الأحد، 22 أغسطس 2021

قالت شهرزاد بقلم الكاتبة هادية آمنة

 قالت شهرزاد


أطلق عثمان سيّارته المجنونة إلى الرّيح مُشرّعا كلّ نوافذها مُبتعدا عن العَمار وِجهته واحة صغيرة بجوفها خمّارة جدرانها أعواد قصب وسُقفها عروش نخيل تنفتح على غرفة مستطيلة معتمة مدخلها باب خشبيّ أزرق يُقابله شبّاك صغير متاخم للسقف قضبانه حديديّة سميكة أُسدل عليه ستار سفساري أم كوستا السكريّ.
تغيّر اسمه من كمال إلى كوستا بعد ترحيله من ايطاليا وقد غَنِم منها ببعض الكلمات والجُمل يردّدها في فخر
كابيتو؟.... قرا تسي -
فهمتَ؟ ....شكرا
يرطن لزبائنه المخمورين فتتهيأ لهم سُبل التحليق .يشقّون عُباب البحر ويتراقصون مع شقراوات أوروبا ...
خفّ إليه كوستا مرحبّا وأشار له بالجلوس على دكّة متكئها وفراشها حصير متآكل علّمت عليه أعقاب السجائر المحترقة دوائر صغيرة
كانت الأصوات تعلو وتنخفض .لا يفهم مايقولون ولكنهم يتحدّثون يتبادلون أطراف الحديث في غمغمة قد تفصح أحيانا عن البعض من معالمها فتتصدر التوافه الحوارات التي قد تتطوّر إلى مناكفات تستوجب التدخل السريع من كوستا لفضّ النزاع ونادرا ماكان يفلح في ذلك إذ سريعا ما تحدوه تلك الرغبة العارمة في البلطجة والعراك فينتصر إلى فريق دون آخر غير مهتم بالأسباب ولا بالمسبّبات
فتنزلق القوارير وينسكب محتواها على الأرض الرمليّة وإن اشتدّ النزاع تُشْدخ الرؤوس وتسيل الدماء...
مخافة تدخّل أعوان الأمن الذي كان بينهم وبين كوستا عداء أزليّ تجاوز حدود الوطن فلعنهم بكلّ اللّغات
- هم اللّقطاء . يتتبّعون زلّاته وما أكثرها .
على طاولة يقف كوستا بعضلات جسده المستقيمة تُغذيه شعلة الانبهار بآثار جروح معاركه السابقة فيخطب بالروميّة متوعدا مهدّدا ملوّحا بقارورة كسّر عنقها أمامهم
ليُنهي خطبته بقوله
والله على ما أقول شهيد –
فتقرقر حينها الشيشة في هدوء ويُحشرج المذياع في خمول الباحث عن ذبذبات ايطاليا البعيدة القريبة
ويحتلّ الخدر الممتع المنزلق مع مرور الزمن الحواس فتتسكّع الأحلام على ضفاف الخمرة الرخيصة .
وضع أمامه قارورة الجعّة وطبق الفول المملّح,
بالفطرة كان كوستا بارعا في قراءة الأعماق يستنشق مالا يُقال
لابدّ أن شيئا ما قد حدثَ ما من عادة عثمان الانطواء.
وجد المساحة المناسبة ليركن لنفسه وما كان من طباعها الانزواء.
صوت الشيخ العفريت سحبه وزاد شجونه
الأيام كيف الرّيح في البريمة شرقي وغربي ما يدومش ديما .....-
سقط رماد سيجارته على سرواله حارقا فنفضه ثمّ كرع
فانساب المذاق الحار المرّ إلى يافوخه متصاعدا مستثيرا تلك الرغبة الجامحة إليها.
تراقص سفساري أم كوستا مفرّجا على نسمات بليلة تؤذن بحلول المساء
في مثل هذا الوقت كان ينتظر مغادرتها للمدرسة.يُعدّل أوقات رحلاته ليكون في الموعد
استقبل صورتها فشعّ فيه سرور مرير.
يستبين ملامحها في غمام ذاكرته المهزوزة.طلب من كوستا الاستزادة.
استدعت الخمرة في ذهنه ما تعلّق بها
أصبح المذاق باهتا والحواس خاملة.كَبُرت داخله فتصاغر الإحساس بالأخريات.
هل أحببتها؟-
تسير الأيام في وَهَن بعدها..
أصابته تلك اللعنة التي كَفَر بها
أصبحت تتلقى غيابه عنها بارتياح غير منكور. كابر حينها وما كان كلامها ليعدم لحظة اهتمام منه. فما كانت لتخجل من ذكر تجاربها
كانت مثله تهفو إلى المغامرة إلى الطرب والرقص
تنبسط ملتهبة لجنونه فلا يقوى على دلالها وطلباتها
بعد أداء أجمل المهام. صارت الصور هلامية مهزوزة وضبابية حاول الامساك بها ولكنّها تاهت عنه كما تاهت عارم.
ألم يقطف الثمرة ؟ فلماذا لم تنتهي بعد هضمها في قمامة النسيان كان لا يعترف بالبراءة في علاقاته وكانت هي بؤرة خبث زاخرة الامتلاء كانت مثله تهفو إلى الطرب والمغامرة بروحها وجسدها
هادية آمنة
تونس
Peut être une image de 1 personne

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق