الجمعة، 23 يوليو 2021

لوحة موغلة في الوجَع. جولة..داخل المستشفى الأكثر بياضا من العدم..! بقلم الكاتب خالد المليح تقديم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 وافانا المبدع خالد المليح الإبن البار لجهة تطاوين بهذه-اللوحة-الموغلة في الوجَع..والمستوحاة من من واقع أليم بإمكان المتلقي اكتشافه دون بذل جهد كبير..

الكاتب أبدع في تكثيف المعنى،فالألفاظ في الجملة الواحدة محدودةٌ؛مما يفسح المجالَ لظاهرة تركيبيَّة واضحة في ثنايا -اللوحة-،يمكن أن نعبِّر عنها ببلاغة الحذف "إن الكاتب يقول الكثيرَ من خلال ما لا يقوله!".
وأترك للقارئات الفضليات والقراء الكرام حرية التفاعل مع السطور التالية التي صاغها-خالد-بحبر الروح..ودم القصيدة..راجيا ممن يهمه الأمر أن يستسيغ ما يرمي إليه الكاتب..وأن يقرأ-جيدا-بين السطور
محمد المحسن
جولة..داخل المستشفى الأكثر بياضا من العدم..!
حين ولجت قدمايَ عتبةَ المستشفى الأكثر بياضا من العدم،شعرت بقشعريرة نالت من مفاصلي حد الوجَع..وها أنا الآن بارد الأطراف،مكلوم الفؤاد بما حواه المبنى من مساحات حزن تتوسع يوميا كبقعة زيت..
المشهد-هنا- يربك الجسد ويدوّخ الحواس..
ذاهل اللب والخطى ينهشني في داخلي خراب كاسح،ويتناهى إلى سمعي أنين قاهر ما فتئ يتضاءل كالرّجع البعيد.وتلك ضراوة الموت بعنفها المتوحّش الضاري..
رأيت-فيما رأيت-مصيبة الموت التي عظمها الله فعلا يوميا يتقبله شهود الزور ببرود أخرس... رأيت جدرانا بلا معنى وبسطاء يطاردون أملا بعيدا ويحتضنون أحزانهم المؤجلة إلى حين...
ربما الليلة أو الغد...أجساد أنهكها المرض واليتم والخذلان مرمية كقطط الشوارع وسط أكوام الزبالة المتكدسة في كل الغرف والممرات والزوايا..لا أحد يرعاهم هناك سوى الموت المترصد اللئيم..
لست أدري لما إستحضرت قوله تعالى "لكل إمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه"...
مات أمامي في قسم الإستعجالي أثناء عبوري منه رجل وإمرأة على مرأى من الجميع...رفضت طبيبة القسم لمسهما بحجة العدوى وحين تأكدوا من موتهم سارع عملة بلفهم وسط خرقة بيضاء محكمة الإغلاق_يبدوا أنها الوحيدة المتوفرة بأعداد لا يُخشى نفاذها وتم إلقاءهم بعيدا...
يا أيها الناس...ها هنا_كما في كل البلد_ يوزعون الموت بالمجان ويتوارون بعيدا...
وأقسم أن لا أحد سيهتم لشأنكم،فإحرصوا ما استطعتم،أو فإستعدوا لمصير من سبقهم من أحبتكم وأهاليكم...
أما نياشين الشكر والإطراء التافهة التي يوزعها البعض يوميا،فلا الزمان زمانها ولا من رأيت هم أهل لحملها...
اللحظة للمعركة..فمن قاتل فيها بشرف سيذكر بذلك في عليين...
ومن قصر وتخاذل وهم كثرة..فعند الله تجتمع الخصوم...
خالد المليح


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق