السبت، 17 يونيو 2023

تونس مدينة الفنون والجمال اليوم 17 جوان 2023 في اجواء احتفالية رائعة، افتتاح المعرض الجماعي برواق يحي، البالماريوم. تونس. تحت عنوان "نجوم وألوان" ...

 تونس مدينة الفنون والجمال

 

بعد اختتام المعرض الشخصي للفنانة كريمة بن مسعود، الذي إمتد من 03 جوان إلى غاية 17 جوان 2023، بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون،

 

تم اليوم  17 جوان 2023 على الساعة الرابعة والنصف مساء  في اجواء احتفالية رائعة، افتتاح المعرض الجماعي  برواق يحي، البالماريوم. تونس.

تحت عنوان "نجوم وألوان" ...

.وسيتواصل الإحتفال والعزف على ريشة الفنانين المبدعين إلى غاية يوم السبت 15 جويلية 2023.

كانت أجواء متميزة، اجتمع فيها ثلة من عشاق الفن والأدب والشعر، ليجتمع الإبداع تحت سقف واحد، ويضاف من جديد مهرجان فني وبهرجة فريدة من نوعها، جمعتنا تحت صقف واحد، لنستمتع بجمال الألوان والأشكال الهندسية المتنوعة التي سافرت بنا بعيدا لغذاء الروح والجسد، فكان التميز حليف الريشة المبدعة والألوان المتناسقة والجمال الخلاب،

ثلة من نجوم الرسم، أبدعوا في مزج الألوان والنحت على لوحات ففنية متميزة، حتى تورق لوحات بديعة بعنوان النجوم والألوان،

شارك ثلة من المبدعين في هذا المعرض الجماعي الذي أم أكثر من 30 لوحة وعمل فني قيم،

المشاركون:

الفنانة التشكيلية كريمة بن مسعود

الفنان التشكيلي والشاعر سامي الساحلي

الفنانة التشكيلية والشاعرة سليمى السرايري

الفنان التشكيلي علي الزنايدي

الفنانة التشكيلية سعاد المهبولي

الفنان التشكيلي محمد البعتي

الفنان التشكيلي محمد العايب

الفنان التشكيلي لطفي الفلفاط

الفنانة التشكيلية وهيبة مقدم

الفنانة التشكيلية سلافة المبروك

كان لقاء بطعم الإبداع جمع الفنانين في معرض جماعي متميز، لنلتقي في جمال اللون والإبداع

مبارك هذا التميز لفنانينا المتميزين والمزيد من العطاء

Coordinatrice , commissaire de l'exposition : P. Artiste KARIMA BEN MESSAOUD

الوجدان الثقافية

 

















































































































































































































































المقال رقم (٢) شعراء الصنعة في العصر الجاهلي، وطبيعة الصورة الشعرية في شعرهم. . (مفهوم الصورة الشعرية) بقلم الأديب سامي ناصف

 (لمشاركة الرأي)
المقال رقم (٢)
شعراء الصنعة في العصر الجاهلي، وطبيعة الصورة الشعرية في شعرهم.
.............
موضوع المقال (مفهوم الصورة الشعرية)
مدخل
مفهوم الصورة الشعرية.
يرى چل النقاد أن الصورة الشعرية تُعدُّ عنصرًا شديد الأهمية في بنية النص الشعري،ويعتبرونها سنام القصيدة الشعرية،ولذلك أصبح وجودها في النص الشعري فيصلًا واضحًا على قوة شاعرية الشاعر،وقدرة تَمَكُّنه من رحابة خياله حينما يُجيدُ توظيفه،ومعالجته حال قرضه لقصيدته،واهتم النقد اهتمامًا كثيفًا بها،وأصبح  مفهوم الصورة الشعرية عندهم أنها لا تقف عند حد الدور البنائي في النص الشعري،وإنما تتعداها إلى التَّمَايُز بين الشعراء وكيفية بنائها -  باعتبارها عنصرًا حيويًا من عناصر التكوين النفسي للتجربة الشعرية- التي تختلف من مبدع إلى آخر،ومن هنا يكون بناؤها عند كل منهم متضمنًا لعناصر التَّميز والتَّفرد،وتصبح الصورة مقياسًا نزن به موهبة الشاعر،وهذا مَكْمنُ الحُكم عليه.
فإن تَمَيُّزَ شاعرٍ على شاعرٍ آخر من خلال نجاحه أو فشله، يَكْمُن في قدراته التصويرية التي تُمَكِّنُهُ من نقل تجاربه وأحاسيسه إلى المُتلقي بواسطة مَلَكَتِهِ التَّخيُّلية.
     *رأي.
وجد الباحثون صعوباتٍ حول تحديد تعريف جامع مانع لمصطلح الصورة الفنية، لذا ظهرت لها تراكيب ومصطلحات متعددة،أو صفات متنوعة لا أقول متباينة:
 فقيل عنها: الصورة الشعرية،أو الأدبية،أو البيانية،أو المجازية،أو الخيالية.
وهناك من يطلق عليها مصطلح يحمل مفردة واحدة مجردة من الأوصاف(الصورة)فقط،وتَكْمن صعوبة تحديد مصطلح يتفق عليه الباحثون نابع من تعدد الاتجاهات الأدبية واختلافها فيما  بينهم،بل يتعدد الاختلاف بين أرباب الاتجاه الواحد إلى درجة أن يُقال:إن الصورة الشعرية أصبحت تحمل لكل مبدع معنىً مختلفًا كأنها تعني كل شيء،ومنها مايترتب على تعدد عناصر الصورة الشعرية ووسائل تشكيلها أو تعدد أنماط أساليب بنائها؛ لأن للصورة دلالات مختلفة وترابطات متشابكة وطبيعة مرنة تَتَمَنَّع على  التحديد الواحد،وذلك راجع إلى ارتباط الصورة الشعرية بالإبداع الشعري وفشلت المساعي التي تبذل جهدًا لتَقْنيِنة،أو تحديده دومًا لخضوعه لطبيعة متغيرة تنتمي لحدود الفردية الذاتية،وحدود الطاقة الإبداعية المعبر عنها بالموهبة.
وهناك من ربط الصورة الشعرية من القدامى بالألوان البلاغية من تشبيهات،واستعارات، وكنايات، ومجازات،وهذا ما وجدناه عند (ابن طباطبا العلوي) وهو يتحدث عن أحسن التشبيهات في سياق حديثه عن طريق العرب في التشبيه،إذ يقول: فأحسن التشبيهات إذا ماعكس لم ينتقض،بل يكون كل مشبَّهٍ بصاحبه مثل صاحبه، ويكون صاحبه مثلَه مشبَّهًا به صورة ومعنى، وربما أشبه الشيءُ الشيءَ صورة وخالفه معنىً،وربما أشبهه معنىً وخالفه صورة.
كتبهاالشاعر الناقد/سامي ناصف.

انتظروا المقال الثالث.

المراجع.
١- الصورة الفنية في شعر مسلم بن الوليد للدكتور /عبدالله التطاوي.
٢- الصورة والبناء الشعري للدكتور /محمد حسن عبدالله.
٣-الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث للدكتور/ بشري موسى صالح.
٤-ابن طباطبا: عيار الشعر ص ٤٩.


 

من طفل الحياة إلى طفل المعنى بقلم الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني تونس

 من طفل الحياة إلى طفل المعنى

الحياة جسر عبور من عالم المادّة والحسّ والكثائف والفناء إلى عالم الكشف والغيب والبقاء  .
 يعيش الإنسان في الدّنيا فرصته الوحيدة حيث ينمو ويتطوّر ويتحوّل يلاحق الزّمان بسعيه وجهده وحرصه ويحتويه الزّمان لتتأثّر سحنته وبنيته الجسديّة .
إنها مسيرة حياة البشر بكل أطوارها وتنوّعها وتعدّد أوجهها ليمرّ الحيّ الموجود بمراحل حياتيّة متّصلة ببعضها تُبْنى فيها أحلامه وآماله وتعلو أوهامه ويُحقّق فيها ما أستطاع بسعيه وكدحه وقدراته وإمكانياته الذاتيّة والموضوعية المتاحة وحظوظه الدنيويّة وحكمة الأقدار ثمّ يفارق مسرح الحياة بعد حين وإن طال الزمان فلن تدوم رحلته الحياتية إلى ما لا نهاية " فكلّ من عليها فان ".
إن المسألة التي اعتبرها أساسية وهي وجوديّة-أنطولوجية
بالأساس قد يغفل عنها عموم البشر  بتجاهل وسهو وغفلة
هي عمليّة التحوّل التدريجي التّي تعترض ويتعرّض إليها الإنسان ، من طفل الحياة حين كان طفلا  في مرحلة حياته الأوليّة -الإبتدائية حيث البراءة والعفويّة والتلقائيّة والبساطة والفطرة السليمة وحبّ الحياة والإقبال عليها بكل براءة الأطفال مستعملا بنيته الجسديّة الغضّة وعضلاته غير مكتملة النموّ ممارسا انشطته العديدة الحسّ- حركيّة ،حيت يتعلّق ويرتبط بجزئه العلوي الدّماغي-القحفي مستمتعا بأحاسيسه الشعوريّة وخاصة حاسّة الإبصار حيث التشوّف والشوق إلى الحياة والتعرّف على الوجوه والأشياء المحيطة به والتّفكير تدريجيّا فيها وبها .
إنها الطفولة الحالمة التي " ترنو إلى الدّنيا وما فيها بعين باسمة ".
فلا علاقة للطفل حينئذ بجزئه السّفلي حيث جهازه التّناسلي لغياب الغريزة والهرمونات  الجنسيّة وإثارتها وتحفيزها ليبقى على فطرته وبساطته طالما تفكيره منصبّ متّجها صوب اللّعب واللّهو .
" فللّه ما أحلى الطفولة، إنّها حلم الحياة ".
ثم ينتقل الإنسان  بعد ذلك من طفل الحياة في مرحلته الأوليّة إلى مرحلة ثانوية مرحلة النضج والمسؤولية وخوض غمار الحياة ببلواها وبلائها حيث يغادر حمى وظلال مرحلة طفوليّة حالمة لتعلو نفسيته بتطلّعه كشاب يافع إلى مدارات حياتية مفتوحة على العلاقات والتعلّقات والإنتماءات والتوجهّآت زمن يتفاعل فيه جزئيه العلوي الدّماغي-القحفي والسّفلي التّناسلي -التكاثري  ليسير بخطى حثيثة من عالم المبنى إلى عالم المعنى حيث المشاركة في مغزى ومعنى الوجود بكينونته وصيرورته ، إذ أنّ حياته ليست لهو وعبث .
فإن أمكن للإنسان الحفاظ على بساطته وعفويته وتلقائيته وارتباطه وتعلّقه بمعاني الحياة الغير مشوّشة بماديتها وقاذورات الحياة البشرية وقيمها السّقيمة المتعالية على الأخلاق النبيلة حيث صفات التنمّر والغرور والكبرياء والتّعالي والتفاخر والكراهية والحقد والحسد والإحتقار  لينتقل إلى طفل المعنى معافى غير مُبتلى وغير مُثقّل بأعباء الحياة الدنيا وأغلالها فلا يتدثّر ويتّصف بالصفات السلبية البشرية .
إذ رغم مروره إلى مرحلة حياتية موالية فإنه لم يفقد بساطته وعفويته وفطرته السليمة فلم تسلبه العوائق والعقبات والقواطع حقيقته ومعناه فلم تعزل طفل المعنى الكامن في ذاته برحيل طفل الحياة  وإنتهاء زمن الطفولة .
إن تواصل وإتصال طفل الحياة بطفل المعنى لهي من النعم الكبرى لمن أسعفه حظّه السّعيد للحفاظ على أُسّ معناه إذ "من لا أّسّ له ينهدم ومن لا حارس له يضيع " .
فمن براءة  وبساطة وعفوية وتلقائية فطرية غريزية إلى براءة وبساطة وعفوية وتلقائية مكتسبة بدربة وخبرة حياتية وحرفة وإتقان لفن العبوديّة للّه وحده وما التّوفيق حقيقة إلا باللّه سبحانه وتعالى.
 فلا حول ولا قوّة إلاّبالله العلي العظيم.
فيا سعادة من تيسّر سيره من طفل الحياة إلى طفل المعنى ،فطفل الحياة أقرب لمعنى الوجود بما إستودع من فطرة سليمة نقيّة خاليّة من الشوائب والشواغب والشواغل والدواخل وهو بذلك أقرب لربّ الوجود وخالق الكون وبتحوّله بعد ذلك لطفل المعنى يسهل التّواصل مع الحليم المنّان ومع الوجود الأعلى بكل سلاسة ويُسر ودون تكلّف فتتيسّر تبعا لذلك عبوديته لربّه سبحانه وتواصله معه.

الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني
تونس

الجمعة 16 جوان 2023

 


إشراقات القصيدة..ولمعانها في الأفق الشعري..لدى الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 إشراقات القصيدة..ولمعانها في الأفق الشعري..لدى الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود

إن قصيدة النثر خيارٌ جماليٌّ تقدم بناءً وفضاءً شعريا بمعايير فنية مغايرة لما هو سائد عن الصورة الذهنية التي كوّنها القراء منذ قرون طويلة عن الشعر العربي الذي يعتمد على الوزن وتفعيلاته.وهي تساعد القارئ على أن يكون خلاقا في استخراج الدلالة النفسية والفكرية وفرادة الرؤية التي يمتلكها شاعر عن آخر دون أن يكون واقعا تحت تأثير الموسيقى والصور المجازية المفرطة.
إن قصيدة النثر هي موقع المواجهة على حد تعبير باربارة جونسون بين الداخل والخارج، حيث تقوم على حالة المفارقة والتقابل في التصور الذهني بين الشعر والنثر.
لكن هل يمكن قراءة هذه المفارقة وهذا التقابل والصراع بين النثر والشعر كنوع من الاستعارة تشير إلى التقابل والصراع الاجتماعي والإيديولوجي والفكري؟
هل التحول الكبير الذي حدث للشعراء في عقد التسعينيات والانفجار الكبير في كتابة قصيدة النثر يمكن قراءته اجتماعيا وسياسيا في سياق انهيار الصراع القطبي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة،وانفراد الأخيرة بحكم العالم،وانهيار القضايا الكبرى والكلية وانحياز الشعراء لما هو شخصي وذاتي،ما هو إنساني في ضعفه وتشظيه؟
وهل يؤيد هذه الفكرة انحياز شاعر قصيدة النثر لما يومي وواقعي عما هو خيالي مجازي مجنح،ويترجم هذا إلى انحيازه كذلك إلى لغة الحياة اليومية في عاديتها وكسرها لأفق توقع الصور البلاغية الاستعارية التي تصاحب عادة الشعر؟
وهل ارتباط قصيدة النثر بفكرة الكتابة والتدوين وتخليها عن سلطة الشفاهة التي ميّزت الشعر الموزون وشعر التفعيلة جزءا من فلسفتها التي انحازت لها، انحيازها للإنسان في ذاتيته وعاديته بعيدا عن سلطة الشفاهة والإلقاء والموسيقى التي تمنح الشاعر أدوارا فوقية،فوق إنسانية؟.
ما أريد أن أقول في سياق هذه الإضاءة..؟
أردت القول أن الشاعرة التونسية السامقة التي اسنشقت عبير الشعر عبر ضفاف بحر ولاية بنزرت  الحالمة دوما بولادة شعراء/شاعرات بحجمها-(فائزة بنمسعود )أذهلتني،بل أربكتني بقصيدتها المعنونة ب:"
هـــذا المٌــطـــر
وعليه أنوه،-إلى أن أهمية هذه القصيدة تبدو في أن تراتيل الحياة الهامسة الموحية فيه،تأتي في وقت يكاد يفلَس فيه ديوان (الإغتراب العربي المعاصر-بكاء الماضي الغابر،ورثاء هذا الزمن اللئيم ) أمام هجمة الشعر الموجه وأمام شعر الغموض و الطلاسم،الذي ينسب خطأ لموجة الحداثة المعاصرة وما هو منها في شيء.
وهنا أقول : قصيدة (هذا المطر) حافظت على أهم مقومات القصيدة العربية،بناء،ولغة،و إيقاعا وتخييلا..و هي قصيدة تلامس شغاف القلب بامتياز..
إذ أنها(في تقديري) تتنكر للتقليد والنمطية،و تحتفي بالفرادة و الخصوصية .وتؤكد على حقيقة أن السمو بالشعر،ليس في تلك الأوصاف المادية المباشرة الصرفة.وإنما هي في السمو به روحيا،و جعله لا يفقد جوهر معناه الحقيقي في ديوان الشعر العربي..أعني الصفاء،البهاء والتجلي..
وانتهينا إلى أن قصيدة الشاعرة التونسية القديرة فائزة بنمسعود تنفتح على عدة قراءات اجتماعية ووجدانية وفنية،وحققت لغتها جمالية خاصة بحكم ما تمتلك من كفايات إبداعية وقدرات مكنتها من تشكيل رؤياها الشعرية الخاصة التي تتوحد فيها جهودها،ويلتحم الذاتي بالموضوعي.
وبدا أن عملها الإبداعي (وهذا الرأي يخصني) ميزته كثير من الخصوصيات الفنية والمقومات الجمالية،وخاصة اللغة التي تمظهرت جماليتها من خلال تناغم الحقول الدلالية وتنوع الرموز الشعرية المفعمة بالطاقة الإيحائية والتعبيرية واعتماد الانزياح في أبعاده المختلفة.
وللقارئات الفضليات،والقرام الكرام حق الرد والتفاعل.

هـــذا المٌــطـــر

وهذا المطر يغسل الذكريات
من فوق رصيف الحياة
هذا المطر يداعب
جفون الأرض
ويعانق اديمها ويمتصّ غضبها والضجر
وقع زخاته ينبش جب أحزاني
ويهتك حياء حكاياتي
المتوارية وراء ستار الوجع
هذا المطر
أودعته ذات موسم هطول حلم
فرح بسيط فحمله ومضى
وتوارى واندثــر
وما زلت على قيد الانتظار
مشتة الشعور والفكر
والمواسم قحط وجفاف
هذا المطر
أمَّنته على ابتسامات فجري
فحولها دموعا ونشيج مزاريب
على وجنات البيوت الثكلى
هذا المطر
سألته السكينة والرضى
ففجّر ضجيج الغضب الرجيم
وأطلق سراح شياطين الغواية
توسوس في صدر الأماني
وترشي بالسكانر ملائكة الرب
لتغفل عن التسبيح باسم الحب
هذا المطر يفكّ غلالة النجمة
لتحسر عن نهدين متمردين ببحر مضرم
صنوان يصبان كؤوس الغرام
في كل فم بالعشق مستعر
ويصرخ الليل أنْ أمطري ثم أمطري
ومن هذا المطر
ينبثق الطيف يهزج الرهبة
وبميلاد جديد يئن الناي وينتحب الوتر
وتنبثق شهقة القمر
وحبات المطر
تضع اثقالها على الضياء المنتشر
فينتصب الحلم القديم
على ضفاف العمر..
ووراء ظلال الأيام تتبخر زخات المطر
وهذا المطر..

(فائزه بنمسعود )

وبالعودة الى البنية الجمالية للنص،والتي فرضت علي محاولة قراءته نقديا،نجد النص يمتاز بأسلوب شعري صميم لا يتقاطع في شعريته الا مع النصوص الشعرية العالية.وهو أيضا نص صيغ،بلغة فنية موغلة في الإبداع ومثقلة بالنفائس الروحية.وقد توسلت الشاعرة لغة انسيابية رقيقة تخدم غرض القصيدة كأنها (الشاعرة فائزة)تستحضر مقولة كيتس عن بناء الشعر "إذا لم يجيء الشعر طبيعيا كما تنمو الاوراق على الأشجار..فخير له ألا يجيء " .
وفي النهاية تجدر الإشارة الى اني التزمت في قراءتي هذه بنص القصيدة "هذا المطر " للشاعرة التونسية المتميزة شعريا وابداعيا فائزة بنمسعود،وحده التي استوقفتني كثيرا منذ قراءتي الأولى لها.

محمد المحسن

 


الجمعة، 16 يونيو 2023

رغم العلل..والشدائد الشاعر التونسي الفذ جلال باباي يتحدى المواجع..ويعزف على نرجس القلب.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 رغم العلل..والشدائد

الشاعر التونسي الفذ جلال باباي يتحدى المواجع..ويعزف على نرجس القلب..
للقصيدة حياة وروح من روح شاعر يغوص في عمق محيط ظلامه دامس ليطفو على سطحه ويعانق خيوط الشمس،فبين الظلمة والنور،يتنقل الشاعر بحرفية اللغوي المتمرس والمتمكن من ريشة الرسام البارع،ليُلقي المعنى الحي في روع الصورة ويحدث شرخا بين عالمين يصعب تجاوزه..بين من يكتب الشعر انطلاقا من واقع الخيال،ومن يكتب الشعر انطلاقا من خيال الحقيقة.
للواقع ظلمة وللحقيقة نور يجعل للمعنى تجليات،وللصورة الشعرية حركة وحس على أرض قصيدة تصبح آهلة بأرقى المشاعر وأصدقها تتفاعل وتتأثر في كل من يكون بين يديها،تسكن وجدانه فيشعر بروعة جمال الصورة وعذوبة حلاوة معنى له نماء في عقل وفكر يعزف لحن شاعر تتهادى على إيقاعه قوافل القوافي لتقول لنا هذا أنا..جلال باباي شاعر التحدي والصمود في وجه الليالي العاصفات..والمواجع المبكيات...
الشاعر التونسي القدير جلال باباي شاعر معاصر له الكثير من الإنتاج الأدبي الموسوم والمميز بنفس الشاعر وبأسلوبه المختزل المختزن الذي لا يستغرق زمنا طويلا في قراءته،لكنه يحتم على القارئ الوقوف طويلا عند الإبحار في عالمه وخياله ودلالة معانيه،فهو قليل كثير،وسهل ممتنع،يستعصي على غير المكتنزين بذلك المعجم اللفظي والدلالي والأسلوبي للشاعر،فقصيدته في كثير من الأحيان ومضة بارقة تبعث حكاية البارق النجدي عند الصوفيين في المخيلة حين يمتزجون ويتحدون مع الذات الإلهية وفق تعبيرهم ومعتقدهم.
ويسعى الشاعر (جلال باباي) في بعض قصائده إلى لغةٍ شفافة تعتمد على الوضوح والواقعيَّة؛فهي لغة تكاد تكون خاصة بالشاعر،لغة تنطلق من الواقع ومن وعي الشاعر بأدواته الفنيَّة،فالنظر في التجربة الشعوريَّة وفَهم الحالة الذهنية لقصيدةٍ ما يتطلَّب القدرة على الانغماس في العالم النفسي للشاعر واستحضار حالته النفسية من خلال كتابته لهذه القصيدة،وفَهمُ الحالة الذهنية تَعني القدرة على استعادة الجوِّ الشعوري ومُعايَشتِه من جديد،ولا يتم ذلك إلا إذا استطاع الناقد أن يُمعِن النظر في الظروف والوقائع التي أدَّت إلى ولادة القصيدة، وبدون ذلك قد تُنزع القصيدة عن سياقها النفسيِّ وتَبقى تراكمًا لغويًّا وشكلاً دون معنى،وتفقد الحسَّ الشعري..
لنستمتع جميعا بهذه القصيدة للشاعر جلال باباي تاركا للقارئ الكريم حرية التفاعل والتعليق:
مدٌ...و جزر
حجم المعاناة كان أضيق من وسادة البيت
كان فمي ليٌنا فوق العادة ليقضم رغيفا يابسا
أتطاول على قصر قامتي
لأختطف عصافير السطح
أرشد يدي اليسرى إلى مكمن التحيات
فتفتك منها سبٌابة اليمنى باقي الزكيات
مازلت أناور عدوٌي بالعجلة الخامسة
لم اكترث بانحباس الوقود في ربع الجسد الساخن
كان غبار الطريق طافحا بالخراب
حلٌ العويل بمفاصل الركبتين
واكمل باقي الجسد
افتراش التراب سبيلا وحلحلة
تعدٌدت السقطات...
اضعت بوصلتي في الزحام
وأرخت يمناي أصابعها العشر للمقصلة.
(جلال باباي)
ختاما أقول:
الشعر صنو المعاناة،فهما روحان في جسد واحد،جسد الشاعر الذي يعيش لحظات المعاناة ليعكسها شعراً ينبجس من قلبه ووجدانه.
والشاعر بحكم تكوينه النفسي،وحبه العميق للتعبير عن وجوده وتفاعله مع الحياة، يعيش دائماً مع المعاناة،ويتصالح معها،لأنه إنسان ذو إحساس رقيق وشعور مرهف..يستطيع أن يصنع من هذه المعاناة شعراً خلاّقا يداعب الذائقة الفنية للمتلقي،ويدفع به-قسر الإرادة-إلى حلبة الرقص على إيقاع الكلمات..
وهنا أضيف:لا تولد القصيدة وفي فمها ملعقة من ذهب، بل تأتي من رحم المعاناة،إذ يبث كاتبها الروح فيها بعد عناء، فتلتقط أولى أنفاسها على يديه، ويحرص على ألا تخرج إلى الدنيا إلا وهي في أبهى حلتها، بعد تنقيح وتعديل، وتغيير وتبديل، لتكون ثمرة مواقف وتجارب، وخلاصة دقائق مليئة بالانفعالات، وأيام متخمة بالمشاعر، وأشهُر، أو حتى سنوات، مزدحمة بالتدفق العاطفي الشاعري.
وبهذا تنطلق القصيدة متكاملة العناصر،تنطلق إلى عالم الشعر كالدرة،لتزيد الكون جمالاً وشاعرية وأحاسيس.
هوذا الشاعر الفذ جلال باباي كما أراه..وكما أصغي إلى قصائده العذبة..
على سبيل الخاتمة :
تتجاوز مهمة الشاعر رصف الوحدات اللسانية بالطريقة،التي تتحقق بها السلامة المعنوية، وتتعدى اللغة الشعرية حدود القواعد النحوية لتتبنى منطقا جديدا هو منطق اللغة الشعرية،لأن المنطق الذي يخرق المألوف ويقتحم عوالم المجهول لأنّه يؤلف بين دوال متباعدة،لا تلتقي في نظام اللغة−المعيار أي اللغة المتداولة التي لا تسعى إلى تحقيق ما أطلق عليه جاكبسون ″الوظيفة الشعرية″. وإذا كان الشاعر لا يتعامل مع اللغة تعاملا بريئا،لأنّه يستدعي الألفاظ وينسجها بطريقة مقصودة (الشاعر التونسي القدير جلال باباي نموذجا )،فإن القارئ مطالب بأن يكون حاذقا في فك شفرات النصوص بالدفع بكل كلمة إلى مجال تنكشف فيه الدلالات الخفية التي لا تتمظهر على سطح النص،ويؤول الأمر في النهاية إلى قراءة القراءة وإلى دلالة الدلالة.
وهو ما يستدعيه النّص الأدبي،حتى يبقى ديناميا ومفتوحا على التأويل.
ونرجو من الله التوفيق في استيعاب وفهم الدلالات والإيحاءات الإبداعية في قصائد شاعرنا التونسي الفذ جلال باباي..
محمد المحسن