الثلاثاء، 6 سبتمبر 2022

 الإبداع النثري..وسؤال الإدراك الأسطوري والمعرفي.. لدى الكاتب السعودي المتميز خالد أحمد اليوسف*(الجزء الأول من دراسة مستفيضة حول المنجز الإبداعي للكاتب) بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 الإبداع النثري..وسؤال الإدراك الأسطوري والمعرفي.. لدى الكاتب السعودي المتميز خالد أحمد اليوسف*(الجزء الأول من دراسة مستفيضة حول المنجز الإبداعي للكاتب)


قد لا يحيد القول عن جادة الصواب،إذا قلت أنّ القاص والروائي السعودي خالد أحمد اليوسف بمثّل على خريطة الإبداع السعودي أيقونة مهمة لها خصوصيتها،وحالة خاصة من حالات الشأن الإبداعي الذي يجمع داخله ما بين المتخيل والسيرة ووقائع اجترار تاريخ الذات الاجتماعي والأيديولوجي في تجربة إنسانية وإبداعية مستمدة من واقعه الخاص الذي عاشه فعلا ومازال يعايش فيه مراحل تحولات حادة في الزمن العربي المعاكس..

وتمثّل مرآة الذات التي انعكست عليها مسيرة حياته الحافلة والمفعمة بالإبداع في تجلياته الخلاقة بؤرة كبيرة انعكست بدورها على إبداعه السردي في المقام الأول وشكّلت عالمه الإبداعي الخاص ،كما تمثّل صورة الآخر في منجزه الإبداعي جانبا مهما استعاده- الأستاذ خالد-في نسيج أعماله النثرية جميعها،وجسّد من خلاله تجربة لها أبعاد متعددة كان لها تأثيرها الخاص على إبداعه القصصي والروائي على وجه التحديد،بل وعلى ملامح أخرى من منجز الإبداع العربي المعاصر.

وذات خالد أحمد اليوسف- في حد ذاتها وهو الباحث عن نفسه،والمتفتح على الآخر وعلى العالم من حوله،تريد أن تدرك المعنى وتمتلكه.فكل علاقة للذات بذاتها هي علاقة بالعالم والآخر،كما أن كل علاقة بالآخر هي علاقة بالذات.وهذا (الازدواج) تعبير عن وحدة صميمية مفقودة بين (الأنا) و(الآخر) في عالم تشترك فيه أكثر الدلالات النثرية لدى القاص والروائي السعودي خالد أحمد اليوسف برموز متماثلة،وهو شعور يتجاوزهذه الدلالات ،والإيحاءات بإستمرار نحو تأكيد خصوصية الوضع البشرى،حيث يكون الإنسان غائبا عن ذاته.

يعيش الكاتب السعودي الكبير -الأستاذ خالد-نصه الإبداعي كما يجب أن يعاش،و”يسرد” وّيروي” ،وكانت ذاته في خضم هذا-الطوفان الإبداعي-مرآة للواقع الذي اختاره هو والذي كانت سطوة الآخر بصورها المختلفة دائما ما تشكّل تجاهه عقبة كؤود لواقع ما كان ينشده.فنراه يعيش شتات الذات ويرتطم بالآخر في شتى صوره،ويحاول هذا الآخر في ذات الآن بشتى الطرق أن يسقطه ويكسّر حدة تمرده،ومن ثم نجح المبدع-خالد-في تجاوز العقبات متمترسا خلف قلمة ببراعة وإقتدار،كما جسّد خطوطه برؤيته وفلسفته الخاصة،وقد انعكس ذلك كله على منجزه -السردي- الذى أبدعه عبر مسيرة حياتية لا تزال مفعمة-كما أسلفت-بعطر الإبداع.

وإذن؟

عالم الكتابة عند “خالد”إذا،هو عالم قائم بذاته،يكاد أن يكون معادلاً للمجتمع الخارجي ترتبط عناصره ارتباطاً سببياً ويستمد كل عنصر قيمته النسبية من علاقته بالأجزاء الأخرى،وتلتقي ممراته الجانبية وأزقته الخلفية بشارعه الرئيسي،فكل وقائعه منتظمة في إطار ثابت يحدد لكل واقعة وزنها الخاص،وقد تتساوى فيه إحدى النزوات الشخصية،فكل الأشياء المحيطة بنا قد اندمجت في شبكة من الدلالات الفكرية والإنفعالات الجاهزة؛ويتحدد شكل النص الإبداعي عند -خالد-بالفعل المتبادل بين الشخصية ووضعها،فنصوصه تتميز من زاوية رئيسية بالطابع الانتقالي،بالصراع بين عدة متناقضات،بذلك التيار المتدفق المتغير دائماً في مواجهة تداعيات الزمن وتقلبات الحياة،إن ملحمة الحياة الخاصة عند -خالد تتنفس بالدلالة العامة.

وليست -الحبكة النصية-عند -خالد أحمد اليوسف- إلا حركة المقدمات لتجنب نتائج وفقاً لمقاييس مضمرة،فإن ما يحدث في النهاية هو التعقيب الأخلاقي والفكري على سلوك الشخصيات،وهو لا يختلف في ذلك عن سائر كتاب الرواية البلزاكية،فالخاتمة يحددها السياق الموضوعي العام لكل لحظات الفعل المتعاقبة،تدفع أخلاقاً كريمة وتلتزم بقواعد اللعبة وتأخذ نجاحاً أو العكس..وهنا يتجانس الشعر بالرواية في علاقة حميمية من الصعب فصل عراها.

ومن هنا أبضا،فإن الحبكة القصصية وكذا الروائية-كما أسلفت- لدى -المبع السعودي الفذ-تنسج في صبر شبكة من “العلاقات”اللاواقعية خلف الإسهاب في سرد التفصيلات الواقعية،فالعلاقات السببية المحركة للواقع والمحددة للشخصيات تحتوي على تصورات مثالية عن الإنسان ومكانه في العالم،وهو يطبع بطابعه ما يسود تلك المرحلة من بحث عن قيم حقيقية في عالم يبدو زائفاً،بتحقيق الوفاق السعيد بين الإنسانية والأرض والسماء.

على سبيل الخاتمة:

ليس مشكلة في أن تستحيل-كاتبا مبدعا-،فالمفردات والألفاظ مطروحة على-رصيف-اللغة،لكن الأصعب أن تكون ذاك المبدع القارئ،وهذا الدور المزدوج يجعل -الكاتب-كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدّم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه،هذا الدور قام به -الأستاذ خالد- عبر مشروعه القصصي وكذا الروائي،ومن خلال -إبداعاته-المدهشة(وهذا الرأي يخصني) وكبار الكتاب والشعراء من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم.. كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص،غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها رولان بارت بإعلان موت المؤلف/الشاعر.

فالمؤلف أو الشاعر،لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية أو الشعرية بمعاونة الكاتب نفسه.

و-خالد أحمد يوسف-الغارق في تفاصيل الوطن وتراثه الأصيل والمنغمس في ذات الآن في العشق في آبهى صوره، استطاع أن يوفّر هذا الوعي المعلوماتي لدى قارئه،الأمر الذي يدفعنا بأن نجعله في زمرة الكتاب/المبدعين الحجاجيين،أي الذين يمتزون بإقامة الحجة عن طريق تدعيم الطرح الفكري بطروحات فكرية وفلسفية ذات شراكة متماثلة بعض الشيء..

يبدو هذا الطرح المعلوماتي في تفاصيل المشهد الإبداعي للكاتب-خالد- والذي نجح -السرد- بقوالبه أن يفرض سطوته وقوته القمعية في إحداث التأويل والإمتاع، ومن قبلهما الدهشة لدى القارئ من خلال الصورة والتصوير الفني لأحداث تبدو عاطفية محضة،وفيها يدعم -خالد أحمد يوسف- طرحه الفكري بأفكار ومساجلات فكرية تؤدلج الدور الثقافي للمثقف،وأنه ليس بالقطعية تنظيريا أو مكتفيا بالمتابعة بدون المشاركة في صنع العالم الإبداعي،وأنه بمثابة -أيقونة- شرعية للحراك المجتمعي الثقافي.

ختاما أقول أنّ المبد السعودي -خالد أحمد اليوسف-يؤسس-ببراعة واقتدار-لنص إبداعي مختلف،إذ تراه-أحيانا- أشبه بالمسرحيين وهم يدشنون أسسا لفنهم،فهو كذلك في معظم كتاباته،يعتلي مسرحا يكاد يكون أحيانا شعريا يقص التاريخ بعدسات غير متمايزة رغم أنها لا تدخل في قالب المسرح وكنهه،فهو لم يتبع القوالب الفنية الجاهزة لكتابة النص الإبداعي في مختلف تجلياته،بل عمد منذ البداية إلى تأريخ السرد والحكي عبر لغة "شعرية" عذبة تداعب الذائقة الفنية للمتلقي.

وأعتقد أن -الأستاذ خالد- منذ خطه لسطور نصوصه الأولى،وضع رهانات جديدة للنص الإبداعي وهي حضور المتلقي بقوة رغم انفصاله-أحيانا-زمنيا عن سؤال الوجع،وأنين الألم.

سُئل ذات مرة الشاعر محمود درويش، فأجاب بكل تلقائية، “نحن، حتى الآن، نحاول بكل الأشكال الشعرية الجديدة أن نقول سطراً واحداً للمتنبي. كيف؟ كل تجاربي الشعرية من أربع سنوات حتى اليوم (1982-1986)، كتبت حوالي المائة قصيدة، ثم انتبهت إلى أن المتنبي قال: (على قلق كأن الريح تحتي)”… !!؟ والشاعر،هو من يبني مجدا،ويترك خيرا،ويستظل تحت ظل كل الشعراء من جلجاميش حتى آخر يوم من سنوات عمره، فالموت حقيقة تُعلن نهاية سجال الحياة، والحب حُلم وغاية يلهث وراءه الإنسان، لأنّه بُرهان ودليل على البقاء والخلود، سواء علم بذالك أم لم يعلم، ومهما تطلب منه ذالك من تعب ومن صراع، يؤكد دوريش ذلك بقوله “سنكتب من أجل ألّا نموت،سنكتب من أجل أحلامنا” .. والقصصي والروائي السعودي -خالد أحمد اليوسف-يكتب لغد أفضل تشرق فيه شمس الحب والإنسانية على الجميع..

ولنا عودة إلى منجزاته الإبداعية عبر مقاربات مستفيضة..


محمد المحسن


*خالد أحمد اليوسف : كاتب سعودي،يكتب القصة القصيرة ، والرواية ،وحريص على تدوين الذاكرة الإبداعية ، بدأ شاعرا شعبيا ،ثم روائيا مرورا بالقصة القصيرة ،من عناوين مجاميعه القصصية ” مقاطع من حديث البنفسج “ 1984م”– أزمة الحلم الزجاجي 1987م “، و” امرأة لا تنام 1999″م ، كما صدرت له روايتان ، “وديان الإبريزي ” 2009م ، وأخيرا” وحشة النهار ”،أنجز انطولوجيا للقصة السعودية.

يقول في إحدى حواراته:"جاءت قصصي الأولى لتعبر عن حنين الطفولة، وحميمية المكان وجمالية اللغة وتمردها.."

قبعتي..يا خالد أحمد اليوسف




الاثنين، 5 سبتمبر 2022

 محاكمة شجرة الورد بقلم رفيقة بن زينب     ***     تونس الخضراء

 محاكمة شجرة الورد


جئتك شاكية يا سيدي القاضي 

من شجرة ورد عكرت مزاجي

وأرقت نومي فطال سهادي 

لقد بالغت في الأنين البادي

على القاصي والداني من شر العباد

الذين يقطفون منها هدايا الميلاد

وأعياد الحب وسائر الأعياد

ولدي الكثير من الشهاد

على ما أقول يا سيد الأسياد

أرجو  انصافي  لاسعاد  قصادي

بأزهاري و ثماري عشاق البوادي


ماذا تقولين أيتها الشجرة الريانة

المانحة للسعادة لكنها ذبلانة

من الذي سبب لك الأحزان ؟

لعلنا نزيح عنك الأشجان


أنا ذات القامة السامقة الهيفاء 

المزدانة بألوان الحب والبهاء

المعطرة بأذكى الروائح  على المدى

المحسودة  لكونها هدية السماء

محبوبة الفراشات  ومصدر العسل الشفاء

ورمزا للمحبة والمودة والهناء

وملهمة الشعر لكل الشعراء 

و أنواع العشاق على حد سواء


كلنا يعرف أنك عربون الود والوفاء

في السراء والضراء 

وعلى قبور الشهداء

 الذين قضوا في ساحات الوغى

 ولكن لم لا يحلو لك البقاء واللقاء ؟

مع العباد من دون مخلوقات الأرض و السماء


آه! يا سيدي لو تعلمون ما أكنه في أعماقي

من أحاسيس عند القطيعة والافتراق

 بين المتحابين والمتهادين بعد الحوار البراق

قبل أن تذبل براعمي وزهراتي

وتجمع بناتي مع الفضلات

لو تعلمون ما يجري بسبب النفاق  

من خداع وتامر و تسابق و استباق

لاصطياد فرائس بالتخطيط والمؤامرات 

التي تنفذ لأجل المصالح  في كل الأوقات 

لاختراق  قوانين بعد الاتفاق 

بأنانية  ترفضها القيم الإنسانية ولكن هيهات 

فينقلب الكلام المنمق الى سباب

بين الاخوة والزملاء والأنساب

مما يسبب لي المزيد من الأتعاب


صدقت يا حبيبة الشباب

يا ساحرة العيون والألباب

كم أتمنى تجنب خيبة أمل الشباب

والعنف والتخريب والخراب

لاغراض تفرق الأحباب والأصحاب 

و تضاعف الذنوب يوم الحساب 

اللهم أر بني آدم الحق حقا  حتى لا يصاب

الطيبون بعدوى فساد الأخلاق  يا وهاب

امين يا مجيب  يا غفور يا تواب


سوف أنظم جلسة عاجلة

للنظر في قوانين رائعة

وامضاء وثائق رسمية كافلة

لحقوق  المخلوقات  على وجه البسيطة

لأن انحطاط الأخلاق يقودنا للهاوية

وهكذا ينعم الجميع بالراحة والرخاء

 سالمين  من كل  ما يؤرق  صفو حياتنا 


رفيقة بن زينب     ***     تونس الخضراء


 وكنّا باكِيَيْن من الضحك! بقلم الدكتور = حمد حاجي =

 وكنّا باكِيَيْن من الضحك!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تقول

إلهي أعدني إليه

إلى حضن موجته الشاسعه

كرفَّة نورسة  

كجناح على نور شمعهْ


أقول

إلهي أعدني لأشواقها السابعه

على بعد نبع،

زهورا مبلَّلة بالحنين..

لألبس خضرة فستانها الرائعه..


تقول

إلهي أعدني إلى شهقته الدامعه

كشوق الضباب ، إلى النجمة اللامعه

أعدني الهي،

طنينَ فراش وضجهْ


أقول

إلهي أعدني ترابا

لتمشيَ في أرضك الواسعه

ولا ينثني كعبها

أو تسير وتعثر في دمعتي الضائعه !


ا====== حمد حاجي =====



حفل تقديم كتاب "السقيفة" للدكتور وحيد السعفي تغطية مراسل الوجدان الأستاذ فاروق بن حورية

 نظمت السبت 03 سبتمبر 2022 بنادي الألحان بسيدي عبد السلام جمعية قليبي للثقافة والفنون والتراث حفلا لتقديم وتوقيع " السقيفة" للدكتور وحيد السعفي وتقديم الدكتورة أمال الفرامي.

حضره جمع كبير من مثقفي الجهة

تغطية مراسل الوجدان الثقافية الأستاذ فاروق بن حورية 


















































الأحد، 4 سبتمبر 2022

 فلسطين منارة علم وثقافة: قراءة في موسوعة الثقافة الفلسطينية قبل النكبة بقلم الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

 فلسطين منارة علم وثقافة: قراءة في موسوعة الثقافة الفلسطينية قبل النكبة

الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت


يقول وزير الثقافة د. عاطف أبو سيف في المقدمة:

"كانت البلاد في أوج إبداعها وتقدمها المعرفي والثقافي حين سرقها الغزاة ودمروا مدنها وقراها وشردوا أهلها، وكانت منارة من منارات الثقافة القليلة في المنطقة قاطبة. إذ كان مبدعوها من شعراء وروائيين وموسيقيين ومسرحيين وسينمائيين وخطاطين ورسامين يواصلون عطاءهم في حقول الثقافة والإبداع، وكانوا رواداً في تقديم بعض الأشكال الفنية الراقية، وكانت البلاد محج كل مبدع عربي، ومدنها منارات تستقطب كل فنان وكاتب".

حقاً كانت فلسطين منارة من منارات العلم والثقافة والإبداع. فالثقافة الوطنية قبل أن تتشكل خصوصيتها في أي قطر هي باختصار الانتماء إلى الوطن بكل مكوناته الحضارية والثقافية والتراثية، كما تنطلق الثقافة الوطنية من مبدأ التأكيد على المواطنة، ويأخذ المثقفون دورهم في توجيه اهتمام الناس إلى مسألة المواطنة كحق من حقوقهم، فهي التي تقوي وحدة المجتمع، وتعزز الانتماء الوطني، وتضمن تساوي الناس وعدم التمييز بينهم. وقد تشكلت الثقافة الوطنية للشعب الفلسطيني، من خلال الوعي الجمعي في عناصرها المتمثلة في الأخلاق، والتراث، والهوية، والقيم والأعراف السائدة، والعادات والتقاليد، والحكم والأمثال الشعبية، والمعارف، والفنون، والآداب، والحكايات والملاحم الشعبية، والأكلات الشعبية، والأزياء الشعبية، كما أنها الثقافة المناهضة للاحتلال ومشاريعه وتوجهاته الفكرية والثقافية. لذلك لا يمكن أن نفصل الثقافة عن المجتمع في أي مرحلة من مراحله التاريخية.

انطلاقاً من فكرة تعزيز الانتماء والرواية الفلسطينية بكل مكوناتها الحضارية والثقافية في مواجهة مشروع المحو الصهيوني، كانت "موسوعة الثقافة الفلسطينية قبل النكبة" الصادرة عن وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله 2022. كمشروع ثقافي لإحياء التراث الأدبي والثقافي والحضاري الفلسطيني قبل نكبة عام 1948، مما يؤكد أن فلسطين لم تكن يوماً أرضاً جرداء، ولم تكن فضاءً خالياً من السكان، بل كانت ذات تاريخ ثقافي وأدبي، وذات علم وثقافة وحضارة وتراث عريق راسخ الجذور.

أعتز بأنني كنت واحداً ممن ساهموا في الكتابة لهذه الموسوعة عن المكتبات والمطابع ودور النشر، والكتب والروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والدواوين الشعرية، والكتاب والأدباء، توزعت ضمن عناوين الموسوعة. وكانت المادة والعناوين التي كتبتها كالتالي: الكتاب والأدباء (35) عنواناً، والكتب والروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والدواوين الشعرية (219) عنواناً، والمطابع ودور النشر (51) عنواناً، والمكتبات (50) عنواناً.

يقدم للموسوعة الدكتور محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني قائلاً: "موسوعة الثقافة الفلسطينية قبل النكبة مساهمة بحثية هامة لتعزيز مصداقية روايتنا، وتدعيم موقفنا في مواجهة الاحتلال ورواياته المزيفة عن فلسطين. إن حرصنا على تاريخنا وروايتنا هو دليل على حرصنا على مستقبل أولادنا وحرية شعبنا نحو الاستقلال وإقامة دولتنا وعاصمتنا القدس بيت الأنبياء". ويؤكد رئيس الوزراء أنه "خلال عقود، استطاعت اسرائيل من خلال ماكنتها الإعلامية الدولية الوصول إلى الرأي العام العالمي، وبث روايتها المشوهة عن فلسطين، لكن الشعب الفلسطيني اليوم يتقدم في معركة الرواية مع تآكل ميزة اسرائيل في معركة وجهات النظر عبر الإعلام الحديث، فلم يعد العالم يستقبل الأخبار مضبوطة ومخرجة من غرف التحرير الموجهة، بل لديه حرية الوصول إلى مختلف المصادر العلمية والاخبارية، بالإضافة لأنواع المحتوى الاعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي". 

ويشير الدكتور عاطف أبو سيف وزير الثقافة، والمحرر والمشرف العام على الموسوعة في توطئتها إلى الرؤى والأهداف التي سعت الوزارة لإنتاج هذه الموسوعة بجهد عدد من الباحثين، ويؤكد على الدور الحضاري والثقافي لشعب فلسطين قبل النكبة، يقول: "هذه الموسوعة جزء من جهد يسعى إلى تسليط الضوء على الحياة الثقافية في البلاد خلال القرون الثلاثة الماضية حتى وقوع النكبة (الثامن عشر والتاسع عشر والنصف الأول من العشرين). لو لم تحدث النكبة لواصل الشعب الفلسطيني إبداعه وتألقه في مجالات المعرفة الحقيقية، ولواصلت المدن الفلسطينية الكبرى تحولها وتحقيقها لمكانتها الاقليمية والعالمية مستندة إلى ما يجري فيها من توسع وإبداع، ومستندة إلى تاريخ عريق من الحضارة والمدنية. يشكل الوقوف أمام تلك اللحظات محاولة للتعرف على مجمل الحياة في البلاد بقدر كونه تفنيداً للدعاية الصهيونية حول أحوالها، أي البلاد، قبل أن تتم عملية السرقة، إن هذه الموسوعة محاولة في هذا السياق". ويضيف في سياق آخر من التوطئة للحديث عن مكونات الموسوعة قائلاً: "تسعى هذه الموسوعة إلى تقديم صورة متكاملة عن الثقافة الفلسطينية قبل النكبة، صورة لا يغيب عنها أي فعل أو حدث ثقافي، أو أي مكان يقوم بتنظيم فعاليات ثقافية أو مسرح لمثل تلك الفعاليات من مؤسسات وأندية وفرق وجمعيات ومدارس، أو أي شخصية ساهمت في الحراك الثقافي والمعرفي في البلاد سواء عبر التأليف من شعر وقصة ورواية أو كتابة صحفية أو تأليف موسيقى أو تصوير وتخطيط أو تمثيل مسرحي أو سينمائي، بجانب كل ما يرتبط بالفعل الثقافي من موروث وفن وعادات وملبس". 

جاءت موسوعة الثقافة في مجلد واحد يقع في (521) صفحة من القطع الكبير، والصفحة مقسمة على عمودين لاستيعاب المادة التي لو وزعت على مساحة الصفحة لاحتاجت أكثر من مجلد، والمادة مرتبة حسب الحروف الأبجدية، توزعت على عناوين كبيرة: كالمطابع، والمكتبات، والكتاب والمؤلفين والشعراء والروائيين والصحفيين والإذاعيين والمترجمين، والكتب التي صدرت من رواية ومجموعة قصصية ومسرحية وديوان شعر وكتب أدبية، والممثلين والمخرجين في المسرح والسينما، والمصورين والموسيقيين والتشكيليين، والتربويين والأطباء والنقابيين، والمجلات والصحف والجرائد، والمقاهي الثقافية، والفرق المسرحية والموسيقية والكشفية، والأزياء الشعبية والتراثية، وأسماء دور السينما والأفلام التي أنتجت وعرضت، والأندية والجمعيات والمراكز الثقافية، والمواسم الشعبية.

كانت هذه هي العناوين الكبيرة التي تناولتها الموسوعة ولكن تحت كل عنوان كانت تفريعات بالمواد التي تعبر عن العنوان الكبير، مثلاً المطابع، ذكرت الموسوعة أسماء كل المطابع التي كانت في فلسطين قبل النكبة مع ذكر مؤسسها وتاريخ انشائها وموقعها، والمواد التي طبعتها. وكذلك المكتبات، وفي جانب الكتاب والمؤلفين سردت حياتهم وانجازاتهم الأدبية والثقافية. وأيضاً في جميع المجالات التي تناولتها الموسوعة.   

وفي تحليل مكونات المادة التي ضمتها الموسوعة نؤكد على حيوية الحياة الثقافية والأدبية في فلسطين قبل النكبة، بما لا يقل أبداً عن حيوية الحياة الثقافية في الحاضرات العربية المجاورة كمصر ولبنان. جاء في الموسوعة في مجال التراث كل العناصر التراثية من الأزياء الشعبية وأسماء الثوب الفلسطيني إلى الحرف والمشغولات اليدوية، بالإضافة إلى المواسم الشعبية. وفي مجال المظاهر الحضارية والثقافية عبرت عنها الموسوعة من خلال دراسات أو مقالات موسعة، مثل: الإذاعة، والأوركسترا، والتصوير، وأدب الأطفال، والاسطوانات، والأندية الثقافية، ودائرة الآثار الفلسطينية، ما يزيد عن ثلاثين عنواناً ضمت الموسوعة في هذا المجال. وفي مجال الصحف والمجلات والنشرات ذكرت الموسوعة نحو (116) عنواناً موزعة تلك الصحف والمجلات على المراكز المدنية الأساسية للثقافة وهي القدس وحيفا ويافا. أما في أسماء الكتاب والمؤلفين والتربويين والأطباء والفنانين والموسيقيين والإذاعيين والصحفيين والإعلاميين والممثلين والخطاطين والشعراء وشخصيات عامة وسياسية ونقابية ونشطاء مجتمعيين ومخرجين سينمائيين ومسرحيين، فقد ضمت الموسوعة أكثر من (500) شخصية تتناول سيرتها وانجازاتها وعملها. وفي مجال المطابع ودور النشر والمكتبات كان هناك نحو (115) عنواناً مع ذكر تفاصيل كل مطبعة ومكتبة من حيث منشئها وسنة الانشاء ومكانها ونشاطها. 

كما جاء في الموسوعة أسماء النوادي والجمعيات والمراكز الثقافية، بالإضافة إلى الأندية الرياضية والفنية والمقاهي التي كانت متفاعلة في المجتمع الفلسطيني قبل النكبة، وتلعب دوراً كبيراً في الحياة الثقافية والأدبية، وتقدم عروضا فنية، وداخل قاعاتها استقبلت العديد من الكتاب والأدباء والمثقفين من البلدان العربية، فقد ذكرت أسماء (72) عنواناً. وفي مجالي المسرح والسينما قدمت الموسوعة أسماء الممثلين والمخرجين، وأسماء المسارح ودور السينما التي كانت ناشطة قبل 48 وفي قاعاتها قدمت العديد من الأفلام ذكرت الموسوعة أسماءها، وكذلك المسرحيات أشارت الموسوعة إلى أسمائها. كما كتبت الموسوعة عن أشهر المصورين ومحلات التصوير في فلسطين قبل نكبتها.

كان للإبداع الثقافي والأدبي في فلسطين مكانة متميزة بين جمهور القراء، وقد ذكرت الموسوعة أسماء الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والدواوين الشعرية والكتب والمؤلفات التي صدرت قبل النكبة، مع ذكر مؤلفيها وتاريخ نشرها ومكان نشرها ونبذه عن كل كتاب ومؤلف أدبي، وقد تجاوزت قائمة الذي رصدته الموسوعة ال(250) مؤلفاً منذ بدايات عصر المطبعة في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد كان ثمة العديد من الكتب المترجمة في هذه الفترة فلم تذكرها الموسوعة إنما اقتصرت على المؤلفات الفلسطينية، ولكنها ذكرت أسماء المترجمين وسيرتهم ومؤلفاتهم وترجماتهم.    

إن جهد الموسوعة جهد كبير وشامل نفتخر بوجوده بيننا. لقد أكدت الموسوعة بما احتوته من مواد ثقافية وحضارية روايتنا الحقيقة التي نستطيع بها أن نتحدى زيف الرواية الاسرائيلية أمام العالم، ونؤكد لهم أن فلسطين منذ فجر تاريخها وهي تنتج حضارة وثقافة، وأنها كانت آهلة بالسكان المستقرين على أرضهم، ولم يرحلوا ويشردوا إلا في عام 1948 بفعل الهجمة الصهيونية على أرضنا وشعبنا، وكل ما تقوله وما قالته الروايات الصهيونية هي زائفة وكاذبة، وهذا دليلنا لكل المروجين لتلك الروايات الزائفة.

إن الدعم الذي لاقته الموسوعة من سيادة الرئيس محمود عباس، ومن رئيس الوزراء د. محمد اشتية، كانت مساهمة كبيرة في اخراج الموسوعة إلى النور، لذلك لا يسعنا المجال إلا تقديم الشكر الكبير لوزارة الثقافة وعلى رأسها الوزير الصديق د. عاطف أبو سيف الذي تبنى المشروع وواصل بنفسه الاتصالات مع الكتاب والذين ساهموا في الموسوعة، والشكر أيضاً للأخوة في دائرة الآداب بالوزارة على جهدهم في إخراج الموسوعة وعلى رأسهم الصديق الشاعر عبد السلام العطاري، والشكر موصول لكل الباحثين الذي ساهموا في كتابة مادة الموسوعة. 

وفي الختام اقترح على وزير الثقافة أن يهدي نسخة من هذه الموسوعة لكل سفاراتنا في الخارج، وأن يهدي كل ضيف يأتي إلى الأراضي الفلسطينية من عرب وأجانب نسخة من هذه الموسوعة. لكي نؤكد لهم وللعالم أن فلسطين قبل نكبتها كانت منارة ثقافية وأدبية يهتدى بها الأخرون ويفدون إليها طلباً للعلم والمشاركة في الحياة الثقافية الفاعلة التي كانت تزدهر فيها. وبهذا الاهداء نؤكد بأننا نعتز بموروثنا الثقافي الذي أبداعه أجدادنا ونريد أن نحافظ عليه ونريد للأجيال القادمة أن تقرأه وتعتز به وتبدع كما أبدع أسلافهم.



 قد سرقوا  بقلم الشاعرة حميدة بن ساسي

 قد سرقوا

..............

عيون بالدّمع قَد غرقت

وَ الخدّ أنهار ... بِآلامهمْ كتبوا


قَدْ سرقوا البهاء من ثغر ضحك

وَأَساؤوا للأطفال وَقد رغبوا


قَدْ نثروا على الدّوام رهبتهم

وَأفشوْا السّلام رهبة كما دأبوا


لَمْ يُعجبهم  مِنَ الدُّنْيَا نعم  جاه

إذا مسّهم  مِنْ شرّ  فكَمْ ندبوا


جعلوا جنان الدّنيا إجحاف الشّطآن

وَأَنزلوا الوصاية رمحا... كم سلبوا


لَمْ تعطهم  الأَرزاق من البريّة  وصلا

وَ الحزن مرسوم...  فِي الهموم رسبوا


والعناء جهد كما لهم و لقومهم

واستوى الوجد ... في المقت قد جُلبوا


جعلوا وداد الدّنيا أنعاش الأموات

وأرجعوا الحماية ودّا ....قد نهبوا


فالممات طلّ فلا  ولا  من مهرب

روّجوا كذِبا في الأرض ...قد ذهبوا


لم تؤنسهم الأوجاع من الأذيّة  أصلا

والسّهد موجود ...في الظّلام  سُحبوا


قد نشروا بلا  كلام سطوتهم

وأفشوا السّلام رغبة كما طلبوا 


والطّغاة  همّ بما لهم ولعجزهم 

ركّعوا جسدا في الغيب ما نصبوا 


والنّفوس شهد فلا  ولا ...و..لتركها 

تحت المدى صبّا...في المنام سكبوا 


   حميدة بن ساسي