الخميس، 22 فبراير 2024

دُورُ الصورة الشعريةِ، في قصيدة (صاحبةُ القطيفة) للشاعرة /سلوى محمود. يقدمها لكم الشاعر الناقد /سامي ناصف.

 دُورُ الصورة الشعريةِ، في قصيدة (صاحبةُ القطيفة) للشاعرة /سلوى محمود. 

يقدمها لكم الشاعر الناقد /سامي ناصف. 

............. 

إن الصورةَ الشعريةَ تُعَدُّ عِمَادَ القصيدةِ، وأساس وجودها، فنرى أنها الجسرُ الذي يصلُ بين الشاعر، والمُتلقي: لذي ترقى ذائقةُ المُتلقي إذا وجدَ نصًا شعريًا مُحملًا بماتع الصور الشعرية،

وكلما كانت الصورة حيَّة في النص الشعري، رأينا الجمالَ والإبداع فللصورة الشعرية مفعول السحر، والتأثير المبهر عبر الخيال الذي يُخرجها عن. النمطية، والتقرير، والمُبَاشَرة. 

فالخيال هو الذي يُحَلِّق بالقاريء في الآفاق الرحبة، ويَخْلِقُ له دُنيا جديدة، وعواملَ لا  مَرئِيَّة تخرجُهُ من العُزْلة والتَّقَوْقُعِ، وخاصة عند الشعراء المحدثين. وأصبحت الصورة تشتمل على كل الأدوات، ولم يعد مفهومها ضيقا أو قاصرا على الجانب البلاغي فقط، بل اتسع مفهومها وامتدّ إلى الجانب الشعوري الوجداني. 

ومن هنا نقول: إن القصيدة المبدعة هي تلك التي تحتوي على عناصر الجمال، ومنها عنصر الصورة الشعرية من خلال المفردات المنتقاه التي لايُجيد اختيارها إلا كل شاعر متمكن، وذلك عندما يُوظف الخيالَ في خَلْق  الصورة الشعرية، وحينما يتحقق ذلك تتأكد من اكتمال النص الذي أصبح جميلًا يعانقُ  الشاعرُ به ذائِقَةَ القاريء. 

وقصيدة (صاحبة القطيفة) للشاعرة سلوى محمود،هي من ذلكم النوع الذي يعتمد على التأثير المُبَاشِر، والغير مباشر في نفس القاريء. 

والشاعرة /سلوى محمود تمتلك خيالًا ثرًّا تجيد توظيفه من خلال مهارة استعمال الرمز. مع اللغة الانزياحية داخل نسيج الصورة الشعرية  التي تقطفها من سماء الابتكار؛ لتغلف كل هذا بمتعة التناص الشعري، وخاصة مع معاني ومفردات القرآن الكريم. ونحدد عددًا من الرموز الداهشة التي أَسْبَلَتْ عليها العُمق الدَّلالي في قولها: مهلا أبا (أيوب  )  قد طال العناء.. 

واللحن أتعبه الغناء. 

فلرمزية أيوب واقع تراثي يشي بالصبر الجميل لما ستحكيه وتسرده، وهذا يُعدُّ-براعة استهلال-

ورمزية ابيضت العينان. 

ورمزية، وضفيرتي السوداء، أشعلها الذبول. 

ورمزية الظبي والأُسُود. وغير ذلك مما حمَّلت القصيدة أعباء رامزة لتفجر فينا طاقاتٍ كامنة رَانَ عليها الهَمُّ شريطة الصبر. 

الشاعرة /سلوى محمود يبدو أنها لا تكتب نصا إلا إذا انصهرت في أتون تجربة أليمة، لا تخرج منها إلا بقطيفة شعرية تسبغها بأطياف من ألوان عواطف لاهبة مجهدة؛ يظهر ذلك جليًا عبر حدود الصورة الشعرية الممزوجة بحرفية التناص في قولها: الشمس قد كسفت جوانحها أسىً 

والنجم قد زهد السماء. 

تلك الصورة المركبة  بلغة اللاوعي، من شاعرة حَمَلَهَا بُراقُ الفتح الشعري ليُلهمها بهذا الجمالِ الابتكاري، لتعزف لنا وهي متحكمة في التجربة لا تنفك عنها حتى لا تتدحرج إلى لغة الفوضى وفوضى اللغة. 

تأمل معي هذه اللوحة قائلة: 

أطْلَالُ داري-لم تقل داري-بل قالت: أطلال داري لتحمل التركيبة إشارات مؤثرة. 

قد أضاعت بين عينيَّ الطريق.. 

ما عدت أمتلك الرفيق.. 

والوحدة العمياء أمست قبلتي.. 

والذل بات قضيتي.. 

وحكايتي. 

وابيضت العينان قهرا. 


هذه اللوحة الشعرية أخرجت لنا لواعج كانت كَتِيمةً، إلا أنها تفور فوران التنور، لتضع القاريء الحصيف على فوهتها، مع الوحدة العمياء- يا الله على على هذا الوصف الداهش!-

الشاعرة /سلوى محمود. 

بَنَتْ هذه القصيدة على عدة مشاهد  متآخية.

     و من بين هذه اللوحات عبر رسم الصورة الشعرية الكلية قولها:  شاخت جياد العمر عدوا كلما.. 

صفعت بهامتها الردى.. 

والروح حنت تبتغي 

أيام بوح هاديءٍ

ضاعت سُدى. 

هذه لوحة حيّة متحركة تسكب في نفوسنا، صرير البوار ووجع الخسران. 

لتبدأ مشهدًا آخر أبهى وأوقع. 

قل للمليحات اللواتي 

بِتْنَ في حضن الخواء.. 

الآن قد حان التباكي بالغناء..

 الآن قد حان النحيب.. 

اصرخن فضلا بالدعاء. 

إنها لوحة مُعبأة  بالسواد، الذي يحول الغناء نحيبا،  بين الحركة والسكون، في آن واحد، وتمنح الأضاد صلاحية البقاء في مشهد واحد، عبر كل هذه المشاهد. 

لتبدأ مشهدًا آخر: 

يا قابض الأرواح.. 


       أتركه لك لتقرأه 

فهي أتعبها الأين، وأقعدها القهر، فالموت الخلاص. 

     البنت الصغيرة صاحبة الضفيرة السوداء، اشتعل رأسها شيبا. 

وعيونها السوداء النضرة، صارت بيضاء من قهر البكاء. 

وحمرة الوجنة، طيور البين مذقت رسائلها. 

ياموت طال الانتظار. 

     هنا /سلوى محمود  . 

انفجرت بالبكاء  ، وبللت الدموع المكان وأحست بشيءٍ من الخفوت، لا خفوت الراحة، بل رسول الموت. 

وتتوالى المشاهد، على مسرح القصيدة لتمهر توصيل الرسالة بكل جزورها. 

نحن أمام شاعرة تمتلك معجما لغويا ثريا يسعفها وقت الكتابة  لتظل داخل التجربة، فلا تعوزها مفردة لتقهرها فتخرجها من ردهاتها فتخسر  مناخها بل هي والتجربة سواء. 

الشاعرة سلوى محمود  تمهر الإفادة من التراث  ، وتنعم بوهج الحداثة. 

شكرا لك شاعرتنا. 

لم أعطِ القصيدة حقها، المجال لا يسمح. 

قدمها لكم /الشاعر الناقد    سامي ناصف

وإليكم النص


قصيدة ( صاحبة القطيفة)

سلوى محمود 

***************************


مهلاً أبا أيُّوبَ قد طالَ العَناءْ..


واللحنُ أتْعبَهُ الْغِناءْ..


ضاقت شِعابُ البيدِ بِالنُّوقِ الَّتي


تبغي القصاصَ لحقِّها


مِنْ بَعدِ صبرٍ واحتواءْ..


والشَّمْسُ قد كُسِفَتْ جَوانِحُها أسىً..


والنَّجْمُ قدْ زَهد السَّمَاءْ..


أطلالُ داري 


قد أضاعت بينَ عينيَّ الطريقْ..


ما عدتُ أمتَلِكُ الرفيقْ..


والوحدة العمياءُ أمست قِبْلَتي..


والذُلُّ باتَ قَضيَّتي


وحكايتي..


وابيضَّتِ العينانِ قهرًا

 

مُذْ تهاوى الكبرياءْ..


طال المَدى..


شاخَتْ جيادُ العُمرِ عَدْوًا كُلَّما 


صَفَعَتْ بِهَامَتِها الرَّدى..


والروحُ حَنَّت تَبتغي


أَيَّامَ بَوْحٍ هاديءٍ

 

ضاعت سُدى..


قُلْ للمليحاتِ اللواتي


بِتْنَ في حِضن الخواءْ..


الآنَ قد حانَ التباكي بالغِناءْ..


الآن قد حان النحيبْ..


اصْرخْنَ ، فَضلًا ، بالدُّعَاءْ..


***

يا قابِضَ الأرواحِ قد طالَ المزارْ..


الروحُ تُقْعي في انْتِظارْ..


والذَّنبُ واراهُ  الثرى..


والعشقُ أَدرَكَهُ العوارْ..


القلبُ أتعَبَهُ التّمنّي حائراً..


والعقلُ أفناهُ الشَّقاءْ..


وضفيرتي السَّوداءُ


أشْعَلَها الذُّبولْ..


ما زِلْتُ ألْتحِفُ الدُّنَى


والبابُ يَنتَظِرُ الرسولْ..


وعيونيَ السَّوداءُ بيَّضَها البكاءْ..


شَقَّتْ خُيوطُ العُمرِ حُمرةَ وجنتي..


قدَّت طيورُ البينِ من دُبُرٍ سُطورَ رسالتي..


والآن ….تاهت في القفارْ..


***

يا عاذلي..


كيف المَلامُ والاتهامْ؟


واليومَ صَدَّعَني القنوطْ!


وتفتّتَتْ أشلاءُ ظنّي 


إذ يهوِّلُهَا السّقوطْ!


وقصيدتي الْعَصماءْ..


باتت -لَعَمرُكَ- في العراءْ..


تُلقَى بجهلِ الجاهلينَ على منابرِ الازْدراءْ..


والكلُّ في نشوى انتصارٍ لم يروا 


قَيحَ الحروفِ إذا يسيلُ من الشفاهِ الأعقَمِ..


ما أنصتوا والقهقهاتُ العالية..


تعلو وتعلو والحبيبة راضية..


من ضحكهم مستهزئاً لم أسلمِ .. 


وقصيدتي اغتيلت وقد كان المخاضُ


بدمعِ قلبي والدمِ ..


لم يعجبوا 


كيفَ الفطيمُ أسنَّ لكنْ لم يَزَلْ


لميوعةٍ لم يُفطَمِ؟


أولى بهم 


أنْ يمنعوا تلك الفواطمَ 


أن يُدلّلْنَ الرضيعَ بمَبسمِ..


أولى بهم 


أن يمنعوه من الخَطابةِ والكرامةِ


يصفعوه على الفمِ ..


***

قُمْ يا كليمَ الشّعرِ وارحلْ 


لن تعودْ..


قد بتَّ تستجدي الوعودْ..


من لؤمهم قد أوصدوا أبوابَهم


فاتركْ جدارَ الوهمِ يسقطُ


تحتَه كنزٌ تليدْ..


لا تَحسَبنَّ البيدَ يُزهِرُ وَردُها..


والظبيَ يوماً قَدْ تدلّلُهُ الأُسُودْ..


والحيةَ الرقطاءَ قد تبغي السلامَ بلَدغِها 


وفحيحِها..


فعبيدُ شُهرتِهم أناخوا في مضاربِ حيِّنا


كم أشعروا!


كم أبحروا!


كم أصدروا 


قصصَ البطولةِ في القيامِ وفي القعودْ!


ولاّدةٌ …..قَطَعَتْ طموحَ أبي الوليدْ..


والقومُ من عَبسٍ أداروا كأسَهمْ


وتعاهدوا في سُكرِهمْ


ألا يكونَ العنترُ المقدامُ كفواً 


للأماجدِ - آلِ عبلةَ- في الخلودْ..


رغِمَت أنوفُ الحاقدين من القبيلةِ


فالفتى العبسيُّ نالَ مرادَه ببطولةٍ


والقلبُ حرَّكه الصدودْ..


وبسيفهِ وبشِعرهِ لَمَسَ الأماني السامقاتِ


وضاق بالوصفِ النشيدْ..


لكنَّما


شيبوبُ تعشقُه القيودْ...!


***

اتلُ الشهادةَ يا فؤادي 


وارتقبْ منا المَدَدْ..


ما عاد يَفْقدُنا أَحدْ..


علِّقْ حبالَ الموتِ في أعلى السقيفةْ..


واقبعْ بليلتِكَ المخيفةْ..


لم تَدْعُ صاحبةَ القطيفةْ..


إلا بحبلٍ من مَسَدْ..

***

الاسكندرية 

8/1/2022



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق