الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

صاحب النية بقلم رتيبة بوحدادة

 صاحب النية

بقلم رتيبة بوحدادة
كصبي لتوه خرج لدنياه
غير فاقه بما سيلقاه
مبتسما لكل ذراع تتلقاه
محبا لكل روح تراه
ودودا، لا مكر في وده.. فتخشاه
كريما، لا مقابل لكرمه يترجاه
صبورا اذا حرم ما يتمناه
كتوما، لا يشكو جرحه لسواه
فلا تخف يا هذا منه
ان أنت بقبح تكلمت عنه
قلبه لا يزال طيبا رغم الخبث
ويده لا تزال ممدودة رغم الكبت
ربما كنت كارها، حاقدا أو حاسدا
وهو يراك خليلا، صديقا، صادقا
فلا تفسد صورتك، ولا تبدي حقيقتك
و أتركه على نيته...... بجمال يرسمك

قراءة في قصيدة كبرياء امراة للشاعر العراقي المغترب ضياء تريكو صكر بقلم الكاتبة منيرة الحاج يوسف /تونس

 كبرياء امرأة

---------- ضياء تريكو صكر
****************************************************************
ليسَ الأذى مِـــنْ بعضِــــــهِ أنّاتي
-------------------------- ومِنَ السَّــقامِ تراكمت آهـاتي
يا مَنْ حسبتَ الحِـلمَ ضعـفاً أنني
-------------------------- كنتُ ازدرَدْتُ الدَّمعَ والعَبَراتِ
أبتِ الكُـلومُ بلجـمِ لسْـنيَ بلسـماً
-------------------------- لبّيكَ صَمتي، ســـيّدَ الكلمـاتِ
إلاّهُ شـــرعـكَ لمْ يكُـنْ لي ظالمٌ
-------------------------- أفلا كفتكَ العاتيـــاتُ بذَاتي ؟
كم ضامني سـُمْتُ الملامةَ نشزَها
------------------------- سلَفَ الظلامُ وقد تداعى الآتي
فهلِ الكوالـحُ مـا فتئتُ ألومُهــا؟
------------------------- أمْ هلْ أعاتبُ بيضَها صَفحاتي؟
متشـدّقاً بالحبِّ خســفاً ســامني
-------------------------- ليلٌ قســـا وغياهبُ الظُلُماتِ
حـبٌّ، وإنْ نزَقاً، حســـــبتَهُ غايةً،
------------------------- والجرحُ بي، ما عـادَ مِنْ غاياتي
ما كانَ في الحُبِّ امتهانٌ سـيّدي
------------------------- وخطوطيَ الحمراءُ مِن حُرُماتي
عَـزَّ الكلامُ إذا الكـرامــــةُ كـابرت
------------------------- والكبرياءُ أطــــالَ في مأســاتي
لا تأتِ بالأعــــذارِ فاتَ أوانُهـــــا
------------------------- أحـرى بكَ التقبيلُ عندَ رفـاتي
ويحي أنا، كَـلْمـاً تئنُ مشـــاعري
------------------------- خَـنَّتْ تناغـي لوعـــةَ الويـلاتِ
إنّي ســـــــــألتُ اللهَ صَـبراً مَلّني
------------------------- حتى غـدا في الذِّكـْرِ كلَّ صلاتي
قدْ ينفـعُ التذكيــرُ أني حـــــــرّةٌ
------------------------- تبت رَحــا الأعـرافِ والعـــاداتِ
والحِــلمُ وِردي والوفـــاءُ منابتي
-------------------------- والنضـجُ ربوتُهــا، عَلت آياتـي
قراءة في قصيدة كبرياء امراة للشاعر العراقي المغترب ضياء تريكو صكر
بقلم منيرة الحاج يوسف /تونس
ليس سهلا أن يخلع الشرقي عباءة أنانيته وسطوته الذكورية، وليس سهلا أن يتمثل أنات الأنثى لأنه دأب منذ عصور على التطاوس والاستقواء بما منحه المجتمع من سلطات يهيمن بها على كل شيء حتى القلوب
ولكن الشاعر في قصيدته يفاجئنا، ويحيد عن المألوف إذ يرتدي بجرأة عاطفية لافتة معطف الحس الأنثوي الدافئ ليصور ما يجيش بقلب عاشقة من مشاعر متضاربة إذيستبطن دواخلها ليكشف جحيم عذابها حينا وبرد يقينها حينا آخر لأن العشق مهما نبت بين ضلوعها وأشعل نيران وجدها لا يأتي على كرامتها وكبريائها بل يزيدها نضجا وإصرارا على الإيمان بذاتها فلئن كان الحب قدرا لا يختار القلب الذي يستقر به فإن النضج ممارسة واعية وإن كانت مؤلمة ولعل أسلوب النداء يكشف البون الشاسع بين المنادي الذي لا يخرج عن دائرة الظن والوهم والمنادى وهي الأنثى القوية الصبورة الواعية بقيمة الصمت متى أصبح الكلام ثرثرة لا طائل من ورائها. فالصمت في حرم الجمال جمال يزين الأنثى ولا يعيبها إذ تحوله لغة فريدة تتفوق في معانيها على كل الكلام وهل أجمل من لغة العيون لغة بين العشاق متى تكافأت العاطفة ؟
نوع الشاعر أساليب القول على لسان الأنثى فراوح بين الخبر والإنشاء وتواتر الإثبات والنفي وتكرر الاستفهام وتوفر النهي وتزينت الابيات بأحلى الصور الشعرية التي أفصحت بحق عن كبرياء الأنثى وشموخها وهي تنأى بنفسها عن كل ما يذلها أو يحط من شأنها ولو كان حبا مغروسا كالخنجر في أبهرها أوحبيبا متشدقا بالحب مجانبا لعمق معانيه وقداسة مضمونه
إذ تواجهه في عنفوان لافت قسوته وصدمتها فيه وتلوذ إلى محراب دعائها كلما أوجعتها الويلات وتأذت مشاعرها.
برع الشاعر في تقمص شخصية المرأة العاشقة التي لايذلها عشقها بل يرفعها إلى درجات عُلى من النضج والوعي لتتجاوز جروح قلبها وتجتاز ما عبدته لها العادات والأعراف بتحد ولامبلاة كبيرين رغم شروخ العاطفة وقروح العشق.

قراءة نقدية بقلم الدكتور ناجى عبد العاطى لنص الكاتبة التونسية خيرة الساكت " من وحي الشوق "

 قراءة نقدية شرفني بها الدكتور ناجى عبد العاطى

لنصي " من وحي الشوق " مشكور جدا
×××××××
يسعدني أن أتقدم بدراسة نقدية متطورة للشاعرة التونسية "خيرة الساكت" في رائعتها :من وحي الشوق : واليكم النص :
~ من وحي الشوق ~
لأني أحبك
أمشي فوق الماء دون أن أبتل
أقف في وجه الرياح الشمسية و لا تحرقني
و أطير حول السماوات لألامس سماء قلبك
لأني أحبك
يقدم القرش الأبيض التحايا للانسان و لا يؤذيه
نتخذ أطفال الشوارع أبناء لنا
و لا ننجب حتى يخلو الشارع منهم
نزرع الورود بدل القمامة
و نبني أعشاش الملك الحزين فوق العرش
لأني أحبك
أخيط ثيابي عند عنكبوت من جزر سليمان
و أطهو طعامي فوق شفتي تمساح أمازوني
أعبد الطريق للملائكة نحو المريخ
و أرتق ما تمزق من عذرية الغلاف الجوي
لأني أحبك
أمرت العلماء باستنساخك
حتى تنعم جميع نساء الكون بالسعادة
سقت ذكور الكوكب في صف طويل نحو المحيط
لتنظيفه من البلاستيك
نظمت لقاء رومانسيا بين الغيمات
فأمطرت حبا و ألماسا
لأني أحبك
تعانق الأفعى الأسد
يمارس الحب معها بشبق
يتذوق عسلا بدل السم
و عندما تتفطن اللبوة للأمر
تتخذ طريقا نحو المختبر
لاستنساخ رجل وسيم بجسد شفاف
لأني أحبك
تتوقف الساعات عن العمل عندما تبتسم
يعود النهار أدراجه
يصير كامل اليوم ليلا
تسرق النجوم المضيئة لمعانها من أسنانك
فأناجيك لأربع و عشرون ساعة
لأني أحبك
اعتدت أن أصنع لك قلادة من زهر الليمون
و أنظم لحنا على إيقاع ضحكاتك الرنانة
كتبت لك قصائد و علقتها على نيازك أندروميدا
عدت إلى شفتيك أتأمل تشققاتها
و أخطط لإقامة مملكتي فوق شعيرات صدرك
لأني أحبك
سأسقيك اكسير الخلود
و أتجرع أنا سموم الموت
سأموت حتى تحيا أنت
و أهبك الحياة ...حياتي أنا ..
خيرة الساكت _ تونس
=========
التعريف بالشاعرة :خيرة الساكت شاعرة تونسية متألقة لها عدة دواوين من الشعر وكتابات اخرى متعددة .
تحليل النص :
=========
تسيطر على الشاعرة عاطفة الحب والشوق ووصلت الى درجة الثمالة وفقدت السيطرة على نفسها :فأصبحت في ظل هذا الشوق تمشي فوق الماء ولاتبتل وتواجه الشمس بأشعتها ولاتحترق وتطير حول السماء لتلامس سماء المحبوب كل هذا لأنها تحبه -وأخذت الشاعرة تداعب عناصر الطبيعة من حولها فالقرش الابيض يقدم لها التحية وأطفال الشوارع أبناؤها - ثم تنتقل بنا الشاعر عبر خيالنا الواسع وتصويرها المبتكر الى نشر الخير في ربوع البلاد فتزرع الورود مكان القمامة وتبني أعشاش الملك فوق عرش سليمان وتخيط ثيابها من جزر سليمان -وتنتقل الشاعرة متألقة بهذا الخيال فتأخذنا إلى بعض الخوارق الطبيعبة وابتكار بعض الصور :فهي تطهو طعامها على شفتي التمساح الامزوني وتاخذ طريقا عبدته الملائكة الى المريخ وترتق ماتمزق من الغلاف الجوي
لأنها تحبه -لازالت تسيطر على الشاعرة شدة الشوق الى حبيبهاالذي ملك عليها قلبها وسيطر على كل كيانها فتطلب من العلماء ان يستنسخوا صورا عديدة منه كي تنعم نساء العالم بهذا العشق وذلك الشوق لانها تحبه - وأخذت تسوق الكواكب والغيمات لتمطرحبأ لانها تحبه وتجعل ااشاعرة جميع عناصر الكون من حولها تشاركها هذا الشوق وذلك العشق -ثم ترسم لنا الشاعرة صورة مبتكرة لتجسيد الحب بين الكائنات ذلك الحب الذي جعل الأفعى تعانق الاسد ويتحول السم عسلا ولاتغار اللبؤة من ذلك بل تتخذ نسخة من هذا العاشق مثلا لها في جو تسوده المحبة والوئام - لازالت الشاعرة مغمورة ومخمورة بهذا الحب العميق الذي يجعل الساعات تتوقف عندما يبتسم ويعود النهار وتستمد النجوم ضوءها من لمعان أسنانه فتناجيه لأربع وعشرين ساعة لأنها تحبه - اقتربت الشاعرة بوجدانها الملتهب عشقا وشوقا من حبيبها لتصنع له قلادة وتنظم ألحانا من ضحكاته وقصائد تعلقها فوق النيازك-
-تعيش الشاعرة حالة من العشق الجنوني فتقترب من شفتي حبيبها وشعيرات صدره لتصنع لها مملكة من العشق تفوق الخيال لانها تحبه -ثم تصل الشاعرة إلى لحظات العطاء والتضحية فاخذت تسقيه اكسير حبها الخالد وتتجرع السموم وتضحي بحياتها ليحيا هو بعد ان وهبته حياتها .
تعليق عام :
========
أبدعت الشاعرة في اختيار الالفاظ المعبرة عن الحب والشوق فجاءت الالفاظ سهلة وواضحة - تميل الشاعرة الى التعمق في الخيال ورسم الصور المبتكرة - تحب الشاعرة التفاعل مع عناصر الطبيعة من حولها الاسد والافعى والغيوم والنيازك والمطر والشمس وتربط ينها في صور ابتكاريةرائعة -
القصيدة تبدو وكانها قطعة موسيقية رائعة مكتملة الألحان او لوحة فنية نسجها رسام بارع بريشته فلاشك ان الشاعرة تتمتع برصيد ثقافي كبير وموروث علمي رائع ولديها خبرة في مجالات الحياة وتحب الخير والحب والوئام وتتمنى ان يعم السلام والسعادة البشرية جمعاء
واخيرا اتقدم بالشكر والتقدير للشاعرة التونسية المتميزة خيرة الساكت واتمنى لها دوام التألق والإبداع ..


قراءة نقدية في المجموعة القصصية (حبرٌ لا ينضب) للكاتبة (خيرة الساكت) بقلم الدكتور رائد الخزاعي

 قراءة نقدية في المجموعة القصصية (حبرٌ لا ينضب) للكاتبة (خيرة الساكت) بقلم الدكتور رائد الخزاعي

مشكور جدا
===
إن النصوص الأدبية ذات طبيعة خاصة تجعلها قابلة للتأويلات المختلفة ،فالنص الأدبي ليس نصاً مغلقاً على معنى واحد،بل هو حمال أوجه،يمكن قراءته بأكثر من وجه،ومن اكثر من زاويةسواء كان ذلك من قبل قراء نفس العصر اوممن يأتي بعدهم،وبأمكان كل ناقد وقارىء للنص أن يكتشف جوانب لا تتيسر للاخر،كلٌ حسب سياقاته التي نشأ فيها هو أو النص،فكل ناقداو قارىءسيكتشف قيماً جديدة،ومعانٍ جديدة،فالنص الادبي الإبداعي يمتلك من المرونة ما يمكن ان يطوعه حسب الرموز المختلفة والاقنعة المتباينة فيمكن للناقد تثبيتها في اسقاطات متنوعة حسب ما يريد،تقرأ شخصية المستعمر،وزمان الاستعمار،والاحداث التي يفتعلها من سرقة وقتل في (حجر الرجم)،والحديث عن الجذور التأريخية والصراع القومي الديني في (الوهم)،وعن خونة الاوطان في شخصيات القردة تلك المجموعات التي تعين على قومها في (خونة الغابة).
والحديث عن الايمان والالحاد في (دعني مطمئنة).
إن كل ما نقوله هو عبارات مكررة عبر الزمن،والكاتب يعد وحي الجمهور،والمستلهم منه مادته السردية،ليصوغها وفق انموذج نوعي حسب ما يرتأيه،ويرى شكلياته،اي يشكله حسب ما يريد،فيشير الى مايتقاطع معه بنحو من القباحة ويظهره للقارىء حسب رؤيته هو،ويستعمل هنا رمزاً وهناك قناعاً،حسب الظرف الاجتماعي والسياسي الذي يتمتع به الكاتب.
فهنا يشير وهناك يصرّح،وفي موضع آخر يدلِ من طرف خفي لا يكاد يبين،ومرة يسوّق تأريخه ويروج له، واخرى يصدر عقيدته ممزوجة بزخرفٍ سردي أخّاذ،وحالة ثالثة يحاول ان يستنقذ حقاً او يجاهر بظلامة مستلبة،فالكاتب رسول لما يكتبه وترجمان لحال الانسانية،فهو المتحدث بما لا يسطيعه الاخرون لسببٍ او لآخر.
قصص(حبر لا ينضب) للقاصة التونسية خيرة الساكت،رزانة في السرد ودقة الوصف،ولغة سهلة بعيدة عن التعقيد متماشية مع التفاصيل السردية صغيرها وكبيرها،كما يلاحظ المطلع على هذه المجموعة،التي تؤخذ من قريب،حيث وظفت الكاتبة لغة تخدم الافكار التي ضمنتها والتي تريد الافصاح عن جوهرها السردي،تضم المجموعة اثنتان وعشرون قصة متفاوتة قليلاً في احجامها تبدأ منطلقة من (قصة الوهم وتنهي بالبقدونس الاحمر )تنطلق من افق اوسع وتختم في البقدونس حيث لا مقاربة ولا شبه ما يدعو القارىء الى التساؤل والحيرة في عمود الالتقاء ونقطة الاجتماع في هذه المجموعة.
تحمل هذه المجموعة بين دفتيها طاقة إدهاشية عالية،من شغف بالتأريخ وحرقة لمظلومية،وتعلق بالوطن والطبيعة،تمكنت الكاتبة من خلال حنكتها كقاصة شابة وتمتلك الجدية والصدق والمهارة من الولوج الى المتلقي من خلال تمرير افكارها والتنديد بما تكره واظهار ما تحب والاعلان عن مطالبها في نصرة الجنس الانثوي والتنديد ضمناً بما للذكور من هيمنة تسحق الاخر وتلغي دوره،لم تتماهى ولم تتختفي انما كان لها صوتها وجودها السياسي والاجتماعي والاقتصادي،تريد ان تقول: إن في المعترك طرفان هو وهي،ولن تنتهي هذه الحرب مادام الظلم قائم.
القصة لدى خيرة الساكت جنس سردي ممتع،ترجع الى تفتقها الذهني،الذي جعل قصتها متميزة ومتألقة،بل هي رائدة من حيث البراعة الفنية،وتسلسل الاحداث الذي تنظمه بشكل متتابع، فالذي يشد القارىءان المجموعة متنوعة،وثرية جداً وسر الثراء تنوع الافكار،وفرادة الحكايات،والمعرفة التي تضمنها الكاتبة بين متونهاالحكائية،فالقصة على قصر حجمها تدخل فيها الإثارة والتشويق والحبكة،تعبر عن الوعي الثقافي بابهى صورة،وتتدفق عندها القيم،تلمس ذلك الخليط الرائع بين القوى الانسانية في التزاحم الوارد بين اهل الحق واعدائهم ،تتحدث عن الضحية وتصف الجلاد وقسوة بني البشر،تبدي التعاطف وتظهر الحنق،فيستشعر من يقرأ لها احساسها ويسمع نبض قلبها المتألم.
تضع بطل قصتها في زاوية قاتمة،حتى يكون دوره او ظهوره كانفجار يهز كيان القارىء فيصدمه ان البطل قد قُتِل منذ بداية القصة وان حبيبته تنتظر السراب الموهم والغائب الذي لا يعود،قصصها واقعية وطازجة تعيش معنا في كل آن ولحظة في يوم تسمع عن وهم اليهود،وتسمع عن مقتل اهل فلسطين،تخاطب الجمع وتحرك احساس الجميع لينهض ويسترجع إرثه المغتصب،.
الكاتبة التونسية (خيرة الساكت) بما تمتلك من يراعٍ ماتع،وأسلوب سردي مبهِج،تمسك إزميلاً لتخط على الصخر أحرفاًبحبرٍ سماوي وتصور المشاهد باسلوبٍ سردي عالي الدقة،تبتدأ مجموعتها القصصية،بالوهم (التأريخي)وتسرد قصة من نصوص العمل السياسي الذي يحتدم الصراع فيه عقوداً من الزمان،قصة أرضٍ مغتصبة وشعب مظلوم،وهذه القصة من الانساق المضمرة في العمل على ثيمة أن اسرائيل لا وجود لها وليس لها تأريخ وليس لها شعب حقيقي!
وهنا نص سياسي جميل يحاول ان يضرب الآخر ويشير الى ان اسرائيل نشأت من حكاية
ابتدأها طالب الدراسات وختمتها نورة بالبحث عن جذور الشجرة الخبيثة حيث لم تعثر على خريطة ولا تأريخ ولا دولة فهي وهم من أولها الى آخرها.
أما (إهداء)فهو الحب الممتد الذي لا تميته الأيام والتحدي الراسخ للنسيان،والذي يصمد ليزيح الرمال عن الغدير ويروي من يبحث عن الحقيقة فالعاشقة تستمر على كتابتها وتدوّن الاهداء الى الحبيب والعشيق الغائب الذي تتتوقع عودته في كل لحظة وتقفز بعيداً الى رحبة قلبه وتناجيه مع غيابه عنها الا انها تستشعر قربه،ومع اصرارها تخرج اختها من صمتها وتصرح لها ان الحبيب انتقل من هذا العالم الى عالم اخر،قتله اهلها!فتتحول في ارسال الاهداء من الجسد الى الروح،ومنعالم الى عالم من عالم الدنيا الى عالم الآخرة (الى روح صاحب الرواية).
وفي حجرالرجم، عناصر القصة الراوي والجدة والشياطين،هؤلاء الذين يحاولون ان يستلبوا رمزية الطهر وبدايات الترقي الإنساني الذي يحاول ان يعرج الى مقام القداسة،حيث القرب من مظاهر التجلي والاصطفاف مع الملائكة للتقديس والتهليل للخالق العظيم،والدلالة المركزية وقطب رحا الحدث هو حجر صغير تستخدمه الجدة في القرية اذا قرب وقت صلاتها للتيمم استعداداً لصلاتها.
خطورة هذا الحجر تكمن في أنه يرجم به كبير الشياطين،الطهارة التي ستزيح الدنس،لذا جاؤوا للبحث عنه وقد ارتدوا لباساً آخر انهم ينقبون عن الثروة يريدون ان يبنوا مصنعاً للحي وهنا تظهر علائم فسادهم ومصائب وجودهم في القرية،يشيع القتل وينعدم الأمان،انهم يبحثون عن ...، قد قتلوا المُذكِر وسرقوا الحجر وضاعت القرية ولم يَعد هناك ما يُخيفهم فكبيرهم لن يُرجَم
يا لكِ من قبرةً بمعمري
خلا لك الجو فبيضي واصفري
في خونة الغابة،تناول النص نظرية تعديل الجينات التي تفسد الاشجار لتقضي عليها فيما بعد،بسبب دخول اجسام غريبة الى الجسد الأم،فتغير في مسارات انظمته،وتعيق نظامه الطبيعي،فالأمة التي تشترك في تأريخها ولغتها وعناصر وجودها حينما تلج اليها الثقافة الغازية تربك رتابتها وتهز كيانها،بسبب انعدام التأقلم واستحالة التجانس مع اضمار النوايا والاطماع فيما عند الآخر فمن المؤكد ان تأتي الجرافات بعد ذلك لتكتسح كل شيء امامها (فالنظام العالمي) يزيل التاريخ والحضارة ويستبدلها بوجوده وحضارته المراهقة ويحلها محل الحضارات التي اكتنفتها الشيخوخة.
حوار بين الملحد والمؤمن لا يظهر ايمانه بنقله،قوانين الفيزياء الى خارج ما يؤمن به،تقول له دعني مطمئنة وما هو الايمان؟ حيث تضع لنا تفسيراً ناداً وجليلاً له الا وهو الاطمئنان،وحتى في كلام البطلة مع جدتها التي تذكرها بالنصيب والزواج وضرورة ان تعمل لذلك الا انها متمردة وغير ناظرة الى كل ما تقول لها ودائما تواجهها بأتسامة،لانه مطمئنة وتعيش الاطمئنان لقد تغير الزمان ولم المرأى انثى للذكر لقد اصبحت كيانا وله اركان لقد تعلمت وعملت، وشاطرت الرأي،ولديها رؤية حول الوجود والعالم.
فرعون والرقم الخاطىء،الحلم داخل الحلم والاستغراق والنزول الى العمق،هذا الحلم المركب والصراع الجزائري الاسباني حو الصحراء الغربية التي يعيش فيها الامازيغ،هناك فرعون يرتدي القناع وله نفس الصفات من الظلم والاستحواذ وسلب الحق من اهله،حيث الى الان لم تسترجع .
العنوان يُبنى على شفرة النص،انتقاد مضمر للأنساق الدينية التي تدّعي أن مصدرها هو الله تعالىفي حين تجدها متناقضة في دعوتها.
المسيحيون ابتعدوا عن،روح المسيح واليهود يتهمون المسيحية ،والاسلام دخله التطرف وصارت تتحكم فيه الاهواءوصراع المركزيات ودخول الايديولوجات.ان رضاء الله ليس في البنايات الفاخرة او التلاطمات الفكرية،انما في سد رمق الجائعين ومساعدة الفقراء،وتتناغم مع الكاتب دايل كارنيجي في مفردة من مفردات صناعة السعادة للفرد من خلال اسعاد الجماعة.
تبدأبغفوة ومفاجأة عزائيل ويزداد الالم بعلم قرب الموت ثم تبدأ الانفراجة بعد ان تُيقظها (ريتا)فتصبح لديها عودة جديدة للحياة بعد الموت وقد منحت فرصة جديدة للعودة.
وتثور الكاتبة على النظام الطبقي المنغلق على ذاته،وتكشف الصراع العنصري الذي لا زالت البشرية تتجاذب معه سلبا وايجاباًوتسلط الضوء على بقعة خافتة تسبب ارقاً لجموع غفيرة من بني البشر ممن ليس لهم الاختيار في خلقتهم.
وفي شخصية الشابة نجيبة رمز للقروية الضائعة التي تُباع في سوقنخاسة العم لخدمة الرجال،وهي بمثابة صرخة على الواقع،تطرق كل الابواب لصناعة الحياة كي تحصل على لقمة تشبعها وترضي زوجها اللاهي،تقاوم ...وتهرب...ثم تنحت الحياة وتصنع تأريخ الفتاة الامازيغية الجميلة التي تنتصب امامها صورة ضحية انوثتها امام غطرسة الذكورية الصماء المتألهة،تحصل على المال من صناعة العرائس اللاتي ترى فيهن جمالها وتحاول ان تهب لهن ما لم تحصل عليه من لحظة التانق والسعة،تضع لهم التاج وتغدق عليهن اكاليل الورد وتنتشي روحها بالفرح،لن تغيب شخصية نجيبة هي تريد ان تصنع العرس وتنشر الافراح التي تطرد شدة تألمها،لكنها لم تستمر على شراء الطين،وحبذا لو استمرت على شراءه،كانت نجيبة تصنع العرائس لتضع في كل بيت اثر لنجيبة التي ذهبت مسرعة لتغوص في النهر ولن تعود فانتشرت روحها مع تماثيل عرائسها توزع بسمات على وجنات الصغرا والكبار وترش اللعنات على من يظلم النجيبات.
قطعة القماش رمزية ناطقة تطلقها المرأة في مجتمع شرقي عربي،وموقف العامة من كسر القيود والتابوهات،انها تحيا حياة شأنها شأن اليفها الرجل،تريد ان تعيش حرة هي لم تذنب كونها انثى،هي تحمل حضن الحياة وروح الجمال،تحب الموسقيى والنغم،تقرأ وتشع مخيلتها بالعلم والنقاء هذا لا يروق للعمدة،هذا يعارض العادات البالية،ويحطم الهيمنة بفأس ابراهيم،لكن هناك امل،لانها تسمع اغنية الحياة المفعمة بالحب.
في هاييتي الصرخة الباهتة والهروب باتجاه الحياةالكريمة بعيداً عن الجوع القاسي،واعتزازاً بالجسد الاسمر الجميل وحفاظاً من العبث،قفزت الفتاة من النافذة نحو حياة اجمل و احتضت السماء علها تجد من ينصفها بين النجوم فتغدوا لامعة لانها طالما عشقت ذلك وتمنته،عنا تجليات العنصرية المقيتة التي يزقها البيض على السود وحنق على المستعمر ذو الكرش المتدلي المتخم بما يحن اليه اهل هاييتي من لقمة الكاتب غاصت في نفس الفتاة واستشعرت لحظة خوفها الممزوجة بجوعها فختمت لها بموت ربما هو ارحم من الحياة الممزوجة بالعنف والزلازل.
المستشارة تعيش عقدة! الحب وهي المانحة فقط، تعشق الرئيس لكنه لا تروقه الافريقيات ،يروق له فقط ثروات الافريقيين لكن لا تروق له الافريقيات مع جسدها المنتصبو بريق عينيها،ولونها الالمعي،هي جميلة لكنه لا يعيرها اهتماما،تقدم التنازلات وتبدي المشورة الخالصة ولكن انى للمستعمر ان يرضيه القليل انه يريد الكل،ولكن لخدمته فقط ! يتنعم بالثروة ويستمتع بخدمة الجواري
هو لا تروق له الافريقيات لانه من ذرية الالهة العظمى يمارس دور العظيم! وقاهر الشعوب والقلوب يأخذ كل شيء الحب والمال ويأمر بما يريد هم فقط.
إن هذه المجموعة القصصية،تعتبر من المراجع القصصية،لأنها استوفت جميع سمات المجموعة القصصية نجد الشخصية والزمان والمكان والحدث وبلا اطناب من الكاتبة خيرة الساكت قصد ملء الاوراق.
تناولت المجموعة المعاني الانساني بغي التأثير في نفوس المتلقين،بابداعية المنتقي التي تجعلهم يتفاعلون مع ما تكتب(خيرة) فهي قريبة جداً من الواقع بكتابتها،بقية القصص تناولت ظواهر وقضايا متنوعة تنم عن ثقافة واسعة تتحلى بها الكاتبة،فيها الحبكة لكنها سريعة الانفراج فهي سلسة ودقيقة في الوقت ذاتها،تتسرب باسلوبها الى شعور المتلقي فتجعله يحزن لحزن الشخصيات،ويفرح لفرحها،وبالنتيجة فأن مجموعة(حبر لا ينضب)كتبت بلغة مؤثرة فيها نسبة شعرية،واستثمرت فيها جماليات اللغة السيميائية،من وصف وبناء وحركة السرد وبنية حدث،ونمو حبكة،وانتقالات دقيقة،بين الزمان والمكان لتشكل خير داعم لقضايا الانسان والانسانية جمعاء ورداً قويا جباراًعلى الجور والقمع وكبح الحريات ومصادرة حقوق الآخر.


قراءة نقدية في ديوان " بيلسان ملفت " للشاعر مهدي غلاّب بقلم الكاتبة خيرة الساكت

 قراءة نقدية في ديوان " بيلسان ملفت "

للشاعر مهدي غلاّب
بقلم الكاتبة خيرة الساكت
=== حوارية المبنى و المعنى من انعتاق الحرف إلى انبثاق الصور ===
* مقدمة
خُلِقَ الإيقاع قبل نشأة الكون و أعلن عن نفسه مع الانفجار العظيم .
مع قدومنا للحياة وجدنا أن الإيقاع يتحكّم في كل ما يحيط بنا فكان لزاما علينا أن نلبي نداء هذه الموسيقى الكونية .
هكذا هي كتابة الشعر تلبية لنداء الكون و الإيقاع
و إعلان عن وجودنا و هويتنا .
هويّة الشاعر شعره و هي هويّة خاصّة تخضع لعوامل مميّزة و متفرّدة و في علاقة بالشاعر و نشأته و ما اكتسب من خلال تجاربه و قراءاته التي حدّدت ميولاته .
* توطئة
تعدّدت النظريات النقدية التي اعتمدها النقّاد في تناولهم للنصوص منها :
- النظرية البنيوية و التي تهتمّ بالشكل اللغوي للنص و تركّز على الأخطاء اللغوية و التعبيرية
- النظرية التفكيكية و تركز على محتوى النص و ترى بأنّ النصّ يمثل بنية لغوية تضمّ في طيّاتها معان و أغراض قابلة لتأويلات عديدة .
- النظرية السيميائية و التي اعتمدتها في قراءتي لديوان بيلسان ملفت
إذ تعتبر أنّ النصّ المنشور ملك للمتلقي ( القرّاء و النقّاد ) يفسره و يأوّله حسب مخزونه المعرفي و الفكري و ثقافته و درجة وعيه .
طبعا مع وجوب توفر خصائص أساسية في النصّ أبرزها الانسجام و الاتّساق
و التناصّ ...
أن نهتم بعمل أدبي في الفترة الحديثة يعني أن نتعامل معه من زاوية مادية بحتة تنحصر في الأساليب اللغوية أي الحديث عن الإبداع اللغوي
و الاهتمام به أكثر من أي جانب اخر للنص في حين أن للإبداع جوانب كثيرة أبرزها الجانب الروحي
و الأخلاقي و ما يحمله النص من رسائل و قيم و فكر و إعلاء لشأن الانسان و الحياة .
فقيمة الأدب في مضمونه و شكله و لا يجب إهمال أي جانب .
إن للعملية الإبداعية طرفان ؛ الكاتب بإبداعه في التعبير و ولادة النص و الناقد بإبداعه في الغوص في أعماق النصّ لاستخراج درره و إبراز القيمة الأدبية
و الإنسانية للعمل ككل .
تبقى هذه العلاقة رفيعة جدا لحرص كلا الطرفين على الإضافة للمشهد الإبداعي الإنساني .
* تعريف بالكاتب
مهدي غلاب شاعر قاصّ قصّاد و فنان تشكيلي .
أستاذ اللغة العربية لغير النّاطقين بها بباريس .
يدرس تاريخ الفنون و أثريات المعرفة بجامعة السربون .
صدر له " أكتب حتى لا أموت " ( قصص/ 2012 )
" أشتكي ...للقمر ؟ " ( أقصودة 2016 )
" منازل الوجدان " ( شعر عمودي 2018 )
* بيلسان ملفت شكلا
- هو ديوان شعر ( قصائد عمودية ) صادر عن دار الثقافية للطباعة و النشر و التوزيع في سنة 2020 تضمن 24 قصيدة و أقصودة في نهاية الكتاب الذي احتوى 105 صفحات .
-------
-العنوان بيلسان ملفت
و البيلسان هو نوع من النبات المعمّر الذي يستخرج منه البخور و العطور
و يستعمل كعلاجات طبية .
و العنوان هنا ورد مركبا نعتيا يلفت انتباه القارئ منذ البداية و يخلق فيه رغبة لاكتشاف محتوى الكتاب .
نفتح الديوان نجد أنفسنا أمام تقديم كتبه الكاتب الكبير ابراهيم الدرغوثي و الذي ثمّن موهبة شاعرنا
و أثنى على أسلوبه في الكتابة و توجّهه نحو الشعر العمودي . ثم بعد ذلك نجد مقدمة الكاتب الذي وصف كتابه ب "فرصة للتعاطي و التقارب مع الأحباب من خلال هذا النسيج الحروفي المتوازن "
و هو لعمري رسالة عطرة للقارئ و جسر أدبيّ مميّز بين الشاعر و القارئ .
لشعر مهدي غلاب عطر ملفت هذا ما اكتشفته عند مصافحتي لحرفه .
شعر عمودي مقفّى في زمن قفز فيه الكثير من الكتّاب في بحر من النثر الشعري يسمى " الشعر الحر " للهروب من القافية و الوزن .
نجد شاعرنا يكتب الشعر العمودي بتمكّن و حرفيّة
و قدرة كبيرة على تطويع قصائده لخدمة القضايا المعاصرة فكان الإبداع إبداعان ؛ إبداع الصورة الشعرية و إبداع الإيقاع .
* الإيقاع الشعري
انتظمت القصائد على كامل الديوان بطريقة ذكيّة
و مشوّقة و يبدو أن الشاعر حرص على ذلك عند تجميعه للنصوص لنشرها .
الإيقاع نوعان ؛
- داخلي و هو ذلك النغم الخفيّ الذي نشعر به عند القراءة أو إلقاء النص الشعري سواء أن كان سعادة أو حزنا أو كآبة أو حماسا ...و ذلك راجع لحسن اختيار الشاعر لكلماته .
- خارجي و هو متعلق بالوزن و القافية و يظهر في جرس الكلمات و التفعيلات و هو ما يبدو جليّا عند شاعرنا الذي يستخدم عبارات فصيحة مناسبة لمواضيعه ممّا يحيل على ثقافته الواسعة و ثراء زاده اللغوي .
كانت الصور الشعرية مشرقة و متناسقة .
و تميّز الشاعر هنا بالتلاعب بالمفردات ليرسم صورا شعرية آسرة و لوحات بألوان مبتكرة كما في المقطع التالي من قصيدة " مجانين الصبّار "
يا بلدة فيها الرموش تثاقلت
فحص الطبيب فما أصاب علاجها
ليل الهوى ضاعت بداخله العيو
ن فلم تجد صدرا يضم فجاجها
و مضى السراب يسطّر العتبات في
الأنحاء يسلب مهجتي إنتاجها
كذلك المقطع التالي من قصيدة " مجنون ثالجة "
في معبر الكثبان نصعد تلّة
و النهر في مجراه ساق جفونها
لا الدّمع يشفي لا صدى قيثارتي
و الخمر لا تنسي الديار سجونها
من مثلها يأتي بمفخرة لنا ؟
تبني البلاد و تعتلي مخزونها
من علقم الأيام أسرد حبّها
داموسها السحريّ رام عيونها
شكرا لأن الليل لا نحتاجه
مادام شعري يستردّ شؤونها
* اللغة المستعملة
كانت لغة شاعرنا مهدي غلاب مبسّطة في آن و عميقة آن آخر و صعبة في محلاّت أخرى حيث تحتاج بعض المفردات إلى شرح و قد شرح ذلك في الهامش .
و هو ما يعكس تمكّن الشاعر هنا من اللغة و تطويعها لخدمة أغراضه الشعرية .
ولا يفوتنا التذكير بأنه قاصّ أيضا أي يعانق النثر
و السرد و الشعر و يمرّ بينهم بسلاسة .
أسلوبه بليغ عميق المعنى حيث تطالعنا قصائده كمعلّقات كتبت بماء الحرف الأنيق .
أمثلة على بساطة الأسلوب .
مقطع من قصيدة " مفاصل الأقمار " و قد تعلقت بمدينة باريس و تضمنت مدحا لها و إعجابا بالحياة فيها ...الحياة التي لم تستطع محو الحنين رغم وصف الكاتب للشرق بالفرّاق
باريس جبتك ما استوفيت أشواقا
و العين يسلب منها النور أحداقا
أمشي بدربك و الساحات زاخرة
و الليل يعزف للأقمار ما راقا
أرتاد سانك و الأطيار تنشد لي
حلو الأغاني تزيد الذوق أذواقا
و هنا نلاحظ روعة الوصف و الصور الشعرية التي كوّنها شاعرنا عبر توظيف مفردات غاية في البساطة
و الرقّة .
أيضا مقطع أخر من قصيدة "أذناب الليل الموصول " كورونيّات "
تعرض فيها الشاعر إلى جائحة الكورونا و ما سببته من خوف و اضطراب في حياتنا ناهيك عن الأرواح التي حصدها هذا الفيروس اللّعين .
و الليل يلحقه النهار مسجّلا
فقد تتالى عاصف بحياتنا
و لقد خرجت من النّوافذ كلّها
رأسي بها و الجسم في مأساتنا
* درجة العمق و الانزياح نحو الواقع
يبدو جليا لأي قارئ مدى تمسك الشاعر بقضايا الأمة إذ نجده يكتب عن القدس في قصيدة " مهبط الفرس "
كنّا نزايد دوما في تباعدنا
لو جاء أمر تنافسنا على النفس
فالقدس تبقى ديار العزّة دائمة
و الملك يسقط بالغلمان و العسس
أيضا انعكست تجربة الاغتراب و الهجرة على التجربة الشعرية للكاتب و حضرت بقوة في قصائده مثل قصيدة " قسمة الأسفار " في المقطع التالي
بلادي رماني الدّهر و انقطع الصدى
أهيم بأرض لا تعانق وافدا
....
بشقرائهم غنوا و لست متيّما
بدت لي كتمثال على 'السّان' ضمّدا
....
أصاحب غربانا بكلّ حديقة
و أرقب نورا كان دفؤه جاحدا
الشاعر هنا يعبّر عن مأساة التّيه النفسي و عدم الاندماج لدى المهاجرين .
تظلّ النفوس معلّقة بالوطن و الحبيبة التي انطبعت صورتها في الروح منذ الطفولة .
و قد جسّد وقع ذلك في النفس البشريّة أي تأثير الواقع على التفاعلات النفسية لدى الانسان .
كما نجد بعض القصائد تحدّثت عن الوطن و مآثره
و تغنّت بمسقط الرأس كملحمة أسطورية .
قصيدة " مطمور المتوسّط الملآن " مثال حيّ على ذلك
و البحر يحضنها كحبّة لؤلؤ
ذابت بموجه فاستعاد قصائدا
إنّي بتونس أستعين بنورها
من بيت صيّاد أصفّ طرائدا
في شمسها يجري الهوان و يختفي
و الجود في الانسان ينعم سائدا
تجربة شاعرنا مميزة و فريدة و هي امتداد للقصيدة العربية و للمشهد الشعري العالمي
صور فنية معاصرة و إشارة لقضايا عصرنا
فالشاعر هنا على وعي كبير بقضايا أمّته
و ملتزم بها كما تجذّر وعيه بقضايا الانسان ككل إذ تناول تجارب مختلفة من الحياة
بأسلوب رقيق عذب عن طريق استدعاء الذكريات
و الشوق و الحنين أو استشراف المستقبل برؤية ثاقبة .
* ختاما
يبقى القول بأن شعر مهدي غلاب جسّد عمق التجربة الإنسانية .
أتمنى أن أكون قد وفقت في الكشف عن بعض ما يحمله هذا الديوان من درر شعرية
و لو أنّ بحر هذا الديوان عميق يضمّ في باطنه ثروة
و يتطلّب غوصا أعمق مما كتبته حوله .
بالتوفيق و التألق دائما لشاعرنا مهدي غلاب .