثير من النقاد أن ما هو خفي من الدلالات المستبطنة أكثر أهمية ورَوِيَّة مما هو عائم على السطح،وإن أية تجربة نقدية مثمرة ينبغي أن تخوض في هذا العالم المعتم الذي تخفيه القصائد،ويظل القارئ عنه بعيداً آلاف الخطوات،ووفق هذا التصور فإن من واجب النقد أن يخوض في هذا الحراك الرؤيوي العميق لا أن يقف على ما هو بادٍ أو ظاهر من إيحاءات،ورؤى ودلالات،وإن من يطلع على قصائد الشاعر التونسي السامق أ-خالد العجرودي بعمق،سيجد أن البعد الرؤيوي هو المدخل الجوهري لحركتها من الباطن أو الجوهر،نظراً إلى تشعب الرؤى التي تبثها قصائده في مدها،وانفتاحها الرؤيوي النصي.
قصيدة «أرض الأحلام» وجدت فيها سطوعاً وبريقاً،تتراقص حروفها تعبيراً عن اشتعالها من دون اشتعال،والتهاب من دون نار وحرارة دائمة.
يعتمد الشاعر في بناء قصيدته على البناء المتوازن الذي يظهر وكأنه انسياب نهرٍ وإيقاعات عصافير،كما يعتمد أيضا على استنفار الذائقة الفنية للمتلقي واستدراجه-قسر الإرادة-إلى مربع الدهشة والإدهاش يقول:
في الحب العظيم
اتهجى جسدك بدقة جراح
افحصه بلؤم قابلة جبلية
فراشنا كان رمليا
وحيدين كنا..مع العناصر كلها
و الله نام
للحظة صرت خالقك
و كنت من قبل خالقتي
ذاك الشعر لا يشبه ليلا
مر كمنفضة الحزن على وجعي
و شممت فروة راسك كالذئب
و عضضت الاذن و الشفتين
و الريق/الخمر اشعل سعار الشهوة و الحب
وضعت خدي بين قباب مقامك
و مصصت الرمان ..و اندلعت في الرأس الشهب
و دماء نائمة فارت
و لعقت البض كدب مجروح
ذاب لساني و ما عاد مني
و اندلعت اغنية فرح و الجسد ينوح
نواحي كان عرقا في شهر الكانون
من اين سرقت النار قولي لي
من شوق القلب ام من دغل مفتوح
اه من ذاك الدغل
ما مسته يد و العطر فيه
و الرأس يدوخ
كم حبا قلت
بعدد من انطفأ من نجم
جب للجسد الموتور
حب للحلم المكسور
حب لأوهام الشاعر
و حب للكون حين نغمره بالماء
لخطايا ..هي احلى ما فينا
تسعدنا..و تصير موسيقى ليالينا
تكون حروف قصائدنا ..
حين تأخذنا لآقصى الدنيا ..فنضحك فرحا
و حين نعود للآرض/القبر ..تبكينا
ياهذا المرمر ياهذا العاج
يا هذا اللحم المتبخر في الأهات
اجعل هذي الليلة خارج كل حساب
اجعل هذا الحظ خارج كل الابراج
يا خيمتنا الدنيا…
زيدي في كسر الاوتاد
زيدي في النار
الجسدان صارا جسدا
و الكون موسيقى وله
و الريح عصف هياج
يا ماءانا اتحدا
يا قلبينا كسرا اغلال العادة
احرقا يجب’ و عليكم و حرام
احرقا غباء الممنوع.و ليس الان و قبل و بعد
يا روحينا كونا شمسين او قمرين
في مملكة الوجد ..كونا ملكين
كونا التاج
يا حبيباتي الذئبات
يا اشقائي الدببة
تعالو حولي للرقص
دعو الدم يسيل و النار في العظم
دعونا نطير سويا
لآرض الاحلام
لقد توسل الشاعر لغة انسيابية رقيقة تخدم غرض القصيدة ومقصدها مصبغا عليها أسلوبا مرنا وشفافا في بناء متناغم ومتناسق كأنه يستحضر مقولة كيتس عن بناء الشعر " إذا لم يجيء الشعر طبيعيا كما تنمو الاوراق على الأشجار..فخير له ألا يجيء " .
هذا ما جعلني أندهش وأتوقف ملياً أكرر الأبيات الشعرية لقصيدة الشاعر التونسي القدير أ-خالد العجرودي(أرض الأحلام ) فقد قرأتها مرات ومرات ولم أفق من قراءتي في كل مرة من تفرّدها،فقد أدهشتني بجمال لغتها وحسن التصوير وسلاسة الفن عندما يتعاطى مع روح اللغة المتزنة والمعبرة عن المعنى الذي تداعت له خيالات الشاعر وروعة بنائه للغة،ودرجة صياغته للمعاني التي عبر عنها تعبيراً رائعاً صبغ جمال المعنى بالكثير من الصور الفنية.
وقد اكّد لنا إن الشعرية قيمة تفاعلية مؤثرة في خلق المؤثرات الجمالية التي تباغت القارئ بمستوى المكتشفات النصية التي تحقق غايتها وقيمتها الإبداعية.
على سبيل الخاتمة :
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن الشاعر التونسي الفذ أ-خالد العجرودي مولود بالشعر،ممسوس به،ومعجون بجسده وتكوينه وكينونته الأولى،لذا فلا غرو أن تتحول السيرة الشعرية لعاشق الشعر إلى هيام وولع،بل صلاة للشاعر المتصوف في رحاب حضرة الشعر المقدس،والجميل،والذي يمثل لديه كل شيء،وقبل أي شيء،وبعد أي شيء.إنه الشعر ولا شيء سواه..
الشعر الذي يمثل اتجاهه،وقيمه،وعالمه،وطبائعه الجمالية الحالمة،والشعر الذي يصوح مع مفرداته كالمجذوب في حضرة الذّكر/ الشعر/ النص/ القصيدة/ السرد الشعري/ السيرة الشعرية،وغير ذلك،فنراه يتحلّق حوله،ويطوف معه،ويسافر على ظهر براقه،ليعرج إلى معارج الكون،عبر سماوات الخيال والواقع، وعبر مركبة الشعر الوحيدة التي صنعها بتفرّده “شعريار” البطل في الكون الشعري الممتد..
قبعتي..يا شاعرنا المتميز أ-خالد العجرودي.
محمد المحسن

يا انتِ بقلم الكاتبة نجية مهدي

 يا انتِ

بلا صحبةٍ ولا سمرْ
ساكنة بلا شكوى بين الحُجَرْ*
ما منْ انيسٍ يسمعُ منك الضجرْ.............تحدثين نفسكِ
بعدالسكوت المستمرْ......
حنانيك ربي الامَ القهر
بالأمس كنتِ مولعةً بالسفر
تتنغمين بالبحار واخضرار
الشجرْ~~~~ اين منكِ ذاكَ
الأملْ ضعتِ في خريف الكِبَرْ
وانبرى الحسادُ يحفرون لك
الحُفَرْ..........اين تاريخك المُشرّفِ واين اختفى ذاك
الأثرْ.......... ورحلَ في ليلةٍ
ذاك القمرْ.........ليشهدْ طير
الوروارْ عنْ ماضيك الاغرْ....!
تلك الدفاترْمنْ اناملك ملأتْ
بالأشعار وانبهرَ جمعٌ من البشرْ..........امامنْ صديقٍ او
صديقةٍ تذكر تلك الصور؟
كالنهرِ تجمدتِ واندثرَ النهر
اما منْ طريقٍ مشيتيه بالامس فتاهَ منْ عينيك حتى
الصخر، اما منْ عطرِ اناملك
على كتابٍ نُثٍر............!
عودي وداوي جرحك الغائرْ
واهجري الخريف فهو هجر
~~~~~~ اقولها صراحةً
انا التي اهدرت شبابها وليس
الذنب.......شيب في الرأس
ظهر...........ولا سنينُ العمر قدْ
بَدَرْ.............هي المتاعب مرّت
عليّ كالشرر، نارها ورحيل
الأحبة والقدر
كانت الحياة واحةً مليئةً
وحقلا زاهرا ملئى بالثمر
أنّ السبعين عاما منْ عمري قدْ هدر
فاذا اردتُ انْ اقومَ منْ مكاني مزقني الم أهٍ والكتفُ ما باله كأنه
يحملُ صخر، والأرجلُ والركبٌ والأقدامُ كلها ما بالها
والفقرات عند الفجر ، وصلاةُ
ألفجرِ كلها اقضيها فليس لي
حيلةٌ ولا مفر~~~~ غفرانك
ربي انت سيّدٌ جوادٌ تعلم العذر.
نجية مهدي
فقرات الظهر

سمفونية لا تكتمل بقلم: معز ماني

 * سمفونية لا تكتمل *

لا تكتمل متعة الأشياء
إلا بفقدها
عبارة لم تكتمل
ومشاعر ضلت طريقها
أشياء قابلة للكسر وأشياء
تبدأ حياتها يوم كسرها
أشياء لا تقبل السؤال
وأشياء لا تمل من تأملها
تبدأ برسم لوحتك بألوان
جميلة وحلم وردي لها
وكل إنجاز عظيم ورائه
قصة حب
وغرام يصنع مجدها
تغمض عيون الليل
وتفتح ذراع الغد
في حبها
خلود ليس إمداد في الزمن
بل هي لحظة وليدة نفسها
تكتسب أشياء وتفقد أخرى
وأشياء خالدة
مهما قصر عمرها
كل يوم جديد فرصة أخرى
والحقيقة المطلقة
لا وجود لها
بداية السمفونية رغبة
والفكرة الحرة عنوانها
التغيير لحن وأضواء
ولادة فجر جديد
على أرضها
حلم يتحول إلى حقيقة
مادامت الرغبة
لم تمت داخلها
سلم موسيقي لا نهاية له
والقفلة قدر يختار نهايتها
ما الحياة إلا سمفونية
على إيقاعها
يبدأ كل شيء
وأغوار لم تبح
بكامل أسرارها ...
* بقلم: معز ماني *

حتى لا ننسى مظفر النواب..الشاعر الذي يكتب من خارج فلول الكتابة.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 إلتقيته ذات زمن بدمشق..

حتى لا ننسى مظفر النواب..الشاعر الذي يكتب من خارج فلول الكتابة..
“سرت في اتجاهك العمر كله،وعندما وصلت،انتهى العمر”.(الشاعر الراحل مظفر النواب)
-المنفى يمشي في قلبي/في خطواتي في أيّامي/المنفى كالحبّ يسافر/في كلّ قطارٍ أركبهُ/في كلّ العرباتِ أراهُ/حتّى في نومي
يمشي كالطرقات أمامي/في هذا العصر/يكون الإنسان/ويُعرَفُ مِن منفاهُ»(مظفر النواب)
لكي نتعرف على خصوصية وجذور شعر مظفر النواب فاننا بحاجة للرجوع الى قصائده الأولى،وقد وجدنا ان احدى قصائده لم تنشر غير مرة واحدة،ولكنها رغم ذلك تحمل الكثير من هذه الخصائص والجذور فقد نشرت مجلة الطليعة الكويتية لسان حال حركة القوميين العرب بعددها الصادر في السابع والعشرين من نيسان/أفريل عام 1974 ولاول مرة قصيدة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب التي تعتبر من ارقى قصائد الاستشراف الميداني للواقع العربي الذي سيحصل بعد سبعينات القرن الماضي اضافة الى اعتبارها احدى قصائد الشاعر القريبة من قصائد جيل الرواد في الشعر الحديث الذي برز من جيل بدر شاكر السياب والمغذى بجمال قصائد بلند الحيدري ..
وقد يرى الكثير ان ما بين مظفر وجيل الرواد بعدا زمنيا عدا ان احداث قصائد جيل الرواد لم تكن حادة وثورية كما هي في شعر مظفر،هنا لا بد من التنويه انني سوف لن ابحث في عموم شعر مظفر النواب حتى يتحتم على المقارنة بين ذاك الجيل وشاعرنا بقدر قصيدته عروس السفائن ..
وقد اهتم الشعراء بالتعبير عن واقع الامة العربية حتى اضحت القصائد تروي لنا قصة مملوءة بصورة الواقع السياسي والاجتماعي الذي يكتب فيه الشاعر قصيدته.
ويتميز النواب بحدة ومأساوية ذلك مركزا على دور السلطة في ذلك.
ووسط تردي واقع الامة وانتكاساتها التي تعاقبت بعد هزيمة حزيران /جوان 1967 وما ترتب عليه الوضع اهتزت مشاعر شاعرنا النواب…
ومن كان يظن ان اممية مبادئ مظفر النواب تبعده عن احساسه العروبي فتلك حسابات خاطئة واتهامات باطلة لذوق وخلق الشاعر الذي أعقب قصائده بعد عروس السفائن بالكثير من القصائد ذات البعد التعبوي لجماهير الشعوب العربية وتحفيزها ضد حكامها بإعتبار ان الملوك والرؤساء العرب هم المسؤولون عما جرى ويجري حتى الان ..
وهذا ما عنيته اول الامر بالقول ان هذه القصيدة استشرافية لولقع حدث وسيحدث..
ــ عروس السفائن الصقت ظهري الكسير على خشب الشمس فيك
حريصا على الصمت/مدمي من الناس في البر استنجد البحر
ان الحروف ــ المخالب في غيبتي/نهشت ما تبقى من الصبر في مضغة القلب/فلتقلعي يا عروس السفائن جهرا ../فما عدت احلم بين انتكاس الرؤوس ../اذن دارت الشمس دورتها،وارتأتني الرؤى ..نائما تحت ألف شراع …مجوسية قصتي معبد النار فيها .
وقلبي على عجل للرحيل..
اذا كان معتادا ان يبدأ اغلب الشعراء بقصائدهم بالتغني والتغزل بحبيبة القلب ثم تفتح قريحتهم على واقعة القصيدة..فإن مدخل النواب كان انينه وتعبه مما يجري حوله من احداث رغم ان مأساته الشخصية في ابتعاده القسري والذي صار فيما بعد اختياريا وبعدا عن الوطن كان يجب ان يهزه ويبكيه فيما هو عليه من الم الواقع العربي ..
واختيار الشاعر لأداته البحر والسفينة في الانطلاق بهذه القصيدة كان لغرض مصالحة نفسه لنفسه..ولان ذلك يبعد القصيدة عن المباشرة ويجعل صورها اكثر حسية واقرب للرمز والايحاء
اذ يقول ..
بعيدا عن الزمن المبتلى يا سفينة/ان قليلا من الوزر امتعتي المزدهاة/ولن تثقلي بالقليل../سابقي المصابح موقدة في بهاء الصباح،مصالحة بين صحو الصباح وصحوي/وابقي الرياح دليلي..
ويستمر مظفر في التغني بوحدانية احزانه وانينه على واقع يهز مواجعه حتى تستصرخه روحه الى صياح ومناداة اليمة ..
يستصرخ البحر الذي ركبه وسفينته المفترضة تخيلا او قد تكون حقيقة ذلك ان الشاعر قضى اغلب حياته متنقلا اثقلته انظمة الردة وجراحه منها..كما يقول في احدى قصائده ..
"واه من العمر بين المقاهي لا يستريح/ارحني قليلا فإني بدهري جريح.."
يتواصل انين الشاعر في عروس السفائن صارخا من الالم..
ــ ساصرخ يا بحر..يا بحر ! يا رقص ! يا رب !/يا عتمات/زحار بكل التقاليد،هذا هو الوقت ./فلتعصف الازمات/أم القوم ماتوا /هو الانفلات المدمر ات دويا يغذي دويا/كأن المقادير جاءت لها عجلات../سينتكس الكون مما ستلقي البراكين من حمم/او تكون الحياة..
واذ تحتدم أوجاع الشاعر في تحديد الانظمة التي اتخذت الثورية سلوكا مضاء لها..فنراه يبكي على واقعة جعلها مقدمة لمقطع الدخول الى تشخيص الانظمة المعنية بالصراع حيث ينطلق من سوريا ..
" في مدينة كذا القريبة من دمشق،وبتاريخ كذا..منع دفن طفلة من اللاجئين في مقبرة المدينة لأنها من اللاجئين ،ثم دفنت برشوة..
