الثلاثاء، 2 مارس 2021

من مذكرات تلميذة بقلم أسماء المصمودي /تونس

 من مذكرات تلميذة

لما رسبت في السنة الخامسة قرر أخي المعلم الزيتوني نقلي إلي المدرسة الابتدائيه الحديثة البناء التي كان يعمل بها.. اول ما شدني إليها هندستها المعمارية العصرية...كانت تتكون من طابقين قاعاتها فسيحة.. مضيئه ، اروقتها ممتدة، ساحتها مشجرة، ملعبها مجهز.. بها كل مايحتاجه التلميذ والمعلم من مرافق ..في تلك السنة بدأت تدريجيا تجربة تعميم الاختلاط بين الجنسين في التعليم فكنا في القسم قلة قليلة من الإناث وكثيرا من الذكور.. سبب لنا ذلك بعض الحرج..اصبحنا محط أنظار الفتيان.. يغارون منا، يسعون لمشاكستنا خاصة في حصة الرياضة فنتخاصم، نتشاجر.. لكننا لا نلبث ان نتصالح وتنطلق ضحكاتنا في تلقائية وعفوية وصخب.
كنت الفتاة المدللة عند معلم العربية لتميزي في مادة الإنشاء.. فلا يفتأ يصطحبني معه إلى بقية أقسام الخامسة لأتلو عليهم تحاريري وقد ملأني ذلك اعتزازا، ضاعف ثقتي بنفسي،حفزني على مزيد بذل الجهد وصقل موهبتي بالمطالعة والتدرب على الكتابة.
وكان من بين زملائي تلميذ متفوق يحتل دوما المرتبة الأولى يدعى يوسف ربطت بيننا الزمالة والصداقة ...وكم تنافسنا وتغالبنا في القسم إلا أنه ظل دائما يحصل على أفضل الأعداد في مادة الحساب والفرنسية .
كان يوسف تلميذا ضئيل الجسم، خجول الطبع، قليل الكلام.. فضلا عن القسم والساحة جمعنا الطريق .. فمدرستنا تقع على بعد خطوات من المدينة العتيقة وسورها الشامخ البديع تحيط به المساحات الخصراء التي تفنن العمال في العناية بها فغرسوا الأشجار المورقة الخضراء والازهار المختلفة الالوان... كنا نقطع الطريق كل يوم من باب الغربي مرورا بباب الجبلي حتى نصل طريق الأفران مشيا على الأقدام.. نشق المقبرة، نمر تحت القنطرة في طمانينة، نحمل محافظنا الجلدية وأحلامنا الصغيرة وطموحاتنا الكبيرة ..ثم تعترضنا دكاكين الحدّادين حيث تلتهب النيران في الأفران وتعلو ألسنة اللهب متراقصة في مشهد مثير والحداد بمطرقته الضخمة يطرق الحديد فوق السندان فتدوي ضربات المطارق ملعلعة، تردد صداها الاقاصي.
نمر بعد ذلك أمام حمام لوصيف فجامع الصافي ومخبزة الحمامي التي تفوح منها روائح الخبز الشهي تداعب الأنوف.. وينتهي بنا المطاف إلى المحطة أين سنفترق ... نتوقف لدقائق، نختلس من الزمن في غفلة عن الأعين لحظات نقضيها معا في ثرثرة محببة إلى نفسينا قبل أن يودع أحدنا الآخر فأعبر الزنقة وأتجة نحو منزلنا في آخرها حيث ينتصب البرج كالقلعة يحيط به الجنان المغروس أشجارا مثمرة وخضرا ..كان يوسف يقطن بطريق قرمده قيقطع البطحاء حيث الدار المهجورة ، يمر بمعاصر الزيتون بأبوابها الضخمة وجدرانها العالية ترتفع كالحصون .. ينتظر الحافلة لتقله إلى منزلهم.
كنا طفلين بريئين ينعمان بمتعة التمدرس ولذة الصداقة وهامش الحرية الذي منح لهما فنتبادل الكتب، نتسابق من يتم قراءتها الأول.
ومرت الايام وتعاقبت الفصول وتخاصمنا قبل ان ننال شهادة ختم الدروس الابتدائية... حل الصمت محل الكلام و أصبح لا احد منا يجرؤ على النظر إلى الآخر و لا اللعب معه و لا حتى استعارة الكتب والمجلات... لم يفكر أصدقاؤنا في التدخل بيننا بالحسنى وإذابة الجليد... وإلى اليوم لا أذكر سبب القطيعة او ظروفها...بعد إجراء الامتحان الذي انتظرناه بفارغ الصبر التحق يوسف بالمعهد الثانوي للذكور بينما سجلت انا بالمعهد الثانوي للفتيات.. هكذا افترقنا دون رجعة وبقيت الذكريات عالقة.
لم يسع يوسف للاتصال بي ولا أنا سعيت لمعرفة أخباره وكأن المدرسة والقسم لم يؤلف بين قلبينا.. وكأن الطريق لم يعرف وقع خطانا .. وأحيانا كانت اخباره تصلني متقطعة عبر صديقة لي تجمعها به صلة قرابة.
منذ سنة علمت صدفة أن يوسف توفي إثر إصابته بمرض خبيث ... رايت صفحات من عمري تطوى... أحسست أن الزمن يغتالني وأن شيئا مابداخلي يتفتت .
أسماء المصمودي /تونس 2/1/2021
.
Peut être une image de plein air et monument

*** ظلم الأحبة *** بقلم د. زهيرة بن عيشاوية

 *** ظلم الأحبة ***

قالت و دمع في العيون تدفقَ
إن السواد يلفّ كل حياتي
كم دمعةٍ في الليل قد أخفيتُها
و صراخها المكتوم من أنّاتي
قالت و حرقةُ دمعِها تتأججُ
إن الظلام يسود في ساعاتي
والشمس تشرق في القلوب بدفئها
و شعاع شمسي غاب عن نبضاتي
قالت حياتي يا طبيبة أصبحت
مملوءةً بالدمع والعبراتِ
قد لوّن الناس الذين أحبهم
بالأسود القاني ندى نظراتي
وتجهمت كل الوجوه بقسوة
من أين تأتي بهجة البسماتِ ؟
ظلم كبير يا طبيبة لفّني
كيف السبيل لعودة الضحكاتِ ؟
هذي الحياة غريبة و عجيبة
والغدر فيها سيّدُ الأزماتِ
والسوء والشرُّ الدفينُ يحيط بي
يَستلُّ من قلبي صدى آهاتي
يغتال روحي ، يستزيد صبابتي
قد صرت أرجو قرب يوم مماتي
قالت تعبتُ فهزّ دمعها مهجتي
و تنَهّدَت ، فتَلعثمَت كلماتي ..
د. زهيرة بن عيشاوية
DrZouhaira Ben Aichaouia
Peut être une image de ‎une personne ou plus et ‎texte qui dit ’‎د زهيرة بن عيشاوية‎’‎‎

تجليات التّشكيل الأدبي.. وحساسية التّعبير الفنّي..في قصة القاصة والشاعرة التونسية القديرة نفيسة التريكي “نجوى النشوى” بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تجليات التّشكيل الأدبي.. وحساسية التّعبير الفنّي..في قصة القاصة والشاعرة التونسية القديرة نفيسة التريكي “نجوى النشوى”

حين تدفع بنا المبدعة الشاعرة والقاصة نفيسة التريكي إلى الولوج عنوة إلى فضائها الإبداعي، فإنما نراها تسعى-بجهد غير ملول إلى أن تكون شاهدة على عصرها وفاعلة فيه بالقدر الذي يحتمله واقع المنع والإباحة، لذلك فهي تجرنا كما أسلفت دون وعي منّا إلى ذواتنا أو هي تذكرنا بها مشروخة مشظاة ..
ولا عجب فيما أزعم إذا علمنا أن هذه المبدعة (أيقونة الساحل التونسي وهذا الرأي يخصني) جاءت إلى القصة القصيرة من أبواب الحياة الشاسعة، وراحت تؤثث فضاء لغتها بالمجاز وبالإستعارة ذات الكثافة الحسية، والتوتر والإيحاء مما ساهم في إيجاد مناخات عالم قصصها المعبرة عن علاقة شخوصها المختلفة والمتوترة مع الذات والعالم الذي يتركها لمصيرها الأعزل وحيدة ضائعة، مستلبة ومقهورة بسبب الشرط الإجتماعي والوجودي المأسوي الذي تحياه،والذي يجعلها تنكفئ على دواخلها–المعطوبة–وتعيش في مناخ كابوسي مخيف لا تجد سوى الأحلام وسيلة للهرب،وإشباع رغباتها المستفزة والمحرومة.
..”وهي على تلك الحال من النشوة إذْ بيد تربّت على كتفيها تداعب شعرها وإذ ْ بصوت أليف يهمس في سمعها برقّة ودفء -حبيبتي،حبيبتي نجوى نجوى التفتت، علّها تجده حلمها القديم المتجدّد الأسطوريّ،ذاك الهوى المتوهّج في خلاياها ودمها عبر قرون ذاك الوله الدفّاق في قلبها المفعم بالشّوق والهيام..”
الراوي الذي يتحدّث إلينا في هذه-اللوحة القصصية المبهرة-شخصية متخيلة لا تكاد تختلف عن أي شخصية من الشخصيات المتخيلة التي تعرضها علينا القصة،الإختلاف الجوهري الوحيد أنّ حضور شخصية الراوي في هذا الإبداع القصصي لنفيسة التريكي-حضور محوري،يتغلغل في دقائق النسيج الذي تتألّف منه القصة،ونستمع إلى صوته وملاحظاته عند كل منحى،إلى الحد الذي تصبح معه القصة وراويها المحدث أمرين متلازمين،لا وجود لأحدهما ولا معنى دون وجود الآخر .
مبعث المفارقات في هذه اللوحة القصصية الرائعة للكاتبة/الشاعرة المتميزة نفيسة التريكي “نجوى النشوى” هو أن كل عنصر فيها يستدعي قرينه النقيض،استدعاء جدليا يجعل من الكتابة لدى-نفيسة التريكي- تضعيفات مرآوية للصور واللوحات والمشاهد،وتداخلا لا ينتهي من “المحاسن والأضداد” وفق تعبير الجاحظ.
إن سؤال الكتابة،على تعدّد مقاصده،لدى -نفيسة التريكي-،يتخذ طابعا اطراديا في كثير من نصوصها الإبداعية شعرا كانت أم نثرا،وهي لاترتبط بجنس أدبي دون سواه،في الشعر كما في النثر،بل إنهاه تتعدّى الكتابة،بدوالّ الكتابة إلى الكتابة بدوالّ فنون أخرى ..
من خلال-قصة نجوى النشوى-نستشف مدى حركيَّة وحيوية هاته القصة التي لا تخلو من ديناميَّة الأحداث.
تتميَّزُ القصة ببعض الخصائص الدلاليَّة،التي يمكن إجمالُها في خصائص-الحب العذري-الإدهاش،التلغيز والبعد الوجودي الذي يترجم -العشق-وكذا-لوعة الفراق-في زمن ضللنا فيه الطريق إلى المحبّة، في أبهى تجلياته،كلها ميزاتٌ تُفصِحُ عن هذا التكامل الذي يطول القصة ويجعلها غنيَّة في دلالتها.
وكذا توجد خصائص شكلية،كالقصر الشديد،والتكثيف،ووَحْدة الموضوع، والمشهدية،وأيضًا المفارقة،كلُّ هاته العوامل ساهمَتْ في جعل القصة زاخرةً بمؤهلات فنية بأن تمثِّل هذا الجنس الأدبي بامتياز.
لنقرأ معا هذه الشذرات التي تداعب-بلطف-ذائقتنا الفنية،وتحلّق بنا فب الأقاصي،وترحل معنا إلى عالم الحب النقي حيث الصفاء والتجلي:”ها انا اعانقك بلا حذر وكيد في طبيعة مزهار وهواء معطار وحب سخيّ مدرار،،ها انا اتكئ على كتفيك بكل ما في من هيام وإصرار واسرار ،،،،،نتصافى ،،نتحاور نتعاهد يشهد علينا البارئ المبدع الكريم اللطيف ،هنا في كنف الجمال والحرية والحب صفاء لطالما ناشدته أن يكون وأندشته لك وللطبيعة في أناشيدي..”
نجد القاصة هنا تعود بنا إلى مرحلة أساسية تعد بحسب التحليل النّفسي هي المكوّن الأساسيّ لشخصية الإنسان،فتقدّم لنا صورة إنسانيّة تعبق بعطر-الحب النقي-،وفيها تصوير للعلاقات العشقية المتشظية التي تجلت في أكثر من صورة أولتها-القاصة نفيسة-مع نفسها – الأنا وهي ثيمة نجدها عند معظم القاصين،يحاولون فيها العودة إلى دواخلهم وسط الضجيج والحياة الصاخبة التي تدنو إلى الخراب،فتنقل صورة الحبيب المتسربل بلوعة الفراق،محنة الإغتراب،والبعد القسري الناجم عن ازدحام الحياة بمطبات،محن وشدائد يغدو فيها-الحب-حلما-ولقاء الحبيبين نشيدا عذبا في فضاء الكون..” حكاياتي قدّت من الحروب والأمراض والجور والسجون والمعتقلات والخيام واللجوء لست انا من هجرك – مآقيّ بل هجّرتني ظروفي عنك في هاتيك الحياة المشحونة بالبغضاء والكيد والكذب والنفاق والغدر والتجسّس والخسران وها أنا الآن سعيد بك التقيك للابد في هذا الفضاء الرحب المزدان المزركش المعطر الخالي من الشرور، ها انا اعانقك بلا حذر وكيد في طبيعة مزهار وهواء معطار وحب سخيّ مدرار،ها انا اتكئ على كتفيك بكل ما في من هيام وإصرار واسرار ،،،،،نتصافى ،،نتحاور نتعاهد يشهد علينا البارئ المبدع الكريم اللطيف ،هنا في كنف الجمال والحرية والحب صفاء لطالما ناشدته أن يكون وأندشته لك وللطبيعة في أناشيدي..”
الرمزية..ودلالات استدعاء صخرة سيزيف:
تستبدّ الدلالة بالتضعيف في متن هذه اللوحة القصصية المزهرة وذلك حين تستعيد اللوحة مقول النص الموازي: (صخرة سيزيف)*.وكأن الإيقون هنا يوقف دفق استيهام الجملة،ويعمل على تأكيده في الآن نفسه،بالنظر إلى المعرفة المستحصلة من خلال تفكير أسطوري بات بمثابة الحيوات المشاع،تساعد الإنسان على كبح الفادح والحد من جموحه وغلوائه..هي حتما المشجب الذي نعلّق عليه الأعطاب (قصة نجوى النشوى في جزء منها نموذجا).
لكن ما لا يقوله الكاليغراف** هو دلالة العبث التي تتفجّر بالنظر إلى الأحياز،وبالنظر إلى الحجم الذي تحتله الصخرة،والحجم الذي يحتله الإنسان عامة والمرمّز له هنا في هذه القصة التي طرزتها بأناملها نفيسة التريكي بسيزيف..
دلالات الحلم في قصة نجوى النشوى:
الحلم-في تقديري-يتيح إمكانيات هائلة وطاقة زاخرة تمكن من معالجة أي موضوع،بل إن المواضيع الحساسة هي أنجح المواضيع التي يعالجها الحلم. إن الحلم ـ كما أشرناـ إيقاع حداثي،فهو يفجر الطاقة الكامنة في النص،ويحرر العقل من سلطان المنطق،ويفسح المجال للخيال،فمن خلاله تعبر الرؤية وتخترق حدود الزمان والمكان.لكن تبقى الإيقاعات السردية الحداثية ـخاصة في القصة القصيرة ـ غير مدروسة بالقدر الكافي.حسبنا في -هذه القراءة المتعجلة للقصة اللذيذة: “نجوى النشوى” للقاصة التونسية نفيسة التريكي أن نكون قد أثرنا الموضوع،فلا ندعي الإحاطة والاستقصاء،بل يكفي أن ندلي برأينا في جنس أدبي،فيه من الغزارة والتنوع ما يعجز الباحث،وتنوء بحمله الأذهان.
لكن القاصة نفيسة التريكي-بكرها الأدبي-أبدعت حين باغتتنا بأن السرد الحكائي في هذه اللوحة القصصية الممتعة-لا يغدو أن يكون مجرد حلم..”في لحظة مباغتة احست الحالمة أمواج ان النفس انقطع عنها وجف حلقها فنهضت لتشرب وظل الحلم عالقا بها وكم تمنته حقيقة لكن ما أشسع ما بين الحلم والواقع تلاطمت الأحاسيس والأفكار بين المد والجزر في شجون وظنون وغضون أمواج وتمتمت ربااااااااااااااه اكل ذلك كان حلما؟؟؟..”
قصة رائقة تستوقفنا،من حيث نسيجها السّردي،و تقنية الأسلوب في هذا النّص البديع،فنحسّ بروح التّشكيل الأدبي،وحساسية التّعبيرالفنّي.
وبإمكانك-أيها القارئ الكريم-قراءة-هذه اللوحة القصصية المدهشة-في انتظار اختمار عشب الكلام..
محمد المحسن
*ما تخبرنا به أسطورة سيزيف أنه ليس بالضرورة أن يصل الإنسان إلى هدف في حياته وأن يحقق منجزات من نوع ما، ذلك أن هدف الحياة الأسمى تجدها في ذاتها، لا يقع المعنى في مكان خارج هذا السعي والكفاح ومواجهة الإنسان لمصيره وقدره، وهو إذ يكافح ويناضل ويتمرد يصنع نفسه ووعيه وقدره الخاص.(وهذا ما أشارت إليه-في تقديري- القاصة نفيسة التريكي بإمتياز)
** الكاليغراف:الإشارات التقليدية التي يمكن من خلالها توصيل اللغة ،مع معرفة المهارة لجعلها سهلة لترتيب الأجزاء المختلفة من تلك الحروف ، مع توفير الانسجام في النسب ، والتي يكون سهل التعرف عليها عينا من قبل ذوي الخبرة ، كتكوين عمل فني سلس وجميل .

حين تحرّك فينا الثورة التونسية المجيدة.. ما أسن من أفكار وأساليب.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حين تحرّك فينا الثورة التونسية المجيدة.. ما أسن من أفكار وأساليب..

"ليس بين الدّم.. والدمع مسافة..هذه تونس التي تتحدّى..وهذا الوعي نقيض الخرافة..’ (مظفر النواب.بتصرف)
..كيف يمكن للغة أن تنجو من لغوها، وهي يحك بعضها بعضاَََ، في محاولة يائسة للتعبير عما انطبع وينطبع في الذات من مشاعر وخواطر، يثيرها ويركض أمامها حدث الروح التونسي الأعظم: الثورة؟ !
وبعيدا عن التجريد المشخصن الذي آلت إليه كلمة’الثورة’وعن تصدرها قائمة أسهم الخطاب في بورصة العجز العربي الثرثار، بل بعيدا حتى عما تفجّره من تداعيات معنوية وحلمية، أجدني أميل إلى العودة إلى التجسيد، إلى القبض على الشيء والمعنى بالحواس المتأتئة، قبل أن تقتنصهما التسمية، وتحبسهما في أقفاصها الرنانة.
وما كنت لأجرؤ على مجازفة كهذه، لولا أنني كنت على الأرض التي انتفض لحمها البشري في السابع عشر من شهر ديسمبر 2010، فشاهدت وشهدت، وإن كانت مشاهدة لم تخرج من حيز الشهود-أسفا-إلى فضاء الاستشهاد !.
ثمة سؤال أبله يدور في خلدي، قد يصلح ليكون بداية، وإن كانت فجة، للملامسة المقصودة هنا: لماذا يجب على الشعراء (وأزعم أني واحد منهم) أن يكتبوا شعرا أو نثرا، عن الثورة؟ !
هو سؤال أبله كما ترون، ولكنه، ككل أبله، يلح في طلب إجابة شافية، وككل أبله لن ترضيه الإجابات المخاتلة، أو تلك المبنية على الركون إلى البدهيات والأعراف.
والوجوب المفترض عن الشعراء-أو المفروض عليهم !-هو إما نابع من ضمير الشاعر نفسه، من ضيقه بما احتشد في وجدانه من مشاعر وانفعالات صاخبة، لن تهدأ حتى يخرجها كلمات على الورق، أو أنه نابع من إحساس الشاعر بواجبه في التعبير عن مشاعر وانفعالات الآخرين ممن حرموا القدرة على الكتابة، وفي كلتا الحالتين يراد منه أن يكون اسهاما في الفعل الذي جرى على الأرض-الثورة.
وكأني بالشاعر ما يزال يعتبر نفسه، ويعتبره الأخرون، صوت أمته، وضميرها الحي، الحامل لهمومها وأفراحها وآلامها، المعدّد لمناقبها، الممجّد لإنتصاراتها، الرائي لقتلاها، الشاتم لأعدائها…وربما هو كذلك، أو كان كذلك، في جاهلية انقضت (أو هكذا حسبناها !)، قبل أن تخرج الأمور عن مجرد نزاعات قبلية بالسيف والرمح عن مرعى وكلأ، وقبل أن تتعقّد العلوم والإختصاصات، فيتولى آخرون فيما بينهم تلك المهام التي كانت منوطة بلسان الشاعر وفصاحته، وأعني بهم علماء الإجتماع وعلماء السياسة وعلماء الإقتصاد وعلماء التاريخ وعلماء الحرب وعلماء النفس وعلماء الإعلام..حتى علماء الكلام !.
لكن الناس ينتظرون من الشاعر، الشاعر وحده، أن يقول ويكتب ! وهو في داخله يحس أنها مهمته هو، دون غيره ! وكأنه راسخ في وهمه أنّ حركة التاريخ، وسيرورة الواقع، ورياح التغيير مرهونة بما سيسيل به قلمه على لوح الأقدار المكشوف، هذه المرة، لا المحفوظ ! وكأننا ما نزال ننظر إلى وجودنا نظرة شاعرية، تستبدل الحركة والفعل الناتجين عن الدرس والتحليل والرصد الموضوعي، بإنثيالات عاطفية، وتهويمات مدغدغة، وبلاغات لفظية، لا تعمل على تحويل الدم إلى حبر فحسب، بل أيضا على تحويل الشهادة إلى رمز، والألم البشري إلى مجاز، والفجائع اليومية إلى استعارات .. !
والسؤال الأبله السابق يلد أسئلة أخرى ليست أقل بلاهة:هل تعد قصائد الشعراء وكتابات الكتّاب وخطابات الخطباء مشاركة في الثورة، أم أنها ليست سوى تعويض مرض عن العجز عن المشاركة الحقيقية فيها..؟
وبسؤال مغاير أقول:هل من شأن هذه الكتابات أن تسهم في التأسيس للديموقراطية، الحرية والعدالة الاجتماعية، أم أنّ جدواها تقتصر على تحرير ضمير كاتبها من وطأة الإحساس باللا نفع، وإراحة ضمائر متلقيه من الرهق الذين يرين عليها، بسبب ما تعانيه من شلل شامل؟ !
وحين يستعمل أحدهم لغته لتصوير رمية حجر أو نظرة غضب أو مصرع شاب أو نواح أم…هل يكون في روعه أنّ صوره أصدق وأبلغ وأبعد أثرا من صورة الحقيقة التي رآها عيانا، أو عبر ما بثته أجهزة الإعلام إبان المد الثوري الخلاّق..؟ !
وهل في ظن أحدهم أنّ أولئك البسطاء الواقعيين، ولا أقول الأسطوريين، الذين ثاروا على القهر، الظلم والظلام، قرؤوا قصائده، أو فهموها، أو اتخذوا من تكاثرها وتراكمها ذخيرة لهم في مواصلة نضالهم، وهم الذين ما انتظروها حين أشعلوا الثورة التونسية الخالدة واشتعلوا بها؟ !
وإذا كانت هذه القصائد موجهة إلى بقية الشعب والجماهير والحكّام العرب وصنّاع القرار، أن’تنبهوا واستفيقوا أيها…’فلماذا لم تصل رسالتها بعد، على الرغم من تلال القصائد المتلّلة، التي تكرّر الفحوى ذاتها دون هوادة، بالألفاظ ذاتها دون هوادة، عبر ثلاث سنوات من عمر الثورة التونسية..وأقل بقليل من عمر ما يسمى بالربيع العربي..؟ !
أما إذا كان يراد من هذه القصائد والكتابات أن تكون أعمالا فنية جمالية، تسعى، بأدوات دقيقة ومحترفة، إلى استلهام الحدث لتخليده، وجعله عبرة وراقة وجدانية أصيلة، تنفعل بها وتتعلّم منها الأجيال القادمة، فلعمري ألا تكفي قصيدة جيدة واحدة، أو بضع قصائد لتلبية هذا المطمح؟
أجل، إنها أسئلة بلهاء، لا أظنها ترد على خاطر كثير من الشعراء وغيرهم من ممتهني الحرف، وهم يحاولون صياغة تجليات الثورة في قصيدة شعرية ترقى إلى حجم الحدث..؟
ولعل هذه أن تكون احد شؤون الثورة التونسية وغاياتها، أن تكشف فنيا بلاهتنا، وتفضح ادعاءاتنا وأكاذيبنا على صفحة مرآة صدقها الجارحة، وتثير فينا شهية، الثورة، بدورنا، على ما تواتر واستتب حتى أصبح أعرافا وتقاليد،وتحرّك فينا ما أسن من أفكار وأساليب،علها تتنفّس هواءها الطازج..
محمد المحسن
Peut être une image de une personne ou plus et texte

على هامش الصراع بين الشرق والغرب: القوة بلا أخلاق…هي قوة عمياء..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش الصراع بين الشرق والغرب:

القوة بلا أخلاق…هي قوة عمياء..!
"لم يعد بالإمكان تحقيق مكاسب إستراتيجية على حساب الآخرين! لأن مثل هذه المقاربة هي مقاربة أنانية، واستعلائية ولا تحترم الآخرين، ولن تجلب إلا مواجهة عادلة، والحل: هو البحث عن نظام عالمي متوازن ودائم، يجيب عن التحديات التكنولوجية والبيئية والمتطلبات الإنسانية التي تواجه البشرية اليوم." (الرئيس الروسي فلادمير بوتين)
..العلاقة بين الشرق والغرب قديمة،شائكة وتحكمها تراكمات التاريخ..وهي تراكمات-في أغلبها-متخمة بالتوتر،والغضب،والسوداوية..الغرب كان يسعى طوال الوقت إلى بناء امبراطوريات تكفل لشعوبه حياة متميزة،وكان الشرق،أرضا مناسبة لهذه التوسعات..
الغرب أيضا ينظر إلى شعوب الشرق على أساس أنها شعوب همجية،تسعى لإزعاج وجوده على الأرض..ولم تكن النظرة بالتالي من الشرق إلى الغرب إلا ردّا على من وصفه ب”المستعمر”الغازي”و”الذي يسعى للهيمنة على مقدراتنا”
و إذن؟
العلاقة،إذا كانت في أبسط أشكالها علاقة حذر،وتربص وإنتظار لما يمكن أن يحصل من الطرف الآخر.هذا الحذ ر كان ينقلب إلى ما يمكن وصفه بمواجهة بين الطرفين،وهو الأمر الذي يلخص ما يجري بعد أحداث مانهاتن01..
والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع:
ترى ما الذي يمكن أن تسفر عنه المواجهة الدائرة الآن بين طرفين كل منهما يرى(حسب تعبير هيغل)أنه على حق ويدافع عن أفكاره؟
وما التأثيرات التي يمكن أن تخلّفها هذه المواجهة على الساحة الثقافية العربية؟؟..
وقبل ذلك:هل هناك-بعيدا عن الأفكار الفضفاضة-حلول لرأب الصدع-الذي ظهر بينهما..؟؟
لقد غدت العلاقة بين الشرق والغرب علاقة إرهاب متبادلة،تختلف الوسائل،لكن المعنى الدامي والتدميري واحد،سواء كان بإجتياح من الطائرات الأمريكية لشعب أعزل يفترش التراب”أفغانستان”أو كان بالقصف المدمّر للعاصمة العراقية-بغداد- أو كان بما حدث من تدمير مؤلم للذات والآخر بالإختراق المفاجئ لثلاثة من أجساد أمريكية:جسد المال ممثلا في مبنى التجارة العالمي،العقل العسكري المدبر”البنتاغون”وتهديد الكيان السياسي ممثلا في”البيت الأبيض”..
في بداية القرن الجديد تحولت العلاقة بينهما إلى علاقات نهش وإبادة،وهي بإختصار-هستيريا-معاصرة،تقطر دما وخرابا..
لم تكن العلاقة على هذا النحو في أي مراحل التاريخ،ربما كان الحوار بينهما داميا إلا أن ما يجري يمثل لحظة تاريخية أكثر تعقيدا وعنفا،فاللحظة الراهنة،إذن أقرب إلى لحظة عمياء..وحين تكون هذه اللحظة مدججة بأحدث أنواع التقنيات وأسلحة الدمار المتنوعة،فإنه يمكن تأكيد نبؤات-نستر داموس-التي تؤكّد أنّ القيامة قد تقوم الآن ويُدمَّر العالم ذاته بأحقاده المتبادلة..
التوازن مفقود،والعولمة المتوحشة تحاول إبتلاع العالم وهذا الأمرأكّده-فوكوياما-حيث أشار إلى أنّه لم تعد هناك أطراف متعددة لكي نتحدّث عن حرب،بل ثمة-سوبرمان-واحد يرث تواريخ القوى،وإن كان..هو بلا تاريخ..
ولكن..
من المفارقات المذهلة أن تعلن-اليونسكو-التابعة للأمم المتحدة في23نوفمبر01 يوما عالميا لحافظ الشيرازي-شاعر العشق الذي لم يكتب سوى في الغزل ولم يتغنّ إلا بوحدة الوجود والإنسان مهما إختلفت الأديان والأعراق..وفي سنة1999،أيضا كان-لجلال الدين الرومي-صاحب مثنوي ظهور بالغ الأثر في أمريكا،حيث تُرجمَت أشعاره في الحب الإلهي إلى الأنقليزية،وكانت الأكثر مبيعا في أمريكا بالذات وليس عجيبا ان يطبعوا بطاقات معايدة تحتوي على أشعاره..
ذلك ما يطرح علينا سؤالا حول إمكانية الخصومة في العالم أي إمكانية أن نتخذ من الولايات المتحدة خصما لنا،والعكس بالعكس..
ولكن أيضا..
ثقافة السلام،وفقا للخطاب الأمريكي،تستدعي حتما تحقير أي فكرة أو نزعة للمقاومة،ومن ثم ارتفعت معاول-كتاب الطابور الخامس-لتهيل التراب على كل صور المقاومة،خلال الحرب العراقية-الأمريكية..أما سجل المقاومة العراقية اليومية للإحتلال فليس سوى”حوادث متفرقة”أو عمليات يقوم بها”أنصار صدّام”وكأن دعاة الخطاب الأمريكي يستكثرون مقاومة الإحتلال على الشعب العراقي..وأما عمليات المقاومة الفلسطينية فيتمّ وصفها ب”الإرهاب”ويدور الحديث بعد ذلك عن خطاب”ديني جديد”ينزع فتيل المقاومة من “جوهر”الدين الإسلامي ويحرّم الدفاع عن الوطن..
وإذا تركنا المسرح السياسي الذي تنشط فوق منصته فرقة-كتاب الرد السريع-فسنجد أن الخطاب الثقافي الأمريكي لم يهمل المسرح الأدبي والفكري وأدار على خشبته التهاويل الفكرية المجسمة في أردية فاخرة..فبدلا أن يقال أن الصراع الحقيقي يدور بين شعوب المنطقة والهيمنة الإستعمارية،يقال لنا بأصوات -الحكمة-أن القصة تكمن في”صراع الحضارات”وأننا نعاني من إعتلال خلقي،يجعلنا لا نقبل ذلك”الآخر”ويتجاهل الجميع أن تاريخ حضارتنا كله هو تاريخ تفاعل مع الحضارات الأخرى،كما لا يحدّد لنا أحد بصراحة من هو”ذلك الآخر”وما إذا كان الإسم الحركي لإسرائيل مثلا..
ما المطلوب؟
المطلوب أن تحدّق الحضارة الغربية”المنتصرة-المنكسرة”في ذاتها وتطرح على نفسها-لا سؤال القوة-بل سؤال التوازن والجوهر،القوة بلا أخلاق عمياء،وإذا كانت قادرة على تدمير الآخر بيد فهي ستبدأ بنفسها أولا.
والمطلوب أولا وأخيرا أن يتنفّس العالم مزيدا من هواء التوازن.. هذا لب المسألة.
على سبيل الخاتمة:
يذهب الكثير من المحللين في منطقتنا والعالم في تفسير الصراعات المحتدمة في وقتنا المعاصر صوب المصالح الاقتصادية وحروب الطاقة وإعادة رسم الخرائط وتدمير الشعوب والدول للوصول إلى الأهداف المتوخاة، من دون النظر في بُعدٍ آخر لهذه الصراعات، وهو البعد المرتبط بالمبادئ والعقائد والفلسفات، وهو بعد لا يوليه الكثيرون الاهتمام المطلوب، وينظرون إليه بأنه بعدٌ لا أهمية له أمام المال والنفط والشركات العملاقة، فالغرب الإمبريالي يلجأ إلى مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» حتى لو كانت داعش وجبهة النصرة والمجازر والتضليل الإعلامي والخداع والكذب وتوظيف الدين، فلا مشكلة لديهم،المهم: السيطرة والوصول إلى الأهداف المتوخاة، على حساب كل القيم الإنسانية والأخلاقية وما تعلمته البشرية من خلاصات ودروس، بعد حربين عالميتين انهتا حياة ملايين البشر، ودمرت بلداناً ومدناً وشعوباً! لا يهم، المهم النفط والطاقة والهيمنة، المهم أن يكون لدينا عبيد يعملون بإمرتنا وتحت أقدامنا.
يبدو أمر الحديث عن المبادئ في زمن الانهيار الأخلاقي، الذي نشهده هذه الأيام، مسألة مستهجنة لدى البعض، بالرغم من أنني أراها جوهرية وأساسية، لما يشهده العالم عامة وسورية خاصة..
ولنا عودة إلى هذه المسألة الشائكة عبر مقاربة مستفيضة..
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne

***حديقة الانوار** بقلم الأديب محمد أنو ر التركي

 ***حديقة الانوار**

**************
حديقة أشعاري مفتوحة إلى الأبـــــدِ *** لا أوصد أبوابها لا أبخل بها على أحدِِ
مدّوا أياديكم ، خذوا ما شئتم أيا قرائي*** واستنشقوا منها الورد وتذوقوا شهدي
زرعــت حديقتي قصائد بكل وجداني*** لتنهلوا منـــها دونما سابق عـــــــدد
بذلتُ حديقتي بأزهارها للقراء كلــــــهم *** فكيف عن حبــــــــي لهم في الكبد
** تحياتي لكم جميعا**
محمد أنو ر التركي
Peut être une image de 2 personnes et texte