الأربعاء، 6 مارس 2024

الملحون بقلم الباحث الشريف العوني

 الملحون

بسم الله الرحمن الرحيم
لا يختلف اثنان حول قيمة الآداب الشعبية والتصاقها بالحياة اليومية للشعوب وهي مرآة لحياة أي شعب تعكس طريقة تفكيره ومدى تقدمه الحضاري كما تعكس معتقداته ونمط حياته... لكن الإختلاف كان حول التعريف لهذا الأدب فرجع هذا إلى البحث حول كلمة الفلكلور وعاد الآخر ليبين الفرق بين الشعبي والشعوبي وتاه ثالث في تبيين مصدر هذه الآداب وهل نبعت عن فرد أو عن جماعة وهل نستثني الأدب المكتوب عن الأدب المنقول رواية ... ومثلما نرى فالأبحاث الأكاديمية حول هذا الأدب المختلف التسميات كثيرة، ولن ننحو هذا المنحى إذ سنتحدث عن نوعٍ وحيد من الأدب الشعبي ألا وهو الشعر الشعبي الملحون التونسي. ما القصد من هذا؟ هو الشعر العامي الذي تغنّى به شعراء في قصائد نسبيا طويلة، عكس الشعر المغنى في الإذاعة بتلحين مرقمٍ، بل تغنّوا به في الأعراس والمناسبات. إننا لا نحاول أن نعطي تعريفا وإنما نحاول تجنب الخلط بين الشعر الملحون التونسي مثل أشعار أحمد البرغوثي أو أحمد ملاّك أو بلقاسم الورشفّاني أو عبد الله بن زكري والقائمة تطول وبين أشعار عامية لا تتجاوز غالبا ثمانية أبيات يمكن أن تُنسج على بحرين أو ثلاثة أي تختلف أجزاؤها طولا وقصرا غير مقيدة مسبقا بتوحيد الوزن إذ ينسجها الشاعر بتناغم وتناسق قصد تسهيل غنائها ونظمت مسبقا من أجل الغناء مثل ما جمعه الأستاذ محمد بوذينه. ولذا نرى أن الشعر العامي التونسي المُغنّى ليس مقصدنا من الشعر الشعبي أو الشعر الملحون، فالذي يهمنا هو شعر القصائد الكبيرة التي يعرفها أهل الذكر بالقسيم والموقف والملزومه إلى غير ذلك، وهي قصائد لا يشترط فيها عدم معرفة شاعرها أو نقلها الشفوي بل العكس هو القاعدة أي أن أغلبها معروف الشاعر وقد دُوّن منها الكثير.
إن اهتمامنا بهذا النوع من الشعر الشعبي يعود بالأخص لسببين أساسيين من جملة عدة أسباب أخرى: أولهما ذاتي، وهو أني ابن شاعر تربّيت منذ نعومة أظافري على هذه القصائد وتشبّعت من سماعها في عدة مناسبات اجتماعية كالأعراس والسفر للحج، ورسمية كالندوات والمهرجانات، وثانيهما موضوعي وهو أن هذا الأدب لم يحض بدراسات معمّقة مختصّة تليق بقيمته الإجتماعية وبقي مُهمشا غير مُؤطر ممّا يثير غيرتي عليه وخاصّة أن البعض وهم غير عارفين بأسراره وكنوزه يأخذونه كمحطّة للتندر والتّفكّه ولا يحترمون مقامه( أقصد بالأخص بعض المذيعين).
التقديم:
ستأخذ دراستنا هذه منحى تحليليا لسانيّا لهذا الأدب الشعبي معتمدا نهجا ماتيماتيكيا، بمعنى أننا سنحاول و الله الموفق، أن نعتمد على فكر منطقي رياضي، كي نزيح الغبار على أي خلط أو التباس وقع فيه أساتذتنا الأجلاّء ( هذا لا ينفي الجهود التي أدّوها ولا يقلّل من قيمتهم الأدبية)، هذا الإلتباس المتأتي حسب رأيينا من عدم التخصص في البحث ومن شمولية الكتاب، لأنه على حد علمي( لم أقرأ و لم أجد على الساحة) لم يَكتب في هذا الباب غير الأستاذ الكبير الشيخ المرحوم محمد المرزوقي وهو المختص في الأدب التراثي عامة، ثم تبعه الأستاذ الجليل محيي الدين خريّف الذي ارتكز على كتاب الشيخ المرزوقي"الشعر الشعبي التونسيّ و سمّى كتابه " الشعر الشعبي، موازينه و أغراضه " و قد تفنن في إيضاح أالأغراض خاصة،(أمّا كتاب الأستاذ علي المرموري فهو نقد لأدب البرغوثي) إلاّ أنه في ما يهم الموازين بقيت النظرة هامشية والتحليل سطحي والمنهج بسيط، وما قاله الشيخ المرزوقي أعاده حرفيا الأستاذ خريّف، ولهذا فسيتّجه بحثنا إلى الموازين غاية خلق عروض أو على الأقل نواة عروض لهذا النمط من الشعر وإننا لا ندعي الإلمام المطلق والمعرفة الشمولية(وهذا غير منطقي إذ أن هذه الأوزان قابلة في طبيعتها للتفرّع، عكس الأوزان الفصيحة).
مدخل
قلنا سابقا أن الدراسات الفائتة كانت قليلة وأكاديمية غلبت عليها الشمولية والسطحية( وهذا منطقي لأن الدقة لا تأتي إلا بالتخصّص)، وسنتجه نحو دراسة الموازين والبحور محاولين الغوص أكثر ما يمكن مع تبسيط في التفسير.
ولهذا الغرض أراني مرغما على أن أنحو منحى آخر معتمدا على تكوين التفعيلة اللسانية أو التقطيعة(La syllabe)، والتقطيعة هي أكبر جزء يمكن نطقه على وتيرة واحدة، نعم التقطيعة هي أكبر جزء وليس الأصغر كما يتبادر للذهن، وهنا أعود إلى حركة اللسان وكيفية إخراجه الحروف والمقاطع وتجزئتها، فالفرنسي أو العربي، الفارسي أو الروسي ينطق الحروف والكلمات ويقطّعها بطريقة وحيدة معتمدا على قدرته على إخراج مجموعة حروف بوتيرة واحدة.
وكما ترى عزيزي القارئ فإننا لم نربط بين حركة اللسان واللغة العربية بل نتحدّث على حركة اللسان والحروف والتقطيعات عامة وفي المطلق، إذ بالإعتماد على النطق لا نجد اختلافا بين كل لغات العالم هندية كانت أم إسبانية، فارسية أم جرمانية. وبالتالي لا يرتبط التقطيع بلغة ما وإنما ينطبق على كل لغات العالم بنفس الطريقة.
التقطيع اللساني:
أعود فأفسّر لماذا قلت أن التقطيعة هي أكبر جزء يمكن نطقه على وتيرة واحدة، وهذا يذكرني في الرياضيات بمفهوم القاسم المشترك الأكبر، فحين نقول قاسم مشترك أصغر هذا سهل الوجود وبديهي أمّا القاسم الأكبر فهو الذي يكون مطلوبا ويؤدي دوره، وكذلك التقطيعة لو كانت أصغر ما يمكن نطقه وكنّا نريد الجزء الأصغر في الكلام لتوقفنا عند الحروف وانتهى الأمر، لكن السّرّ أن تضغط على الشيء الطويل لتأخذ منه أطول تقطيعة فيه توصّلتَ إلى نطقها على وتيرة واحدة، وبهذا ينحصر معنى التقطيعة. وهي التي ستكون ارتكازنا وعمادنا في دراستنا هذه، وبالتالي لا يمكننا أن نعتمد في طريقتنا على التقطيع الخليلي إذ على سبيل المثال الوتد يتكوّن من تقطيعتين، إذ أن "لقد" هي وتد عند الخليل وتكوّن تقطيعتان عندنا و هما "لـَ " ، "قدْ ". ونعلم أنّ الشعر الفرنسي يقطّع حسب تقطيعات " Les syllabes"، و نعود لنشير أنه اعتمادا على التجزئة النطقية يمكن أن نقسم أي لغة في العالم إلى تقطيعات. ترى عزيزي القارئ أننا لا نختلف إلى حد الآن مع التقطيع الخليلي على التقطيع في حد ذاته، إذ أنه يعتمد نفس التقطيع ولكن الخليل يؤِلف من ثنائيات التقطيعات أجزاء أخرى (أسبابا وأوتادا) ونبقي نحن التقطيعة على حالها لنكوّن تفعيلاتنا مباشرة من التقطيعات دون المرور عبر الأسباب والأوتاد.
أصناف التقطيعات:
سنبقي تسمية التقطيع الخليلي على ما يتفق مع تجزئته ونعطي اسما جديدا لما خالف تقطيع الخليل أي نبقي تقطيعة الخليل باسمها القديم و نعطي اسما جديدا للتقطيعات التي لم ينظر فيها الخليل.
1. المتحرّك: هو حرف وحيد متحرّك. ومهما كان مكانه واستقلّ الحرف المتحرك بالنطق فهو متحرّك، وإن جاز إدغامه، خرج عن صفة التحرك.
مثاله: رَ، شَ، عِ، فُ...
2. السبب المشبع: حرفان أولهما مشبعٌ بحرف علة.
مثاله: ما ، ذا ، قو ، فا ، ها .....
عند الخليل لا فرق بين لمْ و لا إذ يعتبر حرف العلّة سكونا ولكننا نفرّق بينهما.
3. السبب الناقص : و يتكوّن من زيادة حرف مجزوم في بداية السبب المشبع، ويُدغم هذا الحرف الساكن في الحرف المتحرك المشبع إدغاما شبه تام حتى لا نكاد نفرّق بين الحرفين، ونعترض الآن اختلافا آخر مع نطق الفصحى، فالعرب لا يبتدئون بساكن ولا يقفون على متحرّك، أمّا العامية فتفعل ذلك مثل التفعيلتين التاليتين في النطق الفرنسي : Très gras ولنجيبَ من يقول أنّه فعلا لا يمكن النطق بالساكن لأول وهلة،نعترف له أنّ هذا صحيح، نعم لا يمكن بدء النطق بساكن، إلا أن الحرف الساكن يكون قصيرا جدّا في النطق وملتصقا التصاقا كليّا بالحرف الذي يليه إلى درجة أننا نستغني عن حرف عّلة متحرّك قبله ليسهّل نطقه، ولتطبيق قاعدة نطق العربي المشار إليها آنفا، كان علينا أن نكتب فعل المشي بالعامية التونسيّة الذي ينطق مْـشَى أي ميم ساكنة ثم شين مشبعة، نكتبه إمْـشى ونلاحظ أن هذا الحرف "إ" يكاد يظهر عند من يتكلّم ببطء، لكننا بإدغام الميم المجزومة في الشين نكاد ننطق الشين ونأكل الميم قبلها حتى نستغني عن المتحرّك الواجب البدء به قبل الميم الساكنة، والخلاصة إذا: السبب الناقص يتكوّن من ثلاثة حروف أولها مجزوم و ثانيها متحرّك مُشبعٌ وثالثها حرف العلة.
مثاله : جْرى ، بْكى ، تْرا ، مشى ، جرُو ، غدُو ، خلو ، ....
4. السبب الخفيف: هو تقطيعة من حرفان أولهما متحرّك و الثاني ساكن.و هنا أترك نفس التسمية الخليلية لنفس التقطيعة.
مثاله : قَدْ ، بلْ ، إنْ ، لمْ ، ....
5. السبب القصير :يتكوّن بزيادة حرف مجزوم مدغم في بداية السبب الخفيف، "قد" هي سبب خفيف نضيف أولها راء ساكنة مُدغمة في القاف فتصبح رْقَدْ وهذا هو السبب القصير، وهو تقطيعة ذات ثلاث حروفٍ تشبه السبب الخفيف وتُقاس عليه لأنّ الحرف الأول ساكنٌ مدغمٌ في الثاني الذي يكون مُتحرّكا ويبقى الثالث ساكنا. وينطبق ما قلنا في إدغام الحرف الساكن وإمكانية النطق به في السبب الناقص على حالة السبب القصير. وإذا، السبب القصير متكوّن من ثلاثة حروف أوّلها ساكن مُدغم في حرف ثان متحرك والثالث ساكن.
مثال : نْحبْ ، نْرُدْ ، رْشقْ ، لْعجْ ، ظْهرْ ، قْربْ ، صْبرْ ، .....
6. السبب الطويل : هو تقطيعة من ثلاث حروف أولها مشبع والثالث ساكن، أما الثاني فهو حرف الإشباع و لا شيء غير أحد حروف العلة.
مثاله: كانْ ، بانْ ، طارْ ، لاحْ ، هاجْ ، دارْ ، فاحْ ، جيبْ ، فوتْ ،.....
هذا يلفت انتباهنا إلى أن هذه التجزئة وردت في الفصيح لكنّها لم تُؤخذ بعين الإعتبار على حد علمي، ففي قصيدة ؟؟؟؟ المشهورة التي درسناها في التعليم الإبتدائي: سقف بيتي حـديد، نجد ما سمّيناه سببا طويلا، فما كتبنا باللون الأحمر غير موجود في التقطيع الخليلي وهو بالضبط ما سمّيناه سببا طويلا.
7. السبب الكبير: هو تقطيعة من أربع حروف تتكوّن بأن ندغم حرفا في بداية السبب الطويل.
لاحْ هي سبب طويل أدغم في أولها ميما فتصبح مْـلاحْ( ليالي مْلاح)، تابْ ندغم في بدايتها حرف الكاف فتصبح سببا كبيرا: كْتاب...
مثاله : كْـبيـرْ ، رْزينْ ، قْريبْ ، شرابْ ، نْخافْ ، نموتْ ، نتوب ، ....
هذه هي التقطيعات الوحيدة أو كل التقطيعات التي يمكن أن نكوّنها ولن تجد طريقة نطق تكوّن لك مهما غيّرت شكل الحروف ومكانها نوعا من النطق أو تقطيعا خارج ما أشرنا إليه. خذ الآن الإنقليزية أو الروسية أو ما شئت من اللغات وستجد أنّ نطقها المقطّع لن يختلف عن التقطيعات التي أشرنا إليها ولن تجد تقطيعة ثامنة مخالفة للسبع تقطيعات المبينة أعلاه.
و نتّفق مع الخليل كذلك في كون لم و لا أي ما سميّناه بالسبب الخفيف و السبب المشبع يمكن اعتبارهما نفس التفعيلة ولو أنّ الفرق يتضح حين تكون القصيدة مغنّاة ولا أثر لذلك على وزنها.
التفعيلات:
كل تفعيلاتنا تكون مكوّنة من تقطيعتين أو من ثلاث تقطيعات ولن تكون لنا حاجة لتفعيلة أطول.
 فاعل:
و تكون كما أشرنا هي نفسها : مفْـعل وهي لا تغيّر الميزان فاستعمال فاعل أو مفعل لا يكون له أي تأثير على وزن البيت في القصيد.
نرى أنها تتألّف من سبب مشبع يليه سبب خفيف أو من سببين خفيفين.
 متْـفاعل:
و تكون كما أشرنا هي نفسها : متْـفعْــعل
نرى أنها تتألّف من سبب خفيف ثم مشبع ثم خفيف أو من ثلاثة أسباب خفيفة.
 مفعول:
نرى أنها تتألّف من سبب خفيف ثم سبب طويل.
و لو أردنا تعويض السبب الطويل، كما سنفسّر لاحقا، فلا يمكن تعويضه إلاّ بتقطيعتين، وهذا شرط أن يكون في الروي أي آخر البيت، ويبقى هذا التعويض بتفطيعتين اختياريا وسط البيت أو أوله، أما في آخر البيت مفعول تعوّضها متفاعل مثلا، ونعطي إيضاحات كافية عند تعرّضنا لهذه الأمثلة داخل القصائد التي سنتعرّض إليها بالتحليل.
 مْـفَــعّــلْ:
فهي تتألف من سبب قصير ثمّ سبب خفيف.
البحور أو الموازين:
إن ما يميّز بحرا عن غيره هو عدد تقطيعاته ثمّ تكوين تفعيلاته.
إننا بعد طول الفحص ودقّة التمحيص وتعدد المقارنات بين القصائد استخلصنا أن كل التقطيعات في العدد تبقى على حالها في البحر الواحد، أي أن البحر الذي يتألف من خمس تقطيعات مثلا لا يمكن أن يغيّر هذا العدد وإذا أجبرته الضرورة يمكن أن يعوض تقطيعة بأخرى و جائز أن نجد مثلا سببا قصيرا يترك مكانه لسبب خفيف ، لكن البحر يُبقي على عدد تفعيلاته في كل الحالات ما عدا السبب الطويل فإنه إذا غُـيّر لا يمكن ملأ مكانه بغير السببين. أي إذا حذف السبب الطويل فيجب أن يُعوّض بسببين أيا كان نوعهما وهذا كما أشرنا لا مفرّ منه في الروي. معناه أن هذه التقطيعة، السبب الطويل، تأخذ بقعتين أو مكانتين، فهي عبارة عن تقطيعتين. كي لا يقع أحد في الإلتباس، فالقاعدة أن تعوّض هذه التقطيعة الطويلة بتقطيعتين غير الطويلة، لكنّ هذا الأمر يتحتّم في الروي و يمكن أن نشذّ عنه داخل البيت و يعتبر زحافة.
أمّا بالنسبة لتسمية البحور أو الموازين فإني سأعتمد دراسة الأستاذ المرحوم محمد المرزوقي إذ أعتبرها النواة الأولى لتأطير هذا النوع من الأدب وهي دعامة لا يستهان بها إذ أن دراية هذا الشيخ واسعة وهو متمكّن من الفوارق الوزنية متتبع لأساليب النظم والغناء، ولم يعط أسماء البحور اعتباطا بل بعد حضور مكثف للمناسبات الغنائية المتعددة في لجان وطنية وعكاظيات رسمية وأعراس وأفراح محتكّا بالشعراء مدققا في فنونهم. وسأعطي نفس الأمثلة الشعرية التي أعطاها كمثال لكل بحر وأضيف عليها كلما دعت الحاجة لزيادة التبيين.
قبل الدخول المباشر في درس البحور أود أن ألفت النظر إلى تصحيح أشياء يجب تصحيحها فيها خلط و التباس معتمدا على دراستي الأستاذين الكريمين في هذا الموضوع ألا وهما محمد المرزوقي ومحيي الدين خريّف. فقد اتفق الاثنان على أن أصول الشعر الشعبي أربعة وهي القسيم والمسدّس والملزومة والموقف. ويعطيان التعريف لكل صنف، لكن بدون تدقيق علمي إلى أن اختلط الأمر و لم يكن التعريف واضحا. انظر كتاب ص ... للمرزوقي و كتاب ص ... لخريف.
أمّا نحن فنقول أنّ أصول الشعر العربي شعبيّا و فصيحا اثنان : القسيم و الملزومه.
سأعود لذلك بعد أن أذكّر أن للمسدّس موازين عدّة وهذا لم يقع تبيينه في الدراستين المشار إليهما آنفا، كما أن للقسيم كذلك عدة بحور.
القسيم:
فتعريف القسيم يكون الآتي: هو قصيد يبنى على نمط القصيد الفصيح ولا فرق في تركيبة جميع أبياته لا من حيث الوزن ولا من حيث القافية. فبالتالي إذا لم يعتمد المعنى فلن يفرّق دارس بين البيت الأول أو البيت عدد س، إذ أن الأبيات كلها متشابهة في الوزن والقافية.
و كما في الفصيح يتكوّن بيت القصيد الفصيح من جزئين فنقول قصيد مثنّى، كما يتكوّن من ثلاثة أجزاء فيصح ثلاثي أو من أربع فنطلق عليه رباعي إلخ... يتكوّن كذلك القسيم الشعبي من جزئين وهو القسيم العادي أو المثنى و لكن لا ننطق ذلك أي كلمة مثنّى لأن هذا هو المتعارف، ويتكوّن كذلك من ثلاثة أجزاء فيكون القسيم الثلاثي ومن أربعة أجزاء فتقول قسيم رباعي أو الموقف، وبالتالي نرى أن الموقف ما هو إلاّ قسيم رباعي (إمّا كامل أو مقطوف) وهو فرع و ليس أصلا ولا يمكن أن يكون كذلك إذ هو كما بيّنّا نحن وبيّنه الأساتذة المرزوقي وخريّف من قبلي، فإن الموقف هو قسيم من نوع خاص وبالتالي لا يمكن أن يكون أصلا ولكنه فرع من القسيم.
الملزومة:
يكون تعريف الملزومة كالآتي: يتكوّن قصيد الملزومة من مطلع أو طالع(Refrain ) يتكوّن عادة من جزئين إلى ستة أجزاء يمكن ألا تكون متقايسة تعتبر عنوانا للقصيدة وتتحكّم في نمطها وزنا وقافية، تعود لها كل جريدة أو عرف في نهايتها والعرف هو مقطع قصيد يطول أو يقصر حسب الوزن تأخذ آخر بيت فيه قافية المطلع معلنة بذلك عن نهاية الجريدة أو العرف.
و كي نبسّط الأشياء و ننظر لها من الزاوية التطبيقية فإن القسيم يُلقى بدون كورال أو مجموعة صوتية تردد المطلع، عكس الملزومه التي تستوجب وجود مطلع تردده المجموعة الصوتية التي تدعى السعفة (تسعف المغنّي بالاستراحة حين الترديد) أو الخمّاسة على أساس أن الشاعر هو فلاح مالك والسعفة عمّال يشتغلون بالخُمُس، وهذه تسمية إقطاعية بقيت متواجدة.
كل هذا تعريف يبقى نظريا ريثما نتعرّض للأمثلة فنفهم الأمور بأكثر دقة.
تعريفات:
بعد أن رأينا أنّ أصول قصائد الشعر الملحون اثنان: القسيم و الملزومه، نُعرّف الآن التسميّات المتعارفة المتداولة بين الشعراء و أهل الذكر.
الطالع:
يختلف هذا الطالع عمّا فسّرنا أعلاه فطالع القصيد هو كما قلنا عنوانها مطلعها ووجب أن يبقى اسمها مطلعا لكن اختلط الإسم فنقول أحيانا طالع ونقصد المطلع، أما هذا الطالع فهو عبارة عن مقطع صغير موشح يغنّى ببطء شديد أي يملأه الإشباع المطوّل حتّى لا يكاد يفهمه غير المتضلّع في الشعر الشعبي، ينبئنا به الشاعر عن الغرض الذي سيغنّي فيه أي يؤدي الشاعر طالعا في المكفّر بداية السهرة إذ تفتتح بصلاة النبي ثم يكون الطالع في البرق إذا كان سيمر في غنائه إلى مواضيع البرق والمطر إلخ، والطالع زخرفة قي المعنى والغناء ويفتتح به المغنّون وصلتهم. هناك ثلاثة أنواع على ثلاثة أوزان تغنّى بثلاث ألحان مختلفة:
الطالع الساحلي (ألأكثر انتشارا) : ويتكوّن من ثلاث أبيات ذي شطرين متقايسين تأخذ صدورها قافية موحدة و أعجزها قافية موحّدة أخرى:
مثال في الأخضر:
نجعـــك يا دوجــه قلفـض في الليـل
و طبــوله حــروجه هـزّوا على الخيل
هـزّوا الهمعــــوجه تايـهـة الجــيل
الطالع الحيطي ويتكوّن من ثلاث أجزاء أوسطها مقطوف (أقصر من الجزأين الآخرين) يأخذ الجزء الثالث قافية الجزء الأول:
مثال في المكفّر:
يارب يامجيد ثبّت لساني عل كلمة التوحيد
الطالع البعواقي ويتكوّن من أربعة أجزاء متقايسة يأخذ صدراه قافية موحّدة وعجزاه قافية موحّدة أخرى:
لا هـــوّد اللــيـل للغرب ماحت نجــومــه
ندخل بحور الهيل يصعب على من يعومه
وفي الأداء يشترك المغنّي والسعفة بالتداول على أداء الطالع.
النجمة ،العرس:
في البداية نعطي لمحة عن عرض الشعراء قصائدهم في حفلة عرس، نصِف قدر الإمكان أحداثه. تدوم الإحتفالات غالبا سبع ليال كاملة تبدأها أهل بيت العريس الليلة الأولى بإقامة النجمة، وحين نقول أهل البيت يعني هذا أم العريس وإخوته وبنات خالاته وأخواله وعماته وأعمامه المتساكنين قريبا من منزله مع أقرب الجيران، فبعد الغروب يقوم بعضهم بِ"تطليع النجمة" وهو أن تشعل بعض النسوة نارا في ساحة البيت يتغنون حولها، و تشبّه هذه النار وسط الظلام بالنجمة في السماء كي تعلن من بعيد أن لهذه العائلة عرس، وهي تنوب عن الإستدعاء بالنسبة للجيران في دوائر المنزل، ولا تستدعي العائلة صاحبة العرس رسميا إلا من بعُد مسكنه وعزّ وصول الخبر إليه. وهنا لا يفوتني أن أشير إلى أن أهالي الريف بطيبتهم البدوية يأتون للعرس بعفوية و تلقائية، كأهل يفرحون لأفراح جيرانهم بدون حساسيات الحضر المتكبّرة التي تفرض إستدعاء رسميّا.
أقيمت النجمة وتعاد في بداية كل مساء، وبدأ عدد الحاضرين يتزايد ليلة بعد ليلة حتى يصل أوجه في الليلة الخامسة و السّادسة حيث تذبح الذبائح و تكون الحفلة العامّة.
تُنشر الحصيرة حذو الحصيرة حتى تكون في شكل دائرة في ساحة المنزل أو في المندرة، فُرشت فوقها الزرابي ووُضع أمامها "العالة" أي لوازم طهي الشاي كاملة، ويجلس على كل فراش حوالي عشرة من الرجال يسهرون على تذوّق الأشعار ويطهون شايهم ويشربون بدون حساب، وهذا أرْيح لصاحب العرس. وعلى مرأى من الجميع وفي مكان بارز للعيان نجد عادة فراشين أفخم من باقي الأفرشة معدّان للشاعرين مع "سعفتهما" وأمامهم كل ما يلزمهم طوال السهرة من مشرب وغلال. (غالبا تستدعي الأعراس الكبيرة شاعران وأحيانا ثلاثة شعراء، وقد اعتبرنا ضمنيا أن في عرسنا شاعران )
السهرة:
يفتتح أحد الشعراء الحفلة فيكون البدء في غرض صلاة النبي أو المكفّر، ونبدأ بالبطيء نحو الأسرع، فبعد الطالع في نفس الغرض يبدأ بقسيم ثم ملزومة في العريض ثم سوقة وقد لا يتطرق للسوقة أول مرّة يقوم فيها للغناء، فالعرس كبير والنسق لا يحتمل التسرّع الآن، فيكتفي بالعريض في المرّة الأولى. يجلس شاعرنا الأول، ونذكّر أنه يغنّي بدون مضخمات صوت، وسط سكون تام والكل ينصت بانتباه، وإن تجرّا أحدهم وهمس بعض ملاحظات في أذن صديقه وأقلق غيره يقول أحدهم موجها كلامه للجميع وبصوت عال: ساح ،ساح، فيسكت الجميع وكما نقول في العامية: سكون تسمع فيه طنين الذبابة، ويقوم الثاني الذي يكون ملزما أن يسلك طريق زميله فيِؤدي الألوان التي أدّاها زميله، وبعد ذلك يمكن أن يزيد شيئا يبرز به مقدرته، وهذا يعني أنه ملزم بإعطاء قسيم أو عريض مثل زميله ثم يضيف مسدّس مثلا، لكن لا تحق له الزيادة قبل أداء الواجب الذي بدأ به زميله، وينهي وصلته ثم يجلس للإستراحة ويأخذ الشاعر الأول دوره. ومع مرور الليل يتدرج الشعراء بالأغراض رويدا رويدا، فبعد المكفر، شيء من محلّ الشاهد ثم البرق والسحاب ثم الكوت (وصف الحصان والفارس) ثم النجع وأخيرا الأخضر(الغزل). ويبقى الشاعران في اقتفاء بعضهما ويتفنن أحدهما من حين لآخر بشيء من التجديد أو الطرافة مضيقا شيئا ما الخناق على زميله عسى ألاّ يجد شيئا مشابها فيقال أنه عطش، ويعتبر نصرا لمن لم يعطش وهذا عند الشعراء الكبار وقد لا يعطش أحد إذ أن لكل منهما كل أنواع القصائد والأغراض تقريبا، فتبرز قيمة الشاعرين، وهذا يُغْني الشعراء الفحول الذين لا يرضون لبعضهم النعوت المهينة، يُغنيهم عن اللجوء إلى "الرباط" .
وتتم السهرة عادة حوالي الثالثة صباحا وعدة مرّات تطول حتى طلوع الفجر، تُختم بقصيد إمّا تهنئة لأهل العرس أو شكوى من تعب الغناء وقد طلع الصباح وبح الصوت... وأعطي مثلا لهذا لأننا لن نتعرّض له في ما بعد، ففي قصيد في مسدّس المضموم للشاعر المرحوم عبد الله بن زكري لمّا طلع الفجر يقول متأسفا على نهاية السهرة وفراق الأحباب الحاضرين فيها:
علّم فَيَا الفجر بالنور لاح و الليل راح اتصبحو بالهنا يا ملاح
علّم فَيَا الفجر بيّن بهاهكم و الخير جاكم اتصبحوا الله يتمّم هناكم
حبيت أنا عشرتي نا معاكم نسكن حذاكم نظلّو جوارين ناس الملاح
البحـــور:
I. القعمازي:
خاصيات القعمازي ثلاثة:
1) الطالع بيتان كلاهما يتركب من جزأين الصدر ذو ثمانية تقطيعات والعجز ذو خمسة.
2) أبيات العرف أو الجريدة لها نفس ميزان الطالع و بالتالي نفس عدد التفعيلات.
3) ينتهي العجز في الطالع لزوما بسبب طويل ومستحب في العرف.
 عريض القعمازي أو القعمازي في العريض:
القعمازي يبقى دائما بحر القعمازي وهذا في تفعيلاته وخاصياته المذكورة أعلاه، ولكل بحر، القعمازي أو غيره، الحق في أن يطول العرف فيه أو الجريدة، فإذا تكوّن العرف من ستة أجزاء يكون مسدّس القعمازي وإذا طال وعادة يتجاوز الأثني عشر بيتا يصبح عريض القعمازي، وسنبتدئ بعريض القعمازي الذي هو متداول أكثر من أصناف القعمازي الأخرى: (التاء تعني تقطيعة):
الطالع: ت ت ت ت ت ت ت ت ت ت ت ت سبب طويل
ثمان تقطيعات اربع تقطيعات ثم سبب طويل
وزنه: متفاعل متفاعل فاعل متفاعل مفــعــول
أو: متفعّل متفعّل فاعل متفعّل مفــعــول
و قد رأينا أن متفاعل تجوز متفعّل و هنا نجد نفس جوازات الخليل.
أمثلة: ـ متوحّش زولك و خيالك يا زين التسـهـيـد
ما بين بلادي و بلادك جوبه وبر بـعـيـد
(علي الكيلو)
ـ متوحّـش لا ريت أوهامك يا زين المـرصـوع
يهبهب لي وحشك و غرامك بغصايص ودمــوع
(شبيل الجبراني)
ـ من كيفي يحمل و يقـاسي علْ مـدّة الأيـــام
متغـرّب خارج من ناسي مـدّيني تـخمــام
عرف: في الغربه متعدي عمري ما لقيتش تدبيــــر
نبات حاير دايـخ في أمــري رقاني الشيب صغيـر
نبكي و دمع عيوني تجــري كمثل الغـشْـشـيـر
من بكايا عاد ناقص نظـري قعدت نحوس بصيــر
جرى لي كالمحتاج و فقري راس المال بعيـــر
..................................إلى أن يقول
يقول غنمت تكسّـر فقـري نرجّع المخاسيـــــر
يفوت الوقت و حرثه حمري تطلع له جراجيــــر
هكّاكه أنا مثيـــله زاده في معانية كـــــلام
في جرّة مكحول أسـهـاده مصقولة الأبــســـام
(علي الكيلو)
أخذنا كمثال قصيدة الشاعر المرحوم علي الكيلو التي مطلعها من كيفي يحمل و يقاسي، فرأينا أن الصدر يتكوّن من ثماني تقطيعات وهي :
من كي في يح مل وي قا سي
و أن العجز يتكون من خمس تقطيعات آخرها سبب طويل وهي:
علْ مدْ دِةْ ليْ يام
أما الأبيات فلها نفس الوزن مثل الطالع و كما سنرى حين نقطعها فهي تتكون من ثمان تقطيعات في الصدر و من خمس في العجز آخرها سبب طويل :
من كي في يح مل وي قا سي علْ مـُدْ دِةْ لـيْ يـام
متْ غـرْ رِبْ خا رِجْ منْ نا سي مِـدْ دي ني تُُخْ مـام
فِـلْ غُرْ به متْ عِـدْ دي عُمْ ري مَلْ قي تـشْ تـدْ بيـر
نبات حا يرْ دا يخ في أمْ ري رقا نيش شي بصْ غيـر
نب كي ودم عع يو ني تج ري
...........
هكْ كا كه نمْ ثي له زا ده فيمْ عا ني تِـكْ لام
في جرْ رِةْ مكْ حو لسْ ها ده مصْ قـو لةْ لبْ سـام
أخذنا القصيد مقطّعا فماذا نلاحظ : تنتهي كل الأبيات بسبب طويل، وقد احتوى الصدر على ثمان تقطيعات في حين تكوّن العجز من خمس، البيتان الأول والثاني هما بيتا الطالع أو المطلع أي عنوان القصيد، وانتهيا عجزيهما بسبب طويل رويّهُ إشباع قبل ميم أي الف و ميم، و قد كتبناه باللون الأحمر المسطّر، يبتدأ العرف من بالبيت الثالث : في الغربه متعدي عمري حتى النهاية وقد أخذت أبياته في نهايتها سببا طويلا بروي الياء و الراء، حتى نصل إلى البيتين الأخيرين ،عندهما تعود القافية إلى روي الألف واللام لتعلن العودة إلى قافية القصيد مثل مدة الأيّام وبالتالي انتهاء العرف وبهذا الرجوع يستريح الشاعر برهة حتى تردد السعفة مطلع القصيد ولهذا الرجوع الملزم للطالع تُعد القصيد من نوع الملزومة، وبهذا نكون احترمنا تعريفنا لنوعية القصيد أي قسيم أو ملزومة. فالملزومة هي القصيد الذي يلتزم العرف المنتهي فيه بالرجوع إلى مطلع القصيد الذي تردده السعفة.
تصنيف هذا القصيد: نقول هذا قصيد ملزومة أي له مطلع وجريدة أو عرف تعود في نهايتها بقافيتها لمطلع القصيد، أي القصيد ملزم بالرجوع للطّالع، وهو في عريض القعمازي، معنى ذلك أن بحره القعمازي وهو عريض أي من النوع ذو العرف الطويل، في الأخضر أي غرضه الغزل.و بهذا نكون حدّدنا خاصيات القصيد بنوعه( ملزومه أو قسيم) ، ببحره (قعمازي ،حمروني ، مضموم ، مطرود.....) وبغرضه(أخضر ، كوت ، برق ، نجع ...).
 مسدّس القعمازي:
القعمازي يبقى هو القعمازي بكل الصفات التي ذكرناها في عريض القعمازي مع تنحية صفة عريض أي بدون عرف طويل و إنما هو مسدّس القعمازي أي بحر أو وزن القعمازي مع عرف متكوّن من ستة أجزاء، وينتهي طبعا هذا العرف بقافية طالع القصيد.
مثال:
يا زهــره من حبّــك شـــاقي لا يحلى لي نـــوم
لا هبّك قبلي لا شـــــــراقي لا دربـاك نســـوم
زهره فزتي ع الحفّـــــــاله سلسه وصغيره مسـواله
شاد خبرك في كل عمــــــاله بالزّيــن المتمــــوم
نـور خدّك ضاوي يتـــــلالا قمــره بين نجــــوم
نرى أنه لا فرق في تكوين الطالع مع من كيفي يحمل و يقاسي، فقد تكوّن طالع قصيد يازهره من حبك شاقي من ثمان تقطيعات في الصدر و خمس في العجز آخرها سبب طويل نوم و سوم .
أمّا البيت (العرف إذا قصر إلى ستة أجزاء أو أربع نسميه بيتا ، فالعرف أو الجريدة ضمنيا طويل) الذي يتكوّن من ستة أجزاء ، فمقسمة كالآتي : ثمان تقطيعات ، ثم ثمان، ثم ثمان ثم خمس آخرها سبب طويل مع الرجوع لقافية الطالع ثم ثمان ثم خمس آخرها سبب طويل مع الرجوع لقافية الطالع. وسأبسّط ذلك بمثال تصويري :
الطالع : يا زه ره من حـبْ بكْ شا قي لا يح لا لي نوم (سبب طويل و الروي واو وميم)
لا هبْ بكْ قبْ لي لشْ را قي لا درْ با كنْ سوم (سبب طويل و الروي واو وميم)
ت ت ت ت ت ت ت ت ت ت ت ت ـوم (سبب طويل و الروي واو وميم)
زه ره فُزْ تي علْ حفْ فا له سلْ سه وصْ غي ره مس وا له
8 ت 8 ت
شاد خبْ رك في كل لعْ ما له بِـزْ زي نلْ مت موم (سبب طويل و الروي واو وميم)
8ت 4ت + مـوم (سبب طويل و الروي واو وميم)
نور خدْ دِكْ ضا وي يتْ لا لى قـمْ ره بي ننْ جـوم (سبب طويل و الروي واو وميم)
8 ت 4 ت + جـوم (سبب طويل و الروي واو وميم)
وكما نرى فإن بحر القعمازي يكون أصلا ليتفرّع منه العريض و المسدّس ، و كما سنرى لاحقا فإن أغلب البحور لها عريضها و مسدسها أو مربعها (إذا تكوّن البيت من أربع أجزاء فقط)، و بالتالي فالمسدسه هي فرع من البحور و ليست أصلا كما أشار لها بعض الدارسين.
للتذكير فقط ، إذ أني سأعود لذلك بأكثر تفسير، فقد أشارت دراستي الشيخ المرزوقي و الأستاذ خريف إلى أن أصول الشعر الملحون أربعة وهي: القسيم و الموقف و الملزومة و المسدّسة.
و قد بيّنا في التعريف و في تدريج تفسيرنا أن الموقف ما هو الا القسيم المربع وبالتالي فهو فرع من القسيم و ليس أصلا، و أن المسدّسه ما هي إلا ملزومة يختلف بحرها حسب أي بحر اخترناها منه وبالتالي هناك عدة مسدسات و هي كذلك فرع من الملزومة و ليس أصلا.
أمثلة أخرى:
أو: يا عيشه حبك ما أمرّه خلانــي مهمــوم
لقداك نتبّع في الجرّه عل جالك يا عــوم
...........
مثال آخرلمسدّس القعمازي لبشير بكّار : (أليف بكوش)
نصب المحفل جيت نغنّي يا مولاة الـــدّار
الليله عرســـك قابلني فيه بنات أبــكار
نصب المحفل جي بصوابه وتلمّوا أحبابه وأقـرابه
قابلني مكحول أهـذابـه في لبـاس وخــنّـار
صادت فلبـي كالمشهابه خلتني محتـــــار
نصب المحفل بملمّــاته الاديب دخل بسعفـاته
قابلتني في العرس شناته ع اليمين ويــســار
على غنايا قاموا الزغراطه وضرب الصّـادي ثار
.......
II. المضموم:
خاصيات المضموم خمس:
1. يتكوّن الطالع من ثلاث أجزاء.الصدر ذو ثمان تقطيعات، الجزء الأوسط ذو أربع، و العجز ذو ثمان.
2. البيت من القصيد له نفس تكوين الطالع، لكنّه ليس بيتا في حد ذاته بل يعتبر نصف بيت، و لهذا نصحح فنقول أن البيت الضاهر عبارة على نصفٍ يتكون من ثلاث أجزاء مطابقة للطالع. أما البيت الحقيقي فيصبح نصفين يتكوّن كل نصف من ثلاث أجزاء كما أشرنا أعلاه، فالبيت إذا ستة أجزاء طويل ، قصير، طويل، ثمّ طويل قصير طويل. ويعطي الجزئين الثالث والرابع الطويلين تكسيرا للريتم يزيد البيت حلاوة.
3. لا أقول وجوبا لكن يطغى على التقطيعة الثانية السبب الطويل كما يطغى السبب القصير على التقطيعة الرابعة.
4. قبول الأجزاء ذات الثمانية تفعيلات وجود حركة في التفعيلة السابعة ليصبح عدد التفعيلات إذا تسعا و يمكن أن ندغم الحركة لتكوين سبب ناقص ونعود بذلك للأصل أي للثمان تفعيلات.
5. الجزء الأوسط يقبل التحريك في التقطيعة (الثانية ؟) أو التقطيعة الثالثة ليصبح عدد التقطيعات خمسا، والإدغام يجعلها أربعة.
* نجد أهل الوسط التونسي والجنوب يميلون أكثر من غيرهم لنطق هذين الحركتين.
و حتّى في صورة الإدغام فنحس دائما بانكسار في "الريتم"ولو كنّا نرقّمها موسيقيا لوضح الأمر أكثر.
وزنه: مفعول مفْعل مفعّـل مْفاعل مْفعّل مْفاعل مفعول مفعل مفعّل مفاعل
مفْ عول مِفْ عَلْ مفَعْ عِلْ مْفا عل مْفَعْ عٍلْ مْفا عِلْ
8ت 4ت
أو بالحركة: مفْعول مِفـْعل مْفعّلْ مَـفاعل مفعّل مَـفاعل
مَفْ عول فا علْ مْفَعْ عِلْ مَ فا عِلْ مْفَعْ عِلْ مَ فا عِلْ
9ت 5ت
أو مِفْ عِ لمِْ فا عِلْ
فنرى أنه يجوز لهذا البحر أن يُنطق بطريقتين تكون الأولى متكوّنة من ثمان تقطيعات كما بيّنّا أعلاه في التقطيع وتكون الثانية ذات تسع تقطيعات عند إدخال الحركة، وينطبق نفس الشيء على الجزء الأوسط فيكون متكوّنا من أربع تقطيعات عند الإدغام و من خمس عند إدخال الحركة.
 عريض المضموم:
كما قلنا في تفسيرنا للقعمازي، فإن البحر يمكن أن يكون في العريض أو في المسدس حسب العرف، فعريض المضموم سيحتفظ بخاصيات المضموم و يكون العرف فيه نسبيا طويل.
مثال:
الطالع:
ضحضاح ما يقطعه من توانى واسع أركـانه جاء دون من ينحبه على جيبانه
ضح ضاح ما يقطْ عَه من تْوَا نى واسِْ عرْ كا نه جا دون من ينحْ بُعْ لى جبا نـه
8 ت 4ت 8ت
بالحركة: ضحْ ضاحْ ما يقْطْ عَه من تِ وا نى وا سِِِِِِ عَرْ كا نه جا دون من ينْحْ به عْلى جِ با نه
9ت 5ت 9ت
العرف:
ضحضاح ما يقطعه عبد خايف
8ت 4ت 8ت
8ت 4ت 8ت
............................
فيهاش نمطر مطر الخلايف نرد السلايف تهدفش بالخير بعض الهدايف
نطلب على لطف مولى اللطايف يهبهب قدانا ريح الفلك بيه يروي صدانا
تكوّن الطالع و هو البيت الأول من ثلاث أجزاء مركبة من 8 ثم 4ثم 8تقطيعات ،نهاية كل جزء منها ألف متبوعة بنون منصوبة مشبعة، و الإشباع يمكن أن يكون بهاء و ليس بالضرورة ألف، فالنهاية التي كتبناها باللون الأحمر هي قافية الطالع و القصيد معا، و حين نمر إلى العرف ، نجد أنه بُني بنفس طريقة الطالع ، أخذ العرف قافيته و هي الألف و الياء و الفاء المجزومة، ليتخلّص منها في الجزأين الأخيرين من العرف و يعلن بذلك عن انتهاءه، ليأخذ قافية القصيد وهي انا و يشير بذلك لضرورة الرجوع للطالع، وبذلك يدخل قصيدنا هذا في تصنيف الملزومة لالتزام الرجوع للطالع في نهاية العرف. نرى شبها كبيرا بين القعمازي و المضموم في منهجية البناء لكن عدد التفعيلات مختلف.
أمثلة أخرى:
 مسدّس المضموم:
لن نعود لما فسّرنا مع القعمازي لكن نذكّر أننا قلنا سابقا أن البحر يبقى على ميزانه و يصبح عرف القصيد متكوّنا من ستة أجزاء فيعطينا مسدّس البحر و إذا تكوّن البيت من أربع أجزاء فنجد أنفسنا مع مربع البحر و هنا مع مسدّس المضموم أو مربّع المضموم.
يُبقي مسدّس المضموم نفس الميزان و نفس الطالع لكنّ التغيير لا يقع إلا على طول العرف الذي يصبح متكوّنا من ستة أجزاء.
مثال:
لملاك ونقول أليف أي نُسج القصيد على تسلسل الحروف الأبجدية و سنفسّر ذلك لاحقا:
أليف الله عالي مكـــانه مدة زمــانه سلطان في المُلك مــرفوع شـانه
........
الدّال داوم على الذكْر عِـدّه برفعه و شدّه و صلّي على الهاشمي كل مـد ه
صلاته على القلب تْجَلّي الفدّه من كل نكْده و اللي عشق فيه تجْلى أحـزانـه
........
الراء روى كل راوي خبرْ الخافي ظهرْ الاسلام ما عاد لينا قـــــدر
ما ارتاح كان الذي في القبرْ تلقّى الصّبر كيف جاز لللّـحْد لابس أكفـانه
..........
الطاد طبّت علينا الشروط بانت رهوط بعد الطلوع لا بد مِ الْهبــوط
نوصّيك يا عبد باري الخلوط و سوح الشطوط و انشد على أهل القدر وين كانوا
مثال آخر للمرحوم أحمد البرغوثي:
تره أس حس القطا جاي مـنّـا ضبـايح بـرنّه و الاّ دلالات كف المـحـنّـه
تره أس حس القطا جاي وارد ضبـايح أبّارد و إلاّ دلالات رقبة الشــارد
ـــــــــ ـــ ـــ ــ
مثال آخر للمرحوم علي الكيلوو هو كذلك في أليف:
أليف نجع البوادي تسقـّدْ لمّد و حشّدْ خش الرّقاريق و الغيم لسودْ
أليف النّجع بايت مقلّق الميعاد حلّق بعثوا الرّوّاد م النّجع سبّـق
راكب على كوت في اللّون أزرق يصهل ويرمق دخل بيه ضحضاح واسع و يبعدْ
الباء بكّر فارس المحارب على كوت شاحب مقزون من حليب الأبكار شارب
يلقى العدُوّ شادّين المسارب القليد طارب بدا الحب و الحر في القوم يصهدْ
التاء تلمت الفرا سين د ارت والافكار حارت من كثرة الدم الارض فارت
ركز رؤق الغيم الد نيا اصفارت تقول نارجارت تمكنهم البطل فيهم يسنّــدْ
الثاء ثالث حرف الثّليث كثر الحديث رجعت القومان كثر الغويث
شيء اللّي يحزّن الأخضر يليث يشيب الرغيث (ع) قعدت جنايز على الأرض جمّدْ(1)
الجيم جاهد فيهم حرج معاهم سرجْ كدّى عجاجه على كل فــج
ركز روّق الغيم غطّى المرج و منهم خرج و خلّى المكاسير ع الأرض تمردْ
مثال آخر للعربي النّجّار:
أحمرعفا صم سـابق عتيـل ركبـه رجيـل نهار الذي فيه دقّـت الخيـل
أحمرعفا صم سـابق عتيـد ركبـه قليــد نهار الذي الخيل عزمت بعيد
نهار الذي وقع جبد الجديـد نهـار الغـريد نهـار الذي رن فيه الشليـل
أحمرعفا صم سـابق عتيـغ ركبوا شجيـع نهار الذي ضاق فيه الوسيـع
نهار الذي يشيب فيه الرضيع نهار الصديـع نهار مر الحر تـوّق شعـيل
III. المطرود:
خاصيات المطرود
1. يتكون البيت في الطالع من جزأين متساويين عدد تقطيعات كليهما ثمان.
2. يكون هذا البحر دائما في الملزومه إذ أنه سلس التغني به ،ولا نجد منه لا قسيم.
3. تتفنن الأبيات و تختلف موازينها في القصيدة العادية(بدون عروبي) ، فيمكن أن تكون الأبيات بنفس وزن الطالع كما يمكن أن تطول أو تقصر....... ، ثم يمكن أن تنسج الأبيات على طريقة بيت و عروبي( العروبي هو ما يقابل الموّال في لبشرق)
ميزانه:
فاعل فاعل فاعل فاعل متفعّل متْـفاعل فاعل
متْ فـعْ عِـلْ متْ فا عل فا علْ
8ت 8ت
بما أن الصدر و العجز لهما نفس التقطيع، فإننا تركنا الصدر على أصله وغيرنا في العجز التفعيلات بالجوازات الممكنة.
قبل أن أعطي أمثلة لهذا لا يفوتني أن أشير أنّ مسدّس المطرود أو مربع المطرؤد لهما نفس الطالع ونذكّر أننا قلنا أن البحر و وزنه يبقى هو نفسه و نقول مسدّس إذا كان البيت يتكوّن من ستة أجزاء ومربّع إن تكوّن من أربعة.
سأعطي أمثلة للطوالع:
i. تبّعتـك تلّفت أشواري زدتي ما شعّلـتـي ناري
ii. تبعتـك عذّبتي بحالي رميتيني في الثلث الخالي
iii. علْ عيشه و صباحها يربّح عرضتني و ما باتشي تصبّح
iv. محبوبي لازم نمشي لــه باللي في قلبــي نحكي لـه
IV. العيدودي المقلوب:
• يتكوّن الطالع من بيتين متساويين كلاهما يتركب من جزأين الصدر ذو خمس تقطيعات والعجز ذو ثمانية.
• ينتهي الصدر في الطالع لزوما بسبب طويل ومستحب في العرف.
أمثاله:
شـاش قلبي شاش لزيارة خير البريّــه
ما لقيتش بــاش يا ربي تاخذ بايــديّ
أو:
كاحل الانظــار العين سـوده زنجـيّه
رقبه جـمّــار صالح يا ولد علــيّه
أو:
ياريم الغيــــد ما نحسـاب تديري لي
زي بنت دريــد غرّت بحسـونه الليلي
أو:
راني مُـضــام يالاعج ياعين الجـالي
طالوا الايّـــام للّـه لا قولي خــالي
أو:
V. المطرود:
أمثاله:
سالمه سامر ميقــود كواني من عينيك السـود
أو:
فاطهه لانادوا بيــك اسم الله ويـد الله عليـك
أو:
صالحه عيونك ضاموني جرحوني بالحب كـووني
أو:
عل عيشه وصباحها يربّـــح عرضتني وما باتش تصبّح
VI. السعداوي:
لا يوجد منه في القسيم.
 الملزومه المربّعه:
 الملزومه المسدّسه:
أمثاله:
لانادوا باسمك ياسعيــده تحوف التنهيــده وتحيى لي الاجراح جديده
فاطمه بو قد طــــويل عين بو كنبيــل مركب داخل بحر النيـل
 عريض السعداوي:
أمثاله:
مريض بيّ كاملة الزيــن عام و شهريــن لا ندري علْ زولك ويـن
أو:
يابرق ال يلعج خفّـــاق رعده نقنـــاق سـدّى على القاعه برواق
VII. العرضاوي
 القسيم:
أمثاله:
نجع ال سقّـد لوحة الفجـريّه قشّـع خـيـامه من عقــاب الليل
أو:
يا فاطمه من داك قلبي مجرّح نار المحبّه سامـورها وقّــــاد
 الملزومه
أ:المربّعه أو عرضاوي المربّع:
أمثاله:
شيّر لعج يشير تحت القُـصّه فوق الهلال قبل ما يتمـسّى
ب : المسدّسه أو مسدّس العرضاوي:
أمثاله:
شاش العقل وبيـك كبر نفاحي يسعد نهار اللي عليك صباحي
ج: عريض العرضاوي أو العريض:
حبيب ال زرع لي في ضميري غـصه
لم نتم هذه الدراسة، لعدة أسباب شخصية، ولعلنا وضعنا حجر أساس لمنهجية واضحة لضبط موازين الشعر الملحون التي بقيت مهمشه، كي يأخذ الأساتذة الباحثون دراستنا ككنطلق يتعمقون فيها أكثر منا، ويضبطون باقي البحور التي لم نتعرض لها
مع تحياتي، الباحث الشريف العوني
Peut être une image de 1 personne, fleur et herbe

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق