الأحد، 22 يناير 2023

سراب ١٠/رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس/مؤسسة الوجدان الثقافية


 سراب ١٠

بعد مكوثه لزهاء السّاعة في غرفته، تدارك سمير نفسه وأخذ محفظته وسار نحو معهده. كانت خطاه متثاقلة، وذهنه شاردا أو هو كان يحاور نفسه يسأل ويجيب ولكنّه لا يتوصّل إلى إجابة تجعله يقف على حقيقة ما جرى وما ستؤول إليه وضعيّة رفيقته. وصل إلى معهده وخطواته الّتي اعتادت على الطّريق هي الّتي أوصلته فلم يكن متناغما مع نفسه ولا مع الطّريق حتّى أنّه نسي أنّ أصدقاءه عادة ينتظرونه في نقطة ما من الطّريق ليترافقوا إلى المعهد ولم ينتبه إلى أنّهم موجودون في تلك النّقطة من الطّريق أم لا. وصل سمير إلى المعهد متأخّرا والتحق رأسا بقاعته ليجد أنّ الدّرس بدأ فاشرأبّت له الأعناق عساها تظفر بإجابة أو إجابات عن سلوكه في المدّة الأخيرة وعلاقاته الّتي أصبحت بالنّسبة لهم مشبوهة أو على الأقلّ غير مفهومة. طلب الإذن بالدّخول فقابله الأستاذ بالرّفض وأمره بأن يأتي بورقة من الإدارة تثبت غيابه وسبب تأخّره فهذه ليست المرّة الأولى. أراد صديقنا أن يفسّر للأستاذ وضعيّته لكنّ أستاذه وهو الّذي كان إلى صفّه دائما رأى أنّه أمام مسألة قانونيّة محرجة فأصرّ على أن تكون الإدارة والوليّ على علم فربّما هناك ما يعيب سمير أو ربّما هناك أمر يستدعي تدخّل الإدارة. احترم سمير موقف أستاذه وعاد أدراجه لكنّه بقي يفكّر كيف يقنع الإدارة بغيابه وبالسّبب الّذي أخفاه حتّى على أقرب المقرّبين، وانتهى إلى أنّه سيعطيهم أيّ سبب ولكن المهمّ أن لا يفشي سرّه. ذهب وقابل أحد المؤطّرين في الإدارة وأعلمه أنّه أتى متأخّرا لأنّه أحسّ بمغص بعد الغداء فاضطرّ إلى المكوث في المنزل اتّقاء لأيّ مضاعفات، وعندما شعر بتحسّن جاء للمعهد وكان وقت الدّخول قد فاته. يردّ عليه المؤطّر" لكن هذه ليست المرّة الأولى وفي هذه الحالة لا بدّ من إعلام أبويك، لذا يجب أن تأتي مصحوبا بأحدهما" حاول سمير عدّة محاولات لتمكينه من العودة إلى القسم وستكون حسب زعمه المرّة الأخيرة ، لكنّها باءت بالفشل فسلامة التّلاميذ تهمّ الإدارة والأولياء معا ولا سبيل للتّعامل مع وضعيّة الحال باستخفاف أو بعضّ النّظر. أصبح سمير أمام أمرين حارقين فالأوّل هو الدّراسة الّتي يوليها اهتماما منقطع النّظير والثّاني رغبته الملحّة في ملاقاة رفيقته والاطمئنان على سلامتها. والأمر الثّاني سبّب له مشاكل في دراسته ووجب عليه إفشاءه ليتمكّن من مواصلة الجلوس إلى مقاعد الدّراسة ودون ذلك لا يقبل في المعهد مرّة أخرى إلاّ إذا استطاع أبوه بالتّبنّي تبرير الغياب بسبب آخر. عاد سمير إلى منزله مهموما وقبل موعد عودته المعتاد ففوجئ الوليّان بذلك وراحا يسألانه ويطنبان في السّؤال فهما يريدانه متفوّقا ويعلّقان آمالا كبيرة على وصوله إلى أعلى المراتب خاصّة وأنّه أظهر قدرته عاى ذلك دائما. تحدّث سمير مع والديه وأصرّ أمامهما على مواصلة الدّراسة ممّا شجّع والديه على الوقوف إلى جانبه ولكنّهما ألزماه بتأجيل أمر التّفكير في العجوز إلى وقت لاحق وسوف يكون لهما تدبير آخر في ذلك الموضوع في الإبّان. ذهب الأب إلى إدارة المعهد وبيّن لهم أنّه على علم بتأخّر ولده ودون ذلك سوف يتابعون مع الإدارة شؤونه القادمة بأكثر حزم. اقتنعت الإدارة بأسباب غياب سمير خاصّة وأنّ والده هو الّذي أقرّ بذلك ومكّنته من بطاقة دخول أفرحته كثيرا وأعادت إليه مزاجا غاب عنه لفترة. عاد سمير إلى القسم وقدّم للأستاذ بطاقة دخول ليكون رجوعه قانونيّا وإبراء ذمّة النربّي أمام الإدارة والتّلميذ معا. أثناء الحصّة كان سمير على غير عادته بالرّغم من أنّه شارك وأبدى اهتماما وتركيزا مع الأستاذ. سأل في بعض الأحيان أسئلة خارج الدّرس، رفع إصبعه ليجيب عن أسئلة وكانت إجاباته غير صائبة وفي بعض الأحيان يرفع إصبعه ليجيب عن سؤال ثمّ يبقى صامتا إلى أن يطلب منه الأستاذ الجلوس وإعادة التّفكير في السّؤال وتحضير إجابة قبل طلب الإجابة. انتهت الحصّة وخرج التّلاميذ لكنّ الأستاذ استوقف سميرا لبعض الوقت وقال له" أنت يا سمير تلميذ مجتهد في العادة وتتائجك رائعة في جميع المواد، لاحظت عليك في المدّة الأخيرة كثرة الشّرود وعدم المبالاة أحيانا أخرى وقد تحدّث إليّ بعض الأساتذة وأشاروا إلى نفس ملاحظاتي، فهل هناك سبب صحّي أو عائليّ أو حتّى في الشّارع يقلقك ويجعلك في هذه الحالة" تلعثم سمير وظهر عليه الاضطراب ثمّ أجاب" كلّ ما في الأمر يا سيّدي أنّي أحسست بمغص ولم انتبه للوقت وأنا مستلق على فراشي" فيردّ الأستاذ" أنا لا أتكلّم عن حادثة اليوم فقط فأنت صرت تتأخّر عن الدّرس وفي القسم تبدو شارد الذّهن وأنت تعلم يا سمير كم يهمّني أمرك فإذا كان هناك ما يستوجب تدخّلي فأعلمني وستجدني بجانبك وحتّى باقي الأساتذة فهم يريدون مساعدتك إن طلبت ذلك"
يبتسم سمير ابتسامة مصطنعة ويجيب " لا يا سيّدي أنا على ما يرام وسوف أتدارك سلوكي بعد هذا اليوم فكما قلت لك لم يكن سوى مرض عابر ولن يتكرّر تأخّري أبدا". انتهى النّقاش عند هذا الحدّ بعد أن قال الأستاذ لتلميذه ستجدني إلى جانبك متى طلبتني لكن اهتمّ بدروسك ولا تعبث بمستقبلك لأجل أشياء قد تكون تافهة. ودّع سمير أستاذه المفضّل وعاد إلى المنزل بعد أن ترافق مع أصدقائه وهم متلهّفون لمعرفة مشكلته لأنهم وإن كان يقودهم الفضول فإنّهم أيضا يريدون له الخير ولما لا مساعدته على تخطّي وضعيّته إن كان هناك ما ينغّص عليه حياته.
في منتصف اللّيل تقريبا أو قبله بقليل، رجع صاحب محلّ الإعلاميّة إلى منزله وطلب من ابنه إغلاق المحلّ ولكن قبل ذلك يجب أن يتفقّد أجهزة الحاسوب وإطفائها قبل الخروج. الطّفل كان أصغر من سمير لكنّه يعرفه جيّدا وهو يدرس معه في نفس المعهد. أخذ يطفئ الأجهزة الواحد تلو الآخر بعد تفقّدها إن كانت تحوي أقراصا أو إن كانت هناك صفحات معيّنة مفتوحة...
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق