الجمعة، 9 يونيو 2023

عابر ذكريات ....(( ٢ )) بقلم د. سيرين يوسف

 عابر ذكريات ....(( ٢ ))

أفرِد ذراعيك وأخرج قدميكَ من الماء .
ماأجمل تلك العبارة ؛ على ألا تكون في وضعي حينها وأنا منتصف الماء في قناة ري جارية (( الشقة )) عرضها أربعة امتار وعمقها ثلاثة أمتار ، حين ألقى بي خالي ((علي)) بها بطريقة مرعبة؛ وأنا ابن ست سنوات فقط ؛  لكي يعلمني السباحة كما طلبت منه أمي حينها ؛ بأن يعلمنا أنا واخي الأكبر  رياض ، لما سمعَتهُ عن حالات غرقٍ لأطفال وأشخاصٍ لأنهم لايجيدون السباحة .
لم أكن حينها اجيد الركض مثل أخي الكبير ابن السبع سنوات  الذي هرب من قبضة خالي وولى هاربا بسرعة مذهلة ، فلا خالي ولا أي أحد من الموجودين إستطاع الإمساك به ؛ وحتى لو ركض وراءه سعيد عويطة حينها فلن يستطيع الإمساك به ؛ عداك عن ذلك انه قفز فوق حائط بارتفاع مترٍ وعشرين سنتمتر دون استخدام يديه ، مما أثار غضب خالي ونظر حوله فوجدني أمامه ، فمسك بي من قميصي وقام بإلقائي في القناة المذكورة بطريقة لو اني وقعت بها من تلقاء نفسي متعرضاً للغرق لما كانت بتلك السوء ، مردداً عبارة إفرد ذراعيك واخرج قدميكَ من الماء ، وستتعلم غصباً عنك . الحمد لله لم يستغرق الوقت طويلا فمن غلاوة الروح حركت قدميّ ويديّ واستطعت العوم بشكل أفضل حتى وصلت (( المورد )) وهو مكان منخفض تَرِدُ عليه النسوة للغسيل ، ثم خرجت ، ليمسكَ بي مرة اخرى ويلقيني بالقناة ، ولكن هذه المرة لم أخف وفردت ذراعي وحركت أقدامي وتعلمت السباحة بنفس اليوم .

لم يلبث الأمر طويلا حتى أصبحت سباحا استعراضياً ؛ أجيد القفز والشقلبات الهوائية ثم الغطس في الماء كما هو حال السباحين الكبار الذينَ كنا نشاهدهم على التلفاز ؛ إلى أن آتى ذاك اليوم المشؤوم .
وأنا أقوم بتلك القفزة المشهورة لي وطلباً من الموجودين الذين لم يشاهدوها بعد ، تزحلقت قدمي أثناء الوثب من على إرتفاع أربعة أمتار ، إلا أنني حولت ذاك الخطأ إلى شقلبة عكسية؛  ولكن بدلاً من أن أسقط في الماء سقطتُ على صدري وعلى جانب الطريق ؛ كم كان هذا مؤلم  جداً ؛ والأكثر إيلاماً أننا لم نكن نملك ثمن العلاج الذي دام عدة شهور ،  وأبي من طبيب لطبيب ومن مشفى لمشفى آخر ؛ فكم بكت عليّ عيون حينها ، وطلبوا لي الدعاء بأن أبقى حياً . ليأذن لي الباري بالشفاء بعد حين .
عُدت للسباحة مجدداً ؛ ولكن هذه المرة دون استعراض .

د. سيرين يوسف 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق