ليلة مذهلة
في ليلة باردة ، خرج فقير في شارع ممطر مبلل الملابس ، وَدقُ عينيه مشتعل كالجمر من قلة النوم ، ثيابه مهلهلة ، نُقش عليها أثر الفاقة والأعوام التي ارتداها فيها .
تكاد ملابسه تلتصق في جلده من شًدة البرد . نظر بتلك العينين الذابلتين من نافذة مطعم أو قاعة احتفالات ، اتكئ على الحائط بالجسد النَحِيل تمنى لو يدخل القاعة لو للحظة واحدة .
فجأة خرج ثري من القاعة ليتنفس هواءا نقيا ويشعل سيجارة ، لمح ذاك الفقير المسكين ، إِنْطَلَقَ نحوه وصل إليه لكن الرجل جزع منه قلبه خشية ان يطرده .
اقترب الثري أكثر توقف بجانبه قائلا ...
ما بك ؟ هل أنا مرعب لهذه الدرجة ؟
هل تعرف أنك أسعد منهم ، أرأيت كل هؤلاء ؟
الفقير : هل تسخر مني ! كيف أكون أسعد منهم وأنا حتى رغيف خبز لا أملك ثمنه .
همهم الفقير بصوت منخفض ، بعد نفخة أتعبت صدره أخرج من بين شفاهه شريط دخان طويل ثم نظر للأرض مخيما عليه السكوت وعلامات الاستفهام تكاد تنفجر من ثغره .
الثري : هؤلاء يا صديقي كلهم فقراء .
قال قوله والتزم الصمت .
إستغرب الفقير قوله وهو ينظر نحوه بدهشة مرددا بنبرة استغراب فقراء !! وما أنا اذا ؟
ثم دمعت مآقي الغني قائلا : همومنا أفقرتنا لا نعرف للفرح عنوان ، جمع المال أعجز تفكيرنا وألهانا عن أهم الأشياء وأبسطها في هذه الدنيا الكاذبة ، أنستنا أنفسنا واقتلعت العمر منا في لمح البصر .
أغلبنا داهمه المرض ، ومنهم من دُعيّ لحفل تخرج أولاده ولم يحالفه الوقت ليشارك فرحة أبناؤه ، وآخر جائته دعوة لحضور زفاف ابنته ، ومنهم من مات قهرا لوفاة ابنه بغتة ، ماذا أقول لك بعد ! أتصدق " لا أحدا منهم يعرف طعم السعادة ولا نكهة السرور ، ما خفي كان أعظم .
لا تقلق يا صديقي فقرك نعمة تُحسد عليها ، ثم نظر إلى الفقير تأمله طويلا وضع في يده حفنة من النقود وعاد إلى القاعة كارها لما يجول في خاطره .
أما الفقير الحيرة كادت تلتهم وجهه الشاحب المصفر من شدة الجوع اجتاح قلبه أعصارا من المشاعر التي اختلطت في لحظة تفكير جمع عالمه الرديئ وعالم الأثرياء الذي يراه في الأحلام فقط فلا يوجد وجه المقارنة بينهم .
لم يسعد برزق تلك الليلة قدر ما نهش حناياه الألم وبقي مستكينا للوجوم والذهول ، يكاد لا يصدق ماسمعه .
ذهب وهو يرسم بقدميه النَحِيفتين على الشارع المبلل خطى العودة إلى حيث أتى ، بصوت خافت قال سبحانك ربي ليس كل ما يلمع ذهبا .
............
خولة ياسين