الا فلينهض المعدمون الصعاليك.قد أوغل الاغنياء ../لقد منعوا دفن طفلة من اللاجئين،لئلا تدنس بغريب ارض الشام ./فليسمع العرب النجباء/لقد كان في الفجر./في مطر الفجر./ في شجر الفجر/اذ منعوا دفنها/عرق الفجر ./فليعرق الفجر/شاهدة عرقت .
ينطق الطين لو ينطق الطين /لكنها الارض ملك لرب العباد ..
ــ وهذه الجنازة اصغر من اصبعي. ــ انما رفضوا/كلهم رفضوا/لا ليس عهدي باهلك يا شام هذا..
ويرحل شاعرنا المهاجر على اجنحة الضيم وحرمان الحنين للوطن,يرحل الى مصر باكيا ويخاطبها برمزها الالهي..فرعون..ذاك الذي عصى ربه وكان جبروتا واهرامه الشاخصة عبر العصور رمزا لحضارة مصر ..
افرعون اسرع/يا من تخلد اهرامك الموت/اسرع !/هناك من يبتني هرما للمخازي/تقزز وجه الالهة،ألهب ظهر الجياد/سياطا .. واقرصها/صمت/قف ايها السادن الابدي/فمن يملكون السدانة قد سرقوا شعب مصر/ زوروا شعب مصر/وقعوا باسم مصر،ومصر براء..
وحتى نأتي الى بنيوية القصيدة وموسيقاها وتفعيلتها لابد ان نتواصل في مسك ختامها حلم الشاعر الذي اختاره قسرا واختيارا ذاتيا..انه العراق،لقد امسك النواب بوابة العراق من نجومه وهو على ظهر سفينته وفي بحره اللجي
عروس السفائن ! ادعوا النجوم الى قمرتي،فأنا الان اولم نذرا/والبس ابهى ثيابي/فقد كنت عند نخيل العراق/وان كان حلما/وكان العراق على مهره عاريا مثلما ولدته السماء/وكان على عتبات العراق الفضاء/وبين ضلوعي،فضاء به نجمة لست ادري بماذا تضاء ..وفي نجمتي تلك يجتمع الله والانبياء ..
وفي فضاء جفاء الشاعر مع عشقه العراق تحتشد في صدره غيوم كثيفة سرعان ما تزيحها امال اي شاعر حالم,وما اجمل من حلم يحمله مظفر النواب لبلده بقوة الشاعر الثائر ../ايا وطني ضاق بي الاناء/كأن الجمال بليل الجزيرة سوف يطول عليها الحداء
كأن الذي قتل المتنبي , لشعري ابتداء/لأمر يهاجر هذا الذي اسمه المتنبي/وتعشقه بالعذاب النساء
وما قدر انه في الجزيرة يوما،في مصر يوما/وفي الشام يوما
فأرض مجزأة/والتجزء فيها جزاء/عروس السفائن كل على قدر الزيت فيه يضاء ..
مظفر النواب في عروس السفائن تعدى في صياغته الشعرية موضوعه المعتاد فباتت العناية باللغة الشعرية متلازمة لموضوعه السياسي وقد تقدم في استشرافه لواقع حال الامة في لغة ثورية لازمته طويلا وطويلا حتى في ما بعد قصيدته هذه اذ كانت هذه القصيدة بمثابة الأساس لقصائده اللاحقة،وكـــأنها قد زرعت نفسها في مسيرة النواب للعشر فضلا عن ذلك السفر في روح القصيدة فقد ظهرت تاثيرات احساسه القومي رغم ايمانه بأممية القضية التي ناضــــــل من اجلها عبر سنوات حياته.
ولم يكن ظاهرا في موسيقى القصيدة اي اضطراب الذي غالبا ما يقع فيه شعراء القصيدة الحرة الطويلة ..
مظفر النواب يكتب من خارج فلول الكتابة،إنه مهندس على المادة الورقية حيث يسور قصائده بقسوة التحدي والتمرد،والمواجهة، والثورة..إنّ الكم الكبير من الاستلاب المتماهي في قصائده يجعل القارئ يعيش ارهاصات وجدانية وتاريخية مجمعة في المادة الشعرية من صور وتشظي وانبناء وانسحاب..الشعر يشبه الوحي، هكذا تقول قصائده،فهو يصدر عن رؤية ورؤيا وكلاهما ضرب من ضروب الامتداد الانثروبولوجي.فجمالية الاستلاب في شعر مظفر النواب تتأصل في انغراس معطياتها وافرازاتها في أعماق تاريخ المعارضة السياسية والتاريخية العربية الرافضة للاستبداد والقاطعة مع القمع وحكم البوليس السري.
لقد سربل النواب ذاته بعباءة ظاهرها المبدع وباطنها الثائر المتمرد.
فالاستلاب ليس في واجهة قصائده فحسب بل في ذاته الفردية والجماعية،يعبر عنها من خلال فلسطين والعراق وليبيا واليمن.. إنها حالة عشق،يدافع فيها الشاعر العاشق لقضايا الناس عن المفقود والمنشود،لأنه تواق لبلوغ انسانية هذه الامة الممزقة. انسانية لا وازِع لها إلا الضمير،يسعى من خلالها لثورة عارِمة على العادات البالية والتقاليد الاجتماعية الساذجة والروح الهدامة. ويناضل لظهور كل شيء للعلن،فهو يعلن الهزيمة داخل النصر، ويعلن النصر من داخل الهزيمة،فلا حال مستقر عنده،وهنا تكمن حقيقة الاستلاب الذي يعيشه الشاعر انسانا ومواطنا وسياسيا وعسكريا..يعيشه طفلا ورجلا وامراة وشيخا..والاستلاب خوف ووجع ووطن في قصائده..
ختاما،لم يكن إعلان اسم مظفر النواب مرشحا لجائزة نوبل للآداب ثم فوز الكاتب البريطاني من أصل ياباني كازو ايشيغورو سوى مواصلة لحالة الاستلاب التي يعيشها الشاعر،ولو سنحت الفرصة بعيدا عن الموضوعية المطلوبة لقلت: مظفّر النواب لا يمكن أن يحيا دون استلاب.
لكنه سيعيش اليوم في قلوب مريديه..من البحر إلى البحر..
نَم بسلام أيها الشاعر العظيم..ولروحك السلام..
محمد المحسن
*مظفر عبد اللمجيد النوّاب،هو شاعر عراقي معارض سياسي بارز وناقد،(ولد في 1934 في بغداد ) لُقِب بـ«شاعر القصيدة المهرّبة».تعرّض للملاحقة وسجن في العراق،عاش بعدها في عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية أخرى.وصف بأنه «أحد أشهر شعراء العراق في العصر الحديث».
قالوا عنه الشاعر المناضل،ووصفوه بمنشور سرّي تحول بسبب حب جماهيره إلى منشور علني،أما ألصقُ الألقاب به فكان “شاعر القصيدة المهرّبة”، إنه مظفر النواب،الشاعر المثير للجدل والدائم الخروج عن النص،ابن الناس الناطق بنبض قلوبهم وزفرات صدورهم.
بالأمس القريب رحل عن الدنيا،لكن قصائده الصارخة الساخرة قد تعمر بيننا طويلا، ذلك أنها تحكي نكباتٍ ممتدة وخذلانا مستمرا وقهرا ما زال جاثما على الصدور.
قال عنه صديقه الشاعر عدنان الصائغ إنه شكل علامة مهمة في الشعر العراقي والعربي،استطاع من خلال تعبيره عن هموم الناس وتحدي السلطات،كسب قاعدة واسعة من الجماهير من خلال صوته المتميز.
أثار نبأ رحيله الجمعة 20 ماي 2022 عن 88 عاما إثر صراع مع المرض،في أحد مستشفيات مدينة الشارقة بدولة الإمارات،حزنا عبّر عنه كثيرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي العراقية والعربية.
**هذه القصيدة ألقاها على مسامعي في أحد لقاءاتي معه بدمشق بصوت خافت هادئ،وذلك عندما سألته،هل تكتب قصيدة النثر؟ أجابني كلا،كلّ شعري موزون،واستشهد بهذه القصيدة:
إلى الضابط الشهيد إبن مصر...
ليس بين الرصاص مسافة
أنت مصر التي تتحدى
وهذا هو الوعي حد الخرافة
تفيض وأنت من النيل
تخبره إن تأخر موسمه
والجفاف أتم اصطفافه
وأعلن فيك حساب الجماهير
ماذا سيسقط من طبقات
تسمي إحتلال البلاد ضيافه
ولس قتيل نظام يكشف عن عورتيه
فقط
بل قتيل الجميع
ولست أبرىء إلا الذي يحمل البندقية قلبا
ويطوي عليها شغافه
لقد قبضوا كلهم
وأحقهم من يدافع عن قبضة المال
مدعيا أنها الماركسية أم العرافة...


قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة السورية تغريد عارف إبراهيم انت من احب بقلم الكاتب محمود البقلوطي

 محمود البقلوطي

قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة السورية
تغريد عارف إبراهيم
انت من احب
تصدير واستهلال
الحب هو اللمسة المعبّرة في لحظة شوق .. الحب يعلمنا كيف نحيا، وكيف نتنفس وكيف نتجدد أمام وهج عينيه... الحب هو شروق الشمس وهي تدق باب القلب و هو إشتعال قناديل الليل لتضيء درب المُحب ..الحب من دون ألم وارق وقلق حالة باهتة لا حب فيها.. الحب نار سحرية لا رماد لها وهو يعبر عن جمال تلك الروح التي تحيط بنا حرصاً وشغفاً واهتماماً.
.... القراءة....
كلمات تناجي الروح ودواخل الذات لتستحضر الحنين وتقف على مسافات الغياب لحبيب ساكن شغاف القلب ولحاف الوجدان (انت من احب) تلامس الذكريات لتعبر عن عذابات الروح والقلب من فعل البعد والغياب اللذان يشعلان الحنين والاشتياق..
قصيدة وجدانية يملاها وجع بعد الحبيب تتحدث عنه في متن القصيدة لتستحضر طيفه والذكريات. فقد كان يملأ حياتها كلها.
نسافر الان في تفاصيل القصيدة ونبدأ بعتبة العنوان (انت من أحب)
العنوان جلي في معناه ودلالاته مركب من "انت " ضمير المخاطبة و
"من" اسم موصول يرمز للانسان الذي أحبت وهذا يتضح ويتاكد بفعل مضارع"أحب" يدل على أن الحب متواصل في الزمن الاني والمستقبلي....
تبدا الشاعرة قصيدتها باسم إشارة "هناك.. " حيث ترقد.. لتحيلنا الشاعرة على أن الحبيب بعيد عنها وتردف المقطع الأول من القصيدة باستعمال حرف" قد" عدة مرات مصحوبا بافعال مضارع ( قد يكون المكان دافئا.. قد يتقن الياسمين... قد تفرح وقد تضحك، قد تعتقد انك تحررت.. قد تكون جالسا تدخن.. وانت تعيد ذكرياتك اوتجبر نفسك على نسيانها
قد تصبح اميرا.....)
كل هذه الجمل المصحوبة ب قد تدل على الشك وغياب اليقين عند الشاعرة وهذا مفهوم لان هذا الحبيب بعيد عنها ولم تراه وتحدثه منذ فترة طويلة فهي لا تعرف منحي تفكيره والحوالات التي طرات على مشاعره وواحاسيسه.
واذا الشاعرة تستدرك باستعمالها
"لكن.. عندما..
مخاطبة هذا الحبيب البعيد لتنبهه
" عندما يشتكي الشتاء الى زجاج النافذة ستكتشف انك وحيد.. "
وتواصل في خطابها مستعملة كلمة ربما عدة مرات مرفوقة بافعال قام بها وممكن ان يقوم بافعال اخري يسنحصر فيها بعض الذكريات فتتعمق وحدته..
واذا بالشاعرة تذكره وتعود للحديت عن نفسها( ربما احاول احيانا عدم السباح في البحر أشتهي الغرق فبه) ولكنها تجاوزت. هذه" الربما" لتحسم أمرها فتقول
"لكنني الآن.. برغم هدوبي.. ورغم الشتاء.. ورغم احتراق... ورغم انكسار.... ورغم البكاء.. أقول لك...
انت من أحب
انت من أحب."
نستطيع في الأخير ان القصيدة تحمل نوع من التيه والشك عند الشاعرة في مشاعر هذا الحبيب البعيد رغم انها أعلنت عن حبها له بكل جراة ووضوح انت من أحب
وهذا ما جعلها تكثر من حرف" قد" وم صيغة" ربما" وهذا ممكن ان يفتح باب السؤال للمتلقي... هل هو حب من جانب واحد؟؟
قصيدة رغم ما تحمله من تيه َضياع وشك كلماتها رقراقة شفيفة فاحت معانيها ودلالاتها في متن قوافيها المكتضة بنور الحب والشوق والحنين. لحبيب حاضر غائب.
دام نورك وبهاء حضورك الإبداعي الجميل المائز والمتميز الشاعرة تغريد عارف إبراهيم.
القصيدة
أَنْتِ مِنْ أَحَبّ "
هُنَاكَ ...
حَيْثُ تَرْقُد
قَدْ يَكُونُ الْمَكَانُ دَافِئا
قَدْ يُتْقِنْ الْيَاسَمِين كُلُّ اللُّغَاتِ
قَدْ تَفْرَح...وَقَدْ تَضْحَك
قَدْ تَعْتَقِدُ أَنَّك تَحَرَّرَتْ ..
قَدْ تَكُونُ جَالِسًا تَدْخُن سَيَجِارَتِك
وَأَنْتَ تُعِيد ذِكْرَيَاتِك ....
أَوْ تُجْبَرُ نَفْسَك عَلَى نِسْيَانِهَا
قَدْ تُصْبِحُ أَمِيرًا...
سَيِّدًا....مِلْكًا
لَكِنْ...
عِنْدَمَا ...
يَشْتَكِي الشِّتَاءِالي زُجَاجٍ النَّافِذَة
سَتَكُتشف إِنَّكَ وَحِيد.....
هُنَاك
قَرُب سُرَيْرك
الَّذِي رَغِبْت بِكَسْرِه يَوْمًا
رُبَّمَا تَتَنَاوَل فِنْجَان قَهْوَتك السَّادَة...
وَتَرَدَّد أَغْنَيْتُك الْمُفَضَّلَة...
رُبَّمَا تَعْبَثْ بِحَبَّات الْمُسَبِّحَة
وَأَوْرَاقِك الْمُبَعْثِرَة ...
وَزُهَوري الَّذِابِلُه
رُبَّمَا أَيُّهَا الشَّرْقِىّ الْمَشَاعِر وَالتَّفْكِير
تُضْطَرَّ إِلَى النَّوْمِ بِدُون جُفُون
رُبَّمَا....
تَقْرَأ كَلِمَاتِي
عَلَى ضَوْءِ الشُّمُوع
رُبَّمَا تَلْبَسْ كُلُّ كَلِمَةٍ ...أَنْفَاسَا كَانَفَاسِيّ
وَأَصَابِعِ كَأَصَابِعِيّ...وَثِيَابُ كَثِيابي ...
وَخَصَّلات شِعْرُ ..كَشِعْرِي...
وَتُصْبِح رَجُلًا...
رُبَّمَا....
كُرِّرَتْ لَك
كَرَرْت لَك كَثِيرًا
كَلِمَات بِدُون مَعْنَى
وَكَلِمَات بِأَلْف مَعْنَى
رُبَّمَا...
أُحَاوِل أَحْيَانًا
عَدَم السِّبَاحَةِ فِي بَحْر
اشْتَهَى الْغَرَق فِيه...
لَكِنَّنِي الْان...
بِرَغْم هُدُويي....
وَرَغْمَ الشِّتَاء...
وَرَغْم احْتِرَاقِيّ...
وَرَغْمَ انْكِسَارِى....
وَرَغْمَ الْبُكَاء..
أَقُول لَكَ.....
أَنْتَ مِنْ أَحَبِّ
أَنْتَ مِنْ أَحَبِّ
تغريد عارف إبراهيم Taghreed Aref Ibrahim
Voir la traduction