الأربعاء، 25 يناير 2023

من مجموعة القصص القصيرة الاولي :(1) كونشيرتو فرانسوا بقلم الكاتب فتحي عبد العزيز محمد

 من مجموعة القصص القصيرة الاولي :(1) كونشيرتو فرانسوا

ـــــ
تسهي " ذات الدماء الزرقاء” "1" "A"
أو شواء على أنغام " كونشيرتو" الكوخ الفرنسي ..
ـــــ
ـــــ
" كأن تكون هناك حفلة تنكرية، هذا من أفضل الطرق للوصول إلى السرانية، حينها سيكون وجودك أمرا مفروضا، لا خوف من اكتشاف أمرك، ستكونين في مأمن من جميع محاولات الكشف،
فالنسوة غير النسوة، والفرسان غير الفرسان،
لا سوانا يعرف الآخر،
أحب أن تدخلي القاعة بكامل المفاجأة،
أن تمسكي بزمام فرس اعتلي صهوتها مثلا،
أو أجدك جالسة خلف مقود التك تك،
أو تتقدمين نحوي ومن خلفك فيلة واسود ولاعبو السيرك الذي تديرين شؤونه،
أو أن تفجري قنبلة دخان حين أهم بعناقك،
أو أن تسألي عمال الخدمة عن مبررات الاحتفال،
حين يكون هناك مثل هذه المقترحات، عندها
احسب انك حاضرة،
وما المدعوون سوى الغياب، "
" حميد حسن جعفر " وأسط "
ــــ
“ ما دام يوجد خطأ فلا بد أن يوجد صواب. وإذا وجد الصواب مرة فيمكن أن يوجد مرة أخرى."
" فرجينيا وولف "
ــــــ
الفتاة الحوراء ذات العشرين ربيعاً ، الممشوقة القد والقوام ، تسكن وسط "أديس اببا " , فى وأحدة من لقصور والفلل العريقة الفخيمة المطلة على المدينة من هضاب وأودية جبال "أنتوتو " الساحرة الخلابة الجميلة .. , بلا تحفظ أجزم صادقا هذة الفتاة ومن دون كل جميلات أحياء بياسا ومركاتو ومكسيكو .. , هى وحدها التى كان يعنيها تماما فنان أثيوبيا الكبير "المايو أجيتي ", فى أغنيتة الشهيرة الخالدة " أديس أببا.. بيتي " , والتى تشنف بجنون أسماع كل "الرستا " فى " جمايكا " وأوروبا والأمريكيتين وحول العالم .
هذة الفتاة ذات العشرين ربيعا , تتصل بنسب أمهرى رفيع تدعية يربطها مباشرة بسبط "أسد يهوذا " ملك ملوك " شوا " العظام , وبجمال ساحر أخاذ أذهب بعقول الكثيرين ، فمثلا العمة " منن " أو " أم بزونيش " تفاخر دائما ببنت أخيها الوحيد " منقستو غمجو", وتمجدها وتدللها فى كل مناسبة وأخرى , وتقول دائما وبأعلى صوتها :
ـ " دى يا ناس البنت الجمالها ماقشروبة .. دا وأرثاة يا ناس .. من حبوبة .. لحبوبة .. اا" , وتجزم وتفاخر على رؤوس الاشهاد بأن أحدى أولئك الحبوبات الجميلات , تسببت فى ذاك الزمان الغابر من تاريخ أثيوبيا البعيد , فى أشعال فتن وحروب مروعة عديدة لا تزر ولا تبقى بين , " الراس منقشا " حاكم الامهرا " والراس " كاسا " حاكم تقراي ، وللانتسابها لارومة بنات أثيوبيا الماجدات ، فقد أحببتها وتشبثت بها من أول نظرة وهى لا تدرى .. , كان من الصعب عليك أذا عرفتها أن تتخطاها بسهولة , لأسباب لأحصر لها مرئية وأخرى كما يقولون غير مرئية .. , أما هى فقد كانت مهيأة بتركيبتها الحركية الحربائية , أن تجعل من الالتقاء بك , ثم فراقك مرتاحة البال والى غير رجعة أمرا سهلا وميسورا .. .
هذة الفتاة الحوراء الممشوقة القوام , كانت مع كل ذلك رقما صعبا عند أبناء جلدتها ، تعرفت عليها بموطنها الاصلى , وأنا مكلف من الرئاسة للعمل كخبير أمن ذاتي وتكتيك مضاد دائم بجبهة " تقراي " , للحماية وتقديم النصح والمشورة للقادة الميدانين الكبار المستهدفين , للافلات من القتل والتصفيات الغامضة أنئذاك ، فكان عملنا المشترك يمتد سويا ولساعات طوال نهاراً أو ليلاً , ولانفترق الا نادرا وأذا حدث ولو لسويعات معدودة .. , تقع المشاكل والكوارث الوخيمة وعلي هذة الخلفية أو الواقع الماثل كانت تكملني ..وأنا أكملها وفى كل شيء تقريبا ..
أذا ما أصبنا كتبت لنا الحياة وإذ أخطانا كتب علينا الموت , وكما هو واضح أصبح قدرنا وحتى مصيرنا وأحد .. , ولان أيامنا معدودة وأفق القادة الصغارعلى زواجنا , كشيء طبيعي فنحن نسكن الأهوال والاحراش والغابات , وحتى فى عداد المفقودين ولن نكلفهم الشىء الكثير , ولن يضار حتى مناخ العالم بتاتا من أرتباطنا ببعض ، مع كامل الضمانات بالطبع الكافية والتأكيدات دوماً وعلى حفظ الرتب والمقامات .. وهذا ليس بجديد يا صحبي ويحدث دائماً وفى أرق غابات وأحراش العالم المتمدين , هكذا كنا نظن أنا وهى .. , ولا ندرى بأن الايام والأحداث حباله دائما بالمزيد والموجع لنا حقا ..
-2-
هى بالطبع كانت لمفوضة والرتبة الأعلي , ولم يكن لمثلى وفى مثل تلك الظروف والأيام أو أى أحد كان , أن يجرؤ أو يفكر على تجاوزها أو تخطيها , ألا أنا فبطبعي المشاكس كنت كثيراً ما أشذ بتجاوزها ومعاندتها , رغم أنها كانت صندوق أسود للاسرارنا جميعا , فقد كانت بحق متنفذة وسلطاتها مطلقة , تحكم حتى بالاعدام ولم تستخدمه فى الواقع , الا ضدي أنا وحدي زوجها فيما بعد .. , كانت بارة بوطنها أولا ودائما , وفى أحلك الظروف وما أستطاعت لذلك سبيلا , ثم منحازة بكلياتها لبيتها كزوجة لايشق لها غبار .. , ولاننى تنازلت عن رغبتها طوعاً ً بعدم الانجاب , وملكتها عصمتها بيدها مكرة ومجبر .. أمام جمالها وسطوتها وجبروت سحرها الطاغى .. ، لكل ذلك أجد نفسى وهى حلالي وفى آحايين كثيرة , أتسولها الانجاب مجبر وعاطفة الأبوة الجياشة تغالبنى وفى عقر دارى, لتثور ثأئرتها فى وجهي ذات يوم وتصدني بعنف , ولتختار بعدها وأنا غير مصدق الفراق بعيداً عنى , وفى صمت محير وهدوء عجيبيين وبدون وداع ..
لأنها بصراحة كانت تفلسف الامور ببساطة شديدة وتقول بأنها , لا تحب فى مثل هذة الظروف والمواقف وداع من تعزهم , وشخصي الضعيف فى غربة سنين بعيدا عن بلادي وأهلى وناسي .., وبالتاكيد فى مسيس الحاجة اليها كرفيقة درب وكفاح مشترك طوبل ...
أذكر كل ذلك كان ببساطة ذات مساء يوم مشمس , غير عادى جئت مرهقا ومشيا على الاقدام ألاف الأميال من غرب " قجام " , بعد أيام وليالى طويلة ماطرة , والانتهاء للتو من مشروع تدريبي خلوي قاسي , ومناورات جبلية وأسعة بالذخيرة الحية لتفاجئنى على حين غرة المرأة العجوز صاحبة المنزل الذى نستاجرة , الجدة " اللميتوا " قائلة فى تحسر وامتعاض :
ـ أخذت يا أبنى .. حاجياتها ورحلت باكراً الى مكان ما فى الجبهة ... لم أعد أذكرة بالضبط هل فى " أقلاقوزاى " أو" دك أمحرى " , لتواصل حديثها وهى تصف .. وربما مؤاسية , وبحزن درامي مغادرتها الموجعة لى شخصياً .. , للحقيقة ومنذ سكنى هنا .. وهذة العجوز الشمطاء , لا تكف أبدا من أن تلهبنى دائما بسياط لغوها وتقريعها وثرثرتها لدرجة لاتحتمل , و لا تبشر أطلاقا بأخبار سارة الا نادراً جدا ، أخبارها كلها مفجعة وسليطة لسان والكل يتجنبها الا أنا .. .
كانت تعجبنى دائما بثرثرتها البانورامية للأحداث, وتعليقاتها اللاذعة الموغلة فى الغرائبية واللامعقول, وطريقة وصفها للأشياء المستحيلة التصديق , بتهكم متصنع قالت :
ـ كانت فى عجلة من أمرها والعربة تنتظرها .. لم تترك ياكافى المحن .. أى رسالة أو شىء من هذا القبيل .. لكن أحقاقا للحق كانت بنت بلد أصيلة .. لم تأخذ أى شىء معها ... " , كنت لحظتها أتندر داخلي بغبن :
ـ " يكفى أنها أخذت يا " خالة " معها .. قلبي وعقلي .. وحتى عمري .. اا" , والذى يبدو لى الان بأن هذة العجوز الشمطاء قد وجدت ضالتها .., لتنفس هى الاخرى عن كوامنها بطريقة أو ما .. , لذلك لم تتركني صراحة لشأني غير أن تؤاسينى وربما بطيبتها وأنا لا أدرى , ولتقول لى بعدها مستبشرة:
ـ ذهبت على ما يبدو .. وتركت لك يا أبنى...الجمل بما حمل .., فأنت فى هذة الحالة بالطبع .. المنتصر عليها .. " , هكذا يفكر أمهرة الشمال دائما ...
لكننى قلت داخلي بتوجد وحسرة:
ـ ".. انتصاري عليك يا " تسهي " .. وبكل المقاييس هزيمة .. بل هزيمة وكما يقولون منكرة فادحة ومره كالعلقم ..اا " , وبدوري شرعت بعدها فى فك أرتباطي بأثيوبيا كلها وطلبت النقل فورا لجهات معسكر " أتيانق "أو" البيبور" , لاستشف بعيدا عن كل هذة البلاد المسحورة بحق وحقيقة .. .
لم أنتظر أجابة من أحد كان كما أننى لم أتحمس لفكرة البحث الجاد عنها لارجاعها , لاننى أعرف بأنها ستتخفى عنى بعيداً فى يوما ما قريب لأنها مسيرة , ولم تختار لى شخصيا مثل هذا الفراق الهادئ الداؤى والمحزن حقيقة , ولكن هناك أناس بعينهم من المستحيل تسميتهم الان .. , وأخلصت فى ودهم وخدمتهم والتضحية بالدم والروح من أجلهم ، لم ولن يتركوني وشاني هكذا لأعيش هنياً وأسعد معها .. , ولكنهم خفيه وبعيدا عنى عقدو العزم أن يجازوني ذات يوم بحجم جزاء سينمار وأكثر .. , ولكن متى وأين .. وكيف ؟؟ فهذا ما لم أستطع أنا نفسى , خبير التكتيك الملهم حتى معرفتة ..
ولان قلب المؤمن دائماً دليلة كما يقول المثل ، فقد أستشفيت بعض من مبررات هجرها الغير مستساغة أبدا بالنسبة لى .. , والتى تمت على نار هادئية كما يبدوا وباكثر مما أتصور , فقلت بحرقة داخلي :
ـ " على أى حال .. لا عزاء دائما للغرباء ... وبالطبع من خرج من دارة صحيح . قل مقدارة ومهما كان ... , ثم وهكذا الدهر يا سعد .. " والكثير .. الكثير الموجع , كما أحلف على ثقة وصادقا وحتى الان بأنها لم تختار وعلى المستوي الشخصي البحت كل هذا البعاد والفرقة , ولكن هناك ثمة من يغير على مجرد حبي وارتباطي بها بشىء من الريبة والتوجس, ثم كيف حتى يسمح مثل هذا التعيس لنفسة كائن من كان , وهى زوجتي مجرد الغيرة والغبن المستتر وفى ذلك كلة .. , وعدم رضائهم لمثل هذة الزيجة الغير متكافئة فى نظرهم هم وحدهم على الاقل .., وشططهم حتي لرفيق كفاح طويل ومرير , أنة بالتأكيد شعورغير سوى بتضخم الأنأ , وغير مقبول ووحشي وحاجز نفسى عالي بالغبن للآخر ، فرغم أخلاصي وتضحياتي الجسام بالدم والروح من أجلهم ومن أجل قضيتهم .. , الا أنة غير مقبول أطلاقا ومهما كنت وأنا الغريب .. , وهى سليلة الدماء الزرقاء فى أعرافهم وأساطيرهم الشعبية القديمة , وهذا فى حد ذاتة خط أحمر عندهم , فشتأن حتى ولو أن تذهب الى قبرها ودوني , وأن أمسس .. وأنا حتى زوجها شعرة من رأسها , هذة هى دوما الكبرياء والشوفينية الانسانية الممقوتة , والضحلة التفكير والى يوم ولحظة , النفخ فى الصور والإعلان الداؤوى والأكبر ,.." اليوم لا أنساب بينكم " ..
-4-
كانت قد أختارت بالطبع بطريقة أو ما .. , أن تمارس مجبرة مع سبق الاصرار رحلة النزوح والانزواء بعيدًا , وفى دور آخر مختلف ومرحلة أن تهرب وتعيش منطوية أو لاجئة بلا هوية .. , ولأقول لنفس تب لك أيتها التضحيات .. والمجاهدات ..., ثم أستصرخ وأكرر وأقول بعناد لهيئة القيادة المصغرة فى " جوبا " و" فشلا " :
ـ أرجوكم أخرجوني من هذة الأحراش الظالم أهلها .. " , فاستجابو لنقلى أخيراً جدًا وبعيداً منفياً أو مغضوب على .., ولطيبة الذكر " الخرطوم " عموم نفسها , وأنا لا أعلم ولسخريات القدر بأنها هى وبشخصها الأثر , وبكامل حضورها والقها الجميل الملفت للأنظار , تقاسمني العيش فى الخرطوم .. بلدي ومسقط رأسي , ولايفصلنا بالكاد غير شارع أفريقيا , وهى تعلم كل ذلك وأنا يومها مدير شعبة عمليات أمن الظل فى الخرطوم الكبرى .. , ووريث أصيل لمكوين باشا واللواء ضيف الله وفى ضبط وربط ومهنية اللواء المعروف .. رصاص , .. ومع كل ذلك آخر من يعلم.. , لكننى تفهمت بعد ذلك حيثيات عيشها متخفية بالخرطوم , وعملها الجديد كنادلة وهى تنسي نفسها بأنها فى الأساس طالبة جامعية "فايلنست " أي نهائي هندسة معمارية , وبإحدى منتدياتها الحديثة الراقية بجوار نادي الخرطوم .. , تحزق ببرمكية تحسد عليها فنون القهوة الاثيوبية وطقوسها الموغلة , فى الأصالة والتراث العريض .. ، كانت مختلفة ومدهشة فى كل شىء وتسحر أنظار الرواد , من الهائمين حولها حدثني ذات يوما عنها أحد شباب شارع كترينا والخور, وباستعجاب مفرط يحسد علية وقال لى مبهوت : :
ـ " أمسك الخشب يا صحبي انها " آنا ريكو " الاخرى ، بل ما كنت أعرفة عنة هو بالذات بأنة كان متزن كليا وزاهد وملتزم .. , وقلبة معروف بعصية ولكن عندما حدثني عنها بشقف ولهفة , وأعترف لى بكامل حضورة بأعجابة المزهل بها ومن اللحظة الاولى , قلت لة :
ـ " أكيد أنها وربما تكون يا صحبي " تسهيئ " تلك التى أبحث عنها .. وقالو لى كلهم مرجحين رائي بأنها ربما تكون بالخرطوم عموم نفسها وانت لا تدرى ؟اا " ، بالطبع أندهشت يومها ووقفت مبهوتاً مشدوها عندما وأجهتها وجها لوجه , وهى تنكرني ومن حولي فى حيرة وحرج شديدين , وأنا السهل الممتنع أعزرها وعندما أتنازل واقول لها داخلي:
ـ " أخيراً مرحباً بك فى بلدك الثانى السودان .. ورغم أنكارك لى أين ستهربين منى بعد اليوم ؟" , لاوأصل القول وهى مستعجبة وتكاد تسمعني :
ـ " كما أننى بطريقة أو أخرى ومنذ اليوم .. واللحظة .. لن أفرط فيك مرة أخرى أبداً.. أبدا .." , أنتبهت لنفسي وما زالت مشدوهة لبرهة زمن .., لتستعيد فى ثواني ثباتها , وهى الحديدية الأصل والثبات وسيف لحاظها معروف ومجرب .., ولتعيدني وأنا الملتبس على مضض لتودعني فقط .. أمانيها العذبة الان للهجرة والمغادرة بعيدا ولعوالم أفضل ًوأرحب كما تزعم , تنتظر كالكثيرين كرت زيارة لملاذ أوربي آمن .. , كما أشاعت بذلك مرارا ولم أصدقها .. ، كنت فى الحدود مسئول الارتباط الثاتي .. , وألان مدير أول شعبة أمن الظل " شئون اللجوء والاجانب .. , ومعروف بينهم جميعا بالمهنية والانسانية .. والتجرد والنزاهة .. .
-5-
تجمعنا أمسية شاتئة حالمة عبقة , على أنغام الة " الماسنغوا " ورقص الاسكستا " الشعبى البديع .. , بمقهى "درق بنا بيت " المعروف والشهير للجالية بجوار حديقة القرشي بالخرطوم نمرة ثلاثة ، تزامن مع طقوس أحتفائية نهارية شعبية طويلة بعيد " الماسكل " الاثيوبى العريق ، وحرصي أن أكون دوماً بقربها ومن باب الفضول .. , كانت متزية بزى شعبي رصين أبيض يعجبني مؤشأة بالأخضر والأصفر والأحمر، وكانت تحرص فى الماضي التزيؤ بة فى المناسبات والأعياد , وكان لا يكلفني كثيراً تلك الايام سواء مشوار لضواحي " عدى خالا " , لشراءة والعودة راجلا لمدة أسبوع كامل وما أتكبدة , من أهوال الصدام مع قطاع الطرق شفتة " أرمجو "و "ولكايت " القتلة العتاة ، وهى التى تفاخر بى بطلاً لايبأرى فى الماضي القريب , تكف حتى عن مجرد مصافحتي والحديث معى وفى بلدي ، وفى أخرى تردف :
ـ "حقيقى لم أعد أصلح لك .. وضرري أكيد .. أكثر من نفعي وأسال غيرى ..؟؟ اا , وأهلك لن يغفروا لى تضحيتك بسببي المكلفة جداً .. والمرهقة تماما والتى سوف تكلفك على الاقل .. رتبتك العالية التى يحلم بها الكثيرين .. "
ـ "ولأنك تحبني وأنا كذلك .. فمن مصلحتنا صراحة أن نفترق .. فهكذا يكون فى نظرى معنى الوفاء .., وأنت الان بالطبع لن تفهم ذلك الا بعد فوات الاوآن .. ولله درك .." ..
بالطبع أفرط فى حبي وتشبثي بها لدرجة الهوس , حتى أن جهات العمل المتعاطفة معى , تخيرني بين العودة اليها والتنحي لوظيفة مدنية بديلة , أو نقلى بعيدا عنها وللجنوب فورا , وأمى قبل أبي تستعجب .. , وتحلف بأغلظ الايمان ممتعظة للجميع وبأننى فعلا مسحور منها , ومن أجلى تذهب وتزور أهلها الصلاح الفلاح أهل الكرامات .. , فهى سليلة الهميم وأولاد عجيب ونسبية " ألمك ".. لزم لجهة الحبوبات ومن بيت ملك ودين .. , وأهل سجادة وتختار لى بنفوذها الطاغى من أعز بيوت " ألمانجيل " الكبير و تقول دائما وبكثير من الادعاء والخيلاء :
ـ " .. ما نحن ... ناسا معروفين .. وأسياد نحاس ونجدة .. , وما بنرضى الحقارة وما بنضام وبنسدها ونقدها .. " لتضيف بوجع :
ـ " وحبوبتى " بره " .. ست قوز شندي المعروف تفول جد جدها " السميح " سأل شيخ أبوة فى العلم ... دايرك يا أبونا الشيخ تسال لى الله .. يدينى دار أبوي ...؟؟ قال ليه :
ـ ود عمك " العقيل " حي ما بتلقاها بعدة تجيك .. يا طويل العمر ....عشرة تعدلها وعشرة تخربها " , فكان كما قال .. أه أنت ياولدى حتما مسحور, وخوفى أن تخربها وتفارقك وجاهتك ورتبتك العالية الكبيرة .. .. " .
أما تلك التى كانت تعاندني بتحدي مزهل وفى شكل عصيان لا هوادة فية , وأنا الذى بيدي الان سلطات متنفذة لأحيل حياتها لجحيم لايطاق , أمسك وأحجم عن ذلك لأنها ببساطة شديدة , لم تعاملني بالمثل وفى أهوال بلادها المخيفة بحق وحقيقة , والتى لايستطيع العيش فيها الا الأسود الكواسر وباحتيال , ولا مجال حتى للنمور والضباع المرقطة وطوبى لك , وتلك الايام نداولها .. ..
بعدها تقول لى صديقتنا المشتركة والتى تجمعنا الان على خير " برتقالة"
ـ بالهداوة والاقناع دعونا نحل دائما .. مشاكلنا برؤوس باردة وأياكم والتعصب والانفعال ... فلحظات السعادة أقصر من ما تتصورون .." , تلك الأمسية تقول لى " أماندا " ورفيقتها بالجنب " قدي" :
ـ أنت حقيقة وفى شخصها كنت ومازلت تشملنا نحن .. ذوى الأرومة الامهرية .. بعنايتك وكرمك الذى لاتخطية العين ... أنك انساناً متفق عليك تحفظ الوداد والعشرة .. وهى تخاف عليك من نفسها , فهذة قمة التضحية لك فى أعتقادى الشخصى .. , كما أن السفر حقيقة من بلادكم أصبح عدم كلبن الطير .. ومن رابع المستحيلات..لولا مساعداتك ومجازفاتك المستحيلة لنا جميعا ..." , لتنتحي بى صديقتها ومحلك سرها الأخري " أسناكش " وتسالنى:
ـ ..أأنت تعرفها ؟ يعنى أصحيح بينكم سابق معرفة ؟ " , قلت وهى تسمعني :
ـ كنت أعرفها فى ماضي الايام .. عندما كان أسمها " تسهيئ " وليس كما يدعونها الان بـ " مولوا " وكانت زوجتي .. والان فمنفصلين بأمر منها أو من جهة ما لا أعلمها .. " عقدت الدهشة لسانها وقالت :
ـ أذن هى قصة على ما يبدوا وحكاية .. تنحنحت مواصلا :
ـ أقول لك صادقاً وهى تسمعني .. , وتعرف مع كل ذلك أننى لا أكذب أو أتجنى عليها , ولا أحسن حتى تزويق أو تزيف الحقائق , كان ذلك على أيام " منغستوا " والرعب الاحمر يستشرى هنا وهناك , تركت مجبرة وهى الطالبة فاينلست ـ هندسة معمارية , الدراسة بجامعة اديس اببا , مرغمة للانضمام للقائد " ملس " فى تخوم وغابات تقراى , وأختها الفنانة الشهيرة "وينا سبسبي " تبحث عنها بجنون, ما تركت حجر الا ورفعتة وفى يدها عفواً شخصيا من " منغستوا " , ولأنها تعرف طبيعة الأحقاد هناك فأنها ، لم تعد تصدق أحدا كان ، وتتدخل جهات عدة للوساطة والمساعدة فى أعادتها لأختها الملهوفة عليها , ويفشلون ودونك يا " تسهي " وتموت أختها فجاءة كمدا عليها ولسانها يلهج , قلبي على أخى .. وقلب أخى على حجر .., كانت بطيبتها تريد لها مستقبل آخر مشرق ومختلف تماما , ولاتدرى بأنها أصبحت زوجة تملك زمام أمرها وعصمتها كما أرادت , وتعيش معى شظف العيش بعيدا عن رفاهية المدن والحضر , فى مكان ما على حدود جبهة " مغلي " البعيدة الملتهبة.. .
أذكرها كانت جميلة فى كبر .. وعنيدة وشرسة فى تواضع , التقيتها لاول مرة ونحن على أبواب دخول الثوار منتصرين للعاصمة " أديس أببا " , المدينة الحلم التى لا أريد دخلوها دخول الفاتحين , فهذا محرم عندى وفى الشرائع الاثيوبية كلها أبتداً من أيام الراهب الاكبر " تكلا هيمانوت " وحتى الامبراطور تادرس وأياسوا والراس ميخائيل , وحتى منليك العظيم ملك " شوا" ـ الاسم الشعبى القديم لـ " أديس أببا " , والذين ماتوا دونها والتراب الاثيوبى معروف محرم ومقدس , وهم أهل ذمة , و" النجاشي " .. كما هو معروف عنة ملك معظم .. لا يظلم أمامة أو عند بابة .. أحد .
-6-
يومها كانت هى دليلنا الوحيد لدخولها بالقوة وعنؤ .. , وبرتبة رائد " شلكا " وأنا نقيب ضليع بفنون القتال الليلي بالكتائب المظلية الخاصة ، التى تحولت فى غمضت عين لكتائب مشاة زاحفة نحو أهدافها الجبلية القاسية , أماهى فقد أعتدل مزاجها فجاة للحديث وأخذت تكمل بالامهرية البقية ، لمن كانت تجلس كحاجز صد .. بيننا :
ـ ..أعملي حسابكي أنة يتقن الامهرية أكثر منى ومنك ، فانا أستاذتة وهو كان حقا تلميذ نجيب يطلب المستحيل .. ، نظرت بعيد وأخذت تنفس من سجارتها وكأنها تكسر حاجز الصمت لتردف بهدوء:
ـ أذكر القائد الميداني المرعب دابي الليل " ود عيسي صلاح " " نائب / قائد الكتيبة السودانية , يصرخ فى جنود الكتيبة محزراً بالانتبأة , والجميع متحفزين لدخول " أديس أببا " المدينة السهل الممتنع من أطرافها , فى وثبات تكتيكية كما فى تنوير القائد الثانى " كجو كرتكيلا ", وهو يشرح للجميع كيف ستكون الوثبات التكتيكية لتفادى القوات البريطانية الخاصة "جرزان الصحراء" , المتشبثين بقوة بحماية قصر منليك القديم وأفراد اللعائلة المالكة هناك , وحماية الأرشيف الضخم والوثائق الامبراطورية التاريخية .. , والكنوز والاسرار المقدسة الاورثوزكية الشرقية القديمة النادرة والتى لاتقدر بثمن .. , ثم بضجر يقول وبعد أن نفذ صبرة:
ـ " يا ناس الكتيبة .. الا ترونا كيف أولاد القائد " ملس " منضبطين ومؤدبين الا أنتم ..اا " , وبخنق يردف قائلاً وقد بلغ بة الصبر مداه:
ـ أولاد الكتيبة دى فوضجية خالص ومجرمين .. حيحرجونا ... , عايز لى ضابط كارب " ومقددة " من أولاد " الموردة " أمسكها ليه " , ويطلب فورا من التعلمجى الاول " أبوالبشر " , أن يجمع أمامة جميع ضباط الكتيبة 501... , ثم أخترتك أنت بالذات .. ولم تسالنى فى الماضي , لما أخترتينى من دونهم كلهم ومن المفترض أن لاتسالنى الان .. ..
ـ ثم عملنا سويا وبمهام مختلفة ولفترات طويلة بجهات ومواقع عديدة , وتزوجنا عن حب وقناعة بعد ذلك وبزمن .. , فأنت منذ عرفناك متدين , وأنا مؤمنة ولا حرج فى ذلك : ..
ـ وبالطبع أنفصلنا سريعا وبعد عدة أعوام لاتكاد تعدعلى كفة اليد الواحدة , لأسباب معروفة بعد ذلك لى ولك , وفى سرية وهدوءا تامين وتفهمت بالطبع واقعي الجديد , وضرورات المرحلة والسرية وترقيتي لمواقع حساسة كما يدعون , ليعودوا ليجردوني وبنفس السرية منك أنت كزوج , ومن وظائفي كلها لأسباب غير معروفة فيحيلوني بعدها للاستيداع .. , ولتواصل: :
ـ وأنا فى شرخ الشباب وقمة العطاء .. واتهموني جزافا بعدم الثقة , والمؤالاة لك فى يوم من الايام .. , نسوا حقيقة دوري ودورك وكل ما ضحينا من أجلة , ولكن الان جاءت نشؤة النصر وهيلمان السلطة والدولة النأشئية الجديدة , فليس هناك مصغي لاحد كان , كما أن قرارت الدوائر العليا عادة غير قابلة للحوار أوحتى النقاش ، فرغم تضحياتي جردت من رتبى كلها وأصبحت موضع تهم , ولا حماية لى وأنا الصندوق الأسود ومستودع الاسرار لما كان وما سيكون..
ـ وصراحي وضعوني أمام خيارين لاثالث لهما كعادتهم ، فاخترت الهرب كلاجئيه لالوز بعدها بالمهاجر البعيدة منفية .. , لاننى أصبحت وانا فى شرخ الشباب وقمة العطاء غريبة الأطوار وعديمة المعنى والجدوى , وألتفتت لى ولتقول لها وبالحرف الواحد:
ـ أنا بالصدق ربما ألوم الظروف ..., ولا الومة شخصياً لأنة أخلص لى .. وثانيا أحب إثيوبيا فى شخصي فهذا عندى يكفى ... فهو بحق مبارك فى الأرض والسماء .. ولن انسأة ماحييت , وقد يقول بداخلة مستهجناً:
ـ .. البنت دى عاملة من الحبة قبة .. الاترجع لصوابها .. وتعود معى لبيت زوجيتها ؟؟ " , أننى أقول له وبصراحة شديدة: :
ـ بسببك كان فقدي لكل شىء هناك ... وما أخشأة أن تفقد أنت الآخر كل شىء بسببي هنا .. فهذا بالطبع منطقهم الان جميعاً .. رغم ما يغلفونة من زيف ورياء ؟ , بل وأمعانا فى أغاظتى بعد ذلك سافرت حتى ولم تخطرني أو حتى تودعني.. .
بعدها ماكانت سواء عدة أعوام , لالتقي بالصدفة وحدها فى " أديس وركوا بنا بيت " بالديم وسط بالخرطوم جنوب بـ " برتقالة " .. , صديقتنا المشتركة القديمة لتسالنى عن أخبار تلك المتماهية دوما ، لافاجيئها :
أنها مغرورة ومزعجة بامتياز لم تودعني متمنعة , وألم تقول لى أمامك ـ " لن أنساك أبدا .. اا", فقد عت لا أصدق غموضها من جديد , ورغما من أنها تعرف طبيعة عملي ورتبتي المفصلية الحساسة .. , أرسلت لي كرت معايدة باعياد الكرسميس ورأس السنة .. , ليخترق بأعجوبة مزهلة حتى أجواء "جوبا " المتوترة .. , وأنا ملحوق بالفرقة الاولى الخطرة الحساسة ولحسن الحظ يستلمة الكماندر" دوت موق " , فهو يعرفنى ويعرفها فقد عمنا لسنوات بالقوات المدمجة" بفشلا" و" كافاكفنجى" , ولولاه لكنت في خبر كان , بطريقة أخوية عفوية جاء شخصيا ليسلمنى الرسالة , ويتطوع بقراءتها أمامنا جميعاٍ حتى لا يحدث أى لبث أو تأويل, فأولاد" الانواك" معروفين بإتقان الامهرية ، وهو يضحك قائلا :
ـ أتدرى يا صاحبي من مين .. ؟ ... ليلتفت فى ريبة ويهمس للكل
ـ " أنها من " تسهي " المتماهية دوما .. , ويتنجنح :
ـ " وأنها من القدس.. ", وأنا أقول بداخلي :
"وأنها أن شاء الله باسم الله الرحمن الرحيم " , فتكتب كاحد مشاقباتها المسلية : ـ
ـ ".. أرقد الان مستشفية ومنذ عدة أشهر , بمستشفى فى القدس الغربية لا تتخيلونة .. أشبة بهلتون الخرطوم وأكثر .. , لاستشف من وجعي منك , ولجوئي المستجعل لبلادكم .." , لتستدرك هفوتها بحصافتها المطبوعة:
ـ " .. وبالطبع حتى أعود لكم أكثر شوقا ولهفه .." , وقف الكثيرين أمام عبارتها المتهكمة ليعلق الرقيب " كجل " :
ـ "تعجبنى دبلوماسية حصيفة .. بتعرف تتبأصر شديد وتنفد من " المغارز " جميعها وكل المحن والكوارث والنكبات ..ا ؟" , ليردف " موق " :
ـ " أنت فى كدا ..ولا شوفوا سلاطة لسانها المجبولة عليها , .. بتتفسح قالت ـ " كيف عاملين مع أجواء " جوبا " الحارة .. والنكات الباردة .. , وشوفوها ..بتقلب فى المواجع كيف..., بلكنتها المحببة::
ـ " ٍسلام بلونجا " .. أى سلم على كل من يسال عنى .. , خصوصا البرقدير " أكيج " واللواء " دوت نيال نيال " ... قالت: :
ـ " لاتنسى العقيد ود العباسية " ود الحاجة " .. وأهمس فى أذنه .. كتبت .. لك .. وأذا لم ترد لن أكتب لك مرة أخرى ... فهذا موقف مبدئي تعرفة نماما .. تعليمات أخرى .. أنتهى ..
ليردف مستنكرًا :
ـ كمان أنتو يا أولاد " عباسية " فوق , .. ما قصرتو أبدا علمتوها كل شىء .. شوفوها بتقول شنو ؟ ..
ـ " أمس مررت بشارع السينمات رايتها مكتظ بالرواد من الجنسين .. , تذكرت أشياء كثيرة .. دعوات التعارف وحفلات الشواء المتكررة بالدجاج المخلي .. , وصوص الباربيكيو الاحمر الاورشستري الحار , لكامل الدفعة " ـ 7ـ طوبوغرافيا " , .. أيام أمدرمان ومعسكر " فتاشة " والعوازيم المختصرة بالكوخ الفرنسي بالعرضة , وكل المبادرات الرسالية ودروس التوجية والمحاضرات التعويضية المفتوحة بميز " كسلا " والتى لا تنسئ أبدا.., وجنابو العميد " ود الشطيب " يصنفها عن آخرها بالموبقات والمهلكات , ويصرخ مستنجدا ومستعجبا:
ـ " .. ها ناس والله حيرتونا معاكم .. محاضراتنا وكلامنا وتعبنا القلناهو كله ..
حرم طلعوهو أولاد دفعتكم .. " الحناكيش " مستجدى النعمة .. تعب علي حاصي الفاضي ..؟؟ اا " ..
ليردف موجها حديثة هذة المرة لمن يجأوره :
ـ " .. سمعت كمان يا شيخ " قدالة ؟؟ اا..
.. " كجل " قال شنو ؟؟
كجل " .. قال ماشي .. السينما ..اا ".. "ـ
حينها فقط .. , تفرقعت الضحكات
ولما لا نهاية .. .
ألجزء الثاني " تمــت ,,,
فتحي عبد العزيز محمد
الخرطــوم – حديقة أوزون
10 /1/2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق